أضم صوتي إلى صوت الأستاذة مجد وأضيف أن الموضوع بطريقة طرحه قد اسقط اعتبارا هاما يتمثل بالسؤال التالي
هل يجوز أصلا بيع الأعضاء البشرية ؟
فهذا السؤال هو ما يقتضي الإجابة عليه قبل مسألة تحديد الأشخاص الممنوعين من الشراء
المبدأ الأساسي هو أنه لا يجوز التعاقد على شيء غير قابل للإتجار وفقاً للمادة 192 موجبات وعقود، التي نصت على أنه ˜باطل كل عقد يوجد أمراً لا يبيحه القانون ولا ينطبق على الآداب، والشيء الذي لا يعد مالاً بين الناس لا يجوز أن يكون موضوعاً للموجب. فجسد الإنسان وأعضاؤه غير قابلة في الأساس للتداول بين الناس، ولا تصلح بالتالي كموضوع للتعاقد. إذ إن حياة الإنسان وسلامته الشخصية هما فوق كل إتفاق، وفقاً لما ورد في المادة 139 من القانون نفسه.
لكن وبالرغم من تكريس مبدأ وضع الإنسان وجسده خارج إطار التعامل القانوني، وبسبب تطوّر الطب وعلوم الحياة خلال القرن العشرين، وُضع هذا المبدأ موضع الشك، حيث أصبح من الممكن أن ينقل الفرد ملكية أحد أجزاء جسمه أو أحد أعضائه لمصلحة الغير، خصوصاً أن هذه العملية لا تسبب ضرراً فعلياً له، ولكنها بالمقابل تشكل فائدة حقيقية للآخرين وللطب. على هذا الأساس تم تشجيع وهب الأعضاء ضمن الأصول والقواعد القانونية. فإدخال الأعضاء البشرية ضمن نطاق التعامل القانوني، لا يعني إباحة التصرّف بها من دون قيد أو شرط، لذلك وُضعت التشريعات والقوانين والأسس المنظمة لهذا التعامل وشروطه وهدفه.
تشريعات دولية وعربية
لقد تم تنظيم عدة مؤتمرات دولية تتعلق بموضوع التعامل بالأعضاء البشرية وتهدف لمحاربة الإتجار بها. وفي هذا الإطار أعلنت لجنة تعليمات جمعية نقل الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، سنة 1970، بأن بيع أعضاء المتبرّع الحي أو الميت غير مقبولة مهما كانت الظروف.
وبتاريخ 11 أيار 1978 صدر عن المجلس الأوروبي القرار رقم 29 المتعلق بتنسيق تشريعات الدول الأوروبية الأعضاء بشأن اقتطاع وزرع مواد حيوية ذات أصل إنساني. وأوجب القرار أن يكون التنازل مجانياً في كل ما يتعلق بجوهر الإنسان.
وفي العام 1985 تبنت الجمعية الطبية العالمية للصحة تصريحاً حول الإتجار بالأعضاء، أدانت بموجبه شراء وبيع الأعضاء القابلة للزرع، حيث ساد انتقال الكلى من الدول النامية الفقيرة لبيعها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. ثم تبنت هذه الجمعية تصريحاً جديداً حول نقل الأعضاء في مدريد خلال شهر تشرين الأول من العام 1988، منعت فيه أيضاً شراء وبيع الأعضاء البشرية من أجل الزرع.
وقد صدر عن الجمعية نفسها قرار آخر عام 1989 منع بموجبه استغلال البؤس والشقاء الإنساني، خصوصاً لدى الأطفال والأقليات الضعيفة الأخرى، وشجع على تطبيق المبادئ الأخلاقية التي تستنكر بيع الأعضاء البشرية من أجل الزرع. ثم شددت الجمعية نفسها على مبدأ المجانية في اجتماعها عام 1991، كما صرحت أن مبدأ المجانية لا يمنع أبداً حصول المتبرع على النفقات التي يتكبدها بسبب اقتطاع أحد أعضاء جسمه.
ونظم المجلس الأوروبي بتاريخ 16 و17 تشرين الثاني 1987 مؤتمراً لوزراء الصحة الأوروبيين بخصوص نقل الأعضاء وحظر الإتجار بالأعضاء البشرية وشدد على منع التنازل عن أي عضو بشري لدوافع مادية، سواء أكان ذلك من قِبَل منظمة أو بنك للأعضاء أو مؤسسة أم من قِبَل الأفراد. كما نصت المادة الثانية من مشروع القانون العربي الموحد لعمليات زراعة الأعضاء البشرية (المقترح من اللجنة الفنية في مجلس وزراء الصحة العرب بجلسته المنعقدة عام 1986) ، على أنه يجوز للشخص أن يتبرّع أو يوصي بأحد أعضاء جسمه. ويُشترط في المُتبرّع أو الموصي أن يكون كامل الأهلية قانوناً وأن يكون التبرّع (أو الوصية) صادراً بموجب إقرار كتابي موقع منه بذلك. كما نصت المادة الثالثة من المشروع نفسه على أنه لا يجوز نقل عضو من أعضاء الجسم إذا كان هو العضو الأساسي في الحياة، حتى ولو كان ذلك بموافقة المتبرّع.
وأكدت هذا الإتجاه مقررات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الصادرة في شباط 1998والتي جاء في أحد نصوصها "يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي الى إنسان آخر".
القانون الفرنسي
إن الإستفادة من جسم الإنسان، سواء تعلقت بالأعضاء كالكليتين أو بالأنسجة كالدم، تندرج في فرنسا ضمن تقاليد التضامن والترابط الإجتماعي للحفاظ على صحة الإنسان نفسه. لكن ذلك يفرض شروطاً قاسية ودقيقة جداً.
وقد تناول المشترع الفرنسي التبرّع بالأعضاء بموجب قوانين عدة تُعرف بقوانين الأخلاق الحيوية. واعتبرت هذه القوانين أن المجانية مبدأ عام يجب تطبيقه على كل التصرفات المتعلقة بأجزاء أو منتجات جسم الإنسان التي يسمح القانون بوهبها. وحظرت منح أي تعويض للشخص الذي يقبل إجراء التجارب على جسمه أو يقبل اقتطاع أحد عناصر جسمه أو أحد منتجاته...
وكرّس المشترع الفرنسي مبدأ عدم قابلية جسم الإنسان وعناصره لأن تكون محلاً للحقوق المالية، لكنه سمح بالتبرّع بها لمصلحة الآخرين، شرط ألا يُعرّض ذلك حياة المتبرّع للخطر، كما منع الإتفاقات المجانية المتعلقة بالإنجاب أو الحمل لصالح الغير، ومنع حصول الجراحين الذين يقومون بعمليات نقل الأعضاء وزرعها على أي أجر. لكنه سمح للمؤسسات الطبية بالحصول على تعويض عن هذه العمليات، على أن تكون حاصلة على الترخيص القانوني اللازم لممارستها. ويعتبر هذا المنع تدبيراً أخلاقياً بهدف الوقاية من كل محاولات الربح من نشاطات نقل الأعضاء وزرعها.
وسمح القانون الفرنسي بالتبرّع بالمواد التي تملك بطبيعتها إمكانية التجدد الآلي، كالشعر والدم وحليب الأم، وذلك لأهداف علاجية أو علمية، شرط ألا يكون المتبرّع قاصراً أو عديم الأهلية. كما سمح بنقل الأعضاء والأنسجة من شخص ميت لأهداف علاجية أو علمية، سواء أكان المتوفي قاصراً أم راشداً.
واشترط القانون الفرنسي الموافقة الخطية المسبقة من المتبرّع ومن المستفيد، ويمكن الرجوع عن هذه الموافقة في أي لحظة قبل إجراء العمل الجراحي من دون أية مسؤولية.
ولا يمكن للمتبرع معرفة من هو المستفيد، وكذلك لا يمكن للمستفيد معرفة من هو المتبرّع، لكن يسمح للطبيب بالحصول على هذه المعلومات عند وجود ضرورة علاجية لذلك. وذلك بهدف منع الإتجار بالأعضاء ومنع أي ابتزاز مادي قد يقع على المرضى أو على ذويهم الذين ينتظرون توفر الأعضاء اللازمة للقيام بعملية الزرع.
القانون اللبناني
وضع المشترع اللبناني القواعد القانونية التي تنظم عملية وهب الأعضاء البشرية، فقد أشارت الفقرة الثانية من المادة 192 من قانون الموجبات والعقود، الى الحالة التي يمكن أن يجاز فيها التعاقد حول مواد ممنوع التداول بها أصلاً، كأعضاء جسم الإنسان، فنصت على أن قاعدة عدم جواز وقوع موضوع العقد على أموال غير قابلة للإتجار، ذات معنى نسبي. فبعض الأموال مثلاً لا يصح أن تكون موضوع بعض المعاملات مع أنها تصح كل الصحة أن تدخل في معاملات أخرى.
ثم سمحت أحكام المرسوم الإشتراعي رقم 109 (تاريخ 16 أيلول 1983) في المادة الأولى منه، بوهب الأنسجة والأعضاء البشرية من جسم أحد الأحياء لمعالجة مرض أو جروح شخص آخر، وفقاً للشروط التالية:
أولاً: أن يكون الواهب قد أتم الثامنة عشرة من عمره.
ثانياً: أن يعاين من قبل الطبيب المكلف بإجراء العملية والذي ينبهه الى نتائج العملية وأخطارها ومحاذيرها ويتأكد من فهمه لكل ذلك.
ثالثاً: أن يوافق الواهب خطياً وبملء حريته على إجراء العملية.
رابعاً: أن يكون إعطاء الأنسجة أو الأعضاء على سبيل الهبة المجانية غير المشروطة. ولا يجوز إجراء العملية لمن لا تسمح حالته الصحية بذلك، أو في حال احتمال تهديد صحته بخطر جدي من جرّائها.
ويمكن أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية من جسد شخص ميت أو نُقِل ميتاً الى مستشفى أو مركز طبي، لمعالجة مرض أو جروح شخص آخر أو لغاية علمية، وذلك عند توفر أحد الشروط التالية:
أولاً: أن يكون المتوفي قد أوصى بذلك، بموجب وصية منظمة حسب الأصول أو بأي وثيقة خطية أخرى ثابتة.
ثانياً: أن تكون عائلة المتوفي قد وافقت على ذلك. وتتم الموافقة باسم العائلة حسب الأولويات التالية: الزوج أو الزوجة، وبحال عدم وجودهما الولد الأكبر سناً، وبحال غيابه الأصغر فالأصغر، وبحال عدم وجود الأولاد تؤخذ الموافقة من الأب، ومن الأم بحال عدم وجوب الأب.
أما في حال عدم وجود أي شخص من الأشخاص المذكورين، فيجوز للطبيب رئيس القسم في المستشفى أن يعطي الموافقة. ولا تؤخد معارضة الأقارب من غير المذكورين أعلاه بعين الإعتبار.
ويشترط في عمليات نقل وزرع الأنسجة أو الأعضاء وجود موافقة مسبقة وخطية من المستفيد من العملية. ويجوز فتح جثة المتوفي لغاية علمية، كما يجوز أثناء عملية فتح الجثة أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية من جسد الميت شرط وجود الموافقة اللازمة المشار إليها أعلاه. أما إذا كانت جثة المتوفي موضوع تحقيق قضائي، فلا يجوز أن تؤخذ منها أنسجة وأعضاء بشرية إلا بموافقة القضاء.
وفي العام 1984 صدر المرسوم التطبيقي رقم 1442 الذي ينظم أصول أخذ الأنسجة والأعضاء البشرية لحاجات طبية وعلمية. ويعتبر ميتاً، بموجب هذا المرسوم، الإنسان الذي توقفت فيه بشكل أكيد، وظائف الجهاز الدموي أو وظائف كامل الدماغ بما فيه جسر المخيخ والنخاع المستطيل. ويثبت الموت الدماغي طبيبان، على أن يكون أحدهما اختصاصياً بالأمراض العصبية، بعد أن يتأكدا من توفر شروط الموت كافة. ولا يُسمح بإجراء عمليات نقل وزرع الأنسجة والأعضاء، إلا في المستشفيات أو المراكز الطبية المصنفة من الفئة الأولى بموجب قرار يصدر عن وزير الصحة بناء على اقتراح المدير العام، وبعد الحصول على الترخيص القانوني اللازم.
ويعاقب من يخالف الشروط المذكورة بعقوبة الحبس من شهر حتى سنة وبغرامة من ثمانين ألفاً الى ثمانمئة ألف ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفقاً للمادة السابعة من المرسوم الإشتراعي رقم 109/1983.
|