اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
ANA211
التاريخ
7/9/2002 2:32:00 AM
  الاجهاض في نظر المشرع المصري      

في البداية نود آن نفرق بين المصلحة محل الحماية القانونية في جرائم القتل عنها في جرائم الإجهاض ، فالمصلحة محل الحماية القانونية في جرائم القتل تتمثل في "الحياة " و ان الحياة التي تخضع لحماية النصوص بالقتل تبدا بلحظة "الميلاد" ، اما الحياة التي تسبق هذه المرحلة فلا تحميها نصوص القانون الخاصة بالقتل ، و إنما تحميها تلك النصوص الخاصة بالإجهاض " إسقاط الحوامل "

فالإجهاض آذن عدوان على مصلحة الحياة قبل الميلاد . أي عدوان على بقاء الجنين مستكنا في الرحم ، و قطع الصلة بينه وبين جسم أمه و ذلك بإخراجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته(1)

و لقد خص الشارع هذه المصلحة بالحماية في المواد من 260 آلي 264 من قانون العقوبات ، ونوع العقوبات المقررة لهذه الجرائم آخذا بمعيارين : الأول يتعلق ( بوسيلة الإجهاض) ، و الثاني راجع آلي صفة الجاني .

حجم المشكلة في مصر :
و للتعرف على حجم المشكلة ، و خصائصها في مصر ، و بالرغم من آن الوصول إلى ذلك أمر بالغ الصعوبة ، خاصة إذا كانت
-------------
(1) د. جلال ثروت ( نظم القسم الخاص)ج3 جرائم الإجهاض ص7
غايتنا تكوين معلومة دقيقة ، تليق بان تكون محل بحث علمي ، و ليس مجرد كلام مرسل قد يقترب من الحقيقة و قد يبتعد عنها . و مرجع الصعوبة لتحقيق ذلك هو أن مصر تنتمي لمجموعة الدول التي تحرم الإجهاض ، و تتعامل مع مرتكبيه بشدة من خلال النصوص . و لكن الواقع شيء آخر ، إذ لا يوجد في نصوص القوانين ، نص واحد ، يبيح الإجهاض ، حتى الحالة التي درجت عليها غالبية التشريعات الحديثة على إباحة الإجهاض ، حال توافرها ، و هي السماح بالإجهاض عند تعرض حياة الأم أو صحتها البدنية ، و النفسية للخطر ، لا يوجد لها نص صريح و أنها اتفق الفقه ، و استقر على إجازة الإجهاض ، إذا كان الحمل يتضمن خطرا يتهدد الأم في حياتها ، أو صحتها تهديدا جسيما . و كان الإسقاط هو الطريقة الوحيدة لدفع هذا الخطر و لم يكن للجاني دخل في حلوله . فهنا تمتنع مسئولية الفاعل طبقا للمبادئ العامة و لتوافر حالة الضرورة ، كما تتطلبها المادة 61 عقوبات و بالرغم من ذلك فان الدراسات و الأبحاث التي تناولت موضوع الإجهاض جميعا – و بلا استثناء – تؤكد لنا أن الإجهاض منتشر في مصر . كما هو منتشر بذات الدرجة في بلاد العالم . و أن السيدات يذهبن إلى العيادات السرية ، حيث يقوم طبيب متخصص ، أو غير متخصص ، بإجراء العملية . و غالبا ما يكون ذلك بدون تخدير ، أو مراعاة للاشتراطات الصحية الواجب توافرها عند إجراء تلك العمليات .(1)
----------------
(1) د. مصطفى عبد الفتاح ( جريمة الإجهاض) رسالة .. ص129
و يشير د. ماهر مهران (1) إلى أن كثيرا من تلك العمليات يترتب عليها مضاعفات خطيرة. فإذا ما عادت المرأة إلى الطبيب تنكر لها ، فهو يعلم انه أمام متاعب ما بعد إتمام الجريمة . و هنا نجد المرأة نفسها و قد وقفت وحيدة تواجه خطر الموت .

و قد تلجا المرأة لإسقاط حملها إلى استعمال وسائل عنيفة على جسدها ، كالقفز من فوق سرير مرتفع ، أو الضغط على بطنها بأوزان ثقيلة ، أو تقوم بإدخال أجسام غريبة داخل الرحم ، مثل ابره التريكو ، أو عود الملوخية . و مضاعفات ذلك التهابات عنيفة بالرحم و أخطار تصل إلى حد الموت . وقد تلجا المرأة الحامل إلى الداية ، أو إحدى الممرضات اللاتي غالبا ما يستخدمن ما يسمى بالقسطرة ، مع ما في ذلك من خطر أكيد .

و من هذا العرض يتبين لنا أن الكثير من حالات الإجهاض تتم في جو من السرية ، و بعيدا عن السجلات و التدوين . الأمر الذي يترتب عليه صعوبة وضع إحصاءات دقيقة ، و أن وضعت ، فهي إلى حد كبير لا تعبر عن الحقيقة كاملة . (2)
---------------
(1) أستاذ و رئيس قسم أمراض النساء و الولادة " طب عين شمس "
(2) د . مصطفى عبد الفتاح – المرجع السابق – ص130



فالحقيقة- كما يقرر كثير من الأطباء العاملين في حقل أمراض النساء و الولادة – أنها اكثر بشاعة مما تشير إليه الأرقام الواردة في الإحصائيات المتداولة .

فلقد استطاع الأطباء بحكم عملهم أن يقتربوا من المشكلة . و يتعرفوا على أبعادها و من خلال الأسئلة الخاصة الموجهة لمن يترددن على أقسام الولادة بالمستشفيات العامة ، و سؤالهم عن عدد مرات الحمل ، و عدد مرات الإنجاب سواء عاش الطفل أو توفي ، فانه ومن خلال تجميع تلك المعلومات . يمكن وضع تقدير مبدئي لحالات الإجهاض التلقائي و المتعمد .

و من تلك التقديرات ما قام به د. صلاح كريم . أستاذ أمراض النساء و الولادة بكلية الطب – جامعة القاهرة . حيث أشار في بحث له آن ثلث الحالات التي تدخل قسم الولادة هي حالات إجهاض أكثرها إجهاض متعمد

و من بحث أجراه د. صادق فوده (1) على عينات من الريف و الحضر المترددات على العيادات الخاصة و المستشفيات ، تبين له أن حوالي 20% من حالات الحمل في مصر تنتهي بالإجهاض، كما
-------------------
(1) أستاذ نساء و ولادة بكلية الطب – جامعة القاهرة .

أوضحت النتائج – في هذه الدراسة – أن متوسط عدد حالات الإجهاض المتعمد إلى عدد الأطفال المولودين تكاد تكو ن
20:1 ، و بالنسبة لعينة المترددات على المستشفى و كذلك العينة التي تسكن الحضر ، و تشمل النتائج 75:1 في عينة الريف ، 30:1 في عينة المترددات على عيادات خاصة في المدن ، و يعني ذلك أن 18% من المترددات على العيادات الخاصة اجرين إجهاضا عمديا(!) .

و الواقع أن موضوع الإجهاض يعد من أحد الموضوعات الحيوية و الهامة التي تمس كيان المجتمع بأسره ، و لذا فقد تناولته أقلام الأطباء و المفكرين و رجال الدين من خلال تعرضهم لموضوع تحديد النسل ، فنظر كل منهم إلى الإجهاض من ناحية تخصصه ثم أدلى برأيه .

فبحثه الأطباء على هدي فرص النجاح في تنفيذه لو قدر و اخذ برأي من يقول بتحديد النسل بطريقة الإجهاض ، و هم يروون أن عملية الإجهاض تعرض حياة الأنثى لخطر إزهاق الروح ، حتى ولو كان من يقوم بها على علم كاف بالتشريح الخاص بالأعضاء التناسلية و قد توفرت لديه كل المعدات اللازمة ، لان تحمل الأنثى لهذه العملية يتوقف على مالها من قدرة صحية و جسمانية ، الأمر الذي يوجب الاحتياط لحياتها ، و لعدم إتلاف أعضائها التناسلية ، و ذلك بعدم مباشرة الإجهاض إلا في حالة الضرورة القصوى(1)

كما عني المفكرون بموضوع الإجهاض من حيث كونه دراسة لظاهرة اجتماعية تستأهل البحث ، إذ فيما ينتهي إليه الرأي اكبر الأثر في تكوين الجماعة .

أما رجال الدين فقد وضعوا الإجهاض تحت مقياس التحريم و التحليل و درسوا مختلف الفروض التي تعرض بشأنه . (2)

و لما كان لا يوجد تشريع يقر عدم العقاب على الإجهاض مطلقا ، فقد حق لرجال الفقه الجنائي بدورهم أن يجعلوه موضعا لبحثهم ، إذ فيما ينتهي إليه الرأي – من حيث إجازته أو تجريمه – اكبر الأثر فيما قد يحدث من تغييرات في نظرة المشرع الجنائي للإجهاض بمختلف البلاد .



-----------------
(1) د. محمد احمد سليمان " أصول الطب الشرعي و علم السموم " ط2 ، ص262 .
(2) أ.د. محمد سلام مدكور،نظرة الإسلام إلى تنظيم الأسرة ص87

أهمية البحث :
الواقع انه إذا كان سبق أن بينا بان لهذا البحث أهميته في نطاق القانون الجنائي على أساس انه لا يوجد تشريع يقر عدم العقاب على الإجهاض مطلقا ، ومن ثم فقد حق لرجال الفقه الجنائي بدورهم أن يجعلوه موضعا لبحثهم ، إلا أن هذه الأهمية لا تبرز في نطاق القانون الجنائي فحسب ، و لكن أيضا في نطاق القوانين المنظمة لمهنتي الطب و التوليد ، و الشريعة الإسلامية.

كما تبدو أهمية هذا البحث في أن ما يقوم به الأطباء من أعمال مهنتهم ، عملية الإجهاض ، لذلك فهم في حالة ماسة لمعرفة الحالات التي يسمح فيها القانون لهم بإجراء هذه العملية دون أن يخضعوا لطائلة قانون العقوبات ،لا سيما أن المشرع قد جرم الأفعال التي يترتب عليها إسقاط الحوامل بصفة عامة ، و شدد العقاب إذا كان محدث الفعل طبيبا أو من في حكمه .

و فضلا عما تقدم فان أهمية البحث تبرز الآن في ظل التقدم العلمي الهائل في مجال العلوم الطبية و الذي توصل إلى إمكانية إتمام عملية تلقيح بويضة الأنثى في أنبوبة خارج الرحم ثم إعادتها إليه لتنمو طبيعيا و تتطور إلى أن تتم ولادة الطفل ، و هو ما يعرف علميا بطفل الأنبوبة .

.فليس هناك من شك في أن هذا العمل الطبي الحديث قد أثار مشكلة جديدة في البحث القانوني لجريمة الإجهاض ، إذ ما الحكم إذا تم إتلاف البويضة الملقحة قبل زرعها في رحم الأم ، عمدا أو عن طريق الخطأ ؟ و بعبارة أخرى هل يعتبر إتلاف البويضة الملقحة في حالة طفل الأنبوبة يعد إجهاضا ؟(


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1605 / عدد الاعضاء 62