اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
ثروت الخرباوي
التاريخ
6/18/2006 3:19:05 PM
  دراسة فى عبقرية الإنسان ( نبيل الهلالى قديس الحركة الوطنية )      

دراسة فى عبقرية الإنسان

 

نبيــل الهـــلالــى

 

قديس الحركة الوطنية

 

كنا فى أحد أيام شتاء النصف الأول من الثمانينات من القرن الماضى وكانت قاعة المحكمة مكتظة بروادها ، ورغم برودة الجو إلا أن الإزدحام الشديد أشاع حالة من الدفء داخل القاعة ، وعندما جلست فى الصف الأول بجانب نفر من زملائى أخذت أجول ببصرى أبحث عن أحمد نبيل الهلالى ذلك المحامى الفذ العملاق والذى كان من المقدور أن يترافع فى هذا اليوم فى إحدى القضايا الهامة التى شغلت الرأى العام والمتعلقة بمجموعة من المنتسبين للحركة الإسلامية ، وكان كل الذى يدور فى مخيلتى آنذاك هو أنه كيف لرجل نشأ فى كنف الحركة الشيوعية المصرية حتى أنه أصبح رمزاً من رموزها وعلماً من أعلامها كيف له أن يقف اليوم مدافعاً ومترافعاً عن فريق يعد من أكثر الإسلاميين تطرفاً ، وكان وجه العجب الذى إعترانى وملأ جوانحى هو تاريخ هذا الرجل الغريب الذى كنت أعتبره أعجوبة من الأعاجيب ذلك أن أحمد نبيل الهلالى كان إبناً لنجيب الهلالى باشا الذى كان رئيساً للوزراء فى مصر قبل الثورة ، ليس هذا فحسب ولكن أباه أيضاً كان أحد الرموز الرأسمالية إبان ذلك العهد وكان البعض يصنفه كأحد كبار الإقطاعيين حيث كان يمتلك آلاف الأفدنة الزراعية والتى كانت هى مقياس الثروة فى مصر وقتها ، ورغم أن هذا الإبن – الذى لم يستلفت فى صغره نظر أحد – كان قد شب عن الطوق بين جنبات قصر أبيه يلتف من حوله الخدم ويستجيب لرغباته الجميع ، إلا أن أحداً لم ينتبه إلى أن حالة الصمت التى كانت تلازمه ما هى إلا لحظات تأمل يغوص خلالها فى أفكار ورؤى تستعصى على كبار المفكرين ، وأشد ما كان يقض مضجع هذا الصبى هو ذلك التفاوت الرهيب بين أصحاب الثروة والسلطة وبين هؤلاء الفقراء البسطاء الذين تموج بهم الحياة من حوله فى مصر ، ولطالما أصابته العديد من الأمراض فى طفولته الباكرة ولكأنما كان هذا الجسد النحيل يرفض الظلم الإجتماعى الصارخ الذى كان – ومازال – سمة من سمات الحياة المصرية.

 

لم ينتبه الأب السياسى الداهية الذى وصل إلى أعلى المواقع السياسية فى مصر إلى أن إبنه سيسير حتماً فى طريق مختلف وسيظل عمره كله يحمل بين جوانحه آلام هؤلاء الفقراء الحفاة العراة الذى يقتاتون الفتات ويكتسون الأثمال البالية ، وفى كلية الحقوق كان الطريق الآخر الذى إختاره أحمد نبيل الهلالى طريق الكفاح والجهاد من أجل الفقراء ومن أجل طبقة العمال الكادحين ، ونفذ الهلالى إلى عمق الحركة الشيوعية المصرية مجاهداً ومفكراً ومنظراً وحركياً... ومن أجل مبادئه عرفته حوائط السجون القاحلة المظلمة الكئيبة حيث زج به خلف قضبانها فى كل عصور الحكم فى مصر بدءاً من عهد فاروق وحتى أحداث سبتمبر 1981 ، ولم يكن من المستغرب أن يطلق عليه الجميع لقب "قديس الحركة الوطنية فى مصر" فقد درج منذ نعومة أظفاره على قيم ومبادئ قلما توافرت فى رجل واحد ، فمع نسبه الرفيع وسلطة أبيه إلا أنه كان قمة فى البساطة والتواضع وكأنه خرج من بيت ريفى فقير ولم يخرج من قصر عصرى مشيد ، وكأنه كان إبناً لعامل أو فلاح بسيط ولم يكن إبناً لرئيس الوزراء الإقطاعى ، ولذلك لم يأخذ العجب رفقاءه حينما تنازل عن الثروة التى آلت إليه من أبيه ، فمثل هذا الرجل لم يخلق لكى يكتنز أو ينفق ولكنه خلق لكى يجاهر بنصرة مبادئه التى آمن بها ، فلم ينافق أو يتنازل ، ولم يفرط فى مبادئه ولم يبخل طوال عمره مع تلاميذه ولم يبع أصحابه كما فعل الآخرون ، وكان مكتبه مفتوحاً لجميع الفقراء مجاناً حيث كان يترافع وينافح عن حقوق العمال بلا أتعاب بل ودون حتى أن يتقاضى مصاريف الدعوى ، كان هذا الرجل صادقاً وصدوقاً ظاهره كباطنه ومظهره كمخبره.

 

كانت هذه هى كل الأفكار التى إعترتنى وأنا جالس فى الصف الأول من قاعة محكمة جنايات القاهرة منتظراً تلك اللحظة التى ألمح فيها هذا المحامى الشهير عندما يتقدم ليترافع عن إسلاميين متشددين.

 

وعندما نودى على القضية إذا بى أفاجئ برجل نحيل يأتى من آخر القاعة مسرعاً لكى يقف أمام المحكمة ... يا الله!!!  لقد كان هذا الرجل هو أحد الجالسين فى الصف الأخير منكباً على أوراقه فى دأب وإهتمام ولم أعرف وقتها أنه هو أحمد نبيل الهلالى إذ كان يرتدى تحت روب المحاماه معطفه الشهير الذى يشهد على زهده وتعففه عن مغانم الحياة الدنيا ومباهجها.

 

وكانت مرافعة الهلالى فى هذه القضية من أروع مرافعاته وأعظم مواقفه التى ذاد فيها عن حرية الإنسان فى أن يعتقد ما يشاء وأن يعبر عما يشاء ، وقد صب جام مرافعته على من أهدر حقوق الإنسان فى مصر وأضاع أدمية بنيها ، ورغم نحول جسد الهلالى إلا أنه أمام الجميع كان عملاقاً هصوراً يصول ويجول فى الدفاع ، وكأن المحاماه ما خلقت إلا له ، وكأن القانون كالخاتم بين أصبعه يحركه كيف يشاء.

 

ومن وقتها نشأت بينى وبين هذا العملاق أحمد نبيل الهلالى علاقة حميمية رغم إختلاف التوجهات الفكرية ورغم إختلاف الأجيال والأعمار ... وفى كل الأوقات كان مكتب الهلالى مفتوحاً لكل أصحاب التوجهات السياسية ، بل كان مكتبه هو الذى جمعنا يوم أن بدأنا فى معركتنا ضد الحراسة القضائية التى فرضت على نقابة المحامين ، وقد عرفته مصر نقابياً متفرداً وعضواً فى مجلس نقابة المحامين عبر عهود مختلفة إلى أن آثر الإبتعاد عن عضوية مجلس نقابة المحامين باختياره التام إيماناً منه بحتمية أن يخلى مكانه لجيل جديد فأعطى الهلالى بذلك مثلاً للجميع بالإيثار والتجرد ، ويوم أن ماتت زوجته ورفيقة عمره وكفاحه شعرت أن جسده النحيل الضعيف يحمل قلبا رقيقا شفافاً , وأحسست أن كيانه بدأ يهفوا للقاء زوجته وكأنه مل وضجر من هذه الحياة , وبالرغم من ذلك كانت إبتسامته الرقيقة الحانية تغمرنا جميعا وتظلل علينا ... رحم الله أحمد نبيل الهلالى فقد مات وتركنا.

 

ثروت الخرباوى

 

 


  قناوى    عدد المشاركات   >>  15              التاريخ   >>  19/6/2006



رائعة منك

ورائعة الية

فأنت واحد من المحسوبين على التيار الاسلامي ، وهو رمز من رموز الحركة الإشتراكية في مصر لكن الحقيقية حقيقة هذا الرجل لاتترك لأحد مجال الا ان يكبرة ويجلة ، فلقد عرفتة منذ عشرين عاماً وأشهد انة منذ سلامي الاول علية وسلامي الاخير علية رغم توطد علاقتى بة لايفرق فهو فى الاولى كان المتواضع البسيط وهو  في الاخيرة كان ذاتة المتواضع الخجول رغم انة كان يخجلنا جمعياً فلاموقف الا كان فية الاول ولاقضية الاكان فيها الاول حتى الاسلاميين الموصفيين بالتشدد كانوا يجلونة ويهرعون الية في قضاياهم وكان الاول لديهم لم يبحث مرة عن مغنم أو مكسب حتى عندما يختار مقاعدة بين الناس كان يجلس في الخلف في الوراء منهمكاً فيما دعى من أجلة

مات هذا الرجل العظيم وظنى ان مثلة في واقعنا قد يكون مستحيلاً لكنى قناعتى انة ترك تلاميذ وابناء يحاولون جهدهم التمثل بة في خلقة وقيمة وإنشاء الله هم عزاؤنا فية

تحية اليك يا من اخجلتنا  حياً واخجلتنا ميتاً وقد كنت تأمل وتريد وتسعي نحو دولة عدالة ومت ولم توجد هذه الدولة ولكن حلمك باق في كل المؤمنيين بالعدالة والحق والحرية .

رحمك الله رحمة واسعة


أحمد قناوي

المحامى


  الوسط    عدد المشاركات   >>  10              التاريخ   >>  19/6/2006



استاذى ورفيقى ثروت لقد بكيت الهلالى مرتين الاولى عندما سمعت نبأ رحيله والثانيه عندما قرأت كلماتك فيه وهو بحق ممن يستحقون ان تبكيهم الاعين وتذكرهم العقول وترددهم الالسن وتنعيهم القلوب000 والعبد اذا ماتت امه نادى منادى من قبل الحق ياعبدى لقد ماتت التى كنا نكرمك من اجلها فاعمل صالحا نكرمك من اجله وندائى الى اليسار المصرى لقد مات الذى كنا نكرمك من اجله فاعمل صالحا نكرمك من اجله00 عاطف عواد المحامى



  الوسط    عدد المشاركات   >>  10              التاريخ   >>  21/6/2006



اعتقد ان نبيل الهلالى ليس رمزا لليسار المصرى بقدر ما كان رمزا للحريه والوطنيه المصريه ...عاطف عواد المحامى



  ثروت الخرباوي    عدد المشاركات   >>  27              التاريخ   >>  25/6/2006



الصديق العزيز أحمد قناوى

منذ زمن لم نكن نفهم أن إختلافنا فى الرأى ينبغى أن يكون إختلاف تنوع لا إختلاف تضاد ، ولم نكن نفهم أن إختلافاتنا ينبغى أن تنصهر فى بوتقة واحدة لتخرج لنا معدناً فريداً نبنى به سوياً مستقبل وطننا.

كنا نتخندق فى خنادقنا الفكرية ونعتقد أننا تملكنا الصواب كله وكنا أيضاً نلقى حجارة التكفير أو التخوين على من إختلف معنا ونقول بعد أن نمصمص شفاهنا من الحسرة "ربنا يهديه" أو يقول البعض الآخر وهو يتلفت يميناً ويساراً فى حذر ... إحذروا من هذا الشخص فهو عميل للأمن ، وأظن أننا تجاوزنا مرحلة المراهقة الفكرية والحركية ولكن بعضنا الآخر مازال غارقاً ومستغرقاً فى مراهقته ورعونته .... وكان أحمد نبيل الهلالى رحمه الله أحد الشخصيات الجامعة التى اتفق عليها الجميع ... ولكننى فى زمن من الأزمنة - وهذا اعتراف صريح منى - كنت أنظر إليه أنا وفريق كبير من أصدقائى نظرة تعالى وتكفير وكنت أرثى له وأشفق عليه لأنه آمن بطريق للإصلاح غير الطريق الذى آمنت به ، لذلك سارعت بكتابة هذه المقالة حتى أقول للجميع أنظروا إلى هذا السلوك الرائع من هذا الرجل المتجرد إنه أرقى وأعظم من كثير من الناس تشدقوا بالحل الإسلامى ورفعوا راية الإسلام ثم أساءوا إليه ، إن قلامة ظفر هذا الرجل برؤوس بعضهم.

الصديق العزيز ورفيق الدرب عاطف عواد

عهدتك رجلاً نادراً صريحاً مجاهراً بالحق ... وفى غمرة الأحداث تركتنى وسافرت وإذا بى ألتفت يميناً ويساراً فلا أجد رجالاً .... فهلا عدت يا رجل نحن فى إنتظارك



  لؤي    عدد المشاركات   >>  138              التاريخ   >>  25/6/2006



رحم الله الفقيد حتى فى مماته فانه يرسخ حوارا حضاريا بين الاستاذ الخرباوى والاستاذ قناوى فكم انا سعيد بهذ الرقى التحاورى

وفقكم الله وادام عليكم هذا الود الحضارى


الدكتور لؤى ديب


  اسعد هيكل    عدد المشاركات   >>  68              التاريخ   >>  26/6/2006



الاستاذالفاضل/ ثروت الخرباوي

    تمنيت ان تقر عيني برؤية هذا الرجل فأن سماعي او رؤيتي لكلمة الحريه امر تنتبه له حواسي و تتأجج له مشاعري.. فما بالك عنيدي حين تنعطف تلك الكلمه الجميله و تتعانق مع احد فرسانها.

    عزائي فيه رحمه الله و في كل من اخلص لها و في كل من يناضل من اجلها ان هناك امل معقود وفجر قادم لا محاله فأن الظلام لابد ان يعقبه نور .

    شكرا لك علي ما كتبت واعلمت و عزائي الاخير بعد رحيل هذا الرجل في رجال تمتليء بهم بلادنا نحسبك احدهم يحملون راية الحريه يطعمون صغارهم حبها و يسقون شبابهم عشقها و يوصون رجالهم التضحيه و الكفاح من اجلها .



  وحيد    عدد المشاركات   >>  6              التاريخ   >>  28/6/2006



من معسكر ابن الباشا إلى خيمة ابن الشعب

    فليضع كل منا زهرة على قبره

عبدالعال الباقوري

العربى 25 يونيو

أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه الرجل الذى أعاد الاعتبار والاحترام إلى كلمة شيوعى التى تعرضت ولاتزال إلى حملة تشويه متعمدة. ذلكم هو أحمد نبيل الهلالى الذى انتقل ببساطة وهدوء، ودون صخب أو ضجيج من معسكر ابن الباشا إلى خيمة ابن الشعب، وهو اللقب الذى سيظل محفوظا له عن جدارة واستحقاق وعلى مدى أجيال، لأن الشعوب لا تسقط أبناءها من ذاكرتها بسرعة، بل تحتفظ بهم، وترعاهم وتحنو وتحن إليهم. وهو حيا وميتا أهل لذلك.
كنت مع الصديقين العزيزين الدكتور رءوف عباس والأستاذ أحمد غزلان من آخر زواره فى مساء السبت قبل الماضى. ترددت كثيرا فى القيام بواجب زيارته لحالة نفسية تتعلق بالمستشفى الذى كان يعالج فيه. وحين صافحت يده، لم أتردد فى الانحناء لتقبيلها، وهذا مسلك لم أسلكه بعد أبى وجدى رحمهما الله إلا مع أستاذى ومعلمى وابن الشعب أيضا محمد عودة.. جلسنا نحن الثلاثة معه فإذا به كعادته مهموم بقضايا الناس وأحوالهم، ومتابع لها من سرير المرض. أشفقنا عليه من كثرة الكلام، وعندما ودعناه قبلت جبينه.
لم أكن أعرف أن هذه قبلة الوداع الأخير. وحين تلقيت فى صباح الأحد الماضى نبأ الرحيل تساقطت دموع لم أستطع أن أكفكفها.
على باب مسجد عمر مكرم حيث كنا نتلقى العزاء قال لى الأستاذ الدكتور صلاح صادق وعيونه بحر دموع: عندنا مثل فى الشرقية، وقبل أن يكمل قلت وعندنا أيضا فى الصعيد واستغرب أنى رددت المثل الذى كان ينوى أن يقوله: ما يعقد على المداود إلى شر البقر.. وأضفت هذه سنة الحياة يا دكتور.
وفى الميكروباص الذى أقلنا بعد أن وارينا جسده الطاهر التراب، وبعد أن شهد الوداع الحزين الحاشد، سألنى السائق: لا مؤاخذة يا بيه دى جنازة مين. أجبت: لا أدرى ماذا أقول لك. إنها جنازة ابن رئيس وزراء مصر الذى تبرع بأرضه للفلاحين، وتفرغ للدفاع عن المظلومين، وكان يستطيع أن يركب أحدث وأغلى سيارة فى الدنيا، ولكنه أبى إلا أن تكون لديه أصغر وأرخص سيارة.. قبل أن أضيف قال السائق: موش ده المحامى نبيل الهلالى. أجبت: نعم، ومضيت أروى للسائق الملتحى بعض فضائل وشمائل الراحل الكريم، فقال الرجل: هوّا لسه فى بلدنا ناس بالشكل ده؟ قلت نعم وبلدنا بخير وشعبنا بخير - رغم كل شيء - مادام يخرج من صفوفه من صلبه نبيل الهلالى وأمثاله، ممن يصدق عليهم وصف أنه رجل من طراز خاص أو فريد، وهو الإنسان النموذج أو الإنسان الكامل، الذى لا يتكرر كثيرا فى مجاله، ومثل هذا الإنسان قد تصنعه الظروف ولكن يبدو أنه من طينة خاصة، طينة تجعله ميسرا لما خلق له من عطاء دون منً أو أذي، ومن تسامح بلا حدود، ومن تواضع دون تكلف، ومن بساطة دون افتعال، ومن حب دون ذرة من كراهية، ومن عمل دون تعب، ومن خدمة للناس - كل الناس - دون مقابل، ولذلك فإنه لو أقسم على الشعب لأبره.
تستوقفنى النماذج البشرية فى الحياة، وفى الفن والرواية والسينما، ولكنى لا أظن أنى رأيت فى حياتى سوى نبيل هلالي، واحدا ووحيداً تفرده هذا كان يحيرنى كثيراً، ويجعلنى أتساءل من أين له وهو الضعيف البنية كل هذا القدرة على العمل والعطاء؟ من أى معين يستقى هذه القدرات الخلاقة؟ إنه معين الشعب الذى آمن به، وعمل من أجله، لذلك احتضنه أبناء شعبه حبا وودا وإخلاصاً تجلى فى مشاركة كل القوى السياسية فى حنازته وحزائه، كيف لا؟ وهو رجل عرفته ساحات المحاكم مدافعاً عمن يختلف معهم فى الرأى والاجتهاد مثل دفاعه عمن يتفق معهم.
وكان يفعل هذا تطوعاًَ، ودون انتظار لمن يدعوه أو ينبهه إلى هذا. قال أحد الذين اختلفوا معه ذات يوم من طوائف اليسار إنه فوجئ بأنه كان على رأس المدافعين عنه حين ألقى القبض عليه فى إحدى القضايا، وقال: كان هذا آخر ما يخطر على البال!
ومع ذلك، فإن إنساناً بهذه الصفات وبهذا القدر استنفد فى كثير من خلافات طوائف اليسار الفرعية والجانبية والشخصية، كيف وهو بكل هذه الصفات الجميلة والرفيعة ترك نفسه ينساق إلى هذا؟ لو أنه نجا من هذا المطب لقدم أكثر وأروع مما قدم، ولكن هكذا شاء الله وشاءت الظروف، ولعل فى هذا درساً لكل من يريد أن يتعلم، وينجو بنفسه من السقوط فى حبائل الآخرين ويسمو فوق الصغائر.. وكم كنت أتمنى لو امتد به العمرو لأنه كان يريد أن يبدأ من جديد ومن الأول بداية أساسها وأصلها وحدة اليسار، وقد كان الأقدر - لو ترك لنفسه - لأن يفعل هذا.. ولو هنا - وفى جميع الحالات - عرف امتناع لامتناع، امتناع الجواب لامتناع الشرط كما يقول أهل النحو.
فى السنوات الثلاث الأخيرة اقترب منه كما لم يحدث منذ سمعت اسمه لأول مرة فى أواخر خمسينيات القرن الماضي، ومنذ لقيته لأول مرة فى أواخر الستينيات كان هذا - فيما أذكر - فى صحبة نبيل آخر، هو الصديق جلال السيد الذى كان يضع الهلالى فى المكانة التى يستحقها، وكان يقول عنه إنه المثقف الثانى فى تاريخ مصر الحديث بعد عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية، الذى لم يقترب من السلطان، بل ألقى بنفسه فى حضن الشعب، أما الآخرون - كل الآخرين- فإنهم فى انتظار السلطان، يسعون إليه أو ينتظرون نظرة منه.
وقد كان الهلالى - فى حدود معرفتى به - مثل النديم فعلاً لا يناور ولا يداور ولا يقبل أنصاف الحلول بل يعرف الخط المستقيم، ويكره شعرة معاوية، وكان معاوية هو بانى الدولة ولكن عليا رضى الله عنه كان إمام مدرسة الاستقامة والخلق الرفيع، ويبدو أن هذا فى السياسة لا يجدى كثيراً، من يعمل فى السياسة ويريد أن ينجح لابد أن يجيد فنون المداورة والمناورة والمخادعة والضرب من الخلف، وقول الشيء وعكسه، فى وقت واحد، ولم يكن لديه - رحمه الله - شيء من ذلك. وفى السياسة وفى الحياة يبدو أننا ككل أمام نموذجين: نبيل الهلالى و نقيضه، وفى التاريخ السياسى لايزال النقيض - حتى هذه اللحظة - هو الذى يربح ويكسب ويلتف حوله الأزلام والمنتفعون له: بالروح بالدم نفديك، هذا فى وجهه وفى حضوره ولكن من وراء ظهره يتناولونه بألسنة حداد، ويقولون فيه ما قاله مالك رضى الله عنه فى الخمر، نبيل الهلالى نقيض ذلك، مادحوه من خلف ظهره أكثر كثيراً ممن كانوا يقولون له كلمة مديح فى وجهه، ولكنه كان يعف عن هذا وذلك، كان فى غنى عنه، ولعل هذا الولاء بلا مقابل كان واضحاً فى جنازته وفى العزاء.. وسيظل باقيا وملازماً لذكره.
فى رمضان الماضي، كان لى شرف المشاركة مع أصدقاء أعزاء فى إقامة حفل بسيط وإفطار أكثر بساطة لتكريمه، لم تشملهم الدعوة للحضور.. وكثيرون حضروا دون دعوة - فهل تكريم نبيل الهلالى يحتاج إلى دعوة؟
واليوم ومع رحيله أتمنى مع الأصدقاء والأعزاء أنفسهم ومع من يشاء أن نضع زهرة على قبره، بأن نجمع كل ما كتب من كتب ومقالات ومرافعات ونصدرها فى كتاب يكون عونا لنا فى احتمال فراقه، ويكون درساً لكل من يحتاج بأن الذكرى للإنسان عمر ثانٍ.
رحمه الله.. ورحمنا


  ثروت الخرباوي    عدد المشاركات   >>  27              التاريخ   >>  30/6/2006



الاستاذ العزيز لؤي .... شكرا لك ياعزيزي على كلماتك الطيبة الفاهمة الواعية

الأستاذ الفاضل أسعدهيكل... مازالت مصر رغم العقم ... ولادة ... وهذا هو ما يقلق الطغاة .. وسترى فى مستقبل الأيام إن شاء الله رجالا تهتز منهم عروش الظالمين

الأستاذ الفاضل وحيد ... شكرا للإضافة القيمة



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3368 / عدد الاعضاء 62