اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
محمد شلبي
التاريخ
12/4/2005 12:39:19 AM
  هذه هي حقيقة جمال عبد الناصر      

ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .

كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة .

جمال عبد الناصر فى المرحلة الابتدائية:

التحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه في عامي ١٩٢٣ ، ١٩٢٤ .

وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداى تايمز" – ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين ".

وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية .

جمال عبد الناصر فى المرحلة الثانوية:

عبد الناصر اثناء دراسته فى مدرسة حلوان الثانوية

التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .

 

وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.

ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.

ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات؛ حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وإني لأذكر أنى – في محاولة يائسة – ألقيت حجراً، لكنهم أدركونا في لمح البصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية.

ولما كنت في قسم البوليس، وأخذوا يعالجون جراح رأسي؛ سألت عن سبب المظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت للاحتجاج على سياسة الحكومة.

وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب". (حديث عبد الناصر مع "دافيد مورجان" مندوب "صحيفة الصنداى تايمز" ١٨/٦/١٩٦٢) .

ويعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦/١٠/١٩٥٤ ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثار في نفسه: "حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية. سرح بي الخاطر إلى الماضي البعيد ... وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشترك مع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة، وباسم مصر... أطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح من جرح، ولكن خرج من بين هؤلاء الناس شاب صغير شعر بالحرية وأحس بطعم الحرية، وآلي على نفسه أن يجاهد وأن يكافح وأن يقاتل في سبيل الحرية التي كان يهتف بها ولا يعلم معناها؛ لأنه كان يشعر بها في نفسه، وكان يشعر بها في روحه وكان يشعر بها في دمه". لقد كانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلى ثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر بسبب

مقال كتبه جمال عبد الناصر بعنوان "فولتير رجل الحرية"

تحكم الاستعمار وإلغاء الدستور. وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة.

وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.

وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء لـ "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين لـ "شارلز ديكنز".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية). (الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية).

كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.

 

الحفلة التمثيلية لمدارس النهضة المصرية تعرض مسرحية يوليوس قيصر ..

وفى ١٩٣٥ في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصر دور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير" في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.

وقد شهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، ويكشف خطاب من جمال عبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ مكنون نفسه في هذه الفترة، فيقول: "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم. أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب الاستقلال والحرية... قال مصطفى كامل " لو نقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحرك الأهرام من مكانه المكين أو تغير مجرى [النيل] فلن أتغير عن المبدأ " ... كل ذلك مقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم فقد تكلمنا مرات عده في عمل يوقظ الأمة من غفوتها ويضرب على الأوتار الحساسة من القلوب ويستثير ما كمن في الصدور. ولكن كل ذلك لم يدخل في حيز العمل إلى الآن".(خطاب عبد الناصر لحسن النشار... ٤/٩/١٩٣٥).

خطاب عبد الناصر لحسن النشار عن الحركة الوطنية بين الطلبة لعودة الدستور والاستقلال

ووبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح "صمويل هور" – وزير الخارجية البريطانية – في ٩ نوفمبر١٩٣٥ معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).

وعن آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمة له في جامعة القاهرة في ١٥ نوفمبر ١٩٥٢: "وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز. وفى هذا اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنساني ما أنا مصاب به، ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين في تحقيقه حتى يتحقق؛ وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء صرعى؛ فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر".

وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.

مجلة الجهاد تنشر أسماء الجرحى فى مظاهرات نوفمبر

وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.

وقد كتب جمال في فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢ سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: "يقول الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فأين تلك القوة التي نستعد بها لهم؛ إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق...".

ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب "فلسفة الثورة" فقال: "وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور".

إلا أن اتحاد الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمان جمال عبد الناصر، على حد تعبيره في كتاب "فلسفة الثورة"، فإن الكلمة الواحدة التي اجتمعوا عليها كانت معاهدة ١٩٣٦ التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعد عسكرية لحماية وادي النيل وقناة السويس من أي اعتداء، وفى حال وقوع حرب تكون الأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصت المعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في السودان.

وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذه الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع ناظر المدرسة في قراره.

ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد الناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها ،"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية".

كذلك فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسلل إلى تفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد "بلفور" الذي منحت به بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.

جمال عبد الناصر ضابطاً:

عبد الناصر وهو فى طالب فى الكلية الحربية بعد ان انتقل اليها من كلية الحقوق

لما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.

تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.

ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.

لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو "أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً"، وفعلاً أصبح "رئيس فريق"، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر. وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمال أي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى طالب.

الملازم ثان عبد الناصر

تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي في يوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.

وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحة الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل "بونابرت" و"الإسكندر" و"جاليباردى" و"بسمارك" و"مصطفى كمال أتاتورك" و"هندنبرج" و"تشرشل" و"فوش". كما قرأ الكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخ ثورة ١٩١٩.(الكتب التى كان يقرأها عبد الناصر فى الكلية الحربية).

التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.

وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو ١٩٤٠ رقى إلى رتبة الملازم أول.

عبد الناصر مع الحامية المصرية بالسودان

لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشاً غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد أكبر لتحرير شعبهم. وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقائه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط "عديمي الكفاءة وفاسدين"، ومن هنا اتجه تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد. وقد كتب لصديقه حسن النشار في ١٩٤١ من جبل الأولياء بالسودان: "على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دغرى لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح بالأذيال.

خطاب عبد الناصر لحسن النشار عن وضع الجيش فى جبل الأولياء فى السودان

شخص هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن.. الرؤساء. الرؤساء يا حسن يسوءهم ذلك الذي لا يسبح بحمدهم.. يسوءهم ذلك الذي لا يتملق إليهم.. فهذه كبرياء وهم شبوا على الذلة في كنف الاستعمار.. يقولون.. كما كنا يجب أن يكونوا. كما رأينا يجب أن يروا.. والويل كل الويل لذلك... الذي تأبى نفسه السير على منوالهم... ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم متملقاً.. ويحزنني يا حسن أن أقول أننا نسير إلى الهاوية – الرياء – النفاق الملق - تفشى في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار. أما أنا فقد صمدت ولازلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم مستمر مع هؤلاء الكبار...". (خطاب عبد الناصر لحسن النشار..١٩٤١ ... ينشر لأول مرة)

وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.

ويذكر جمال عبد الناصر: "في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة".

وأثناء وجوده في العلمين جرت أحداث ٤ فبراير ١٩٤٢ حينما توجه السفير البريطاني – "السير مايلز لامسبون" – ليقابل الملك فاروق بسراي عابدين في القاهرة بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسلم الملك إنذاراً يخيره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك بلا قيد ولا شرط.

ويذكر جمال عبد الناصر أنه منذ ذلك التاريخ لم يعد شئ كما كان أبداً، فكتب إلى صديقه حسن النشار في ١٦ فبراير ١٩٤٢ يقول: "وصلني جوابك، والحقيقة أن ما به جعلني أغلى غلياناً مراً، وكنت على وشك الانفجار من الغيظ، ولكن ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خائفين. والحقيقة أنى أعتقد أن الإنجليز كانوا يلعبون بورقة واحده في يدهم بغرض التهديد فقط، ولكن لو كانوا أحسوا أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم ويقابلوا القوة بالقوة لانسحبوا كأي امرأة من العاهرات.

أما نحن. أما الجيش فقد كان لهذا الحادث تأثير جديد على الوضع والإحساس فيه، فبعد أن كنت ترى الضباط لا يتكلمون إلا عن النساء واللهو، أصبحوا يتكلمون عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس في سبيل الكرامة.

خطاب عبد الناصر لحسن النشار يبرز فيه موقفه من أحداث ٤ فبراير ١٩٤٢

وأصبحت تراهم وكلهم ندم لأنهم لم يتدخلوا – مع ضعفهم الظاهر – ويردوا للبلاد كرامتها ويغسلوها بالدماء.. ولكن إن غداً لقريب.. حاول البعض بعد الحادث أن يعملوا شئ بغرض الانتقام، لكن كان الوقت قد فات أما القلوب فكلها نار وأسى. عموماً فإن هذه الحركة أو هذه الطعنة ردت الروح إلى بعض الأجساد وعرفتهم أن هناك كرامة يجب أن يستعدوا للدفاع عنها، وكان هذا درساً ولكنه كان درساً قاسياً". (خطاب عبد الناصر لحسن النشار... ١٦/٢/١٩٤٢).

ررقى جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في ٩ سبتمبر ١٩٤٢. وفى ٧ فبراير ١٩٤٣ عين مدرساً بالكلية الحربية. ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال "ليدل هارت" و"كلاوزفيتز"، كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل "كرومويل" و"تشرشل". وفى هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب.

وفى ٢٩ يونيه ١٩٤٤ تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم. لعبت تحية دوراً هاماً في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في ١٩٥١، ١٩٥٢.

تنظيم الضباط الأحرار:

شهد عام ١٩٤٥ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، ويقول جمال عبد الناصر في حديثة إلى "دافيد مورجان": "وقد ركزت حتى ١٩٤٨ على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".

وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٧ عقد الضباط الأحرار اجتماعاً واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.

وفى اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئاً يقيم في مصر الجديدة فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها. وقد أجابه المفتى بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية. وبعد بضعة أيام رفض العرض فتقدم بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسمياً بالاشتراك في الحرب. فسافر جمال إلى فلسطين في ١٦ مايو ١٩٤٨، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ (رائد) في أوائل عام ١٩٤٨.

لقد كان لتجربة حرب فلسطين آثاراً بعيدة على جمال عبد الناصر فعلى حد قولة: "فلم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفى أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه للاستجمام في غزه للملك فاروق.

وقد بدا أن القيادة العليا كانت مهمتها شيئاً واحداً هو احتلال أوسع رقعة ممكنة من الأرض بغض النظر عن قيمتها الإستراتيجية، وبغض النظر عما إذا كانت تضعف مركزنا العام في القدرة على إلحاق الهزيمة بالعدو خلال المعركة أم لا.

وقد كنت شديد الاستياء من ضباط الفوتيلات أو محاربي المكاتب الذين لم تكن لديهم أية فكرة عن ميادين القتال أو عن آلام المقاتلين.

وجاءت القطرة الأخيرة التي طفح بعدها الكيل حين صدرت الأوامر إلىّ بأن أقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، وقبل أن أبدأ في التحرك نشرت تحركاتنا كاملة في صحف القاهرة. ثم كان حصار الفالوجا الذي عشت معاركه؛ حيث ظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيراً من ناحية العدد حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة " في ٢٤ فبراير ١٩٤٩.

وقد جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى. ونظراً للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فإنه منح نيشان "النجمة العسكرية" في عام ١٩٤٩.

وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقاً أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش.

وقد أصبح مقتنعاً أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية ١٩٤٨ وحتى ١٩٥٢.

ووقد كان في نية جمال عبد الناصر القيام بالثورة في ١٩٥٥، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير.

وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرساً في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في ١٢ مايو ١٩٤٨. وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام ١٩٥٠، ١٩٥١.

وفى ٨ مايو ١٩٥١ رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى (مقدم) وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سراً في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية ١٩٥٢، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.

وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام ١٩٥٢ اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلاً بدئوا باللواء حسين سرى عامر - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.

ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سراً. والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلاً من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين. وفى تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.

ثم حدث حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢ بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجاً على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها ٤٦ شرطياً وجرح ٧٢. لقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت ١٢ ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر ٢٢ مليون جنيهاً.

وفى ذلك الوقت كان يجرى صراعاً سافراً بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرياسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر – رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة التي كان محدداً لها قبل ذلك عام ١٩٥٥، وتحرك الجيش ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها .

وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة - وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢ عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.

بيان الثورة:

وفى صباح يوم ٢٣ يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة التالي:

"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.

أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف؛ لأن هذا ليس في صالح مصر، وإن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس، وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم، والله ولى التوفيق".

وبعد نجاح الثورة بثلاثة أيام – أي في ٢٦ يوليه – أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفى اليوم التالي أعيد انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.

وفى ١٨ يونيه ١٩٥٣ صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ ٧ سبتمبر ١٩٥٢، أما جمال عبد الناصر فقد تولى أول منصباً عاماً كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.(قرار المجلس بإلغاء الملكية) .

قرار المجلس بإلغاء الملكية


تعيين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة:

وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء. وفيما يلي البيان الذي أذاعه المجلس بأسباب ذلك الخلاف في ٢٥ فبراير ١٩٥٤:

"أيها المواطنون

"لم يكن هدف الثورة التي حمل لواءها الجيش يوم ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢ أن يصل فرد أو أفراد إلى حكم أو سلطان أو أن يحصل كائن من كان على مغنم أو جاه، بل يشهد الله أن هذه الثورة ما قامت إلا لتمكين المُثل العليا في البلاد بعد أن افتقدتها طويلاً نتيجة لعهود الفساد والانحلال.

لقد قامت في وجه الثورة منذ اللحظة الأولى عقبات قاسية عولجت بحزم دون نظر إلى مصلحة خاصة لفرد أو جماعة، وبهذا توطدت أركانها واطرد تقدمها في سبيل بلوغ غاياتها.

ولا شك أنكم تقدرون خطورة ما أقيم في وجه الثورة من صعاب، خاصة والبلاد ترزح تحت احتلال المستعمر الغاصب لجزء من أراضيها، وكانت مهمة مجلس قيادة الثورة في خلال هذه الفترة غاية في القسوة والخطورة، حمل أفراد المجلس تلك التبعة الملقاة على عاتقهم ورائدهم الوصول بأمتنا العزيزة إلى بر الأمان مهما كلفهم هذا من جهد وبذل.

ومما زاد منذ اللحظة الأولى في قسوة وخطورة هذه التبعة الملقاة على أعضاء مجلس قيادة الثورة أنهم كانوا قد قرروا وقت تدبيرهم وتحضيرهم للثورة في الخفاء قبل قيامهم أن يقدموا للشعب قائداً للثورة من غير أعضاء مجلس قيادتهم وكلهم من الشبان، واختاروا فعلاً فيما بينهم اللواء أركان حرب محمد نجيب ليقدم قائداً للثورة، وكان بعيداً عن صفوفهم، وهذا أمر طبيعي للتفاوت الكبير بين رتبته ورتبهم، وسنه وسنهم، وكان رائدهم في هذا الاختيار سمعته الحسنة الطيبة وعدم تلوثه بفساد قادة ذلك العهد.

وقد أخطر سيادته بأمر ذلك الاختيار قبل قيام الثورة بشهرين اثنين ووافق على ذلك.

وما أن علم سيادته بقيام الثورة عن طريق مكالمة تليفونية بين وزير الحربية فى ذلك الوقت السيد مرتضى المراغى وبينه وفى منزله حتى قام إلى مبنى قيادة الثورة واجتمع برجالها فور تسلمهم لزمام الأمور.

ومنذ تلك اللحظة أصبح الموقف دقيقاً؛ إذ أن أعمال ومناقشات مجلس قيادة الثورة استمرت أكثر من شهر بعيدة عن أن يشترك فيها اللواء محمد نجيب إذ أنه حتى ذلك الوقت وعلى وجه التحديد يوم ٢٥ أغسطس سنة ١٩٥٢ لم يكن سيادته قد ضم إلى أعضاء مجلس الثورة.

وقد صدر قرار المجلس فى ذلك اليوم بضمه لعضويته كما صدر قرار بأن تسند إليه رئاسة المجلس بعد أن تنازل له عنها البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر الذى جدد انتخابه بواسطة المجلس قبل قيام الثورة كرئيس للمجلس لمدة عام ينتهى فى أخر أكتوبر سنة ١٩٥٢.

نتيجة لذلك الموقف الشاذ ظل اللواء محمد نجيب يعانى أزمة نفسية عانينا منها الكثير رغم قيامنا جميعاً بإظهاره للعالم أجمع بمظهر الرئيس الفعلى والقائد الحقيقى للثورة ومجلسها مع المحافظة على كافة مظاهر تلك القيادة.

وبعد أقل من ستة شهور بدأ سيادته يطلب بين وقت وآخر من المجلس منحه سلطات تفوق سلطة العضو العادى بالمجلس، ولم يقبل المجلس مطلقاً أن يحيد عن لائحته التى وضعت قبل الثورة بسنين طويلة إذ تقضى بمساواة كافة الأعضاء بما فيهم الرئيس فى السلطة، فقط إذا تساوت الأصوات عند أخذها بين فريقين فى المجلس فترجح الكفة التى يقف الرئيس بجانبها.

ورغم تعيين سيادته رئيساً للجمهورية مع احتفاظه برئاسة مجلس الوزراء ورئاسته للمؤتمر المشترك إلا أنه لم ينفك يصر ويطلب بين وقت وأخر أن تكون له اختصاصات تفوق اختصاصات المجلس، وكان إصرارنا على الرفض الكلى لكى نكفل أقصى الضمانات لتوزيع سلطة السيادة فى الدولة على أعضاء المجلس مجتمعين.

وأخيراً تقدم سيادته بطلبات محددة وهى

أن تكون له سلطة حق الاعتراض على أى قرار يجمع عليه أعضاء المجلس، علماً بأن لائحة المجلس توجب إصدار أى قرار يوافق عليه أغلبية الأعضاء.

كما طلب أن يباشر سلطة تعيين الوزراء وعزلهم وكذا سلطة الموافقة على ترقية وعزل الضباط وحتى تنقلاتهم؛ أى أنه طالب إجمالاً بسلطة فردية مطلقة.

ولقد حاولنا بكافة الطرق الممكنة طوال الشهور العشرة الماضية أن نقنعه بالرجوع عن طلباته هذه التى تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق، وهو ما لا يمكن نرضاه لثورتنا، ولكننا عجزنا عن إقناعه عجزاً تاماً وتوالت اعتكافاته بين وقت وأخر حتى يجبرنا على الموافقة على طلباته هذه، إلى أن وضعنا منذ أيام ثلاثة أمام أمر واقع مقدماً استقالته وهو يعلم أن أى شقاق يحدث فى المجلس فى مثل هذه الظروف لا تؤمن عواقبه.

أيها المواطنون

لقد احتمل أعضاء المجلس هذا الضغط المستمر فى وقت يجابهون فيه المشاكل القاسية التى تواجه البلاد والتى ورثتها عن العهود البائدة.

يحدث كل ذلك والبلاد تكافح كفاح المستميت ضد مغتصب فى مصر والسودان وضد عدو غادر يرابط على حدودها مع خوضها معركة اقتصادية مريرة وإصلاحاً لأداة الحكم وزيادة الإنتاج إلى أخر تلك المعارك التى خاضتها الثورة ووطدت أقدامها بقوة فى أكثر من ميدان من ميادينها.

واليوم قرر مجلس قيادة الثورة بالإجماع ما يلى:

أولاً: قبول الاستقالة المقدمة من اللواء أركان حرب محمد نجيب من جميع الوظائف التى يشغلها.

ثانياً: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر فى تولى كافة سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن أرض الوطن.

حل جماعة الاخوان المسلمين

ثالثاً: تعيين البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس الوزراء.

ونعود فنكرر أن تلك الثورة ستستمر حريصة على مُثلها العليا مهما أحاطت بها من عقبات وصعاب، والله كفيل برعايتها إنه نعم المولى ونعم النصير، والله ولى التوفيق".

وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف فقبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في ٢٧ فبراير ١٩٥٤.

ثم بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً مسبقاً بحلها في ١٤ يناير ١٩٥٤، (قرار المجلس بحل جماعة الإخوان المسلمين) وقد تورط أيضاً بعض عناصر النظام القديم في هذه الأحداث.

السماح بقيام أحزاب وإلغاء الحرمان من الحقوق السياسية

ووقد تجلى الصراع داخل مجلس قيادة الثورة في هذه الفترة في القرارات التي صدرت عنه وفيها تراجعاً عن المضى في الثورة، فأولاً ألغيت الفترة الانتقالية التي حددت بثلاث سنوات، وتقرر في ٥ مارس ١٩٥٤ اتخاذ الإجراءات فوراً لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المباشر على أن تجتمع في يوليه ١٩٥٤ وتقوم بمناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقاً لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية. وفى نفس الوقت تقرر إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحافة والنشر.

وثانياً: قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيساً للمجلس ورئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.

وأخيراً قرر مجلس قيادة الثورة في ٢٥ مارس ١٩٥٤ السماح بقيام الأحزاب وحل مجلس قيادة الثورة يوم ٢٤ يوليه ١٩٥٤ أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية. (قرار المجلس بالسماح بقيام أحزاب).

إرجاء تنفيذ قرارات المجلس التى صدرت فى ٢٥ مارس ١٩٥٤

وبالرغم من إلغاء مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات في ٢٩ مارس ١٩٥٤ (قرار المجلس بإرجاء تنفيذ قرارات ٢٥ مارس ١٩٥٤) إلا أن الأزمة التي حدثت في مجلس قيادة الثورة أحدثت انقساماً داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيى الدين وبين جمال عبد الناصر وباقي الأعضاء.

وقد انعكس هذا الصراع على الجيش، كما حاول السياسيون استغلاله وخاصة الإخوان المسلمين وأنصار الأحزاب القديمة الذين كانوا فى صف نجيب وعلى اتصال به.

وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.

إعفاء اللواء محمد نجيب من جميع المناصب التى يشغلها

وفى ٢٤ يونيه ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثورة.

وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.

وظل جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.



  محمد ابواليزيد    عدد المشاركات   >>  623              التاريخ   >>  4/12/2005



دموع الرئيس محمد نجيب‏!‏
بقلم‏:‏ عادل حمودة

في ذلك الصباح استيقظ الناس في مصر ليجدوه داخل بيوتهم‏..‏ تسلل إلي فراشهم عبر موجات الراديو قبل شروق الشمس‏..‏ وفاجأهم بأنه عين نفسه زعيما عليهم‏..‏ ولم يكن شيء كهذا قد حدث في مصر من قبل‏..‏ فالزعماء في التاريخ المصري كله كان الشعب هو الذي يكتشفهم‏..‏ ويخوض المعارك والأهوال من أجل أن يفرضهم علي الخصوم الذين يرفضون الاعتراف بهم‏..‏ هكذا‏..‏ حدث مع عمر مكرم وأحمد عرابي ومصطفي كامل وسعد زغلول‏..‏ كان الشعب يعرفهم قبل أن يصبحوا زعماء‏..‏ وكان هو الذي يدفعهم إلي مواقع الزعامة‏..‏

أما في ذلك الصباح ـ صباح‏23‏ يوليو‏1952‏ ـ فقد فوجيء الناس بزعيم لم يأخذ رأيهم‏..‏ ولم يسمعوا باسمه‏..‏ الا بمناسبة تعيين نفسه زعيما لهم‏..‏ ومع ذلك‏..‏ لم يمض يومان حتي صار اللواء محمد نجيب زعيما بالفعل‏..‏ وزعيما بحق‏..‏ ومعبودا للملايين‏!.‏
أصبح محمد نجيب رمزا لكل ما يحلم به المصريون منذ آلاف السنين‏..‏ أصبح مبعوث العناية الالهية لتحطيم القضبان التي تحبسهم‏..‏ والأغلال التي تقيدهم‏..‏ والبوابات التي تعوق نهر التدفق والاغداق‏..‏ وغمرت صوره الجدران والأرصفة وعلقها المصريون في المتاجر والمقاهي وغرف النوم‏..‏ وأثري مئات من طبع هذه الصور وبيعها للجماهير المتعطشة إليها‏..‏ الصورة بنصف قرش‏.‏

لكن‏..‏ هذا المهرجان التاريخي كان محالا أن يستمر‏..‏ فالزعامة التي تنشأ بقرار لا مفر من أن تنتهي بقرار‏..‏ ومحمد نجيب لم يكن هو الذي عين نفسه زعيما وإنما آخرون قد عينوه‏..‏ وعندما غيروا رأيهم عزلوه‏..‏ ولم يتحرك الشعب لنصرته‏..‏ لأن الشعب لم يكن قد اختاره‏.‏
لقد اختاره الضباط الأحرار وعينوه ودفعوه ليكون واجهة لهم‏..‏ فكان سهلا عندما اختلف معهم أن يعزلوه ويبعدوه وينفوه‏..‏ لذلك‏..‏ كان طبيعيا ـ علي حد قول الكاتب الصحفي الراحل صلاح حافظ ـ أن يعبر محمد نجيب في سماء التاريخ المصري عبور الشهاب الخاطف‏..‏ وأن يلمع لحظات قليلة‏..‏ يبهر فيها أبصار الملايين ثم يتراجع الي الظل فلا تعود الأبصار التي بهرها ضوؤة قادرة علي تبين في الظل ملامحه‏.‏

لكن‏..‏ ما لم يكن طبيعيا هو ما حدث لمحمد نجيب في الظل الذي اختفي فيه‏..‏ لم يقل له الضباط الأحرار‏:‏ شكرا‏..‏ ولم يتركوه في حاله مغلقا علي نفسه باب مسكنه الذي حددوا إقامة فيه‏..‏ لم يكلفوا خاطرهم بالانشغال بمصيره أوتحمل مسئوليته‏..‏ لم يلاحظوا أنه ـ بصرف النظر عن خلافهم معه ـ جزء من تاريخ مصر‏..‏ واسم يجب أن يصان ويحترم‏..‏ علي العكس تماما عهدوا به إلي الصغار الذين لا يأتمنونهم علي أي مهمة جادة وتركوهم يعبثون به ويهينونه ويتسلون بإيذائه ويسخرون من شيخوخته‏..‏ عاملوه ـ كما يضيف صلاح حافظ ـ وكأنه أجرم يوم قبل التصدي دونهم لحبل المشنقة‏..‏ وتقدم بحمل المسئولية وهم مختفون وراءه‏..‏ وعاش الرجل مذهولا‏..‏ لا يفهم لماذا يحدث له ذلك‏..‏ حتي اللواءات الذين حاربوا الثورة يوم نشوبها عادوا يواصلون حياتهم الطبيعية‏..‏ حتي جواسيس الانجليز أفرج عنهم‏..‏ حتي الضباط الذي حملوا السلاح وقادوا الدبابات ضد جمال عبد الناصر عادوا أحرارا ورفاقا محترمين‏..‏ إلا هو‏!.‏
ويوما بعد يوم‏..‏ وعاما بعد عام لم يعد الرجل ـ الذي كانت صوره تغمر بيوت الناس وتحلق فوق فراشهم في غرف النوم ـ يقدر علي أن يشم نسمة هواء أو يشتري برتقالة أو يستقبل أولاده إلا اذا سمح له الشاويش علي بيته ـ أو باب منفاه وسجنه ـ بذلك‏..‏ ويوما بعد يوم‏..‏ وعاما بعد عام بدأ يفقد اتزانه وصوابه وفهمه‏..‏ بدأت تشغله متاعب كلابه‏..‏ وتسابيح قططه‏..‏ وقوائم أدويته‏..‏ ومصائر ماتبقي من أولاده‏..‏ وطرد إلي البدروم عشرات من الوثائق التاريخية الثمينة التي كان فيما مضي يحرص عليها‏..‏ وفي تلك الأيام بالتحديد عرفته عن قرب‏.‏

المصادفة‏..‏ والمصادفة وحدها هي التي فتحت لي قبو التاريخ المظلم المسمي محمد نجيب‏..‏ هي التي حولتني من مجرد صحفي عابر يطرق أبواب أول رئيس جمهورية في مصر ويمضي إلي حال سبيله إلي صديق شخصي له‏..‏ يعرف كل أسراره‏..‏ ويعيش معه معظم حالاته‏..‏ ويفتش في كل صغيرة وكبيرة في حياته‏..‏ ويضع يده علي ثروة من أوراقه الخاصة والعامة‏..‏ كان ذلك في صيف عام‏1975..‏ دخلت أقدم واجب العزاء في والد صديق فوجدته أمامي‏..‏ رجلا انحني ظهره‏..‏ وابيض شعره‏..‏ وقدمت ثيابه‏..‏ يمسك بأسنانه بايب قديم متهالك يكاد يحترق من شدة الدخان‏..‏ وذهلت عندما عرفته‏..‏ ذهلت لأنني كنت أتصور أنه مات‏..‏ وأصبح في ذمة التاريخ‏..‏ ولم أكن أنا الوحيد الذي يتصور ذلك‏..‏ فكل جيلي الذي تربي علي عشق جمال عبدالناصر والايمان به كان يتصور أن محمد نجيب مات وشبع موتا‏..‏ وقمت من مكاني في سرادق العزاء وجلست إلي جواره‏..‏ وقدمت نفسي إليه‏..‏ وأخذت موعدا لزيارته‏..‏ وفتح حوار معه‏..‏ لكنني سرعان ما اعتذرت عن الموعد‏..‏ والحوار‏..‏ فقد كانت هناك حملة شرسة ضارية مشتعلة في مصر لحرق جمال عبد الناصر وتحويل كل ما يمت له بصلة إلي ذرات رماد‏..‏ وخشيت أن يعطي حواري مع محمد نجيب فرصة لمزيد من البنزين الذي يصب علي هذا الحريق فاعتذرت عنه‏.‏

كان الاقتراب من محمد نجيب في ذلك الوقت فرصة لكل الأطراف المتشاجرة حول ثورة يوليو‏.‏ فقد كان خصوم الثورة يرتدون قميص محمد نجيب وكان أنصارها يعتبرون أي نقد يوجه للمعاملة القاسية التي لاقاها محمد نجيب هو تشهير بالثورة‏..‏ مع أنه لم يحترم الثورة الا الذين لاموها علي هذه المعاملة‏..‏ واعتبروها سقطة من سقطاتها‏.‏
بعد سبع سنوات قادتني المصادفة مرة أخري إلي مستشفي المعادي‏..‏ حيث سمعت صوتا هائجا‏..‏ يصرخ ويزعق ويتمني الموت من الله‏..‏ كان محمد نجيب يجلس علي مقعد متحرك في إحدي طرقات المستشفي وهو في حالة يصعب السيطرة عليها إلا بحقنة مخدرقوي‏..‏ وهو ما حدث‏..‏ وفي صباح اليوم التالي حملت إليه الزهور والفواكه وطرقت باب حجرته ودخلت عليه لأجده في حالة مزاج رائق‏..‏ وجلست إليه ندردش حتي العشاء‏..‏ تكلمنا في كل شيء‏..‏ حياته وهو طفل في السودان‏..‏ جراحه وأوسمته التي حصل عليها في حرب فلسطين‏..‏ زوجاته وأولاده‏..‏ وعلاقته بتنظيم الضباط الأحرار‏..‏ واتفقنا أن نواصل الحوار في بيته الذي عاش فيه منذ اعتقاله في‏14‏ نوفمبر عام‏1954‏ والذي كان استراحة ريفية للسيدة زينب الوكيل حرم الزعيم الوفدي الشهير مصطفي النحاس‏..‏ وهي استراحة تقع علي بعد‏40‏ كيلو مترا في منطقة المرج‏..‏ وقد استمر الحوار معه‏3‏ أشهر‏..‏ وسجل علي‏49‏ شريط كاسيت‏..‏ وتحول إلي كتاب حمل مذكراته كاملة صدر بعنوان كنت رئيسا لمصر‏..‏ بخلاف كتاب آخر تضمن وثائقه الخاصة‏..‏ وهي وثائق احتفظت بنسخة منها لمتحفه الذي تجهزه الآن وزارة الثقافة ويشرف عليه الدكتور يونان لبيب رزق‏.‏

كان البيت مهملا‏..‏ أعشاب الحديقة أصابها الاصفرار‏..‏ ورقد فيها علي جانبه تمثال لزعيم الأمة سعد زغلول‏..‏ أما جدران البيت من الداخل فقد تساقطت طبقة فوق طبقة حتي كشفت الطوب الأحمرتحتها‏..‏ وسيطرت رائحة عطنة علي كل الأركان‏..‏ بما في ذلك حجرة نوم محمد نجيب‏..‏ حجرة قديمة‏..‏ متهالكة‏..‏ لا تعرف البريق‏..‏ كأنها جزء من المأساة التي يعيشها صاحبها‏..‏ وفي الفراش كان محمد نجيب يضع الكتب والمجلات والصحف التي يقرأ فيها والعصا المصنوعة من الخيزران التي يتوكأ عليها‏..‏ وبجوار الفراش منضدة متوسطة من الخشب عليها الأدوية ومجموعة البايب وكوب ماء وأوراق مبعثرة وعلي المنضدة مفرش من الشمع الذي يستخدم عادة في المطابخ‏..‏ وأمامها ثلاجة صغيرة‏..‏ وبالقرب منها كنبة عليها كتب قديمة ينام عليها الكلاب والقطط أحيانا‏..‏ وبالقرب من الكنبة صناديق من الكرتون تمتليء بأدوية وأوراق وصور عائلية‏..‏ وعلي الجدران صور شخصية وصور للكعبة وبعض آيات القرآن الكريم وأحاديث للرسول صلي الله عليه وسلم ولعلي بن أبي طالب أغلبها يؤكد معني واحدا هو أن النفع بيد الله والضر بيد الله ولو اجتمعت الأمة علي غير ذلك‏.‏
لقد جاء محمد نجيب إلي هذا البيت بعد أن خرج من مكتبه بالقصر الجمهوري‏..‏ قصر عابدين في لحظة واحدة وبقرار لم يعرف أحد من الذي أصدره‏..‏ قال له كبير الياوران بالنيابة حسن كامل‏:‏ سيادة الرئيس إنك لم تعد رئيسا‏..‏ فرفع محمد نجيب سماعة التليفون وقال لجمال عبد الناصر‏:‏ إيه لعب العيال ده؟‏..‏ فرد عليه جمال عبد الناصر‏:‏ سوف أرسل لك عبد الحكيم عامر‏..‏ وبعد ربع ساعة جاء عبدالحكيم عامر ومعه حسن ابراهيم وقالا له في خجل ظاهر‏:‏ إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئيس الجمهورية‏..‏ فرد محمد نجيب‏:‏ أحمد الله انكم تعفونني من مسئولية لم يعد ضميري يحتملها‏..‏ وخرج من القصر الجمهوري حاملاالمصحف فقط وركب مع حسن ابراهيم إلي منفي المرج‏..‏ وقد قال لي محمد نجيب إن عبد الحكيم عامر قال له وهو يودعه أن إقامته في المرج لن تزيد علي بضعة أيام يعود بعدها إلي بيته‏..‏ لكن إقامته في المرج استمرت‏29‏ سنة‏..‏ تقريبا‏.‏

كانت أمنيته الوحيدة أن يموت في فيلا زينب الوكيل بعد أن عاش فيها كل هذه السنوات‏..‏ علي أن يدفن إلي جوار أبيه وخاله في السودان‏..‏ لكن ورثة زينب الوكيل حصلوا علي حكم باسترداد الفيلا‏..‏ فلم يعد للرجل مكانا ينام فيه‏..‏ وتدخلت الدولة ومنحته شقة‏..‏ وهكذا‏..‏ علي حد قوله‏:‏ لم يختر المكان الذي يعيش فيه ولم يختر المكان الذي يموت فيه‏..‏ إن الزمن علي حد قوله لي أيضا‏:‏ يجبر الانسان علي الألفة والتعايش علي ما يكره‏..‏ ومع من الا يريد‏..‏ حتي السجن والمعتقل‏..‏ وقد كان بيني وبين هذه الفيلا عشرة وارتباط ومشاعر ومشتركة بفقدان الحرية‏..‏ لقد أحست الفيلا نفسها بأنها هي الأخري محبوسة‏..‏ فقد تحولت بقرار من استراحة صيفية ريفية إلي معتقل موحش كئيب تحت حراسة مشددة‏.‏
منذ اليوم الأول لدخوله هذا المكان أحس محمد نجيب بأنه ألقي في الجحيم‏..‏ فقد سبقه أحمد أنور قائد البوليس الحربي إلي الفيلا‏..‏ ووزع‏20‏ نقطة حراسة قوية‏..‏ حول السور‏..‏ وفوق السطح‏..‏ وبين الحجرات‏..‏ وكان تسليح الجنود‏..‏ مدافع رشاشة‏..‏ وقنابل يدوية‏..‏ ومدافع صغيرة‏..‏ وراح أحمد أنور يتصرف في تلك اللحظة وكأنه قائد يدير معركة حربية شرسة‏..‏ وفي تلك اللحظة أيضا سارع الجنود بتجريد الحديقة من أشجارها وبتجريد الفيلا من أثاثها‏..‏

وبتجريد محمد نجيب من أوراقه وكتبه وتذكاراته‏..‏ وكل ما سمحوا له به هو وزوجته وأولاده‏:‏ ثلاث حقائب بها ملابسهم الضرورية‏.‏
وعكست هذه المعاملة نفسها في أوراقه التي حصلت عليها منه‏..‏ ففي يوم الأربعاء‏17‏ نوفمبر‏1954‏ الموافق‏21‏ ربيع الأول والثامن من هاتور‏(‏ شهر من الشهور القبطية‏)‏ كتب يصف حالته الصحية قائلا‏:‏ هبوط في ضغط الدم وإحساس بالزهق ورغبة في التخلص من الحياة بعد نومنا علي البلاط في فيلا زينب هانم الوكيل‏..‏ وفي اليوم التالي كتب‏:‏ قبل الافطار حصل لي هبوط شديد كالذي حدث لي أمس وكان النبض نحو‏64‏ وكان لدي ميل للقيء ودوخة وقد أفطرت علي شوربة خضار وكوب من الشاي ومحلول النعناع‏..‏ وفي يوم السبت‏20‏ نوفمبركتب‏:‏ أنا اليوم أفضل‏..‏ حاولت ممارسة رياضتي الصباحية لكن تعرضت لسخرية لم أحتملها من الضباط والجنود الذين يراقبونني‏..‏ وفي اليوم التالي كتب‏:‏ تليفون من أنور أحمد سبني فيه بأفظع الألفاظ‏..‏ وفي يوم الثلاثاء‏23‏ نوفمبر كتب‏:‏ فوجئت بمجموعة من الحرس يدخلون علينا الحجرة التي أجلس فيها أنا وزوجتي ويجلسون بيننا‏..‏ حاولت أن أثنيهم عن ذلك‏..‏ عملوا ودن من طين وودن من عجين‏..‏ وفي اليوم التالي كتب‏:‏ لا أجد وسيلة أدافع بها عن أسرتي سوي أن أصلي وأقرأ القرآن وهذا ما جعلني لا أترك سجادة الصلاة ولا المصحف طوال هذا اليوم‏..‏ وكتب يوم
الجمعة‏28‏ نوفمبر‏:‏ سبني صلاح سالم وقال عني إنني مصاب بالشذوذ‏..‏ إلي هذا الحد وصل مستوي هؤلاء الذين رفعتهم من رتبة الذل إلي رتبة السلطة والنفوذ‏..‏ لو في البلد قانون محترم ما تجرأ أمثال صلاح سالم علي أن يقول مثل هذا الكلام ولاحتي أقل منه‏..‏ لكني واثق في أن الله سيرني فيهم يوما‏.‏
هذه بعض من يوميات محمد نجيب الأولي بعد اعتقاله مباشرة‏..‏وقد كتبها بخط دقيق جدا وبقلم رصاص رفيع جدا‏..‏ وهو ما صعب تصويرها‏..‏ واستخدمت عدسة مكبرة في قراءتها‏..‏ وكأنه كان يخشي أن يقرأها أحدا‏..‏ خاصة وأنه في العادة يكتب ما يريد بخط واضح صريح‏..‏ وبقلم كوبيا‏..‏ ويستخدم الكربون في كتابة أكثر من نسخة‏..‏ وهذا ما جعلنا نحصل علي بعض هذه النسخ من خطاباته التي أرسلها إلي جمال عبد الناصر يطلب فيها أن يشارك في حرب السويس عام‏1956‏ علي أن يعود بعدها إلي منفاه‏..‏ وخطاباته إلي عبد الحكيم عامر يشكو فيها مما يلقاه من معاملة الضباط الصغار‏..‏ وقد لخصها في تلغراف قال فيها‏:‏ السيد المشير عبد الحكيم عامر ـ النائب الأول لرئيس الجمهورية ـ القاهرة‏:‏ أرجو من سيادتكم إرسال مندوب يري بعينه مانحن فيه من آلام واعتداءات ـ التوقيع اللواء محمد نجيب‏..‏ العنوان قصر المرج قسم المطرية‏..‏ التليفون‏:86959‏ أو‏869757‏ والتاريخ‏:11‏ أكتوبر عام‏1965..‏ وكانت هناك وثائق أخري تمسك بالقلب وتصعقه من أول كلمة‏..‏ إنها قصة أخري تستحق الانتظار‏.‏
منقول عن جريدة الاهرام المصـــــــــــــــــــرية


"خيبتنا في نخبتنا"


  عاشق الحرية    عدد المشاركات   >>  692              التاريخ   >>  5/12/2005



الاخ العزيز

السلام عليكم

قد نتفق او نختلف علي سلوكيات الزعامات او طلب السلطة ولكن يبقي دائما شيء من الاحترام- لكل من تعلقنا بهم واثروا واثاروا في حياتنا الوجدانيه

لكن بقي سؤال  اوجه الي ايا من الفنانين المصريين -من عملوا افلاما للرقصات وبعض الفنانين وزعماء مصر- الا يوجد فنان مصرى  يتحمس للرئيس محمد نجيب ليعرف الشعب من هو اول رئيس لجمهورية مصر العربية بعد الثورة

اتمني ان نعطي كل ذى حقا حقه.

عاشق الحرية



  محمد شلبي    عدد المشاركات   >>  26              التاريخ   >>  5/12/2005



فى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.

إعفاء اللواء محمد نجيب من جميع المناصب التى يشغلها

وفى ٢٤ يونيه ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثورة.

وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر

 محمد شلبي



  hmohandes    عدد المشاركات   >>  181              التاريخ   >>  8/12/2005



الإخوه الأعزاء

 

مع كامل احترامى للجميع

 

وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال

 

بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم

 

أولا: من المعلوم ان المتهم برىء حتى تثبت إدانته ، وان التحقيقات ، أى تحقيقات وايا كانت جهه التحقيق ، وحتى بفرض جديه تلك التحقيقات ، فإنها لا تثبت شيئا ولا تقوم عليها أى حجيه ، طالما لم يصدر اى حكم قضائى

 

والمعلوم انه لم تجر اى محاكمه إداريه او جنائيه للرئيس محمد نجيب

 

إذن لم يثبت مطلقا أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم

 

وإنما هى محض مزاعم وإدعاءات نظام

 

ثانيا: من المعلوم فى أى بلد لا تحكمه شريعه الغاب أن لا عقوبه بدون نص تجريم وبدون صدور حكم قضائى نهائى واجب التنفيذ يحدد طبيعه ومقدار العقوبه

 

ومن المعلوم انه لا يوجد مجتمع متحضر فى العالم -بعد مرور قرون على مهازل محاكم التفتيش فى القرون الوسطى- يعرف جريمه تحت مسمى جريمه الإعتزام

 

والحال انه لا يوجد اى نص عقابى تم تطبيقه على محمد نجيب ، وأن العقاب يكون فقط على ارتكاب فعل مادى له أثر يظهر فى العالم الخارجى ، وإلا انتفى الركن المادى للجريمه

 

وبذلك فحتى لو ثبت من التفتيش فى قلب المرحوم المظلوم المفترى عليه محمد نجيب توافر حاله الإعتزام ، فإن تلك النيه غير معاقب عليها بأى قانون وأى شرع

 

والخلاصه لإخوانى الأعزاء ، أن ما ارتكب فى حق محمد نجيب من انتهاك وتعذيب وإذلال، لهو بكل وبأى مقياس جريمه بشعه فى حق الإنسانيه وفى حق مصر امه ووطناً ، بلغت من البشاعه حداً لا يتطاول إليه أقسى الشياطين وأغلظهم اكبادا

 

وأعتقد مخلصا ان محاوله الدفاع أو التبرير لهذه الجريمه النكراء والتى ستبقى أبد الدهر وصمه عار فى جبين ذلك النظام ، هى قضيه خاسره

 

مع اطيب تمنياتى

 

هشام المهندس

 

 


هشام المهندس

 لا تنه عن خُلُقٍ وتأتى مثله* عار عليك إذا فعلت عظيم


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3082 / عدد الاعضاء 62