البريتور عدد المشاركات >> 2 التاريخ >> 1/7/2004
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الأستاذة داليا الغريب المحترمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛؛؛
أقول لك قبل كل شئ لا لا وألف لا لست على حق بل أن ما قمت به يشكل – في تقديري – خيانة عظمى لمن وكلك وبيان ذلك كالآتي :-
أولاً : إننا كمحامين تحكمنا أسس وقواعد مهنية وأخلاقية ودينية وقانونية تجعل مهنتنا أمانة ورسالة ومسئولية وتحتم علينا أن نكون مخلصين كل الإخلاص لمن وكلنا وملتزمين بالدفاع عن مصالحه من جهة وتقديم النصح والإرشاد له من جهة أخرى دونما تضليل للعدالة أو سعياً لنصرة الباطل .
ثانياً : إن قوانين جميع دول العالم – تقريباً – تلزم المحامي بحفظ أسرار موكله وأن لا يدلي بأي شئ يفضح سلوك موكله يكون قد علمه بسبب كونه محاميه إلا إذا كان الأمر يتعلق بإرتكاب جريمة . فإذا كان هذا هو الحال فيما يتعلق بما علمه المحامي من موكله فعلاً من أعمال أو سلوك شائن فما بالك بما لا يعلمه المحامي كحالتك هذه إذ أنك لا تعلمين في الواقع من القاتل ولكنك نصبتي نفسك متحرياً وعلى سبيل الاستنتاج تبين لك أن المجني عليها إنتحرت !! فما كان منك إلا أن أخطرتي النيابة العامة التي يبدو أنها كانت في غفوة وصحت على معلومات واستنتاجات جاهزة تبرعت بها إليها .
وهذا لعمري استنتاج باطل وإجراء باطل ما كان للمحكمة أن تعتمد عليه في البراءة لو كانت تعلم بما أشرت إليه وسأعود لهذا لاحقاً .
ثالثاً : إن ما أشرت إليه من وقائع واستنتاجات لهذه القضية في غاية الغرابة وبيان ذلك كالآتي :-
1- أشرت إلى أنه { في يوم الجريمة كان الزوج خارج المنزل للصيد كعادته في الساعة الواحدة والنصف بعد منتف الليل } والسؤال الذي يثور هو كيف تأكد لك أن المتهم كان خارج المنزل للصيد يوم وقوع الجريمة وان ذلك كان جرياً على عادته ؟ ! هل هذا ما قاله المتهم وقمت بتصديقه ؟ .
2- ذكرت أن الإبن الأول نحر أثناء نومه وان الثاني طُعن (12) طعنة أثناء نومه وأنا أتسأل ألم يخطر ببالك أن من اتهمتيها بهذه الجريمة هي أم وأن الأم أو المرأة عموماً لا يمكن أن تقوم بمثل هذه الجريمة بهذه البشاعة ؟ ألم تدخل الـ (12) طعنة في صدر الإبن ذو الخمسة أعوام في نفسك شكاً بأن شخصاً ما يمكن أن يكون هو الفاعل غير الأم ؟ . وهل يمكن للأم أن تنحر أحداً أبناءها وتطعن الآخر (12) طعنة بهذا النفس البارد ؟ .
3- أشرت بأن هناك تأمين على حياة الزوجة وأن الزوج قرر الزواج قبل وقوع الجريمة بيومين وأنا أتسأل ألم يعطيك ذلك مؤشراً بأن الزوج المتهم في حاجة إلى المال لتغطية نفقات الزواج وأن خلافاً بينه وبين الزوجة المجني عليها نشأ بسبب ذلك وأدى إلى وقوع الجريمة مثلاً ؟ لماذا فكرتي فقط أن المجني عليها قتلت أولادها وانتحرت انتقاماً من زوجها ؟ ثم أنك ذكرت في الوقائع أن الزوج قرر الزواج قبل وقوع الجريمة بيومين فقط والسؤال الذي يثور هو هل تعتقدين أن يومين كافيين ليولدوا حقداً شديداً في نفس الزوجة ويجعلها تفكر في الانتقام وتخطط لذلك بل وتنفذ الجريمة ؟ ألا يبدو ذلك أمراً غريباً وغير معقول ؟ .
4- ذكرت أن الزوج لا يعلم أن الزوجة لديها تأمين على الحياة وتفاجأ عند سماع ذلك ! الحقيقة أنه ما كان ينبغي على الزوج أن يتفاجأ بل كان عليك أنت أن تتفاجائي – كما تفاجأت أنا – من إنكار الزوج المتهم بعدم علمه بأن الزوجة لديها تأمين على الحياة ، وسأتفاجأ أكثر إذا علمت بأنه هو المستفيد من التأمين .
رابعاً : ذكرت بأنك ذهبت إلـى مسـرح الجريمة وقمت بالتدقيـق على الجثث ولم تذكري لنا متى تم تكليفك كوكيله عن ورثة المجنى عليها . بمعنى لم تذكري لنا كم مر من الوقت من تاريخ وقوع الجريمة حتى تاريخ تكليفك بمباشرة إجراءات الاتهام ولكن من الوقائع التي أشرت إليها يبدو أنه قد مر وقت ليس بالقصير حيث يفهم من سردك للوقائع أن النيابة كانت قد عاينت موقع الجريمة وأنها أكملت تحقيقاتها في هذا الخصوص ولكنها – حسب رأيك – لم تقم بالتحقيق الكافي بعد أن عـرفت بأن هناك تأمين علـى الحياة كما أشـرت فكان أن تبرعـت أنتِ وقمت بمزيد من التحـريات ولا ادري ما هو دافعك في ذلك . فإذا كان دافعك هو الوصول إلى الحقيقة فإن الحقيقة المطلقة أمر لا يعلمه إلا الله أما إذا كان هدفك هو الوصول إلى الحقيقة عن طريق الإستنتاج فذلك أمر لا دخل لك به وليس من مسئولياتك أن تقدمي للنيابة إستنتاجاً حول وقوع الجريمة فذلك أمر تختص به النيابة وحدها ويعتمد على دقتها في رفع الدعوى بناء على أدلة كافية ، كما أنه أمر يخضع لتقدير المحكمة بعد وزن البينة حتى لا يكون هناك افتئات على حقوق الناس ولا تكون هناك إدانة لمجرد شبهات أو إستنتاجات ، وكان الأحرى بك أن تسـعي بالحق إلـى رعاية مصـالح من وكلك فالعـدالة في النهـاية لا يضيرها إفلات مجرم من العقاب ولكن يضيرها الافتئات على حقوق الناس ، ولعـلك تعلمين في القضـايا الجنائية أنه من أسـهل ما يكون للمحامي أن يكون ممثلاً للدفاع إذ يكفي أن يلقي بظلال من الشك المعقول في ذهن المحكمـة فتحكم بالبراءة لأن الإدانة لا تكون إلا بناء على أدلة قائمة على اليقين فلماذا كان دورك هو تقمص دور الدفاع بدل الإتهام ، أما كان عليك احترام الشرعية الإجرائية باعتبار أنها الإطار الوحيد الذي يكون البحث عن الحقيقة من خلاله تحقيقاً للعدالة الجنائية ؟
خامساً : عودة إلى ما أشرت إليه من أن النيابة لم تقم بالتحقيق الكافي بعد أن عرفت أن هناك تأمين على الحياة . وأتساءل باسغراب شديد ما علاقة تحريات النيابة حول وقوع جريمة قتل بكون المجنى عليها مؤمن على حياتها ؟! هل يذهب دم الإنسان هدراً لمجرد أنه مؤمن على حياته على أساس أنه سيتم تعويض المسـتفيد ام ماذا ؟! ثم أليس ذلك أدعى لأن تجـري النيابة تحقيقاتها المكثفة لمعرفة أسباب وقوع الجريمة في ظل وجود تأمين على الحياة حتى يتبنى لها ما إذا كانت الجريمة بفعل فاعل للحصول على مبلغ التأمين مثلاً ؟ خاصة إجراء تحريات مشددة مع المستفيد من مبلغ التأمين ؟ .
سادساً : أرى أنه لم يحالفك الصواب أبداً فيما أقدمت عليه بل يعتبر ما قمت به – في تقديري – أمراً مخالفاً للقانون ولأخلاقيات المهنة حتى لو ثبت لديك يقيناً أن المجنى عليها هي التي أقدمت على الإنتحار – و لم يثبت ذلك – فكان الأولى بك أن تبحثي عن الدافع إلى ذلك فقد يكون المتهم هو من دفعها على ما أقدمت عليه فيستحق عقاباً على ذلك أو كان عليك الإنسحاب من القضـية إذ لا يليق بالمحامـي أن يقـدم دليل ضـد موكله تحت أي ظرف من الظروف إلا إذا تعلق الأمر بإرتكاب جـريمة ناهيك عن أن يقدم تأكيدات مبينة على مجرد استنتاجات لم تثبت صحتها بأي حال من الأحوال . وفي هذا لا أتفق مع ما أشار إليه الزميل الأستاذ المأمون بأن الزميلة قد توصلت إلى الحقيقة المجردة فيما أشارت إليه من وقائع فليس هنالك دليل واحد على أنها توصلت إلى الحقيقة بل هي مجرد استنتاجات تحتمل غير ما توصلت إليه وفقما أشرنا إليه من وقائع وأسباب فيما سبق ذكره .
مـع تحيـاتي ؛؛؛
|