اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
المأمون
التاريخ
6/22/2004 6:59:00 AM
  مسئولية الكلمة      

أن تقود المرأة سيارة أو جملاً أو طائرة ، هو أمر يمكننا أن نتناقش وأن نتفق أو نختلف حوله. كل ذلك لا يعدو أن يكون جدلاً أو حواراً أو بحثاً حول استخدام وسيلة مباحة في ذاتها..

 

ولعل ركوب المرأة للجمل ليس بالصورة التي يتخيلها بعضنا ، وإنما هي تركب على هودج لا يزال يستخدم في كثير من البوادي. ولو قدر لهؤلاء البعض أن يراه لرأى مدى تكريم الرجل العربي / المسلم للمرأة. ولصغر أمامه موكب الزواج الأسطوري الذي ما مضت عليه سنوات حتى طلع علينا كل من الزوجين يعلن خيانته للآخر.. ومن سخرية القدر أن تقضي الزوجة نحبها في حادث (سيارة).. ومن سخرية القدر أيضاً أن يرحل معها أحد أبناء جلدتنا الذي كان يحسب أن أوربا تُدخل عن طريق الـ boy friendship . ولكن ضاع الـ boy وفنيت الـ  friend وتحطمت الـ ship.

 

ربما تكون الإثارة الصحفية مرغوبة. ولكن استخدام بعض التعبيرات في غير مكانها هو أمر دقيق وحساس ولربما يوقع في المحظورات لمن يؤمن بها. فإذا أراد الأستاذ/  أحمد حلمي مثلاً أن ينتقد لجنة الشريعة بنقابة المحامين ، فهذا من حقه. ولكن عليه أن يقول ذلك بدلاً عن أن يقول : (قمت بتوزيع بيان يحمل اسم  " لجنة الشنيعة " ....) ثم يحتاج لأن يفسر قصده فيقول (أنا أتحدث عن لجنة تسمى لجنة الشريعة ولم أتحدث عن الشريعة الإسلامية كدين)  . فهناك مواضيع بطبعها لا تقبل الإثارة والقاعدة تقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم.

 

وبقدر ما أعجبني الحس الصحفي والنفس الطويل والإعداد الذي بُذل فيه جهد واضح ، بقدر ما استفزتني بعض عبارات الأستاذ/ شناني في مداخلته في موضوع قيادة المرأة للسيارة ، الربط التالي ، والتي لي عليها بعض ملاحظات:

http://www.mohamoon.com/montada/messagedetails.asp?p_messageid=2880

 

الملاحظة الأولى: إنه بدأ حديثه عن الإنسان العربي ، ثم استبدله بالإنسان المسلم ، ثم رجع واستخدم عبارة الإنسان العربي في فقرة أخيرة عندما رأى أنه لا مجال لمهاجمة الإنسان المسلم في سياق العبارة التي استخدمها. وسنبين في الملاحظة السابعة تفصيل ذلك.

 

الملاحظة الثانية: قوله (وهو الإنسان الوحيد الذي يمضي سنوات في مناقشة مسائل تافهة مثل : مسح الخفين عند الوضوء!)..

إن مسح الخف هو موضوع عبادة وليس خطاب ديني متخلف. فهل يستكثر الأستاذ/ شناني البحث في العبادات؟

 

الحديث هنا ليس عن وسيلة بل عن عبادة هي غاية. وما قد يراه البعض مناقشة عقيمة ، يراه المسلم العادي من أبسط القواعد التي يجب أن يلم بها. وما قد يراه الآخرون شقاء ، يجد فيه المؤمنون سعادة وهناء. يقول ابن الفارض:

        هل نهاك نهاك عن لوم أمري         لم يلف إلاّ متنعمـاً بشـقاء؟

 

الملاحظة الثالثة: قوله (والإنسان المسلم هو الوحيد الذي يأكل مواد منتهية الصلاحية ، حتى تلوث عقله وخارت قواه) .

في هذه العبارة غموض نأمل من الأستاذ/ شناني أن يزيله بالإجابة على السؤال الآتي: ما هي المواد منتهية الصلاحية التي يأكلها الإنسان المسلم وحده؟

 

الملاحظة الرابعة: قوله (وهو الإنسان الوحيد الذي يرى شبها كبيرا جدا بين المرأة والخنزير والكلب!! حيث الثلاث "هكذا"  تقطع بهم الصلاة).

وهذا تجني على الناس عرباً أو مسلمين. إننا لم نسمع بأحد شبه المرأة بما ذكر الأستاذ/ شناني. ورغم أنه ورد في كتب الأحاديث أن هذه الثلاثة تقطع الصلاة فإنك تجد في كتب الفقه كلام السيدة عائشة رضي الله عنها الذي تنفي بموجبه قطع المرأة للصلاة { تذاكروا عند عائشة رضي الله عنها ما يقطع الصلاة ، فقالوا يقطع الصلاة، الكلب والحمار والمرأة . فقالت عائشة رضي الله عنها : لقد عدلتمونا بالكلاب والحمير ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى وسط السرير وأنا عليه مضطجعة ، والسرير بينه وبين القبلة ، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس بين يديه فأوذيه ، فأنسل من قبل رجليه انسلالا } وتجد أيضاً قول ابن عمر رضي الله عنه ( لا يقطع صلاة المسلم شيء ) وأن عليا وعثمان رضي الله عنهما قالا (لا يقطع صلاة المسلم شيء ، وادرءوا عنها ما استطعتم) . ولهذا قال ابن العربي في أحكام القرآن (إن الآثار في ذلك بينة متعارضة فتبقى الصلاة على صحتها) . وهذا يحسب للفقه الإسلامي ، حيث يورد كل الأقوال ثم يمحصها دون أن يخفي منها شئ. وهذا يحسب للحضارة الإسلامية التي أصلت التوثيق أنشأت غير مسبوقة علم الرجال أو علم الجرح والتعديل. ويبقى بعد ذلك الأمر للبحث لمن أراد أن يستقصي، وسيجد ثروة فقهية رائعة. ولعل التشبيه الوحيد الذي سمعنا به هو استشهاد السيدة عائشة في مجال النفي تعضيداً لحجتها.

 

الملاحظة الخامسة: قوله ( ذهنية الإنسان المسلم هي الصورة الأكثر تعبيرا عن عجز المواطن المقهور عن مواجهة أحداث الحياة ومستجداتها والتعامل مع قضاياها ومشاكلها وتحدياتها. فهو يختار الرجوع إلى الوراء عندما تحتدم المواجهة .. فيهرع إلى عباءات الفقهاء يبحث عن شيء .. عن رأي .. ولو تعريضا قاله الشيخ .. أي شيء .. في علامة بارزة على قصور العقل واستقالته من الاجتهاد وإيجاد حلول معاصرة لقضايا معاصرة ، يفترض الإنسان المسلم أن الحل لها قديم وإن كانت معاصرة ، في تجاهل فاضح لخصوصية كل مشكلة في الزمان والمكان والإنسان). هل يختلف اثنان في أن من أهم مصادر الضباب الذي يغطي أجواءنا الفكرية هو إعجاب كل ذي رأي برأيه؟ وهل يخالف أحد في أن البحث العلمي يقتضي الاستناد إلى تجارب من سبقنا؟. ولهذا فإن الذي لا يفتي إلاّ بعد التيقن والذي لا يظن أنه أتى بما لم تأت به الأوائل هو الباحث الذي يتواضع للعلم فيفيد. ولإثبات العكس ، فإني أطلب من الأستاذ/ شناني أن يضرب لنا أمثلة "لحلول معاصرة لقضايا معاصرة"  دون أن يستفيد فيها الباحث أو المجتهد من تجارب الذين سبقوه.

 

الملاحظة السادسة: أورد أقوال بعض الفقهاء وآرائهم في المرأة. وهي أراء شخصية ليست ملزمة لأحد . ويحق لقائليها أن يدافعوا عنها كما يجوز لغيرهم أن يدحضها. ويكفي في ذلك الأثر الخالد : خذوا شطر دينكم عن الحميراء. وعلينا أن لا ننسى تأثير الظروف المحيطة. فأنا مثلاً كنت ، وطبيعي لازلت ،  أنظر للمرأة كأم وأخت وزوجة وبنت. والأم هي المعلم الأول الذي نتعلم منها قيم ومعاني الحياة مهما كان حظها من التعليم. وكنت متأثراً بكتابات الأستاذ الكبير عباس العقاد. فكان في نفسي شيء من أن تكون المرأة عالمة متخصصة أو بحر في علمها. حتى درست مادة القانون التجاري على يد أستاذتي الدكتورة سميحة القليوبي وحتى حضرت مناقشة رسالة دكتوراة  في كلية الآداب بجامعة القاهرة وكانت رئيسة لجنة المناقشة الدكتورة سهير القلماوي. وكان ذلك قبل أكثر من ربع قرن من الزمان. فرأيت العلم يمشي على رجلين. وعلينا أن نذكر أن علي بن الجهم الذي وصف المتوكل ، وهو يمدحه ، بالدلو كناية عن الكرم وبالكلب في حفاظه الود وبالتيس في قراع الخطوب هو نفسه ابن الجهم الذي وصف ما حوله، بعد أن رق طبعه كما يقول النقاد ، قائلاً:

     عيون المها بين الرصافة والجسر        جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

 

الملاحظة السابعة: قوله (وقد قلت سابقا ، بأن الإنسان العربي ليس لديه إنجازات يفخر بها ، وليس له مساهمات في سير وصنع الحضارة العالمية ..). علينا أن نتذكر الملاحظة الأولى وهي أن الأستاذ/ شناني بدأ حديثه عن الإنسان العربي ثم استبدله بالإنسان المسلم ولكن في هذه الفقرة رجع لاستخدام تعبير الإنسان العربي. وفي رأيي أنه فعل ذلك لأنه يعلم تماماً عظمة الحضارة الإسلامية والتي امتزجت فيها الحضارة العربية وقدمت مساهمتها للعالم بما لا يحتاج إلى بيان.

 

الملاحظة الثامنة: قوله (فاذهبي وقودي السيارة والطائرة والباخرة ، وذنبك في رقبتي). إن الذي يشير إلى الذنب هو إنسان مؤمن. والذنب لا يُحاسِب به إنسان وإنما يتولى الحساب رب الناس. ولذلك فإن الأدب مع الخالق جلا وعلا يقتضي أن نكون حذرين عندما نتحدث عن تحمل تبعات أمامه سبحانه وتعالى. فمن أنا ومن أنت وما الناس جميعاً ليضمن بشر ذنوب الخلق وليتحمل آثام العباد؟. عندما نذكر الآية الكريمة (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وعندما نتلو الآيات الكريمات (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) هنا نتوقف. وندرك أن كل رقبة ستكون في شغل وكل نفس ستكون في هم. وكلنا يعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه. ورب كلمة يستصغرها العبد لا يلقي لها بالاً تحبط معها كل أعماله الصالحة.

 

عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال: ‏ ‏إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم.

 

وفي حديث آخر:  ‏إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه .

 

وفي حديث ثالث: ‏ ‏إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا ‏ ‏يرى بها بأسا ‏ ‏فيهوي بها في نار جهنم سبعين ‏ ‏خريفا.

 

وفي حديث رابع :  ‏ ‏إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب.

 

 أقول هذا وأنا استصحب حسن النية وافترضها في كل الأخوة. وأنسب الهفوات لعثرات اللسان. وأضع نصب عينيّ أن كل منا خطاء وأن خير الخطاءين التوابين.

 

وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.


  المأمون    عدد المشاركات   >>  9              التاريخ   >>  23/6/2004



                                     (تصويب)

 

ورد خطاءان مطبعيان ، وصوابهما.

 

في الملاحظة الثانية: وليس خطاباً دينياً متخلفاً.

في الملاحظة الثامنة: ولذلك فإن الأدب مع الخالق جلَّ وعلا.

 

                                  وشكراً.

 


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 4207 / عدد الاعضاء 62