تبداء وقائع هذه الاحداث المؤسفة الساعة الحادية عشر من صباح الخميس حيث كان الضابط برتبة نقيب / عادل برعى ينصب كمينا أمام محكمة شمال القاهرة بالعباسية للبحث عن المشتبه فيهم من الهاربين من تنفيذ الاحكام .
وكان الضابط يجلس فى يارة شرطة " بوكس " اسفل الكبرى المواجهة للمحكمة وينشر قواته عند باب المحكمة .. اثناء ذلك كان المحامى يخرج من المحكمة بصحبة أحد موكليه .. اشتبه الضابط فى الموكل فارسل أحد امناء الشرطة من القوة المرافقة له لاستيقافه والاطلاع على هويته .. توجه الأمين الى المحامى وموكله وطلب منهما الاطلاع على تحقيق الشخصية فوقعت مشادة بين المحامى وأمين الشرطة على أثرها ترك الضابط سيارته وتوجه لهم وطلب منهم ابراز تحقيق الشخصية فقام المحامى باطلاعه على كارنية النقابة قائلا له انه محامى .. فقام الضابط بالقاء الكارنية فى الشارع وطلب منه البطاقة الشخصية فاخرج المحامى البطاقة له فقام الضابط بالتحفظ على بطاقة المحامى وموكله وطلب من أمين الشرطة اصطحابهم الى سيارة الشرطة للذهاب الى الإدارة والكشف على اسمائهم لمعرفة ما عليهم من احكام .. هنا ثار المحامى ووقعت مشادة بينه وبين الضابط قام الضابط على اثرها بضرب المحامى " بالبوكس " مما تسبب فى كسر نظارته واصابته بجرح قطعى اسفل العين اليمنى .. وقبل أن يحاول المحامى مقاومته لحقه الضابط بضربة اخرى تسببت فى جرح قطعى اسفل العين اليسرى .. فوقع المحامى على الارض .. وعلى الفور خرج من سيارة الشرطة أثنين من أمناء الشرطة وثلاثة من الجنود حاملين عصى خشبية وقاموا بالاعتداء بالضرب على المحامى الواقع على الارض .
شاهد هذه الواقعة أحد المحامين اثناء دخوله الى المحكمة ويدعى " مصطفى " فقام بالتدخل للدفاع عن زميله إلا أن الضابط والجنود قاموا بالاعتداء عليه بالضرب المبرح الذى تسبب فى كسور فى انحاء متفرقة من جسده .
فى تلك الاثناء كان بعض المارة والمحامين قد شاهدوا ما حدث فسارعوا بالدخول للمحكمة حيث غرفة المحامين واستنجدوا بالمحامين الموجودين فهرع عدد كبير من المحامين الى خارج المحكمة حيث شاهدوا وقائع الاعتداء على زملائهم فقاموا بالتدخل وتحول الموقف الى مشاجرة كبيرة التف فيها المحامين حول الضابط والجنود وكيلوا لهم الضرب بكل انواعه ... استطاع الضابط الافلات من المحامين فجرى الى منتصف الشارع ثم قام باشهار سلاحه فى وجه المحامين الذين تتبعوه .. فتوقف المحامين عن الجرى خلفه فقام الضابط بالجرى فى اتجاه مبنى الهيئة العربية للتصنيع المواجهة للمحكمة .. سارع المحامين بالجرى خلفه مرة اخرى فاحتمى الضابط بالمبنى وقام المحامين بمحاصرة المبنى طالبين خروج الضابط .. ودارت معركة عنيفة بين أمن المبنى والمحامين .. الى أن تبين هروب الضابط من الباب الخلفى للمبنى .
فى هذا التوقيت حضرت سيارات الاسعاف وبعض قوات الامن وسيارات الشرطة فقام المحامين بالتجمهر وسط الشارع المواجهة للمحكمة ومنع حركة المرور واحتلال الشارع باكمله وبدأت مظاهرات احتجاجية من المحامين على اثرها قام الأمن باغلاق المرور من ناحية ميدان العباسية ومن ناحية شارع صلاح سالم ..
استمرت مظاهرة المحامين وسط الشارع فى الفترة من الساعة الثانية عشر ظهرا وحتى الرابعة ظهرا مطالبين بحضور نقيب المحامين ومجلس النقابة ووزير الداخلية شخصيا .
حضر الى المحكمة اللواء اسماعيل الشاعر واللواء عبد الله الوتيدى ( مباحث العاصمة ) وحاولوا التحدث الى المحامين إلا أن المحامين رفضوا الحديث معهم طالبين حضور وزير الداخلية ونقيب المحامين .. وقرر المحامين تحويل المظاهرة الى اعتصام فى وسط الشارع واستمر الاعصتام والهتافات المعادية لوزارة الداخلية والمطالبة لنقيب المحامين رد اعتبار المحامين والنيل من المجرمين ...
الساعة الرابعة والنصف ظهرا حضر الاستاذ سامح عاشور نقيب المحامين ومعه أعضاء مجلس النقابة وسط حشد كبير من المحامين المعتصمين بالشارع والذين رفضوا الدخول مع النقيب الى داخل المحكمة مصممين على استمرار اعتصامهم فى الشارع واستمرت الهتافات وتزايد عدد شباب المحامين الغاضبين وسط ارتباك من قيادات الأمن الموجودة بالمكان وعدم امكانية على التصرف مع الوضع .
خرج نقيب المحامين واعضاء المجلس من المحكمة الساعة الخامسة وطلب النقيب التحدث للمحامين ..ونظرا لكثرة عدد المحامين واتساع الشارع اضطر احد المحامين الى حمل النقيب ووقف النقيب يتحدث الى المحامين فاخبرهم بانه قام بالاتصال بوزير الداخلية والنائب العام وتقرر الآتى : وقف الضابط عن العمل - التحفظ على الضابط والأمناء المتهمين فى الواقعة - انتداب نيابة غرب القاهرة الكلية للتحقيق وانتقالها الى محل الواقعة .
وقرر النقيب أن النقابة سوف تدعى مدنيا فى التحقيقات التى سوف تجرى .
انصرف النقيب بعد الاتفاق مع اعضاء المجلس وتحديد أربعة من الأعضاء لحضور التحقيقات مع أعضاء لجنة الحريات المتواجدين وحشد من المحامين .
بدأت نيابة غرب القاهرة فى التحقيق بمعاينة سيارة الشرطة المواجدة بالمكان .. ثم انتقلت الى مستشفى عين شمس التخصصى لسؤال المحامى حيث تبين أن المحامى فى غرفة العناية المركزة وأن حالته الصحية سيئة وتمنع من استجوابه .. فعادت النيابة الى مقر محكمة شمال القاهرة واستمعت الى أقوال شهود الاثبات ...
بعد ذلك قررت النيابة العودة الى مقرها بمحكمة جنوب القاهرة لاستكمال التحقيقات .. وعليه انتقلت النيابة بصحبة المحامين الى مقر محكمة جنوب القاهرة ..
وفى محكمة جنوب القاهرة كان جراج المحكمة ممتلىء بسيارات الشرطة .. وكان الضابط والأمناء المتهمين متحفظا عليهم فى احد هذه السيارات وهى سيارة شرطة ميكروباص تتبع مباحث مديرية أمن القاهرة ..
بدأت النيابة التحقيقات مرة اخرى بسماع شهود النفى ثم سماع اقوال الأمناء والجنود المتهمين .. وواجهة صعوبة فى سماع اقوال الضابط الذى خشى أن يصعد الى مقر النيابة فى الدور الأول حتى لا يفتك به المحامين المتواجدين .. ونجحت قوات الامن فى الصعود به فى كردون أمنى وسط هتافات من المحامين ضده فى حدود الساعة الثانية عشر مساء ....
الظريف فى الموضوع أن الضابط والأمناء المتهمين احضروا تقارير طبية تفيد اصابتهم باصابات مختلفة وأتهموا المحامى باحداث هذه الاصابات والتعدى عليهم بالضرب ... وباشرت النيابة التحقيق معهم بوصفهم متهمين ثم مجنى عليهم ... وهو ما تسبب فى حدوث مشادات كثيرة بين اعضاء النيابة المحققين وبين المحامين الحاضرين للتحقيق ....
استمرت التحقيقات حتى الساعة الرابعة فجرا .. بعدها قررت النيابة استكمال التحقيقات لجلسة باكر الجمعة مع التحفظ على الضابط والأمناء المتهمين ...
فى يوم الجمعة الساعة الثالثة ظهرا استكملت النيابة التحقيقات التى لم يكن لها لزوم اصلا إلا محاولة امتصاص غضب المحامين المطالبين بحبس الضابط والجنود ... وانتهت النيابة الى القرار باخلاء سبيل الضابط بكفالة 1000 جنية واخلاء سبيل الأمناء بكفالة 500 جنية واخلاء سبيل المحامى القابع بغرفة العناية المركزة بالمستشفى بالضمان الشخصى ...
كان هذا ملخص سريع لاحاث طويلة جدا استمرت من الساعة الثانية عشر ظهرا حتى الرابعة فجرا ومن بعدها يوم الجمعة ... وغدا نتبين رد فعل المحامين ونقابتهم على قرارات النيابة الغير محايدة ... لماذا غير محايدة ..
لأن المحامى لازال فى غرفة العناية المركزة يعانى من كسور متفرقة فى كل انحاء جسده .. ولو كانت هذه قضية عادية المتهم فيها ليس ضابط شرطة لكان المعتاد صدور قرار النيابة بحبس المتهم اربعة ايام على ذمة التحقيق حتى تقف النيابة على التقرير الطبى للمجنى عليه ومعرفة ما نتج عن الجريمة .. هل هو اصابة اقل أو اكثر من 21 يوم .. ام ستتحول الى عاهة مستديمة ... أم يتصور أن المحامى قد يتوفى فتتحول القضية الى ضرب أفضى الى موت ... هذا هو المعتاد .. لكن قرار النيابة هو الذى اصبح غير معتاد ..
ناهيك عن اخطاء عديدة من النيابة فى التحقيقات محاولة لتحسين وضع الضابط والأمناء والتى تسببت فى مشادات بين النيابة والمحامين على اثرها انسحب بعض المحامين من التحقيقات احتجاجا على توجيه النيابة للمتهمين والشهود فى اجاباتهم ....