شارك المركز القانوني للمحاماة في
المؤتمر الإقليمي الخاص بشبكة الحد من استخدام الأسلحة الصغيرة
مركز المعلومات والتأهيل بحقوق الإنسان- تعز
انعقد في صنعاء خلال الفترة 13-14 ديسمبر 2003
بالتعاون مع مؤسسة خدمات الأصدقاء بالأردن والبرنامج الكندي في اليمن
بورقة عمل حول
مشكلة حمل السلاح لم تعد مسألة تعاني منها اليمن وحدها ...
أن المتطلع على الأحداث التي تسببها ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين سواءاً كان بالغاً أم قاصراً نجدها لا تفرق بين رجل وامرأة أو بين صغير وكبير وبمتابعة الأسباب التي وراء ذلك نجدها أسباب منها :- اقتصادية واجتماعية وعرفيه وسياسية .
ففي مختلف العالم نجد أن معظم الدول تعاني من هذه الظاهرة بسبب النزاعات القبلية القائمة فيها وخاصة في دول العالم الثالث .
ومن هذه الدول بلدنا – اليمن – فظاهرة حمل السلاح أصبحت تؤرق المواطن العادي حيث نجده يحاول قدر الإمكان أن يتجنب التخاطب مع من يحمل ذلك السلاح سواء كان السلاح الأبيض – الجنبية – أو السلاح الناري – الخفيف – هذا إلى جانب عقلانية البعض من المواطنين الذين لم يستطيعوا استيعاب مدى تقدم وتطور المدنية ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر عدم تدخل الدولة بقوتها العلمية والقانونية في الحد من هذه الظاهرة بصورة جادة وفاعلة .
أن مشكلة حمل السلاح الخفيف ليست كأي مشكلة فهي ذو حدين وخاصة في الدول التي لم يستتب الأمن والأمان فيها ولم يطبق القانون فيها ولم تسود روح المساواة بين مواطنيها أمام القانون إلى جانب أن بلادنا تعاني من هذا الموضوع فإن الجهل والأمية وعدم انتشار الوعي بالخطورة الناتجة من حمل السلاح يلعب دور كبير في انتشار هذه الظاهرة وخاصة في المناطق القبلية .
ظاهرة انتشار الأسلحة الصغيرة وخطرها على الأمن والسلام العالمي :-
انتشرت الأسلحة الصغيرة وبكميات كبيرة جداً في معظم أنحاء العالم الأمر الذي أدى إلى ظهور العديد من جرائم القتل والإغتيالات والخطف والسطو المسلح .
وبالتدرج أدي انتشار الأسلحة إلى تكوين العصابات والجبهات في بعض الدول والأخطر من ذلك وجود علاقات مترابطة بين عصابات مسلحة في دول مختلفة من العالم الأمر الذي هدد السلام العالمي ككل ونتج عنه جرائم الإرهاب.
فما هي أسباب انتشار هذه الأسلحة بطرق غير مشروعة ؟
إن السبب الرئيسي يعود إلى الشركات المصنعة لهذه الأسلحة لا لأنها تنتج هذه الأسلحة ولكن لأنها تسوقها وتبيعها بطرق غير مشروعة وتنظر إلى مصلحتها فقط ولا تنظر إلى الأضرار التي قد تلحق بغيرهم نتيجة لذلك البيع الغير مشروع فقد بلغت نسبة شراء الأسلحة بطرق غير مشروعة إلى 20% من إجمالي بيع الأسلحة بطرق مشروعة وتقدر بمبلغ مليار دولار سنوياً فهذا المبلغ من المال بسببه تنهار أنظمة اقتصادية وتتدهور وقد ربما تؤثر على الإقتصاد العالمي نتيجة لهذا التصرف الغير مشروع وتودي بحيات مئات الآلاف من البشر كل عام وغالبيتهم من المدنيين فالأسلحة الصغيرة لا تفرق بين مدني ولا عسكري ولا بين المعركة والجريمة ولا بين حالة الحرب المشروعة والإرهاب والأضرار الناجمة عن انتشار الأسلحة الصغيرة باهضة جداً فإلى جانب الضحايا من الأرواح البشرية فإن النظم الاقتصادية تنهار بسبب النزاعات المسلحة المستمرة وتضطرب الحكومات وتنهار البنيه التحتية فتزداد الحاجة إلى المساعدات التنموية ويزداد الأمر خطورة في بلدان العالم الثالث وخاصة الدول الأكثر فقراً .
أن الأسلحة الصغيرة مطلب أساسي ومهم بالنسبة للإرهابيين فهي تحوّل الجماعات الصغيرة إلى فصائل مسلحة لا خير منها واليوم اصبح بإمكان أي جماعة تقريباً صغيرة كانت أو كبيرة امتلاك السلاح بكل سهولة نتيجة للعرض والطلب الأساسي حيث يوجد نظام متفكك وفساد كما هو الحال في أغلب أنحاء العالم حيث أصبحت البندقية سلعه رائجة حتى وصل الحال إلى أن 59% من الأسلحة الصغيرة تقع بأيدي المدنيين ومعظمها عن طرق غير مشروعة سواءً كانت سوق سوداء غير مشروع أو غيرها اعتماداً على وضعية الأسلحة في قائمة المستهلكين نتيجة لهذه الظاهرة. الخطيرة فقد عقدت عدة مؤتمرات من أجل مكافحة الإتجار في هذه الأسلحة بطرق غير مشروعة والحد من انتشارها في العالم ومن هذه المؤتمرات :-
* المؤتمر الإقليمي لمنطقة البحيرات العظمى حول الأسلحة الصغيرة والذي عقد في 27/11/2003م في مدينة مومباسا الساحلية الكينية والذي استغرق ثلاثة أيام وقد سعى الاجتماع إلى توعية البرلمانيين بالتهديد الناجم عن الأسلحة غير المشروعة وتأثيرها على الديمقراطية والتنمية .
* اتفاقية أوتاوا الذي انعقدت في جنيف .
* مؤتمر جيبوتي الذي انعقدت في نوفمبر 2000م .
* مؤتمر باماكو الذي عقد في فبراير 2001م .
* مؤتمر الأمم المتحدة في يوليو من عام 2001م لمناقشة الإتجار غير المشروع في الأسلحة الخفيفة . بذل المؤتمرون جهداً واختتموا مؤتمرهم بوضع برنامج مفصل للعمل على منع انتشار تلك الأسلحة وبعد شهرين من ذلك حولت هجمات 11 سبتمبر الاهتمام العالمي في كل مكان وقللت الحرب العالمية على الإرهاب كلية من أهمية موضوع الأسلحة الخفيفة .
* طالبت الأمم المتحدة بمكافحة الإتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والخفيفة التي تؤدي إلى مصرع ما يزيد عن ألف ومائتي شخص في اليوم .
* وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى مضاعفة الجهود لوضع حد لهذه الآفة التي تؤدي إلى مقتل 60شخصاً في الساعة في العالم .
وأضاف عنان أن هذه الأسلحة لا تتعرض للرقابة التي تخضع لها أنواع الأسلحة الأخرى مع أن الانعكاسات السلبية استخدامها جلية في مجالات تأجيج النزاعات وتهديد جنود حفظ السلام ومنع وصول المساعدات الإنسانية وعدم احترام القانون وعرقلة التنمية ما يجعلها بالفعل ( وباءً عالمياً ) .
ولكن فهم المشكلة ليس كحلها فالفرصة الآن متاحة للدول العظمى وغيرها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لتجديد التزامها بقضية الأسلحة الخفيفة . وتنفيذ الدول بجدية لالتزاماتها الخاصة بالأسلحة الصغيرة والخفيفة أمر لا سبيل لإجتنابه . وممارسة رقابة على الصادرات لمنع الوسطاء أو السماسرة من استغلال القنوات المشروعة وتعزيز الرقابة على تدفق الأسلحة حول العالم لا يردع الإنتقال غير المشروع للأسلحة الخفيفة فحسب بل ويسهل القبض على أولئك الذين يمارسون نشاطات غير مشروعة ومعاقبتهم .
الإجراءات الوقائية :-
تمخضت حكومة اليمن بعد توقيع الاتفاقيات والبروتوكولات الثقافية والتعليمية مع حكومات البلدان التي ينتمي إليها الطلبة والمدرسين العاملين فيها بتطبيق إجراءات قانون الإقامة .
وشددت الحكومة اليمنية على ضرورة قيام جميع المؤسسات التعليمية والجامعات بتصحيح أوضاعها القانونية وكذا أوضاع المدرسين والخطباء والطلبة الدارسين فيها وفقاً للإجراءات الجديدة وتشترط على الطلاب الراغبين في الدراسة في اليمن أن يحصلوا على موافقة بلدانهم أولاً – وفي حالة ضبط مخالفين لقانون الإقامة يكون ترحيلهم .
كما أكد مجلس الوزراء على تشديد الضوابط والقواعد المنظمة لعملية الإتجار بالمواد المتفجرة في اليمن ، وتفصيل عملية تطبيق القانون الخاص بتنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والمتفجرات والاتجار بها .
ودعت الحكومة اليمنية مجلس النواب للإسراع بمناقشة مشروع قانون الأسلحة والمتفجرات والمصادقة عليه ولا تخلوا الدعوات من كل الجهات الرسمية بضرورة الحد من الأسلحة وانتشارها وخاصة في الفترة الأخيرة بعد اتساع دائرة ما يمكن أن نسميه بالإرهاب .
* اليمن دولة تعاني من هذه الظاهرة :-
أن الوضع ما قبل 22 مايو سنة 1990م كان مختلفاً بين شمال اليمن وجنوبه للتاريخ اليمني .. بجده مجتمعاً أصيلاً ومتسامحاً بحكمة تمسكه بعقيدته الإسلامية السمحاء والتقاليد والأعراف .. فظاهرة حمل السلاح في المجتمع اليمني هي ظاهرة مرتبطة بتقاليد اجتماعية قديمة ومختلفة أكثر من أن تمثل أسلوباً حضارياً.
ففي شمال اليمن – ما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية قبل 22 مايو 1990م نجد هذه الظاهرة التقليدية ما زالت تمارس حتى عهدنا هذا ، ومازال الكثير من مواطنيها المدنيين يكونوا ضحايا هذه الأسلحة الخفيفة نتيجة الثأر القبلي ونتيجة واقع الجهل والتخلف الذي عاشه اليمنيون في عهد الإمامه وما زالت بعض آثاره قائمة وهذه الظاهرة لا تعاني منها اليمن فقط بل موجودة في كثير من المجتمعات العربية التي تتميز بالقبلية والعشائرية . هذا من جانب .
ومن جانب آخر العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية والإجتماعية أما جنوب اليمن – ما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل 22 مايو 1990م نجد ظاهرة حمل السلاح أخذت بالتقلص والإختفاء وذلك لعدة أسباب منها : دخول الإستعمار ونزع السلاح من المواطنين في المدن الرئيسية ثم الاتفاق مع بعض رؤساء القبائل بالحد من هذه الظاهرة سواء بالقوة أو بالسلم ومن بعد ذلك وأيضاً انتشار الوعي الثقافي في الأوساط الإجتماعية وتوفير سبل العيش ودعم الحكومة لمتطلبات الحياة الأساسية واستتباب الأمن والأمان . وتحمل الدولة مهام الأمن في البلاد وإن وُجد إلى حد ما سلاح منتشر في أيدي بعض المواطنين فهي محدودة ومنظمة بصورة دقيقة .
مما تقدم يمكننا أن نخلص إلى أن الأصل في حفظ الأمن والاستقرار ونشر الطمأنينة في وسط المجتمع هو من مهام الدولة ؛ بل هو جوهر مهامها . وبقيام الدولة بهذه المهمة كما يجب أن تكون عليه ؛ ويشعر المواطن بذلك ؛ بل ويطمئن لها ؛ أعتقد أنه ستنتفي الحاجة لدى المواطن من حمل السلاح أو حتى الاحتفاظ به ؛ كما هو قائم الآن لدى الكثير من العامة ؛ والطبقات الفقيرة من المجتمع.
إن من يسعى إلى حيازة السلاح والاحتفاظ به سواءً بترخيص أو بدون ترخيص هم فئة محدودة ومعينة من فئات المجتمع . وليس عامة المجتمع اليمني ؛ بغض النظر عن السلاح الأبيض ـ الجنبية .
بعد أن رأينا أن الأصل في حفظ الأمن والاستقرار من مهام الدولة ؛ من خلال مؤسساتها المختلفة . فإن الإستثناء يكون هو حمل المواطنين للسلاح أو حيازته أو الاحتفاظ به ؛ بقصد الحفاظ على أمنهم واستقرارهم هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى يدلل هذا الوضع إلى تنصل الدولة عن مهامها ؛ وعدم الإيفاء بالتزاماتها نحو مواطنيها .
كما أن هذا يؤدي إلى تداعيات مختلفة قد تمس بمكانة الدولة وهيبتها ونفوذها في مختلف المجالات الدينية والسياسية والاقتصادية ؛ ويضاعف من هذا الوضع القبلي وتداخلاته في الواقع اليمني ؛ والذي قد يصل أحياناً إلى حد مقاومة الدولة ومحاربتها لمجرد عدم قناعة هذه القبيلة أو تلك بوضع معين أو قرار أو ما شابه ذلك .
إن عدم انتشار مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة في عموم البلاد يساعد على انتشار الأسلحة بقصد حماية المواطن لأمنه واستقراره ؛ وكأنه يقوم بمهمة الدولة ونيابة عنها ؛ وبالتالي لا سلطان لها عليه ؛ ولا طاعة .
هذا يولد الشعور لدى المواطن بأنه لا حاجة له بالدولة ومؤسساتها بقدر حاجته للقبيلة وقوتها التي من خلالها ـ أي قوة القبيلة ـ تتوفر له الحماية والمكانة وهنا يكمن الخلل والذي يجب التوقف عنده .
حسب اعتقادي :-
فإذا كانت هناك ضرورة قصوى ومطلقة لمنح تراخيص بحمل السلاح يجب التحري في ذلك والتدقيق.
فإذا كان الترخيص شخصي لشخص بحد ذاته وباسمه ؛ والذي قد يكون بمثابة مسدس فقط ولا يتجاوز ذلك ؛ فيجب على الدولة أن تمنحه المسدس ويبقى كعهدة عليه . وأن يكون تجديد الترخيص بفترات متقاربة ؛ حتى يكون هناك ضمان بالولاء للدولة وقوانينها وأنظمتها ؛ والتأكد من أن الحاجة إلى حمل السلاح قائمة . أما إذا أنتفت الحاجة والضرورة لحمل السلاح فيلزم استعادة الدولة للسلاح الذي هو بمثابة عهدة لدى الحائزين عليه .
أما إذا كان الترخيص لمرافقين ؛ وهذه تتعلق بالأشخاص الرسميين والمهمين ؛ فيجب أن يكون هؤلاء المرافقين تابعين للأجهزة الأمنية الرسمية التابعة للدولة وأسلحتهم أيضاً . والتوجيهات يتلقونها من قيادتهم العسكرية ويكونوا مكلفين بحماية هؤلاء الأفراد الرسميين بما يتفق والقوانين والأنظمة السائدة في البلاد حتى لا يؤخذ على الدولة بأنها ضعيفة أو ما شابه ذلك . أما بالنسبة للسلاح الأبيض ـ الجنبية ـ فاستخدامها كسلاح أعتقد أنها ظاهرة أخطر من حمل السلاح الناري نفسه وانه يمثل إساءة لحضارة وتاريخ اليمن ككل ؛ باعتبارها جزء من التراث والإرث الحضاري ؛ وهي تعكس الشخصية الوطنية أو الزي الوطني ؛ يكون استخدامها كسلاح و يجب تنظيم ذلك وردع كل من يحاول استخدام الجنبية كسلاح حتى في حالة الدفاع عن النفس ؛ وهناك تجارب ونماذج في هذا المجال ولعل عُمان النموذج الحي والبارز في الاتجاه .
ولتجاوز ذلك الوضع الشـــــاذ والمتشـــــابك العلاقة ؛ لابـــد من أن يتم التالي:.
* وجود إرادة قوية وحقيقية لدى الدولة في تنفيذ القوانين السارية والنافذة والصادرة من الدولة نفسها. ومحاربة هذه الظاهرة والحد منها مهما بلغت الصعوبات . والمباشرة بمحاربة ومقامة كل مظاهر التسلح الغير قانونية .
* منع أسواق بيع السلاح في مختلف المناطق ؛ ومصادرة تلك الأسلحة من تجار السلاح بدون تعويض . راجع افتتاحية صحيفة الحقوق الصادرة عن المركز القانوني للمحاماة العدد العاشر.
* المساواة في عملية تطبيق القوانين بين أفراد المجتمع دون تمييز والبدء بالشخصيات العامة وبعض المتنفذين وذوي النقود حتى يتوفر المناخ الملائم لدى العامة بجدية الدولة وعدم التمييز بين أفراد المجتمع .
* نشر مخاطر حمل السلاح عبر كل وسائل الإعلام المختلفة وبث برامج توعيه ؛ وقيام ندوات ومحاضرات بل وحتى إقامة ورش عمل ميدانية في مختلف المناطق . عامل الإعلام ـ مهم جداً للغاية ويجب استضافة شخصيات هامة وعامة .
* يمكن إغراء المواطنين من خلال شراء الدولة لقطع الأسلحة التي بحوزتهم ؛ سواءً كان مرخصاً أو غير مرخصاً في فترة محددة .
* الاستمرار بتنفيذ الحملات الإعلامية ؛ ومحاربة كل مظاهر التسلح بصورة مستمرة حتى لا يؤخذ بانها مجرد حملة دقيقة وتنتهي .
* ولعل آخر ما نستطيع أن نختتم ورقتنا به هو الإعلان الحقيقي والجاد بمحاربة كل مظاهر الفساد في مختلف المجالات وفي كل أجهزت الدولة .