اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
alsaydilawyer
التاريخ
12/27/2013 12:20:39 PM
  بحث - استقلال القضاء في اليمن بين الواقع والطموح      

بسم الله الرحمن الرحيم
استقلال القضاء في اليمن بين الواقع والطموح
 



المحامي محمد قايد محمد الصايدي


مبدأ استقلال القضاء والقاضي يعتبر من أهم المبادئ التي تكفل ضمان عدالة القضاء وحياد القاضي ونزاهته في كل زمان ومكان, ومن أهم الأسس والأركان, التي يقوم عليها القضاء العادل على مر العصور والازمان, وهو هدف خالد يسعى لتحقيق العدالة في المجتمع، نادت به كل المجتمعات والشعوب الحرة، التي وقفت بوجه الظلمة والاستبداد والطغيان ، لتشيد بدلا من الأنظمة الشمولية مؤسسات القانون، فأصبحت العدالة صِنوَّ القضاء المستقل الذي اقترن بها, فلا يمكن أن تتحقق العدالة في أي مجتمع ما إلا إذا كان القضاء فيه مستقلاً استقلال فعلي بجميع أركانه, ويكون القاضي فيه مستقل بشخصه استقلال فعلي وذات حياد كامل, ولقد أصبح استقلال القضاء اليوم مبدأ عالمي مهم على وفق ما ورد في الإعلان العالمي لاستقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال المنعقد في كندا عام 1983م والمبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985م والتي تعتبر المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء في العالم حيث نصت في البند الأول (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية ) فأصبح مبدأ استقلال القضاء بهذا النص العالمي مبدأ قانوني دولي هام يشكل التزاماً دولياً على جميع الدول احترامه والنص عليه في دساتيرها وقوانينها الوطنية وجعله من الأركان التي تقوم عليها سلطتها القضائية, واوجب على جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية احترامه ومراعاته ...

ولقد كانت الدولة الإسلامية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم أول الدول التي وضعت أسس ومبادئ القضاء العادل ومن أهمها مبدأ استقلال القاضي وحياده, من أجل رفع الظلم وتحقيق العدالة وإنشاء قضاء عادل يحكم بكتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يخاف في الله لومة لائم ولا يجامل أحداً حتى ولو كان الخليفة نفسه, وكان استقلال القاضي من أهم الضمانات التي كان يتمتع بها القاضي أثناء النظر والفصل في الخصومات والمنازعات, فكان القضاء العادل أحد أهم ركائز الدولة الإسلامية التي دانت لها البلدان والممالك, وخضعت لحكمها الملوك والسلاطين, ومدت سيطرتها وحكمها على العديد من البلدان والاقاليم في ثلاث قارات هي أسيا وأفريقيا وأوربا ..



مفهوم استقلال القضاء


ذهب شراح القانون إلى تحديد معنى استقلال القضاء في مفهومين هما :-

1- المفهوم الشخصي : يقصد به توفير الاستقلال للقضاة كأشخاص وعدم وضعهم تحت رهبة أي سلطة من السلطات الحاكمة وان يكون خضوعهم لسلطان القانون فقط, ويلزم توفير قدر من الضمانات الوظيفية لهم بما يكفل استقلالهم وعلى وجه الخصوص تجاه السلطة التنفيذية، كجعل اختيار القضاة وتعيينهم ونقلهم وندبهم وعزلهم ومحاسبتهم وإحالتهم إلى التقاعد بيد السلطة القضائية وحدها دون غيرها من سلطات الدولة، وكذا توفير الحماية القضائية للقضاة للنأي بهم عن التهم الكيدية من السلطة التنفيذية، وعدم جواز نقلهم من السلك القضائي إلى وظيفة أخرى وعدم جواز عزلهم بقرار من السلطة التنفيذية لعدم إعطائها فرصة للتدخل في شئون القضاة والضغط عليهم بالاتجاه الذي ترغب فيه، ويترك الأمر إلى السلطة القضائية نفسها، وعدم مسئولية القاضي تأديباً أو مدنياً عن الأخطاء التي تصدر منه أثناء تأدية عمله، إلا إذا وصلت إلى حد الخطأ المهني الجسيم أو الغش المقصود او اذا امتنع صراحة او ضمنا عن النظر في الدعوى او الفصل في قضية صالحة للحكم فيها بدون عذر شرعي أو اذا اعترف القاضي انه تعمد الجور في حكمه او انه قضى بغير الحق او بناء على رشوة فيخضع للمحاكمة المدنية اذا رفعت ضده دعوى مخاصمة وفقاً لما نص عليه قانون المرافعات والتنفيذ المدني ، وذلك لتتوافر له حرية الاجتهاد في إصدار الأحكام وإبداء الآراء باستقلالية وحياد كامل ولمنع الدعاوى الكيدية ضد القاضي, بالإضافة إلى عدم جعل ترقية القاضي أو راتبه وحقوقه المالية بيد السلطة التنفيذية أو التشريعية، وإنما بيد السلطة القضائية حصرا ، من اجل توفير الحصانة له من التأثير على حياديته، كما إن ذلك سيوفر الحياد السياسي للقاضي، من اجل إبعاده عن أي تأثيرات خارجية كالمصالح الحزبية أو الطائفية أو المذهبية أو غيرها.

2- المفهوم الموضوعي : ويقصد به تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات, واستقلال القضاء كسلطة وكيان عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم السماح لأي جهة التدخل في شئون السلطة القضائية, أو إعطاء أوامر أو تعليمات أو اقتراحات للسلطة القضائية تتعلق بتنظيم السلطة، كما يعني عدم المساس بالاختصاص الأصلي للقضاء، وهو الفصل في المنازعات بتحويل الاختصاص في الفصل لجهات أخري كالمحاكم الاستثنائية ، أو المجالس التشريعية أو إعطاء صلاحيات القضاء إلى الإدارات التنفيذية، كذلك باعتبار مهمة القضاء سلطة , وليست وظيفة تتبع السلطة التنفيذية .

واقع القضاء اليمني من حيث الاستقلال الشخصي والموضوعي


إذا تأملنا إلى واقع القضاء وأوضاع القضاة في اليمن منذ تحقيق الوحدة اليمنية المباركة وحتى وقتنا هذا , نجد أن الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن بمفهومه الشخصي والموضوعي ليس له أي وجود على الواقع رغم أن النصوص الدستورية والقانونية قد نصت عليه صراحة , نبين ذلك بالآتي : -

أولاً : من حيث المفهوم الموضوعي :-

أن استقلال القضاء في اليمن بمفهومه الموضوعي, قد ظل منعدماً وليس له أي وجود على الواقع الملموس منذ تحقيق الوحدة المباركة وحتى وقتنا هذا رغم أن نظام الحكم فيها ,نظام ديمقراطي يقوم على اساس مبدأ الفصل بين سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

فالمتأمل لواقع القضاء في اليمن يجد أن السلطة القضائية لم تنال استقلالها الفعلي قضائيا ومالياً وإدارياً كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية حتى الآن, وقد ظلت السلطة التنفيذية هي التي تتولى إدارة شئون القضاء عن طريق رئيس الجمهورية ووزير العدل, رغم أن دستور الجمهورية اليمنية قد نص صراحة على مبدأ استقلال القضاء كسلطة عن بقية سلطات الدولة سواء قبل التعديل أو بعد التعديل فنصت المادة (120) من دستور الجمهورية اليمنية قبل التعديل على أن (القضاء سلطة مستقلة قضائيا ومالياً وإداريا) ونصت عليه المادة رقم (147) من دستور الجمهورية اليمنية المعدل وأكد ذلك أيضاَ القانون رقم 1 لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية, والذي نص في المادة (1) منه على مبدأ استقلال القضاء كسلطة بما نصه (القضاء سلطة مستقلة في اداء مهامه)

كما أكد الدستور المعدل على أن المحاكم وحدها هي صاحبة الاختصاص في الفصل في جميع المنازعات والجرائم كل منها بحسب درجاتها واختصاصها النوعي والمكاني, فقد نصت المادة (147 ) من الدستور (وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم) كما نص على عدم جواز انشاء المحاكم الاستثنائية بأي حال من الأحوال, وذلك في المادة ( 148 ) والتي نصت علىى (القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها كما يحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم و الضمانات الأخرى الخاصة بهم ولا يحوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال)

فبرغم أن هذه النصوص الدستورية والقانونية قد نصت صراحة على استقلال القضاء كسلطة بجميع جوانب الاستقلال الفنية والادارية والمالية, إلا أن القضاء اليمني كسلطة لم ينال أي شئ من الاستقلال الفعلي على الواقع الملموس, حيث كان رئيس الجمهورية في ظل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991م هو من يتولى رئاسة السلطة القضائية المتمثلة برئاسة مجلس القضاء الأعلى وفقاً لنص المادة (104) منه, والتي نصت (يشكل مجلس القضاء الأعلى على النحو التالي : 1- رئيس مجلس الرئاسة .. رئيساً ..إلخ)

وإن كان القضاء اليمني قد بدأ في الحصول على جزء من الاستقلال الفعلي كسلطة في عام 2006م وذلك بصدور القانون رقم 15 لسنة 2006م بتعديل بعض مواد القانون رقم 1 لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية والذي نص في المادة(104) (يشكل مجلس القضاء الأعلى على النحو التالي : 1- رئيس المحكمة العليا 2-وزير العدل 3- النائب العام 4- أمين عام المجلس 5- رئيس هيئة التفتيش القضائي 6- ثلاثة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية على أن لا يقل درجة كل منهم عن قاضي محكمة استئناف وتحدد اللائحة كيفية إدراة أعمال المجلس ومواعيد انعقاده)

وتخلى الرئيس السابق عن منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى وقام بتعيين القاضي العلامة عبد الوهاب السماوي رئيس المحكمة العليا في منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى أيضاَ , بقرار جمهوري بموجب نص المادة (104 مكرر) من التعديلات, ثم قام الرئيس عبد ربه منصور هادي بإجراء التعديلات في المواد (104, 104 مكرر) من قانون السلطة القضائية وإصدار القرار الجمهوري بالقانون رقم (18) لسنة 2012 بتعديل المادتين (104، و104 مكرر) من قانون السلطـــــــــة القضائيـــــــــة والتي تم بموجبها الفصل بين منصب رئيس المحكمة العليا ومنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى, وقام في يوم الأربعاء بتاريخ 29 / 8/ 2012م بإصدار القرار الجمهوري رقم (35) لسنة 2012م والذي قضى فيه بتعيين العلامة القاضي الدكتور علي ناصر سالم رئيساً لمجلس القضاء الأعلى بدلاً عن القاضي عصام السماوي والذي كان يشغل منصب رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس القضاء الاعلى وفقاً للقانون رقم (15) لسنة 2006م المعدل لبعض مواد قانون السلطة القضائية...

إلا أن ذلك كله لم يحقق للقضاء في اليمن الاستقلال الفعلي كسلطة على الواقع الملموس بما يطمح إليه جميع أعضاء السلطة القضائية والمحامين وذلك للعديد من الأسباب منها :

1- أن السلطة التنفيذية هي من تقوم بتشكيل السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى وتعيين أعضاءه وكذلك تعيين أعضاء السلطة القضائية , حيث أن رئيس مجلس القضاء الأعلى يتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً لما نصت عليه المادة (104) مكرر في التعديلات السابقة والاخيرة, كما أن رئيس المحكمة العليا والنائب العام واللذان هما أعضاء في مجلس القضاء الاعلى يتم تعيينهما في مناصبهما القضائية بقرارات جمهورية , كما أن رئيس هيئة التفتيش القضائي يتم أيضا تعيينه في منصبه بقرار جمهوري وأيضاَ الأعضاء الثلاثة الأخرين يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً لنص المادة (104) من قانون السلطة القضائية بعد التعديلات السابقة والاخيره ...

2- إن بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى هم من موظفي السلطة التنفيذية أثناء توليهم لمنصب عضوية مجلس القضاء الأعلى ولا يعتبرون من السلطة القضائية, حيث أن وزير العدل يعتبر من أعضاء الحكومة (السلطة التنفيذية), كما إن رئيس هيئة التفتيش القضائي هو أيضاً من موظفي السلطة التنفيذية بموجب ندبه لتولي منصب رئيس التفتيش كون هيئة التفتيش القضائي تتبع إداريا ومالياً لوزارة العدل وإحدى هيئاتها ولا تعتبر من هيئات السلطة القضائية.

3- إن مجلس القضاء الاعلى ذات اختصاص شكلي ومحدود ومقيد, وفقاً لما نص عليه الدستور بعد التعديل ووفقاً لما ينص عليه قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م المعدل بالقانون رقم 15 لسنة 2006م , حيث أنه لا يتولى الادارة الكاملة للسلطة القضائية باستقلالية تامة , فلا يتولى تشكيل الجهات القضائية, ولا يتولى ادارة شئون القضاء كسلطة مستقلة استقلال فعلي مالياً وقضائيا وادارياً, ولا يقوم بالتفتيش والرقابة على أعمال القضاة في المحاكم, حيث أنه لا يقوم باصدار قرارات تشكيل الجهات القضائية والقرارات المتعلقة بالشئون الوظيفية والادارية والمالية لاعضاء السلطة القضائية وقرارات التعيين في السلطة القضائية بعد التخرج من المعهد العالي للقضاء, والقرارات المتعلقة بنقل وتعيين وترقية القضاة في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا والنائب العام والمحامين العموميين ورؤساء النيابات وأعضاء نيابات الاستئناف ولا يقوم بالتفتيش والمراقبة على أعمال القضاة وتقييم مستوى أدائهم , فمجلس القضاء الأعلى لايعتبر على الواقع التشريعي والفعلي ممثل السلطة القضائية والجهة الادارية العليا للسلطة القضائية وأنما هو للأسف الشديد مجرد جهة إدارية تابعة إداراياً ومالياً للسلطة التنفيذية, ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, وجميع القرارات الهامة الاساسية المتعلقة بتشكيل الجهات القضائية وإدارة شئون السلطة القضائية قضائيا ومالياً وإدارياً تصدر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, ولا يمتلك مجلس القضاء الأعلى سوى الموافقة عليها إن تم عرضها عليه قبل إصدار القرارات الجمهورية فيها إذا اوجب القانون عرضها عليها قبل اصدارها للموافقة عليها, وليس بمقدوره رفض تلك القرارات أو عدم الموافقة عليها لأي سبب كان, فهو ملزم بالموافقة عليها تنفيذاً للسياسة التي تضعها وتنفذها السلطة التنفيذية والتي تعتبر ادارة شئون القضاء واصدار القرارات المتعلقة به جزءً لا يتجزأ من سياسة الدولة التي تختص بها السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, بل أن اغلب تلك القرارات قد تصدر أحياناً من السلطة التنفيذية دون ان يتم عرضها على مجلس القضاء الأعلى قبل إصدارها للموافقة عليها, بل قد تصدر دون أن يعلم بها مجلس القضاء الأعلى قبل صدورها عن طريق السلطة التنفيذية وأنما يعلم بها بعد صدورها عن طريق القنوات اليمنية أو الصحف المحلية..

4- أن القرارات التي يصدرها مجلس القضاء الأعلى ليست قرارات نهائية وأنما هي قرارات تمهيدية تخضع للتعديل والرفض من قبل السلطة القضائية, وليس لها أي حجية على الواقع إلا بعد قبولها من السلطة التنفيذية وإصدار القرارات الجمهورية فيها, فحتى القرارات التي منح قانون السلطة القضائية لمجلس القضاء الأعلى سلطة إصداراها منفرداً كقرارات حركة تنقلات رؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية ووكلاء وأعضاء النيابات الابتدائية, فإن مجلس القضاء الأعلى يصدرها بناءاً على عرض وزير العدل, ويلزم عليه قبل إصدارها الرجوع إلى رئيس الجمهورية للحصول على موافقته قبل إصدارها وإلا فأن من حق رئيس الجمهورية إيقاف تلك القرارات وعدم نفاذها, بل وتغيير رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى في حالة قيامهم بإصدار قرارات دون الرجوع فيها إلى رئيس الجمهورية قبل إصدارها, والدليل على ذلك أن رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي قام بإيقاف حركة التنقلات القضائية لعدد من رؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية ووكلاء وأعضاء النيابات الابتدائية التي أجريت قبل شهر رمضان المبارك لعام 1433هـ والتي أصدرها مجلس القضاء الأعلى مستنداً في إصدارها إلى نص المادة (65 / ج) من قانون السلطة القضائية بحجة عدم الرجوع إليه في إصدارها, كما أن حركة التعيين والتنقلات القضائية التي تصدر قراراتها من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل بترشيح واختيار وتنقيل من وزير العدل وتصدر بناء على القرارات المتعلقة بتشكيل السلطة التنفيذية ومنها القرار الجمهوري رقم (184) لسنة 2011م بتشكيل حكومة الوفاق الوطني وتسمية أعضائها..

5- إن العمل القضائي في اليمني يعتبر وظيفة وليس سلطة , وقد نصت على ذلك المواد (57, 58, 82, 85) من قانون السلطة القضائية, ولهذا فقد ظل القضاء بهيكله وتكويناته وأعضاءه جزء من السلطة التنفيذية ولم يتحقق له أي استقلال فعلي على الواقع, فلا زال أعضاء السلطة القضائية تابعون إدارياً ومالياً للسلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل ووزارة المالية ورئاسة الوزراء ومكتب الرئاسة, بل ولازالت الجهة التي تتولى إدارة شئون القضاء بشكل عام وملموس هي السلطة التنفيذية وزارة العدل ولازالت أغلب شئون القضاء الإدارية والمالية والوظيفية تدار من وزير العدل وليس من رئيس مجلس القضاء الأعلى, فقد منح قانون السلطة القضائية وزير العدل الحق في الإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم والقضاة, حيث نصت المادة (89) من قانون السلطة القضائية على (مع عدم الإخلال بما للقضاء من استقلال فيما يصدر عنه من أحكام أو قرارات يكون لوزير العدل حق الإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم والقضاة) والمعلوم أن وزير العدل يعتبر أحد رجال السلطة التنفيذية فهو مهما سما فأنه يمثل تلك السلطة وينفذ سياستها ويخضع مثل غيره لرقابة وأشراف وإدارة رئاسة الوزراء, كما أن هيئة التفتيش القضائي التي تتولى الرقابة والتفتيش على أعمال القضاء تعتبر جزء من السلطة التنفيذية فهي إحدى هيئات وزارة العدل وتخضع لادارة وزير العدل وظيفياً وإدارياً وماليا واشرافيا, فكيف يكون هناك استقلال فعلي للقضاء كسلطة والجهة التي تتولى ادارة شئون القضاء المالية والادارية والوظيفية والتفتيش على أعمال القضاء ومراقبتهم هي وزارة العدل إحدى جهات السلطة التنفيذية وليس مجلس القضاء الأعلى؟

6- إن السلطة القضائية في اليمن لم تنال استقلالها الفعلي كسلطة حتى الآن ولازالت السلطة القضائية جزء من السلطة التنفيذية وتتبع في كيانها وزارة العدل التي هي إحدى الوزارات الحكومية والدليل على ذلك أن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا ووزارة العدل يجمعهن مبنى واحد وليس لكل جهة منهن مبنى خاص ومستقل عن الجهة الأخرى ..



ثانياً : من حيث المفهوم الشخصي :-

إن المتأمل لاحوال القضاة في اليمن, يجد أن القاضي في اليمن لم يتمتع بأي استقلال فعلي على الواقع , رغم أن الأصل في هذا الجانب أن القاضي يكون مستقل بشخصه وذاته استقلال كامل في قضاءه, وهو من يحقق بنفسه ذلك الاستقلال أثناء ممارسته لسلطة القضاء والفصل في الخصومات, وهو من يفرض استقلاله على الواقع , ويرغم الجميع على احترام استقلاله حتى الخليفة أو الملك أو الرئيس, وعدم المساس بإستقلاله أو محاولة انقاصه, حتى ولو لم يطبق في الدولة مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث, ولم يتحقق على الواقع الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية عن بقية سلطات الدولة, ولا يحتاج القاضي إلى نصوص دستورية وقانونية لنيل استقلاله الشخصي أثناء ممارسة مهامه وإصدار الاحكام والقرارات القضائية, ولكن مع ذلك نجد أن الدستور والقوانين اليمنية قد نصت على مبدأ الاستقلال الشخصي للقاضي منذ تحقيق الوحدة اليمنية المباركة, حيث نص دستور الجمهورية اليمنية على ذلك في المادة (147) والتي نصت على (والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم ) كما جاء هذا النص أيضاَ في المادة (1) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م .

ورغم ذلك كله نجد أن استقلال القاضي بمفهومه الشخصي لم يتحقق على الواقع بشكل كامل , فقد يكون متحققاً لدى بعض القضاة, وقد يكون منعدماً لدى بعض القضاة وقد يكون منقوصاً لدى بعضهم, وذلك للعديد من الأسباب منها :

1- إن أغلب القضاة وأعضاء النيابة العامة إن لم نقل جميعهم ينتمون إلى أحزاب سياسية سواء الحزب الحاكم أو أحد أحزاب المعارضة, فإن لم يكن انتمائهم مكشوف وواضح, فأنهم ينتمون إلى تلك الأحزاب سراَ, ولا يكشفون انتمائهم الحزبي إلا حينما يتم ترشيحهم في الانتخابات البرلمانية أو المحلية عن الاحزاب التي ينتمون إليها, وهذا ما يجعل الاستقلال الفعلي للقاضي المتحزب منعدم, حيث أن مبدأ الحياد والاستقلال الذي يجب أن يتمتع به القاضي أثناء انتمائه إلى السلطة القضائية وممارسته للقضاء, يوجب عليه أن لا يكون منتميا إلى أي حزب من الأحزاب السياسية أو إلى أي تنظيم من التنظيمات السياسية, سواء بالظاهر أو بالسر لأن تحزب القاضي يترتب عنه تسييس القضاء بمعنى أن أحكام وقرارات القاضي المنتمي إلى الحزب الحاكم التي يصدرها في القضايا ذات الطابع السياسي أو التي تكون أحد جوانبها سياسية تصدر وفقاً لسياسية الحكومة, وتأتي من السلطة التنفيذية وليس منه هو, فإذا كانت الحكومة تريد إدانة متهم بجريمة ذات طابع سياسي فإن القاضي ملزم بإدانة ذلك المتهم تنفيذاّ لسياسة الدولة وإذا كانت الحكومة تريد تبرئة المتهم من التهمة المنسوبة إليه في جريمة سياسية فإن القاضي ملزم بتبرئة المتهم حتى ولو كانت الادلة تدينه بالجريمة المنسوبة إليه, لأن الحكم لا يصدر من القاضي بناء على ما يطرح أمامه وأنما يأتيه منطوق الحكم من الحكومة وليس عليه سوى النطق به وفقاً لسياسة الدولة وحسب ما تمليه مصلحة الحكومة والحزب الحاكم, ومثله عضو النيابة أيضا ملزم في قرارته بتنفيذ سياسة الحكومة فإذا أرادت الحكومة إتهام شخص بجريمة ذات طابع سياسي أوفي قضية بعض جوانبها سياسية فإنه يكون ملزم باتهام ذلك الشخص وتقديمه للمحاكمة وبالعكس إذا كانت سياسة الدولة توجب عدم اتهام شخص بجريمة سياسية أو ذات طابع سياسي فإن عضو النيابة العامة يكون متقيد بسياسة الحكومة في قراره ومنفذاً لها فيصدرقراره بتبرئة ذلك الشخص وفقاً لتلك السياسة , وكثيراً ما يتم تسييس قرارات القاضي وعضو النيابة العامة في القضايا السياسية أو التي ذات طابع سياسي أو التي يكون فيها جانب سياسي قرارات وتصدر من القيادة العليا في الدولة..

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن انتماءه الحزبي يجعله مرتبطا أثناء ممارسة مهامه القضائية بمصلحة حزبه وقيادات الحزب ومتأثراً بها أثناء قضاءه في الكثير من القضايا التي تهم حزبه وقياداته أو التي يكون حزبه وقياداته واعضاءه طرفاً فيها سواء كان الحزب الذي ينتمي إليه القاضي هو الحزب الحاكم أو من أحزاب المعارضة, كالطعون الانتخابية المقدمة من حزبه أو المقدمة ضد حزبه, أوالقضايا التي يكون بعض اطرافها من قيادات الحزب الذي ينتمي إليه , حيث يترتب عنه تحيز القاضي وميوله في قضائه إلى جانب حزبه أو إلى جانب الطرف الذي ينتمي إلى الحزب أو التنظيم السياسي الذي ينتمي إليه القاضي, كما يترتب عنه انعدام الثقة لدى الخصوم في قضاء القاضي الذي ينتمي إلى أحد الأحزاب أو التنظيمات السياسية في أي قضية يكون أحد أطرافها من قيادات حزبه إضافة إلى أن الانتماءات الحزبية داخل السلطة القضائية تجعلها تتأثر بالأحداث السياسية حسب الأهداف الحزبية وأوامر قيادات الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها القضاة.

2- إن بعض القضاة ينتمون إلى بعض الجماعات الدينية سواء السياسية منها أو المذهبية كجماعة الاخوان المسلمين أو جماعة السلف أو جماعة الصوفية أو جماعة الحوثيين أو غيرها من الجماعات التي ظهرت على الساحة في اليمن وفي جميع الدول العربية الإسلامية بدلاً عن الانتماء المذهبي الذي كان منتشر سابقاً, وهذا بلا شك أحد الاسباب التي يترتب عنها عدم استقلال القاضي, وعدم وحدة القضاة كسلطة واحدة.

3- وجود العديد من صور التدخل الفعلي المباشر أو الغير مباشر في مهام واختصاصات القضاة سواء من قبل بعض أعضاء السلطة التشريعية والمشائخ والأعيان أو من قبل بعض القيادات العسكرية وأعضاء السلطة التنفيذية كالوزراء ووكلائهم والمحافظين ووكلاء المحافظات أو مدراء أمن المحافظات أو رؤساء وأمناء عموم المجالس المحلية في الدوائر التي تقع فيها المحاكم, ويكون التدخل إما بشكل مكشوف وواضح من خلال إصدار التوجيهات والأوامر إلى القضاة بخصوص القضايا المطروحة أمامهم, أو إصدار التقارير في القضايا المطروحة أمام القضاء, أو التدخل بشكل خفي وسري من خلال تحرير رسائل شخصية أو التوصيات إلى القاضي بخصوص قضية مطروحة أمامه, أو بالزيارات الودية للقاضي في المحكمة أو في منزله أو المقيل معه أو باتصال هاتفي, مما يترتب عنه الحد من استقلال القضاء والتأثير على سير العدالة وعلى ممارسة القضاة لمهامهم بحياد كامل, بل أن بعض من أعضاء البرلمان ومن المشايخ والوجهاء ومن أمناء المجالس المحلية يمارسون اساليب الترهيب والتحريض في حالة رفض القاضي تنفيذ توجيهاتهم وأوامرهم وتوصياتهم, حيث يقوم الشيخ أو عضو مجلس النواب أو امين عام المجلس المحلي بتحريض انصاره في المديريه بتقديم الشكاوي لدى مكتب التفتيش القضائي ووزارة العدل ضد ذلك القاضي, ومن ثم يقوم عضو مجلس النواب أو الشيخ باستخدام وجاهته وعلاقاته وصدقاته في مكتب التفتيش القضائي ووزارة العدل ومتابعة تلك الشكاوي والضغط على وزارة العدل ومكتب التفتيش لانزال اللجان التفتيشية على القاضي, وتحرير التقارير حسب ما يريده عضو مجلس النواب أو الشيخ حتى في أبسط المخالفات, ومن ثم نقل ذلك القاضي من المحكمة إلى محكمة اخرى حتى ولو لم تكن الفترة المحددة له قد انتهت معاقبة لذلك القاضي وانتقاماً منه لكونه لم يخضع لاوامر عضو مجلس النواب أو الشيخ ولم ينفذ توصياته, وبالعكس عند خضوع القاضي لأوامر الشيخ أو عضو مجلس النواب وتنفيذ توصياتهما فأنه يبقى في تلك المحكمة اطول فترة ممكنة, حتى ولو كان فاسداً ويرتكب أكبر المخالفات, وحتى ولو قدمت ضده الشكاوى من المواطنين فأنهما يدافعان عنه لدى مكتب التفتيش ووزارة العدل ويعرقلان ارسال أي لجان تفتيش عليه واذا وصلت لجنة تفتيش عليه فأنهما يواجهان تلك اللجنة مع اتباعهم من أبناء المنطقة التي يعمل فيها القاضي المشكو به , والدفاع عنه أمام اللجنة بأنه من أنزه القضاة وأفضلهم وأن تلك الشكاوى المقدمة ضده كيدية وغير صحيحه وأنهم يتمسكون به ويرفضون نقله حتى انتهاء فترته, مما قد يضطر بعض القضاة إلى التخلي عن جزء من استقلالهم الشخصي, والسماح للتدخل في شئون القضاء من قبل بعض المشايخ والوجهاء والمسئولين في السلطة التنفيذية وأعضاء مجلس النواب لنيل رضاهم ورضاء انصارهم في المنطقة وكسب دعمهم ومساندتهم والوقوف بجانبهم في حالة تقديم أي شكوى ضدهم من أحد المواطنين أمام هيئة التفتيش القضائي ووزارة العدل...

4- إن بعض القضاة لا يتوفر لديهم الإيمان الكامل باستقلالهم التام في قضائهم وعدم تبعيتهم لأي شخص أو جهة, وأنه لا سلطان عليهم إلا سلطان الله عز وجل والشريعة الاسلامية والقوانين النافذة في البلاد, ولهذا فأنهم يتيحون الفرصة أمام بعض رجال السلطة التنفيذية أو التشريعية للتدخل في شئون العدالة والقضاء, ويتأثرون في قضائهم بمؤثرات خارجية ويخرجون عن الحق في قضائهم في بعض القضايا المطروحة أمامهم جراء وساطة أو وجاهة أو توجيهات أحد أعضاء السلطة التنفيذية أو أحد كبار المسئولين في السلطة التنفيذية بمجرد اتصال هاتفي منه للقاضي أو إرسال رسالة مغلفة ومظرفة منه إلى القاضي مع أحد أطراف الخصومة المطروحة أمام القاضي ..


  alsaydilawyer    عدد المشاركات   >>  11              التاريخ   >>  27/12/2013



جوانب استقلال القضاء وواقع القضاء اليمني منها


هناك ثلاثة جوانب للاستقلال القضائي بمفهومه الشخصي والموضوعي لا يتحقق الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي على الواقع وفي التشريعات والقوانين الوطنية في أي دولة أو نظام حكم, إلا اذا تحقق للقضاء والقاضي الاستقلال الفعلي في هذه الجوانب الثلاثة بكامل فروعها وجوانبها..

ورغم أن دستور الجمهورية اليمنية قد نص على استقلال القضاء في جوانبه الثلاثة, في المادة (147) من الدستور والتي نصت على (القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً والنيابة العامة هيئة من هيئاته), إلا أن الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن لم يتحقق بجوانبه الثلاثة على الواقع وفي التشريعات والقوانين على الاطلاق وذلك للعديد من الاسباب, وسوف نبين جوانب الاستقلال القضائي وتطبيق ذلك على واقع القضاء اليمني وتشريعاته تفصيلاً بالآتي :

أولاً: الاستقلال الفني (القضائي):- يقصد بالاستقلال الفني، استقلالية القاضي في إصدار القرارات والأحكام القضائية في النزاعات التي تطرح امامه استقلالا كاملا وحرية تامة بحسب ما يراه من خلال ما يطرح أمامه في جلسات التقاضي من قبل الخصوم، وفقاً لما تنص عليه أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة في البلاد, فلا يمكن التدخل في شئون القضاء من قبل أي جهة , أو تغيير منطوق أي حكم أو قرار اصدره القاضي إلا من الجهات القضائية الأعلى درجة ومن القضاة الأعلى درجة المخول لهم قانوناً تعديل أو إلغاء الأحكام والقرارات القضائية , إذا اتبعت الطرق القانونية المتعلقة بالطعن فيها أمام المحاكم ذات الدرجة الأعلى من المحكمة التي أصدرت القرار أو الحكم المطعون فيه وفقاً للإجراءات التي حددتها القوانين النافذة في البلاد .

ويعتبر هذا الاستقلال من أهم المبادئ الدستورية القضائية التي منحها دستور الجمهورية اليمنية للقضاء مؤكداً على استقلال القاضي في ممارسة مهامه استقلالاً كاملاً وأنه لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون, فحتى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو أعضاء مجلس النواب أو المحافظين ومدراء أمن المحافظات أو غيرهم لا يحق لهم التدخل في شأن من الشئون المتعلقة بالعدالة وبممارسة القضاة لمهامهم أو الحد من استقلالهم الفني , بل أن ذلك يعتبر من الجرائم التي يجب معاقبة مرتكبها بالعقوبة المقررة شرعاً وقانونا والتي لا تسقط الدعوى فيها بالتقادم.. فقد نصت على ذلك المادة (147) من دستور الجمهورية اليمنية و المادة (1) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م بما نصه (والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم )

إلا أننا في الواقع إذا تأملنا في أحوال الكثير من القضاة أثناء ممارستهم لمهامهم لوجدنا أن الاستقلال الفعلي للقاضي في هذا الجانب لم يتحقق في اليمن بشكل فعلي رغم النصوص الدستورية والقانونية التي أكدت الاستقلال الفعلي للقاضي في الجانب الفني ووضعت العديد من الضمانات التي تكفل تحقيق ذلك الاستقلال, وذلك للعديد من الأسباب وقد أوضحنا في بيان واقع استقلال القضاة من حيث الاستقلال الشخصي, جميع الاسباب والوقائع التي تؤكد عدم الاستقلال الفعلي للقضاء في الجانب الفني (القضائي)


ثانياً : الاستقلال الإداري: ويقصد بالاستقلال الإداري
استقلال القضاة استقالاً كاملاً عن السلطة التنفيذية فيما يتعلق بشئون عملهم وإدارتهم والإشراف والتفتيش على أعمالهم ومراقبتهم وتعيينهم وندبهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وإحالتهم إلى التقاعد وغيرها من الأمور المتعلقة بإدارة القضاء ، ويتحقق الاستقلال الإداري الفعلي للقضاء على الواقع من خلال المهام الادارية الأتيه :-

أ‌- تعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة : إن تعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة من اهم الجوانب الإدارية التي لا يمكن أن يتحقق للقضاء الاستقلال الاداري الكامل عن بقية سلطات الدولة إلا اذا تحقق له الاستقلال الفعلي في هذا الجانب, بمعنى أن تقوم السلطة القضائية بتعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة في المناصب القضائية حسب احتياجاتها السنوية, سواء كان التعيين ابتداءاً أو التعيين بعد الترقيه بما في ذلك تعيين رئيس المحكمة العليا وأعضاءها ورؤساء محاكم الاستئناف وأعضاءها والنائب العام ورؤساء نيابات الاستئناف واعضاءها وغير ذلك, فلا يكون تعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة من قبل السلطة التنفيذية سواء رئيس الجمهورية أو وزير العدل ..

واذا تأملنا في التشريع القضائي اليمني وفي احوال السلطة القضائية لوجدنا أن القضاء اليمني لا يتمتع بأي استقلال في هذا الجانب كون تعيين القضاة ومساعديهم وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم وفقاً لنص المادتين ((59, 60)) من قانون السلطة القضائية يتم من قبل السلطة التنفيذية وليس من قبل السلطة القضائية, حيث نصت المادة(59) من قانون السلطة القضائية على (يكون تعيين رئيس المحكمة العليا ونائبيه وقضاة المحكمة بقرار من مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى وذلك من بين قائمة اسماء تتولى هيئة التفتيش القضائي إعدادها للعرض على المجلس مشفوعة بكافة البيانات وتقارير الكفاءة المتعلقة بمن تشملهم القائمة. ومع مراعاة الأحكام المثبته في الفقرتين السابقتين يكون التعيين في وظائف السلطة القضائية الأخرى بقرار جمهوري بناء على ترشيح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى عدا مساعدي القضاة فيكون تعيينهم بقرار من وزير العدل , ويكون تعيين أعضاء النيابة العامة بقرار جمهوري بناء على ترشيح من وزير العدل وأخذ رأي النائب العام وموافقة مجلس القضاء الأعلى عدا مساعدى النيابة فيكون تعيينهم بقرار من وزير العدل بناء على ترشيح من النائب العام) كما نصت المادة (60) من قانون السلطة القضائية (يعين النائب العام والمحامي العام الأول بقرار من مجلس الرئاسة)

ب‌- ترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة : إن ترقية القاضي أو عضو النيابة العامة من درجة إلى درجة أعلى منها تعتبر من أولى اهتماماته وطموحاته منذ دخوله سلك القضاء أو النيابة العامة, ولذلك يجب قطع الطريق على السلطة التنفيذية بالتدخل في هذه الأمور وإتخاذ ذلك وسيلة بمكافأة من يطيع وينفذ أوامرها ومعاقبة من يعصي أوامرها ، مما جعل بعض التشريعات تحرص على أن تحيط ترقية القضاة بعدد من الضوابط التي تحافظ على استقلالهم وتمكينا لأدائهم المستقل، بل أنه قد جعل بعض التشريعات لا تأخذ بنظام ترقية للقضاة فالقاضي لديهم في درجة واحدة لا يجاوزها طول حياته هادفين للسمو بالقاضي من النفاق والرياء للحصول على ترقيته..

واذا تأملنا في التشريعات اليمنية وواقع القضاء اليوم فيما يتعلق بهذا الجانب من الاستقلال, نجد أن استقلال القضاة في اليمن في هذا الجانب لم يتحقق بشكل فعلي سواء من خلال التشريعات القانونية أو من على الواقع العملي, فحتى وإن كان قانون السلطة القضائية قد منح في المواد (61, 62, 63 ) لكل قاضي وعضو نيابة حق الترقية من الدرجة الأدنى إلى الدرجة التي تليها بعد انقضاء سنتين من عمله في الدرجة التي تم ترقيته منها عند تحقق الكفاءة التي يستحق بموجبها الترقية, ووضعت الشروط التي يجب توافرها في القاضي أو عضو النيابة أثناء ترقيته من الدرجة التي هو فيها إلى الدرجة الأعلى منها, حيث أوجبت المادة (61) من قانون السلطة القضائية على عدم جواز الترقية إلا من الدرجة الأدنى إلى الدرجة التي تليها , وأن لا يتم ترقية القاضي من أي درجة إلى الدرجة التي تليها إلا بعد انقضاء سنتين على الأقل في الدرجة السابقة, وأكدت المادة (62) أن المعايير التي يستند إليها في ترقية القضاة والنيابة العامة هي درجة الكفاءة من واقع عملهم وتقارير التفتيش القضائي, وفي حالة التساوي فيها تراعى الأقدمية والتي حددتها المادة (63) من تاريخ صدور قرار التعيين أو الترقية, وإذا شمل قرار الترقية أكثر من واحد يراعى الأعلى مؤهلاً فالأقدم تخرجاً.

إلا أن هناك العديد من الأمور التي تجعل الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي غير متوفر في هذا الجانب حتى الآن سواء في التشريعات القضائية أو على الواقع منها مايلي : -

1- أن الجهة التي تقوم بعرض ترقية القضاة من درجة إلى درجة هي السلطة التنفيذية وليست السلطة القضائية. حيث أن قرارات الترقية تصدر بناء ً على عرض وزير العدل والذي هو أحد رجال السلطة التنفيذية..

2- أن الجهة التي تقوم بترقية القضاة هي السلطة التنفيذية وليست السلطة القضائية, حيث أن قرارات ترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة هي قرارات جمهورية تصدر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل ولا تصدر من مجلس القضاء الأعلى.

3- أن ترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة تتم بناء على التقارير التي تعدها السلطة التنفيذية أثناء التفتيش على القضاة, حيث أن الترقية تتم بناء على التقارير الصادرة من هيئة التفتيش القضائية والتي تتبع وزارة العدل وتعتبر إحدى هيئاتها.

وهذا كله يجعل الاستقلال الفعلي للقضاء في هذا الجانب منعدم وليس له أي وجود على الواقع لكون السلطة التنفيذية بإمكانها ترقية من شاءت من القضاة وأعضاء النيابة العام من خلال عرض وزير العدل, وبإمكانها حرمان من شاءت من القضاة وأعضاء النيابة العامة من حقهم في الترقية حتى ولو كانوا يستحقون الترقية ....



ت‌- نقل القضاة وأعضاء النيابة العامة : إن ضمانة عدم النقل قبل انتهاء الفترة المحدده له ذات صلة وثيقة بضمانة عدم العزل، لان النقل قد يشكل عقوبة مبطنة للقاضي أو عضو النيابة العامة من خلال نقله من إحدى المحاكم أو النيابات الواقعة في داخل المدن أو الواقعة داخل محافظته إلى إحدى المحاكم أو النيابات الواقعة في الأرياف والمناطق النائية أو إلى محافظة اخرى قبل انتهاء المدة المحددة له قانوناً ، مما يؤثر سلباً على استقلاله.

واذا تأملنا في التشريعات المتعلقة بالسلطة القضائية وفي أوضاع القضاء اليوم فأننا نجد أن الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في هذا الجانب غير متوفر على الواقع إطلاقاً, حيث أن قانون السلطة القضائية وإن كان قد وضع بعض الضمانات المتعلقة بنقل القضاة بهدف منع التعسف من قبل الجهة التي تتولى نقل القضاة ومنها عدم نقل القاضي من المحكمة التي يعمل فيها إلا بعد مرور ثلاث سنوات من تعيينه وأن لا يبقى في محكمة واحدة دون نقل لأكثر من خمس سنوات, إلا أنه مع ذلك لم يمنح للقضاء كسلطة الاستقلال الفعلي في هذا الجانب, وذلك للعديد من الأسباب منها :

1- أن الجهة التي تقوم بإجراء حركة تنقلات رؤساء وقضاة محاكم الاستئناف والمحامين العمومين ورؤساء وأعضاء نيابات الاستئناف هي السلطة التنفيذية وليست السلطة القضائية, حيث أن ذلك يتم بموجب قرارات جمهورية تصدر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل وليس للسلطة القضائية ممثلة بمجلس القضاء الأعلى أي دور فيها سواء الموافقة عليها.

2- أن حركة تنقلات رؤساء وقضاة محاكم الاستئناف والمحامين العموميين ورؤساء وأعضاء نيابات الاستئناف ورؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية ووكلاء وأعضاء النيابات الابتدائية تتم بناء على عرض وزير العدل.

3- إن حركة تنقلات رؤساء وقضاة المحاكم بكافة درجاتها ورؤساء ووكلاء وأعضاء النيابات العامة بكافة درجاتها تتم بناء على التقارير التي تعدها هيئة التفتيش القضائي والتي تعتبر جهة تابعة لوزارة العدل, التي هي إحدى جهات السلطة التنفيذية.

فقد نصت على ذلك المادة (65) من قانون السلطة القضائية وذلك في الفقرتين (ب, ج) حيث نصت على [ب- تصدر حركة تنقلات قضاة المحاكم الاستئنافيه بقرار جمهوري بناء على عرض وزير العدل بعد التشاور مع رئيس المحكمة وبعد موافقة مجلس القضاء. ج- تصدر حركة تنقلات قضاة المحاكم الابتدائية بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناء على عرض وزير العدل بالتشاور مع رئيس المحكمة العليا.]

ج - ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة : إن قضية إنتداب القضاة وأعضاء النيابة العامة لها خطورة كبيرة على العمل القضائي وعلى استقلال القضاء والقاضي وعلى الحياد القضائي, كون تخويل القانون للسلطة التنفيذية الحق في ندب القضاة يعطي السلطة التنفيذية يداً لمجازاة ومكافأة من تريد، وكذلك إمكانية معاقبة وإقصاء من تريد من القضاة وأعضاء النيابة العامة بطريقة الانتداب مما يعني التخلص منهم واقعياً خاصة إذا ما علمنا أن قانون السلطة القضائية لم يحدد مدة الانتداب فيما يتعلق بشغل وظائف غير قضائية..

ويكون للندب صورتان هما :

الصورة الاولى : ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة داخل السلطة القضائية : ويعتبر هذه الصورة أقل خطورة من الصورة الأخرى, لأنها قد تكون خطوة لتعليق القاضي وحرمانه من المنصب الذي يستحق ترقيته إليه, وقد تكون فعلا ضرورة استوجبت ندب القاضي للعمل في ذلك المنصب وقد تكون وسيلة لاختبار القاضي المنتدب ومعرفة قدرته على تولي المنصب الذي ينتدب لممارسته قبل اصدار القرار بالترقيه والتعيين في ذلك المنصب, فقد منح قانون السلطة القضائية لوزير العدل الحق في انتداب القضاة وأعضاء النيابة العامة للعمل داخل السلطة القضائية وفقاً للعديد من الشروط الهامة , نصت عليها المادة (65) من قانون السلطة القضائية منها :

1- وجود ضرورة للندب , فلا يجوز ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للعمل داخل السلطة القضائية إلا اذا وجدت الضرورة للندب كأن يكون المنصب الذي انتدب القاضي أو عضو النيابة العامة خالياً لأي سبب من الاسباب كوفاة القاضي أو عضو النيابة العامة أو عزله أو غير ذلك من الضرورات التي توجب ندب قاضي أو عضو نيابة اخر للعمل في ذلك المنصب الشاغر..

2- أن لا تزيد مدة الانتداب عن سنة فقط وذلك لفترتين فقط كل فترة منها لا تتجاوز ستة أشهر.

3- أن يكون الندب بناءً على طلب الجهة القضائية المعنية وإخطار مجلس
القضاء الأعلى

4- أن يكون الندب للعمل في نفس الدرجة التي يعمل فيها القاضي المنتدب أو في منصب اعلى منه, اذا كان يستحق ترقيته للعمل في ذلك المنصب , فيجب أن يكون ندب أحد قضاة محاكم الاستئناف للعمل في محكمة استئناف اخرى وليس للعمل في محكمة ابتدائية, ويجب أن يكون ندب أحد قضاة المحاكم الابتدائية للعمل في محكمة ابتدائية أخرى أو للعمل في محكمة استئناف اذا كان القاضي المنتدب يستحق الترقية لذلك المنصب, كما يجوز ندب احد القضاة الذين لم يعملون قاضي في محكمة ابتدائية

5- أن يحتفظ القاضي بوظيفته الأصلية.

فقد نصت على ذلك المادة (65) من قانون السلطة القضائية والتي نصت على [ و- لوزير العدل عند الضرورة أن يندب أحد القضاة ولمدة لا تتجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد مدة أخرى مماثلة في الحالات الآتية : - 1- ندب أحد قضاة محاكم الاستئناف للعمل في محكمة استئناف اخرى. 2- ندب أحد قضاة المحاكم الابتدائية للعمل في محكمة أخرى وفي جميع الأحوال يشترط ان يكون الندب بناء على طلب الجهة القضائية المعنية واخطار مجلس القضاء الأعلى بذلك ويحتفظ القاضي بوظيفته الأصلية.]

الصورة الثانية : عملية انتداب القضاة وأعضاء النيابة العامة لشغل وظائف غير قضائية :-

فقد منح قانون السلطة القضائية في المادة(66), للسلطة التنفيذية الحق في انتداب القضاة وأعضاء النيابة العامة للعمل خارج السلك القضائي باي وظيفة تختار السلطة التنفيذية, حيث اجاز ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة لشغل وظائف غير قضائية ويكون ذلك بقرار جمهوري بناءً على عرض وزير العدل ..

وإذا تأملنا في هذه الصورة لندب القضاة وأعضاء النيابة العامة نجد أنها تتمتع بخطورة كبيرة على استقلال القضاء وحياده , ولهذا فقد اقترنت بثلاثة شروط هي , موافقة القاضي المنتدب وموافقة مجلس القضاء الأعلى واحتفاظه بكافة الامتيازات, فقد نصت المادة (66) من قانون السلطة القضائية على (يجوز بقرار جمهوري بناء على عرض وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى ندب القضاة لشغل وظائف غير قضائية بموافقتهم ويحتفظ لهم بكافة الأمتيازات) إلا أن ذلك يجعل الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي على الواقع في هذا الجانب وذلك للعديد من الأسباب منها :-

1- أن قانون السلطة القضائية قد منح السلطة التنفيذية الحق في انتداب القضاة واعضاء النيابة العامة لشغل وظائف غير قضائية, حيث أن عملية الندب للعمل في وظيفة غير قضائية تصدر فيها قرار جمهوري, وهذا يجعل الاستقلال القضائي في هذا الجانب منعدم, كون ذلك يعتبر تدخل سافر من السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية بل أن ذلك يمنح السلطة التنفيذية حتى ولو كان رئيس الجمهورية الحق في إقصاء من شاءت ممن لا يخضعون لإرادتها ولا يلبون طلباتها , من القضاة وأعضاء النيابة العامة من العمل في السلطة القضائية تحت مسمى الندب للعمل في وظيفة غير قضائية, وما فعله الرئيس المصري محمد مرسي مع النائب العام خير دليل على ذلك ...

2- إن عملية ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للعمل في وظائف غير قضائية تعتبر إحدى الوسائل الدستورية والقانونية التي اتخذها الرؤساء العرب وكبار المسئولين في السلطة التنفيذية لحماية أنفسهم من المحاكمة والمساءلة القانونية على ما يصدر منهم من أخطاء أثناء ممارستهم لمهامهم لو فكر بذلك القاضي أو عضو النيابة المنتدب في حالة ما كان يعمل في إحدى المناصب التي تخول له الحق في محاكمة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم, كمنصب النائب العام الذي يحق له التحقيق في الجرائم التي ترتكب منهم, ومنصب رئيس المحكمة العليا وأعضاءها الذين يحق لهم محاكمة رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء والوزراء ونوابهم وفقا لما نص عليه دستور الجمهورية اليمنية في الفقرة (هـ) المادة (151) والتي قد منحت المحكمة العليا الحق في محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ونوابهم , فحينما يفكر النائب العام التحقيق في أي جريمة مرتكبة من رئيس الجمهورية أو من رئيس الوزراء أو من أحد الوزراء أو نوابهم فأن مصيره سيكون انتدابه للعمل في وظيفة غير قضائية وتعيين نائب عام اخر محله وكذلك رئيس المحكمة العليا فأنه مجرد أن يفكر بمحاكمة رئيس الجمهورية او نائبه أو رئيس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم فأن مصيره سيكون اصدار قرار جمهوري بندبه في وظيفة غير قضائية وتعيين رئيس محكمة بدلا عنه.

3- أن عملية الانتداب واصدا ر القرار الجمهوري بندب القاضي أو عضو النيابة العامة للعمل في وظيفة غير قضائية تتم بناءاً على عرض وزير العدل, أي أن وزير العدل هو من يعرض على رئيس الجمهورية إقصاء القاضي من العمل القضائي وندبه لشغل وظيفة غير قضائية, وأما السلطة القضائية ممثلة بمجلس القضاء الأعلى فأن دورها محدود يتمثل بالموافقة على الندب , والحقيقة أنني أرى أن اشتراط موافقة القاضي ومجلس القضاء الاعلى في القانون ليس له أي أهمية ولا يحمي القاضي من الاقصاء عن المنصب القضائي من قبل السلطة التنفيذية إن أرادت ذلك لأن موافقة القاضي المنتدب ومجلس القضاء الأعلى على عملية الانتداب أوعدم موافقتهما لا يغير من الأمر شئ, ولن يمنع السلطة التنفيذية من اقصاء القاضي عن العمل القضائي , لأن عملية الانتداب سوف تتم سواء وافق القاضي ومجلس القضاء الأعلى على ذلك أم لا, فصدور القرار الجمهوري بالندب يضع القاضي المنتدب ومجلس القضاء الأعلى أمام الأمر الواقع وليس أمامهما سوى الموافقة على ذلك وتنفيذه على الواقع , لأن عدم موافقة القاضي أو مجلس القضاء الاعلى على عملية الانتداب, يعرض القاضي المنتدب إلى البقاء دون عمل فلا يعمل في الوظيفة الغير قضائية المنتدب فيها ولا يعمل في الوظيفة القضائية التي كان يعمل فيها قبل الانتداب, كون التعيين في المناصب القضائية يتم من السلطة التنفيذية, والقاضي المنتدب يكون قد افتقد منصبه القضائي الذي كان يشغله بالقرار الجمهوري الصادر بانتدابه, وقد تم تعيين قاضي اخر للعمل في منصبه القضائي , فيصبح ذلك القاضي أمام الأمر الواقع الذي يوجب عليه الرضوخ لرغبة رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية وقبول الانتداب وترك عمله القضائي إلى اجل غير مسمى, فإشتراط موافقة القاضي ومجلس القضاء الأعلى في قانون السلطة القضائية ليس له أي أهمية ما دام وقد منح الحق في ندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للسلطة التنفيذية ولم يمنحه للسلطة القضائية..

4- أن عملية الانتداب للعمل في وظيفة غير قضائية تعتبر من أشد الخطورة على استقلال القضاء, لأنها تعتبر وسيلة وطريق قانوني منحه التشريع القضائي للسلطة التنفيذية لاقصاء من شاءة من القضاة وأعضاء النيابة العامة من العمل القضائي بطريقة الانتداب إلى أجل غير مسمى, وربما يكون إقصاء نهائي, كون قانون السلطة القضائية لم يحدد فترة محددة للانتداب خارج السلطة القضائية, مثلما حددها للانتداب داخل السلطة القضائية بفترتين فقط كل فترة منهما ستة أشهر, مما قد يسمح للسلطة التنفيذية في أقصاء من شاءت من القضاة بمسمى الانتداب للعمل خارج السلطة القضائية طيلة حياتة أو إحالته إلى التقاعد وذلك بابقاء ذلك القاضي في الوظيفة المنتدب فيها منذ انتدابه وحتى احالته الى التقاعد أو وفاته أو انتدابه مرتين وثلاث وعشر مرات في مناصب غير قضائية متعددة بعيداً عن العمل القضائي....

د- الإشراف على أعمال القضاة : الطبيعة البشرية للقضاة تجعلهم كغيرهم من البشر بحاجة لمن يراجع أعمالهم ويراقب أوضاعهم، ومن ذلك كانت فكرة أنشاء هيئة الإشراف القضائي والتي تسمى في النظام القضائي اليمني بـ (هيئة التفتيش القضائي) ، والتي مهمتها تتمثل في التفتيش على أعمال القضاة والتقييم الدوري لمستوى أداء كل قاضي وجمع البيانات التي تؤدي إلى معرفة درجة كفاءتهم ومدى حرصهم على أداء وظيفتهم وإعداد البيانات اللازمة عنهم طبقاً لذلك لعرضها على مجلس القضاء الأعلى عند النظر في الحركة القضائية, وتلقي الشكاوى التي تقدم ضد القضاة والتحقيق فيها سواء ما تعلق بعمله القضائي أو الإشرافي والإداري أوفيما يتعلق بسلوكه الشخصي وإعداد ملف سري لكل قاضي يتضمن جميع الأوراق المتعلقة به على وفق ما أشير إليه في المواد ( 92, 93, 94, 95, 96, 97) من قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991 م.

وإذا تأملنا في التشريع اليمني وواقع القضاء نجد أن الاستقلال القضائي في هذا الجانب لم يتحقق على الواقع حتى الآن, وذلك للعديد من الأسباب منها ما يلي : -

1- أن الجهة التي تقوم بالإشراف الاداري على أعمال القضاة هي السلطة التنفيذية وليست السلطة القضائية, حيث أن وزارة العدل والتي تعتبر إحدى جهات السلطة التنفيذية وإحدى الحقائب الحكومية, هي التي تتولى الاشراف على أعمال القضاة, ممثلة بوزير العدل وفقاً لما نصت عليه المادة (89) من قانون السلطة القضائية.

2- أن السلطة التنفيذية هي التي تتولى مهمة التفتيش على القضاة ومراقبة سير العمل في المحاكم وتقديم المقترحات المتعلقة بذلك, وتلقي الشكاوى المقدمة ضد القضاة والتحقيق فيها وتقييم مستوى أداء القضاة ورفع التقارير بشأنهم وغير ذلك من المهام الرقابية والتفتيشية على القضاة, وليست السلطة القضائية التي تتولى ذلك, حيث أن هيئة التفتيش القضائي وفقاً لنص المادة (94) من قانون السلطة القضائية هي التي تتولى تلقي الشكاوي المقدمة ضد القضاة وأعضاء النيابة العامة والتحقيق فيها واعداد التقارير بشأنها والتفتيش على القضاة في المحاكم وعلى أعضاء النيابة العامة في النيابات ورفع التقارير بشأنهم وكل ما يتعلق بإجراءات التفتيش والمراقبة والتقييم لمستوى أداء القضاة وأعضاء النيابة العامة, والمعلوم أن هيئة التفتيش القضائي لا تتبع مالياً وإدارياً ووظيفيا السلطة القضائية وأنما تتبع السلطة التنفيذية حيث أنها كما اشرنا سابقاً من الجهات التابعة لوزارة العدل ..

هـ- المساءلة التأديبية : لما كان القاضي يفوق الشخص الطبيعي بضمانات عديدة، لغرض ضمان عدم التأثير عليه ، ولما كان بشراً يعيب ويخطأ , يظلم ويحق، كان لا بد من وجود ضمانة للناس ولجهة
القضاء من القاضي المسيء والحد من اخطاءه وتجاوزاته المتعمده والمقصوده ، وإذا تأملنا في قانون السلطة القضائية اليمني, نجد أن هذا الجانب هو الجانب الوحيد الذي يتمتع فيه القضاء كسلطة ببعض الاستقلال الفعلي, حيث جعل مساءلة تأديب القضاة من اختصاصات مجلس القضاء الأعلى وفقاً للفقرة (ج) من المادة (109) كما أكد في المادة (111) على أن مجلس القضاء الأعلى هو وحده من يختص بتأديب القضاة وأعضاء النيابة العامة في حالة اخلالهم بواجبات وظيفيتهم..

إلا أن هناك بعض الأمور التي تؤخد على قانون السلطة القضائية والتي خول فيها للسلطة التنفيذية ممثلة بوزير العدل والتفتيش القضائي العديد من الصلاحيات المتعلقة بمساءلة القضاة وأعضاء النيابة العامة وتأديبهم ومعاقبتهم منها ما يلي :

1- أن قانون السلطة القضائية منح وزير العدل الحق في تنبيه القضاة وأعضاء النيابة العامة كتابة بعد ثبوت مخالفتهم لواجباتهم, فقد نصت المادة (91) من قانون السلطة القضائية على ( لوزير العدل تنبيه القضاة كتابة إلى كل ما يقع منهم من مخالفات لواجباتهم حول مقتضيات وظيفتهم وذلك بعد رد القاضي كتابة على ما هو منسوب إليه وثبوت مخالفته رغم ذلك لتلك الواجبات.)

والمعلوم أن التنبيه كتابة وفقاً لنص المادة (115) من قانون السلطة القضائية يعتبر أول العقوبات التأديبية التي يجب أن يتولى مجلس القضاء الأعلى دون غيره تنفيذها على القاضي أو عضو النيابة العامة في حالة إدانته من اللجنة القضائية المشكلة لذلك بما نسب إليه من إخلال بواجبات وظيفته , بعد محاكمة عادلة تجري وفقاً لما نصت عليه المادة (114) من قانون السلطة القضائية يمنح فيها جميع الحقوق للدفاع عن نفسه وتقديم كل ما لديه من ادلة تثبت عدم صحة ما نسب إليه في الدعوى التاديبية المرفوعة ضده من هيئة التفتيش القضائي.

2- إن الدعوى التأديبية تقام أمام مجلس القضاء الاعلى ضد القاضي أو عضو النيابة العامة المخالف بناء على طلب السلطة التنفيذية , حيث يتم اقامة الدعوى بناءَ على طلب وزير العدل.

3- إن الجهة التي تتولى رفع الدعوى التأديبية ضد القاضي أو عضو النيابة العامة هي السلطة التنفيذية, حيث أن الجهة التي تقوم برفع الدعوى التأديبية هي التفتيش القضائي والتي تعتبر إحدى جهات وزارة العدل.

4- إن طلب الدعوى التأديبية التي تقام أمام مجلس القضاء الأعلى ضد أي قاضي أو عضو نيابة عامة في حالة اخلاله بواجباته , يستند بناء على تحقيق أولي تتولاه هيئة التفتيش القضائي وذلك وفقاً لنص المادة (111/ 3) من قانون السلطة القضائية..

وهذا كله ما يترتب عنه الحد من استقلال القضاء في هذا الجانب المهم لكون

ثالثاً: الاستقلال المالي : إن هذا الجانب من الاستقلال يعتبر أحد أهم الجوانب للاستقلال الفعلي للسلطة القضائية عن بقية سلطات الدولة, واستقلال القضاة عن بقية موظفو السلطة التنفيذية , ولهذا فيجب من أجل أن يتوافر الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن ,أن يكون للسلطة القضائية ميزانية خاصة منفصلة عن ميزانية السلطة التنفيذية, يتولى دراستها ووضعها مجلس القضاء الأعلى بما يكفل توفير سبل الحياة الكريمة للقضاة التي تقيهم من الشبهات وتجنبهم أخذ الرشوة والعطايا ، وتوفير كل ما تحتاج إليه هيئات السلطة القضائية والمحاكم ومكاتب النيابة العامة, لأن توفير المزايا المالية للقضاة كالمرتبات العالية والبدلات وغيرها يضمن لهم حياة كريمة ومركزاً سامياً يقيهم من أطماع النفس وهواها, أو التطلع إلى الوظائف الأخرى في حالة ما لو كانت المرتبات قليلة مما يجعل الدولة تخسر ذوي الخبرة والدراية والكفاءة العالية ..

وإذا تأملنا في واقع القضاء اليمني وأوضاع القضاة نجد أن السلطة القضائية في اليمن لم يتحقق لها الاستقلال الفعلي في هذا الجانب وذلك للأسباب التالية :-

1- أن نفقات ومصاريف القضاء ومرتبات القضاة يتم صرفها بواسطة وزارة المالية والتي هي إحدى جهات السلطة التنفيذية.

2- إن إيرادات المحاكم المالية تعود إلى وزارة المالية, حيث أن السندات التي يتم قطعها أثناء تسليم أي رسوم أو إيرادات, صادرة من وزارة المالية, ويتم توريد ذلك إلى خزينة الدولة..

3- إن السلطة التنفيذية هي التي تقوم بإصدار جميع القرارات المتعلقة بالشئون المالية الخاصة بالسلطة القضائية والقضاة وأعضاء النيابة العامة, ومنها ما يلي :-

أ‌- القرارات المتعلقة بإقرار وتعديل جداول الوظائف والمرتبات والعلاوات والبدلات لأعضاء السلطة القضائية , حيث أن رئيس الوزراء ووزير العدل هما من يقوما بإصدار تلك القرارات.

ب‌- القرارات المتعلقة بمنح بدلات أخرى لأعضاء السلطة القضائية, حيث أن رئيس الوزراء هو من يقوم باصدار هذه القرارات بناءً على عرض وزير العدل, فقد نصتالمادة (67) من قانون السلطة القضائية على (تحدد البدلات لأعضاء السلطة القضائية وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون ويجوز بقرار من رئيس الوزراء بناء على عرض وزير العدل منح بدلات أخرى لأعضاء السلطة القضائية غير ما ورد بهذا القانون. كما أنه يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل هذا الجدول وفقاً لما تقتضيه الضرورة لتحسين معيشة الموظفين العمومين.)

ت‌- قرار بتنظيم منح بدل طبيعة عمل أو بدل تحقيق لأعضاء السلطة القضائية بواقع 30% إلى 50% من المرتب الأساسي بحسب ظروف وطبيعة العمل والمناطق التي يعملون بها , فقد خول قانون السلطة القضائية في المادة ( 68) لوزير العدل إصدار هذا القرار.

ث‌- قرار بتحديد منح بدل ريف لأعضاء السلطة القضائية المعينون في المناطق الريفية بواقع من 30% إلى 60% من المرتب الأساسي وتحديد نسبة البدل المقرر لها في إطار الحدين المذكورين سلفاً حيث أن وزير العدل وفقاً لنص المادة (69) من قانون السلطة القضائية هو من يقوم بإصدار هذا القرار.

ج‌- قرار بتحديد منح بدل سكن لأعضاء السلطة القضائية المعينون في المناطق التي لا يملكون بها مسكن أو التي لم يوفر لهم سكن من الدولة بحسب ظروف إيجارات كل منطقة حيث أن وزير العدل وفقاً لنص المادة (70) من قانون السلطة القضائية هو من يقوم بإصدار القرار.

ح‌- قرار بمنح القضاة العلاوات الدورية طبقا للنظام المبين في قانون السلطة القضائية حيث أن وزير العدل وفقاً لنص المادة (72) من قانون السلطة القضائية هو من يقوم بإصدار هذا القرار وغيرها من القرارات المتعلقة بالشئون المالية لأعضاء السلطة القضائية

  alsaydilawyer    عدد المشاركات   >>  11              التاريخ   >>  27/12/2013



ضوابط ووسائل استقلال القضاء والقاضي في اليمن
إن الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن يعتبر من أهم الأمور التي تضمن استقرار الأوضاع في البلاد ونشر العدل والطمأنينة بين العباد والتصدى للفوضى والاضطراب السياسي والأمني التي تعاني منه البلاد بحياد كامل, ولن يتحقق ذلك إلا من خلال توحد رجال السلطة القضائية وتماسكهم والسير نحو تحقيق أهداف موحدة تخدم الوطن والمواطن وتكفل استقلال القضاء ووحدته كما تكفل استقلال الوطن اليمني ووحدته, مع وجود تعاون مشترك محدود بين السلطات الثلاث في اليمن, وتوافر العديد من الضوابط والوسائل التي تكفل تحقيق الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن والتي منها ما يلي : -

 
 
أولاَ :


أن يتم تحقيق مبدأ الفصل الفعلي بين سلطات الدولة الثلاث كركن لاستقلال
القضاء كسلطة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية, مع وجود تعاون محدود دون أدنى تدخل من أي سلطة في اختصاصات السلطة الأخرى وذلك من خلال تحقيق ما يلي :-

أ:- وجود درجة من الاحتراف في المناصب القضائية .

 
 
ب:- عزل السلطة القضائية عن التأثيرات الخارجية سواء الحزبية أو السياسية أو المذهبية أو غيرها من المؤثرات التي تؤثر سلباً على استقلال القضاء والقاضي .


ج:- وجود
استقلال ذاتي وكامل للإدارة القضائية عن الإدارة التنفيذية في جميع ما يتعلق بشئون السلطة القضائية فنياً وإدارياً وماليا , باستثناء بعض الامور البسيطة التي تستوجب وجود تعاون مشترك بين السلطتين دون أن تطغى السلطة التنفيذية على السلطة القضائية أو تتدخل في شأن من شئونها بشكل مباشر يحد من استقلالها كسلطة .

د:- تحديد مسئوليات ومهام الجهاز القضائي وهيئاته في إطار مفاهيم استقلال القضاء الشخصي والموضوعي.

هـ :- توافر الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية والقاضي بجميع جوانبه الفنية والمالية والإدارية سواء من خلال التشريعات والنصوص القانونية التي تنص على ذلك الاستقلال وتمنح الحماية له أو من خلال تطبيق ذلك على الواقع العملي .

ثانياً:

أن يتولد لدى كل قاضي وكل عضو نيابة منذ إنتمائه إلى السلطة القضائية إيمان كامل باستقلاله وحياده وعدم خضوعه لأي فرد أو تبعيته لأي جهة أو حزب أو تنظيم أو طائفة في المجتمع, سوى الجهة القضائية الرسمية (مجلس القضاء الأعلى) والجهة القضائية المنتخبة (المنتدى القضائي), وأن يتغلغل هذا الإيمان في أعماق ضميره ووجدانه فيجعل من
مبدأ الاستقلال القضائي عقيدة حية في ضميره، لان عدم إيمان القاضي بذلك سيؤدي إلى اعتباره مجرد شعور أو التزام أدبي قابل للجدل ويضعف قوة الدفاع عنه، ولن يتحقق ذلك لدى القاضي الا بعنصرين هما :

الأول :- وجود فلسفة واضحة لمبدأ
استقلال القضاء يؤمن بها القضاة راسخة في وجدانهم وضمائرهم توضح معناه ، وتبرز مدى أهميته . لان القاضي الذي لا يفهم معنى الاستقلال لا يمكنه أن يكون مستقلا .

الثاني : - وعي القاضي وإحساسه بضرورة هذا الاستقلال وإدراكه لحجم الضمانة التي سيوفرها لتحقيق هذا المبدأ الذي سينعكس ايجابيا على المجتمع ، ويتبنى عقيدة مفادها انه قد نذر نفسه لعمله في
القضاء وان يتصدى لكل محاولة للنيل من استقلاليته . ...

ثالثاً: -

حظر الانتماء الحزبي أو السياسي أو الطائفي أو المذهبي على القاضي وعضو النيابة العامة وكل أعضاء السلطة القضائية وتخيير كل القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين ينتمون إلى أحزاب سياسية بين العمل السياسي أو القضائي وإلزامهم بتقديم استقالتهم من الأحزاب التي ينتمون إليها لاستمرارهم في العمل القضائي إن شاءوا الاستمرار في السلطة القضائية, أو عزلهم منها في حالة رفضهم الاستقالة من الأحزاب التي ينتمون إليها, وكذا عدم قبول أي فرد في السلطة القضائية في المستقبل سواء كقاضي أو عضو نيابة إذا كان ينتمي إلى حزب أو تنظيم سياسي أو إلى طائفة أو جماعة مذهبية أو عقائدية , وجعل ذلك شرط من شروط قبول القاضي أو عضو النيابة العامة في السلطة القضائية..

رابعاً :

أن يتمتع القاضي بالاستقلال الفعلي منذ دخوله المعهد العالي للقضاء وقبوله للدراسة فيه , كونه يعتبر الباب الذي يدخل منه الطالب إلى السلك القضائي, والانتماء إلى السلطة القضائية, ولاجل ذلك يجب أن يكون الاستقلال التام وعدم الانتماء المذهبي أو الحزبي أو الطائفي أحد شروط قبول الطالب للدراسة في المعهد العالي للقضاء, فلا يتم قبول أي طالب في المعهد العالي للقضاء ممن ينتمون إلى أي جماعة من الجماعات المذهبية أو إلى أي حزب من الأحزاب السياسية أو إلى أي طائفة من الطوائف الدينية أو السياسية, وأن يؤدي اليمين عند قبوله بأن يظل مستقلاً إستقلالاً تاماً طيلة عمله في السلك القضائي فلا ينتمي إلى أي حزب سياسي أو إلى جماعة أو طائفة سياسية أو دينية أو مذهبية أثناء أنتمائه إلى السلطة القضائية, وأن يكون ولائه لله ثم للوطن والقانون, وأن يكون مذهبه وشريعته الكتاب والسنة النبوية المطهرة والقوانين النافذة في البلاد .

خامساً:

أن يتولى مجلس القضاء الاعلى باستقلال كامل جميع المهام المتعلقة بإدارة شئون القضاء الادارية والفنية والمالية كسلطة مستقلة استقلال فعلي شبه كامل, فيجب أن لا تشارك مجلس القضاء الأعلى أي جهة أخرى غير قضائية او أي مسئول حكومي في أدارة شئون السلطة القضائية أو اصدار أي قرارات بخصوص ذلك سواء كانت تلك الجهة رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو وزارة العدل, كون رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ووزير العدل هم ممثلو السلطة التنفيذية وفقاً لنص المادة (104) من دستور الجمهورية اليمنية.

فمن أجل أن يتحقق الاستقلال الفعلي للقاضي وللقضاء كسلطة مستقلة عن بقية سلطات الدولة, فلا بد أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وعن أي جهة من جهات الدولة بما في ذلك رئاسة الجمهورية, يتولى مجلس القضاء الأعلى دون غيره إدارة شئون القضاء والقضاة كاملة دون استثناء, ودون أن يشاركه في ذلك أي جهة من جهات الدولة أو أي مسئول في السلطة التنفيذية أو التشريعية, وأن لا يكون أعضاء السلطة القضائية خاضعين في أي شأن من شئونهم المهنية لأي فرد من خارج السلطة القضائية مهما كانت سلطته ووظيفته في الدولة حتى ولو كان رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو وزير العدل, بما في ذلك تشكيل مجلس القضاء الأعلى, لأن اخضاع أعضاء السلطة القضائية لرئاسة الجمهورية ولرئاسة الوزراء ووزارة العدل سواء في التعيين أو النقل أو الندب أو العزل أو الترقية أو الاحالة للتقاعد في المراقبة والإشراف عليهم وإدارة شئونهم المالية والادارية يجعل مبدأ الفصل بين السلطات منعدم كما يجعل استقلال القضاء والقاضي ليس له أي وجود على الواقع الفعلي, مما يؤثر سلباً على حياد القضاء.

فلن يتحقق الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية إلا من خلال تبعية القضاة لمجلس قضاء أعلى لا يتم تعيين رئيسه وأعضاءه من رئيس الجمهورية وأنما يكون انتخابه من قبل القضاة وأعضاء النيابة العامة أنفسهم (أعضاء السلطة القضائية) يمارس بإستقلالية كاملة جميع المهام والاختصاصات المتعلقة بإدارة شئون القضاء بجوانبه الثلاثه الفنية والمالية والإدارية, ويتولى مراقبة القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعوانهم أثناء أداء مهامهم والإشراف عليهم ومحاسبتهم وتأديبهم منذ التعيين وحتى العزل أو الاستقالة أو الاحالة إلى التقاعد, يحدد قانون السلطة القضائية عدد أعضاء مجلس القضاء الاعلى والشروط الواجب توافرها فيهم ومدة دورة انتخابهم ومهامهم واختصاصاتهم وغير ذلك, بشرط عدم الانتماء الحزبي للاعضاء وعدم تدخل الاحزاب في تلك الانتخابات أو تسييسها, وبعد انتخاب مجلس القضاء الاعلى يقوم أعضاء مجلس القضاء الأعلى في أول اجتماع له بانتخاب رئيس مجلس القضاء الأعلى ونائبه الأول ونائبه الثاني وأمين عام المجلس واللجان الاخرى, ويجب أن يكون مجلس القضاء الأعلى متفرغ تفرغ تام لإدارة جميع شئون القضاء فلا يمارس أي عضو منهم مهام قضائية في المحاكم ولا يمارس أي عمل أخر, يتولى جميع المهام المتعلقة بالسلطة القضائية الرقابية والقضائية والإدارية والمالية دون أدنى تدخل من السلطة القضائية, فيقوم بوضع الخطط وتشكيل الجهات القضائية ووضع الميزانية, ويراقب سير اعمال القضاة ويشرف عليهم ويقوم بتعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة ونقلهم وندبهم وترقيتهم ومحاسبتهم إدرياً وعزلهم أو ايقافهم عن العمل أو معاقبتهم إدارياً و إحالتهم إلى التقاعد عند بلوغهم السن القانوني المحدد للتقاعد, وغيرها من المهام المتعلقة بإدارة شئون السلطة القضائية وإصدار جميع القرارات المتعلقة بشئون السلطة القضائية الادارية والمالية والفنية دون استثناء أو تدخل من أي جهة حكومية أو من أي مسئول في السلطات الاخرى ...

 
 
سادساً :-


أن تقوم الدولة بإنشاء شرطة قضائية مستقلة تتبع اداريا واشرافيا مجلس القضاء الأعلى تتولى حماية القضاة ورؤساء ووكلاء النيابة العامة والمحاكم ومباني النيابة العامة , وتنفيذ الأوامر القضائية والتنفيذ الجبري للأحكام والقرارات القضائية النهائية الباتة مع قاضي التنفيذ المختص وردع بحزم وقوة كل من يعارض اجراءات التنفيذ للاحكام والقرارات القضائية وكذا تامين دور العدالة في المجتمع ..

 
 
سابعاً:


أن تكون هيئة التفتيش القضائي وكذا المعهد العالي للقضاء تابعين لمجلس القضاء الأعلى وخاضعين إدارياً لمجلس القضاء الأعلى , وأن يتولى رئيس مجلس القضاء الأعلى رئاسة مجلس المعهد العالي للقضاء , ويكون قبول الطالب فيه بقرار من مجلس القضاء الأعلى وليس من وزير العدل, فكيف يمكن القول بأن القضاء سلطة مستقلة وقبول أعضاءه يتم من السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل؟ وكيف يمكن القول بوجود استقلال قضائي والاشراف على القضاة وعلى سير اعمالهم وتقييمها ومراقبتها يتم من هيئة تتبع وزارة العدل؟

حيث أن قبول الطالب في المعهد العالي للقضاء يتم من قبل وزير العدل والذي يعتبر رئيس مجلس المعهد العالي للقضاء, مع أن المعهد العالي للقضاء تعتبر البوابة التي يدخل منها الى السلطة القضائية ويعتبر المركز العلمي التأهيلي للقضاء وحصول الطالب على شهادة التخرج منه تعتبر أحد الشروط الواجب توافرها في القاضي للعمل في السلطة القضائية, كما أن التفتيش على القضاة والاشراف على سير اعمالهم ومراقبتهم يتم من هيئة التفتيش القضائي والتي تتبع لوزارة العدل ادارياً ومالياً ووظيفياً..

ثامناً :

أن يتم عقد مؤتمر قضائي موسع لمناقشة موضوع استقلال القضاء والقضاة والتعديلات اللازمة للدستور وقانون السلطة القضائية بما يكفل الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن على ضوء ما يجري على الساحة العربية من أحداث وتغيرات سياسية, يتم حضوره من جميع القضاة وأعضاء النيابة العامة والمحامين ورجال القانون, وتقديم الرؤى والاقتراحات الصحيحة فيما يضمن تحقيق الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في النظم والقوانين الوطنية وعلى الواقع العملي, ويتم تشكيل لجنة قانونية من أكفى القضاة والمحامين وأعضاء النيابة العامة تتولى مهمة وضع اقتراح تعديل الدستور في المواد المتعلقة بالسلطة القضائية, وكذا تشريع قانون جديد للسلطة القضائية بما يكفل الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية بجوانبه الثلاثة الفني والاداري والمالي, وبما يكفل ضمان الزامية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية احترام ذلك الاستقلال ومنع أي تدخل في السلطة القضائية من أي جهة كانت ومن أي شخص كان, وتطبيقه على الواقع وتوفير الحماية الدستورية والشعبية لاستقلال القضاء والقاضي في المستقبل..



المراجع :


1- دستور الجمهورية اليمنية.


2- قانون السلطة القضائية اليمني وتعديلاته .


3- القاضي سالم روضان الموسوي - بحث مبدأ استقلال القضاء في التشريعات العراقية – على موقع (http:// )www.law-zag.com


4- فاروق الكيلاني ـ استقلال القضاء ـ المركز العربي للمطبوعات بيروت ـ ص 27 ـ ط2 عام 1999


5- محمد نور شحاتة ـاستقلال القضاء من وجهة النظر الدولية والعربية والإسلامية ـ بدون ط ـ دار النهضة العربية ـ ص 10



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3133 / عدد الاعضاء 62