بسم الله الرحمن الرحيم
محكمة جنح كفر صقر
مذكرة بدفاع
*********************- متهم
********************- متهم
ضــد
النيابة العامة سلطة اتهام
في الجنحةرقم 727 لسنة 2011 جنح كفر صقر - والمحدد لنظرها جلسة 19 / 5 / 2011
الوقائــع
حرصا علي وقت عدالة المحكمة - نحيل في شأنها إلي أوراق القضية .
مقدمة لا غني عن ذكرها :
ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين !!!
• سيدي الرئيس، لا أخفيكم سراً ، بأنني وفي اللحظة الأولى التي عهد إليَّ فيها بالدفاع عن المتهمين في هذه القضيةحسبت الخطب جللاً لا حيلة فيه لمدافع - المتهمون يواجهون عدد لا يستهان به من الإتهامات- أشفقت علي نفسي وعلي المحكمة من هذه المهمة العسيرة – حيث تجاوزت الأوراق ألف صفحة أو يزيد - ولكن وما أن صرت أقلب ثنايا هذا الكم الهائل من الأوراق بحثا عن أدلة الثبوت، حتى تملكني العجب فالأوراق علي كثرتها لا تتضمن دليلا واحدا علي إرتكاب المتهمين لأي من التهم الموجهة إليهم، لذلك وما أن فرغت من قراءة أوراق القضية حتى صرت أدق يدا بيد في شئ من الشدة ولم أجدني إلا قائلا "ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين"!!!
• ولذلك استأذن عدلكم الموقر فى طرح بضعة ملاحظات حول ما ورد بمحضر الضبط وما جاء علي لسان محرره بالتحقيقات - معرجا علي ما حوته مذكرة تقدمت بها النيابة تقول بأنها تتضمن أدلة الثبوت !!!
الدفاع
أولا : ندفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم توافر احدي حالات التلبس المنصوص عليها قانونا – وعدم وجود إذن من الجهات القضائية المختصة بإجراء القبض.
لما كانت المواد 30، 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون 37 لسنة 72 التي لا تجيزالقبض إلا فى أحوال التلبس- ولما كانت حريات الأفراد مصونة لا يجوز المساس بها -وحيث كانت الواقعة على حسب تصوير محرر المحضرلا تندرج ضمن حالات التلبس التي حددتها المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية علي سبيل الحصر- ولما كان القبض علي المتهمين قد وقع باطلا وفقا لما سوف يلي بيانه ومن ثم ينعدم كل إجراء يلي هذا القبض وتهدر حجية ما عسي أن ينتجه القبض من أدلة – لأنه ليس نتيجة عمل مشروع وبالتالي فلا يعول علىالدليل المستمد منه ولا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل ولا بما أثبته فىمحضره من أقوال واعترافات يقول بحصولها أمامه من المتهم وقد قررت محكمة النقض أن مجرد تلقي مأمور الضبط نبأ الواقعة لا يكفي لقيام حالة التلبس ولا يبيح له إجراء القبض فأوردت :
لما كانت المادتان 34 ، 35 من قانون الإجراءت الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي فى أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه بالجريمة ، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام جريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه ولا يغنيه عن ذلك تلقى نبأ عن طريق الرواية أو النقل من الغير شاهدا كان أم متهما يقر على نفسه.
( طعن رقم 1622 لسنة 53 قضائية جلسة 1983/11/9 س 34 ص934 )
وبتطبيق ما تقدم علي واقعات القضية الماثلة نجد أن مأمور الضبط وبحسب ما سطره بمحضر الضبط انه " وردت معلومات لفرع البحث مفادها قيام المرشح سمري منصور سمري .......الخ ، وعلي الفور قمنا بالانتقال ومعنا ضباط إدارة البحث الجنائي و............" ( يراجع ص 1 – 2 دوسيه )
آية ذلك ومؤداه أن أمجد فتحي لم يشاهد الجريمة حال ارتكابها – ولا بعد إرتكابها ببرهة يسيرة – ولا هو شاهد العامة تتبع الجناة بالصياح – ولم يشاهد الجناة بعد ارتكاب الجريمة ممسكين بأي من أدواتها – ولا هو شاهد أي من آثار الجريمة علي أي من المتهمين – معني ذلك قيام مأمور الضبط بالافتئات علي اختصاصات جهات التحقيق في إصدار أوامر القبض والتفتيش – ومحاولة إختلاق احدي حالات التلبس المنصوص عليها قانونا وهو أمر غير مقبول إطلاقا – وبإستقراء نص المواد 30 ، 34 ، 35 إجراءات جنائية نجد مفادها انه حال تلقي مأمور الضبط القضائي معلومات حول وقوع ثمة جريمة – أن يبادر علي الفور بإبلاغ الجهات القضائية بما لديه من معلومات- لتتولي بدورها إصدار ما يتراءى لها من قرارات في ضوء المعلومات التي قٌدمت إليها – لا أن يبادر إلي الإفتئات علي دور النيابة العامة وحقوق المواطنين بقيامه بإجراء قبض غير مشروع – بالمخالفة لنصوص المواد سالفة الذكر- لأن تخويل القبض لمأمور الضبط القضائي في حالات التلبس استثناء من الأصل المقرر وهو إختصاص النيابة العامة دون غيرها بإصدار أوامر القبض- ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء ومن هذا المنطلق لا يجوز لمأمور الضبط أن يختلق لنفسه مركزا يخول له إجراء القبض بالمخالفة لأحكام القانون تعديا علي اختصاص النيابة العامة .
وقد قررت محكمة النقض في هذا الشأن ما يلي :
"من المقرر أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس و القبض عليهم بغير وجه حق ، و كان الدستور قد كفل هذه الحريات باعتبارها أقدس الحقوق الطبيعية للإنسان بما نص عليه فى المادة 41 من أن " الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع و يصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون " .
(الطعن رقم 179 لسنة 60 ق – جلسة 19-02-1991)
- فضلا عن مخالفة واقعة الضبط لقواعد وأحكام تفتيش السيارات :-
" لا يجوز تفتيش السيارات الخاصة بالطرق العامة بغير إذن من سلطة التحقيق إلا إذا كانت خالية وكان ظاهر الحال يشير إلى تخلى صاحبها عنها"
( الطعن رقم 1747 لسنة 29 ق جلسة 1960/4/4 س 11 ص 308 )
ثانيا : ندفع ببطلان محضر ضبط المتهم لتعدي مأمور الضبط على سلطات جهات التحقيق ، وقيامه بعمل من أعمالها وهو المواجهة بالمخالفة لنص المادة 29 إجراءات .
ابتداءاً لا نسلم بصدور هذه الأقوال عن المتهمين بمحضر الضبط ، ولكن وعلى الفرض الجدلي بصحة صدورها عنه ، فإننا نتمسك ببطلانها ، لكونها وليدة إجراء يعتوره البطلان ، وهو قيام مأمور الضبط بمواجهة المتهم ، وهو عمل من أعمال التحقيق الذي تستقل به النيابة دون غيرها ، إذ البين من مطالعة محضر ضبط المتهم ، أن محرر محضر الضبط قرر حسب حصر لفظ :
( وبمواجهة المتهمين جميعا بما أسفر عنه ضبطهم اعترفوا بانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة واستخدامهم شعارات دينية محظورة في الانتخابات وبتعديهم بالقوة علي أفراد الشرطة واتلاف السيارة رقم 7910 شرطة وبتعديهم بالقول والسب والإهانة علي افراد الشرطة .......الخ ) ( يراجع ص 7 – 2 دوسيه )
والمستقر عليه فقها وقضاء ، وما استقرت عليه أحكام النقض ، أن المواجهة إجراء من إجراءات التحقيق ، لا يجوز مباشرتها إلا بمعرفة سلطة التحقيق وهى النيابة العامة .
فقانون الإجراءات الجنائية ، أجاز لمأمور الضبط إثبات أقوال المتهم حال ضبطه كما أجاز له مناقشته .. إلا أن قانون الإجراءات الجنائية قد حظر على مأمور الضبط اللجوء إلى أي إجراء من إجراءات التحقيق ، والتي تختص بها النيابة العامة دون غيرها .
وكان المستقر عليه أن مواجهة المتهم ، بأي دليل فى الدعوى ، هو إجراء من إجراءات التحقيق ، لا يجوز لغير النيابة العامة القيام به ، وبالتالي فلا يجوز لمأمور الضبط أن يقوم بمواجهة المتهمين بما أسفر عنه الضبط ؛ حيث ينطوي هذا التصرف على مواجهة للمتهم في قالب استجواب.. ويعتبر ذلك طبقا لقانون الإجراءات الجنائية إجراء من إجراءات التحقيق وهو المواجهة ، وهو محظور على غير النيابة العامة مباشرته ولو كان المسطر بمحضر الضبط أنه وبضبط المتهم فقد أبدى لنا رغبته في الإدلاء بأقواله، لساغ لمحرر المحضر تدوين ما يمليه عليه المتهم ، أما أن يتطوع مأمور الضبط ، مغتصباً سلطة النيابة في مواجهة المتهم فهذا عين المحظور ، ويترتب عليه بطلان ما نسب إلى المتهم – زعماً – بمحضر الضبط وعدم التعويل عليه ، لو صح بالفرض الجدلي .
"وإن كانت المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية قد أجازت لمأمور الضبط عند جمع الاستدلالات أن يسمع أقوال من يكون لديهم معلومات عن الواقعة ومنهم المتهم . إلا أنه يجب ملاحظة أن قيام مأمور الضبط بسؤال المتهم يقتصر على مجرد استيضاح ما نسب إليهدون تضييق الخناق عليه بأسئلة دقيقة وتفصيلية أو محاولة استدراجه أو الإيقاع به أو مواجهته بالأدلة القائمة ضده لأن ذلك يعد استجواب لا يملكه مأمور الضبط "
[ د . إدوار غالى الدهبى - في الإجراءات الجنائية – ص 334 ]
وفى ذلك قضت محكمة النقض :
" لما كان ما صدر من مأمور الضبط القضائي من مواجهة الطاعن بالأدلة القائمة ضده ومناقشته فيها إنما ينطوي على استجواب محظور في تطبيق الفقرة الأولى من المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية ولما كان الحكم قد أقام قضاءه ضمن الأدلة التي تساند إليها فى إدانة المحكوم عليهم وعلى الدليل المستمد من هذا الاستجواب الباطل فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه "
( نقض جلسة 18/1/1983 – س 34 ص 107 )
مما سبق يتضح أن محرر المحضر قد اغتصب سلطة النيابة في مواجهة المتهم وهذا عين المحظور، كما أن المتهم قد أنكر كافة أقواله الواردة بمحضر الضبط أثناء مثوله أمام النيابة ، مما يترتب عليه بطلان ما نسب إلى المتهم – زعماً – بمحضر الضبط وعدم التعويل عليه ، لو صح بالفرض الجدلي .
ثالثا :ندفع بانتفاء أركان جريمة استخدام شعارات دينية في الدعاية الانتخابية لخروج الفعل عن نطاق التجريم.
تضمنت الوثيقة الدستورية بعد التعريف بنظام الدولة وأساسها ما نصه " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعةالإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" فتصدرت هذه المادة نصوص الدستور بغرض التعريف بهوية الدولة ومرجعيتها الإسلامية – وليس في تقرير هذه الحقيقة ما يمثل جرما يستوجب العقاب – بل أن إنكاره فعل يستحق التأثيم، ومن ثم فإنه لا يكفي القول بأن ترديد المتهمين لشعار " الإسلام هو الحل " – يمثل خروجا عن المبادئ الدستورية المقررة – أو تعديا علي المبادئ القانونية – لأن علة التأثيم في جريمة استخدام شعارات دينية في الدعاية الانتخابية ليس استخدام شعارات ذات طابع ديني فحسب – بل ان العبرة هي بإستخدام شعارات دينية من شأنها الدعوة بث الفرقة أو تحقير باقي الطوائف أو ازدرائها- بما يمثل تهديدا للوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، ولا يمكننا القول بأن مجرد ترديد شعار "الإسلام هو الحل" يمثل خروجا عن مقتضيات السلام الاجتماعي أو الوحدة الوطنية بل أن تقريره يعزز اللحمة الوطنية بإعتبار الإسلام دين الدولة الرسمي ومقاصد الشريعة الإسلامية تدعو إلي التقارب بين كافة الأديان وكافة أطياف المجتمع، وكان علي النيابة الموقرة حين قدمت المتهمين بمقولة ترديد شعارات ذات طابع ديني " الإسلام هو الحل" أن تقدم الأدلة علي أن الإسلام فعلا يهدد السلام الاجتماعي – وينال من الوحدة الوطنية.
– وكان علي النيابة والحال كذلك إما أن تدلل وبما لا يدع مجالا لأي شك علي مدي خطورة شعار"الإسلام هو الحل" علي الوحدة الوطنية وكيفية تهديده للسلام الاجتماعي – وإما ان تدلنا هي مشكورة علي الحل ؟ لعلنا عندئذ أن ننزل عند رأيها – أو ان نسلم لها بما أرادت!!
- ومن حيث أن من حيث إن التشريع يندرج درجات ثلاث هي الدستور ثم التشريع العادي ثم التشريع الفرعي أو اللائحة ، وهذا التدرج في القوة ينبغي أن يسلم منطقاً إلى خضوع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى لذلك فقد أقر الفقه والقضاء حق محكمة الموضوع النظر في ملاءمة القوانين والتشريعات القائمة لنصوص الدستور وكذا حقها في الالتفات عن النصوص التي يتراءى لها مصادماتها صراحة مع المبادئ الدستورية فقرر:
إذا أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص فى يوم العمل به ، ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة ، سواء كان سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور ، قد نسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه ، لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى ، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور ، إذا كان نصه قابلاً للإعمال بذاته وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور.
( يراجع في هذا الشأن مؤلف ضوابط الاختصاص القضائي للمستشار الدكتور /عبد الحكم فوده ، صور الرقابة القضائية- حدود اختصاص المحكمة الدستورية العليا - للدكتور عز الدناصورى رئيس محكمة الاستئناف والدكتور عبد الحميد الشواربى )
وفي هذا الشأن قضت محكمتنا العليا بما نصه :
أن الدستور هو القانون الوضعي الأسمى صاحب الصدارة فإن على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه . فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها ، فإذا ما أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص في يوم العمل به ، ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة ، سواء كان سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور ، قد نسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه ، لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل أو تخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى ، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور ، إذا كان نصه قابلاً للإعمال بذاته وإهدار ما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور "
( الطعن رقم 2605 لسنة 62 ق جلسة 15/ 9/ 1993 س 44 ص 703 )
رابعا: ندفع بإنتفاء الركن المادي لجريمة الإهانة – لتوافر احد أسباب الإباحة (حق النقد في الميدان السياسي )
الأصل أن حرية النقد والرأي والتعبير من الحقوق المكفولة بنص الدستور وهي بحسب ما أوردته المحكمة الإدارية العليا – حقوق غير قابلة للتعطيل لأنها وفقا لطبيعتها لصيقة بالمواطن لاتقبل وفقاً أو تعطيلاً أو انتقاصاً – وقد تضمنت الوثيقة الدستورية ما نصه " حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني”
لما كان ذلك فمن غير الجائز وفقا لأحكام الدستور أن تصادر الحكومة هذا الحق وتمنع صوت المعارضة – لكن ومن أسف أن آفة النظام السابق أن أبقي علي تلك النصوص فقط لمجرد الإشادة بها والزعم بقيامها فبقيت هذه النصوص حبيسة - جماد بلا روح - فحُرمت المعارضة من مجرد نقد الأوضاع القائمة أو التطلع إلي تولي أي من المناصب البرلمانية أو السياسية أو غيرها– ومن المعلوم أنه لا يفيد المرء أن يسمع رجع صوته - ولكن الحكومة آثرت ألا تسمع غير صوتها – فكانت معارضة الحكومة إحدى الكبائر - وبات من ينتقد النظام آثم قلبه ولا مجال لتركه إلا أن يستتاب فإن فاء فلا جناح عليه ولو استعصم بحقه في النقد استعصم النظام بحقه في التنكيل بكل صاحب رأي – هكذا جرت المقادير – وهكذا كانت تضيق الحكومة الخناق علي المعارضة الحرة فاستخدمت كل ما لديها من سلطان حتى أفرزت الانتخابات البرلمانية السابقة برلمان خالي من المعارضة – وواقع الحال ينبئ عن تزوير هذه الانتخابات - وذلك بإعتراف الحكومة نفسها – وواقع الحال ينبئ أيضا أن المعارضة الحرة في الحقبة الفائتة قد ظلمت ظلما كبيرا – ولا أجد حرجا في القول أن الإسلام الدين الرسمي للدولة لم يسلم هو الآخر من ممارسات الدولة البوليسية – فبات ترديد الشعارات المطالبة بالمبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية "الإصلاح – العدالة – التنمية" – في نظر الحكومة تحقيرا من شأنها - فلم يتسع صدرها لثمة نقد جل أو هان – وبات كل صاحب فكر مهدد في نفسه وماله ولا أبالغ إن قلت عرضه – إعتقدت الحكومة أن التضييق علي حربة الكلمة وعلي نسمات الحرية هو ما يحفظ بقائها- ولكن خاب ظنها لم تفطن الحكومة إنها النار من تحت الرماد!!
ومن أسف أيضا أن الحكومة دأبت علي تسمية كل المعارضين "بالقلة المندسة" وصورتهم بمن يدفع عجلة التنمية للوراء- وبأنهم لا يريدوا بالمجتمع الخير – فأغدقت عليهم بالاتهامات – المناداة بالإصلاح جريمة – المجاهرة بالرأي جريمة – المجادلة بالفكر جريمة – عادت بنا الحكومة ألف عام للوراء – للعصور الجاهلية - حيث القمع أساس الملك- حكم البوليس أساس الملك - وضع الكلمات على الخازوق أساس الملك – لم يسلم صاحب فكر وصاحب رأي من غطرسة السلطان – فألقي القبض علي الحرية والأحرار – ألغي الشعب – وألغي أحداث التاريخ – وأصبح مصدر كل السلبيات، هذا هو التاريخ !!!
ولا يخفي علي عدلكم الموقر أن جهاز الشرطة كان يد النظام التي يبطش بها – وينكل بمعارضيه – ويمارس عليهم اقسي أنواع البطش والعنف والاستبداد – حتى أن محكمة النقض برئاسة عبد العزيز باشا فهمي سبق وأن صورت هذه الممارسات في الطعن رقم "الطعن رقم 2421 سنة 2 ق" بأنها " إجرام في إجرام" – الشرطة تمارس الإجرام في حق الشعب – الشرطة تدور في فلك النظام أينما ولي وجهه ولت هي الأخرى وجهها – الشرطة أطلقت الرصاص الحي علي المتظاهرين العزل لمنعهم من حق التعبير عن رأيهم – الشرطة التي يواجه الآن كبيرها وحوارييه المحاكمة بتهمة القتل العمد للمتظاهرين السلميين - ليس هذا حديثا مرسلا غير مرتبط بواقعات هذه الدعوي - فها هي أوراق القضية الماثلة تنزف بالدماء وتئن من كثرة الجروح والكسور – وهي جروح لم تلتئم بعد ولن تلتئم حتى يقتص القضاء لهؤلاء المظلومين.
وفي هذا المقام وبيانا للعدوان الذي مارسه النظام علي حق المعارضة طوال السنوات الماضية نورد ما سطرته المحكمة الإدارية العليا في شأن حق المعارضة ليس فقط في التعبير عن الرأي بل الي التطلع نحو تولي مقاليد الحكم :
" أن الدستور يكفل للمصريين جميعاً الحرية الشخصية، وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية النشر وحرية تكون الجمعيات، وذلك انطلاقاً من أن الديمقراطية التي نصت المادة الأولى من الدستور على اعتبارها الوصف الأول لنظام الدولة إنما هي ديمقراطية جميع أفراد الشعب المؤيد منهم للحكومة القائمة والمعارض لها سواء بسواء، ذلك أن المعارضين للحكومة من الوطنيين لا يقلون إخلاصاً للوطن عن المؤيدين، بل إن من حق المعارضة المشروع أن تسعى إلى أن تحل محل الحكومة في تولي مقاليد الحكم، وبناءً على ذلك فإن مجرد إبداء رأي معارض لحكومة الدولة والتعبير عن هذا الرأي ونشره بمختلف الوسائل سواء في الداخل أو الخارج حق مشروع طالما كان إبداء الرأي ونشره والترويج له والدعوى إليه من خلال اقتناع ذاتي وحس وطني حتى ولو أغضب هذا الفكر الحكومة القائمة"
( الطعن رقم 1550 لسنة 33 القضائية – إدارية عليا - جلسة 24 من نوفمبر سنة 1990 )
ورغم أننا سبق وأن أوردنا أننا لا نسلم بكافة الأقوال التي وردت علي لسان المتهمين – ولكن علي الفرض الجدلي بحصولها – فلا نري في هذه الأقوال ما يمثل ثمة إهانة – لأنه وبإستقراء هذه الأقوال وفقا للإطار الذي ورد بمحضر الضبط المزعوم نجد أنها أتت خلال احدي المسيرات الانتخابية - وبمناسبة نقد المتهمين للأوضاع السياسية التي كانت سائدة وقت القبض علي المتهمين - فلا يمكن تصويرها غير أنها مجرد رأي حول أمر عام بقصد التنبيه إلي خطر يوشك أن يحيق أو إلي عيب تفشي أو ابتغاء نفع في طريق من الطرق أو إلي غير ذلك مما يمس مصلحة المجتمع في الصميم– ومن غير المنطقي أن تفسر هذه الأقوال بعيدا عن مقتضيات حسن النية – بإعتبارها تمثل في ذاتها إهانة بالقول لرجال السلطة العامة – وقد قضت محكمة النقض في هذا الشأن بالاتي نصه:
· "والمستفاد من ذلك أن حماية الموظف العام من المساس بكرامته واعتباره لا يعني أن يتحصن من النقد ومن توجيه العبارات اللازمة لرد عدوانه فليس من الاهانة للموظف العام أن يلاحظ عليه أحد الناس ما تجاوزه من سلوكيات يمارسها علي خلاف القوانين فمن يبدي ملاحظة علي أحد رجال السلطة بقصد إيضاح هذا التجاوز وعدم الرضا به وأن يعترض علي معاملته بغلظة فليس في ذلك ثمة إهانة بل العكس هو الصحيح إذ أن الموظف هو ذاته المعتدي وليس في استنكار التعدي أو نقده أو التعليق عليه ما يكون جريمة"
( نقض 26 /1/ 1948 مجموعة القواعد لربع قرن جـ 1 – ص 302 ق 17 )
وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا الحق في انتقاد القائمين بالعمل العام – وقضت بعدم جواز تفسير آرائهم ، ولو كانت مريرة ، بعيدا عما توجبه مقتضيات حسن النية والمصلحة العامة، فقضت :
"انتقاد القائمين بالعمل العام، وان كان مريرا، يظل متمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما لا يخل بالمضمون الحق لهذه الحرية أن يجاوز الأغراض المقصودة من إرسائها. وليس جائزا بالتالي أن تفترض في كل واقعة جرى إسنادها إلى أحد القائمين بالعمل العام أنها واقعة زائفة أو بأن سوء القصد قد خالطها. كذلك فإن الآراء التي تم ترديدها في حق أحد ممن يباشرون جانبا من اختصاص الدولة لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة في أعلى درجاتها من عرض انحرافاتهم، وأن يكون المواطنون على بينة من دخائلها ويتعين دوما أن تتاح لكل مواطن فرصة مناقشتها واستظهار وجه الحق فيها"
( يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 37 لسنة 11 قضائية "دستورية )
ولما كانت ظروف القبض علي المتهمين وفقا لمحضر الضبط المزعوم تنم عن حصول واقعة الضبط إبان مسيرة انتخابية فذلك ما يجعل ثوب النقد واسعا فضفاضا بحسب تعبير الدكتور مصطفي القللي " النقد الذي يوجهه الناقد للموظفين ومن في حكمهم في هذا الميدان السياسي الرهيب يرد علي كافة نشاط هؤلاء ابتداء من رئيس الدولة إلي أقل موظف أو عامل فيها ، وميدان السياسة يشمل علي أية حال كل ما يتصل بالحكومة وكل شخص يتصل بعمل عام ، إذ أن مثل هذا الشخص يجب مناقشته بمنتهي الحرية ، ويُنقد تماما قي كافة أعماله لبيان ما إذا كان ملتزما حدود القوانين أو لا ، ويتصل بالنقد بالميدان السياسي المعارك الانتخابية سواء كانت هذه الانتخابات لقيام الهيئات السياسية كالمجالس التشريعية أو المحلية وغيرها"
( المسئولية لجنائية للدكتور مصطفي القللي – وجرائم النشر للأستاذ محمد عبد الله ص 32 )
لماذا إذا يضيق صدر الداخلية بالنقد- بشأن الانتخابات التي قررت إجرائها في مواعيدها المقررة – رغم صدور آلاف الأحكام ضدها بإيقاف إجراء هذه الانتخابات !!، لماذا أصرت علي إجراء الانتخابات بالمخالفة للأحكام ألا يعد ذلك تزويرا – بل إن إتمام الانتخابات علي خلاف الأحكام القضائية هو عين التزوير – وهو ما يثبت لعدلكم الموقر أننا كنا نعيش بإمتياز أزهي عصور البربرية – فلا إحترام لأحكام القضاء ولا إعتبار لسيادة القانون!!!
ولعله من أكثر الألفاظ مرارة - والتي لا نسلم بصدورها عن المتهمين- أنهم رددوا لرجال البوليس أنهم " مزورين الانتخابات – وكلاب السلطة " – وقد أفضنا في بيان أن هذه الألفاظ – بفرض صدورها عن المتهمين - لم يقصد بها مطلقا إهانة رجال السلطة – بل أن المقصود هو توجيه النقد للسلطة" النظام الحاكم" – بغرض التنبيه إلي خطر أوشك أن يحيق وإلي عيب تفشي بالفعل وابتغاء نفع عام في طريق إصلاح الانتخابات وإصلاح الحياة السياسية التي أفسدها الحزب الحاكم والنظام الحاكم والرئيس الحاكم - وكل ذلك مما يمس مصلحة المجتمع في الصميم – فتشكيل البرلمان أمر متصل بالحياة العامة – وهو عماد الحياة الديمقراطية وقوامها – وبات أمر نقد آلية وإجراءات وصول المرشحين لمقاعد البرلمان أمر لا مشاحة فيه مهما بلغت حدة النقد ، فمن الخطورة بمكان أن نري برلمانا علي غير إرادة الناخبين – وعلي غير إرادة القانون بالمخالفة للأحكام القضائية – بإختصار هو برلمان مزور- لذلك فمن غير المنطقي أن تفسر هذه الأقوال بعيدا عن مقتضيات حسن النية – بإعتبارها تمثل في ذاتها إهانة بالقول لرجال السلطة العامة – مهما بلغت حد القسوة أو المرارة في كلمات الناقد – كل ذلك فضلا عن إفراط قوات البوليس في قمع أصحاب الرأي نفاذا لأوامر الحكومة – ما دفع هؤلاء إلي محاولة كشف علاقة الشرطة بالسلطة وبالنظام الحاكم – ومحاولة تصويرها كيفما تراءي لهم – وطالما بقيت هذه الآراء بعيدة عن المساس بالحياة الشخصية لهؤلاء – وما دام الأمر متعلقا بأعمالهم الوظيفية – فلا يمكن تحصينه من النقد – بل أنه من الواجب أن يكون هناك قدرا من سعة الصدر في تفسير عبارات النقد ولو تضمنت ألفاظ النقد بعض من الشدة ومن قوارس الكلام – فقضت محكمة النقض بما يلي :
د
"إن المتهم وإن يكن قد استعمل في النقد شيئا كثيرا من الشدة ومن قوارس الكلام، إلا أنها جاءت من باب المبالغة والرغبة في التشهير بالفعل في ذاته، والغلو في الوصف وعلي أي حال فهي لا تشمل المساس بالحياة الخصوصية ومن ثم لا يسوغ إختزال تلك العبارات والألفاظ وفرض عقاب خاص لها"
(الطعن رقم 364 لسنة 43 ق – مشار إليه في كتاب التشريع وأحكام القضاء في جرائم الصحافة والسب والقذف في الشيوعية – للأستاذين محمد عصام حسونة وحسن صادق المرصفاوي ص 190 )
وقضت أيضا محكمة جنايات مصر بأن " كل نقد مهما بلغ من العنف والمرارة ليس إهانة ولا سب"
( محكمة جنايات مصر في 14 / 6 / 1948 في القضية 3557 سنة 1946 – مشار إليه في كتاب النقد المباح للمستشار الدكتور عماد النجار)
**ولعله من سوء فهم الحكومة أنها كانت لا تزال معتقدة أن حرية الإنسان تكمن في تحرير لقمة العيش له، وها هي التجربة العملية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا معني للحرية الصحيحة بالنسبة للجائع الذي يضطر إلي بيع صوته في الانتخابات- فلا جدوى للقمة العيش إذا فقد صاحبها أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية...
والعجيب حقا أن أحداث التاريخ ماثلة في الأذهان وأن أي من النظم الديكتاتورية لم يحقق لأمته غير العار والهزيمة ، ويكفي أن نذكر أن نابليون في فرنسا لم يرحل إلا وفرنسا محتلة ممزقة منهكة القوي ، وكذلك هتلر في ألمانيا ، وموسوليني في إيطاليا، وها هو التاريخ يكرر نفسه حالة من التشرذم والإنهاك تعيشها مصر ونعيشها جميعا – تلك ضريبة قمع الرأي !!!
خامسا :ندفع بإنتفاء الركن المعنوي في جريمة الإهانة- لتوافر حسن النية لدي المتهمين.
لما كان ما تقدم وكان المقصود بالركن المعنوي في جريمة الإهانة هو أن تتجه إرادة الجاني نحو ارتكاب الفعل المؤثم بحيث يقبل علي فعله مع علمه بمضمون ما يكون من إهانة وعدم توقير للمجني عليه مع علمه بكونه موظفا عاما وان هذه الاهانة أثناء أو بسبب تأديته لعمله – وقد أفضنا في تبيان أن ما ورد علي لسان المتهمين - بفرض حصوله – قد جاء بمناسبة نقد المتهمين للأوضاع السياسية السائدة في تلك الفترة - وهو ما ينتفي به القصد الجنائي عماد الركن المعنوي وقوامه، ومن ثم لا يجب تفسير هذه العبارات أو البحث عن مدلولها بعيدا عن مقتضيات حسن النية، وقد قررت محكمة النقض:
"أن حسن النية سبب عام لإباحة الجرائم عموما ومنها جريمة الإهانة إذا صدقت نية الفاعل"
(نقض 11/11/1946 مجموعة أحكام النقض جزء 7 ص 199)
سادسا : انتفاء الركن المادي لجريمة التعدي علي رجال السلطة بالقوة والعنف.
العجب كل العجب !!!
أي قوة تلك التي استخدمها المتهمون ضد قوات السلطة - أين مظاهر هذه القوة – أين آثارها !!!!
ربما إلتبس الأمر علي النيابة الموقرة ؟!!! هؤلاء الجرحى التي تنزف الأوراق بدمائهم – ليسوا من رجال السلطة – بل من ضحايا السلطة – هؤلاء هم ضحايا العنف والقوة من جانب قوات الشرطة – تضمنت التقارير الطبية للمتهمين والمرفقة بالأوراق ما يربو عن 90 إصابة متنوعة بين جرح وكسر وغير ذلك !!!!
كل هذا ولم تكلف النيابة خاطرها في البحث عمن احدث إصابات المتهمين وعذبهم !!!!
وقد إستقر الفقه والقضاء علي أن المقاومة السلبية لا تعد مقاومة أو عنف فقرر ما يلي :
"لا يعتبر من قبيل القوة أو العنف مجرد عدم الانقياد أو المقاومة السلبية لرجال السلطة العامة ولو حتى اقترنت بطريق احتيالية معدة لخدعهم ولا التهديدات الشفهية التي كثيرا ما تقترن بمعارضة رجال السلطة العامة فهي لا تكفى لتكوين جريمة التعدي أو المقاومة بالقوة أو العنف"
(الموسوعة الجنائية _جندي عبد الملك_ص658)
لذلك فإن محاولة المتهمين مقاومة القبض عليهم – وهو بالمناسبة في نظرنا قبض غير مشروع - بإستخدام الحيلة أو التهديد الشفهي لا يمثل ثمة تعدي بالعنف أو القوة.
الأمر - بفرض حصوله- لا يعدو كونه مقاومة سلبية لا تحمل ثمة مظهر للعنف – العنف يُسأل عنه ضابط الواقعة ومرافقيه – يسأل عنه المغوار أمجد فتحي – الذي يعتقد أننا من البلاهة لتصديق روايته بأن المتهمين هم من أحدثوا بأنفسهم هذه الإصابات أثناء محاولة السيطرة عليهم وأنهم فعلا إستخدموا القدر اللازم من القوة للسيطرة عليهم !!!!!!
وإذا كان تشكيل من الأمن المركزي – وضباط مباحث مركز كفر صقر وأبو كبير – وجماعة من المخبرين –لم يستطيعوا السيطرة علي بعض الخائفين المذعورين – سوي بتكسير عظامهم وشج رؤوسهم– فما جدوى وجودهم إذا!!!
وأنا أتساءل وبحق – هل الشريعة عندنا ضد الضحية !!!!!!!!!
هل من العدل أن تقدم النيابة العامة – المتهمين للمحاكمة وتستبعد المجرمين الحقيقيين – بدعوي أن المتهمين هم من أحدثوا بأنفسهم الإصابات الموصوفة بالتقارير وذلك أثناء محاولة السيطرة عليهم !!
عدالة المحكمة الموقرة نظرة واحدة إلي المتهمين في هذه القضية ، تكفي لعكس صورة غير مرغوب فيها عن إطلاقا هذا البلد – تنبئ عن مفاهيم وبكل أسف لا زالت راسخة من الصعب اقتلاعها – هكذا يكون المواطنون سواء في نظر النيابة !!!
ليس أبلغ علي نفي تهمة التعدي بالقوة والعنف عن المتهمين مما ورد علي لسان أمجد فتحي حين سئل بالتحقيقات حول وجود ثمة إصابات بقوات الشرطة أجاب : لا مفيش إصابات ....
بإختصار نقرر أن المتهمين جميعا لم يقوموا بثمة تعدي علي أصحاب المقام لا بالقوة ولا بالعنف ولا بغير ذلك – حيث لا مظاهر لتلك القوة – ولا آثار لهذا الاعتداء ...
سابعا :ندفع بانتفاء الركن المعنوي بشقيه العام والخاص لجريمة التعدي بالقوة والعنف علي رجال السلطة.
لا يكفي الركن المادي وحده لقيام الجريمة بل يجب أن يقترن بما يعرف بالركن المعنوي أو القصد الجنائي – وهو بتعبير كافة فقهاء القانون وشراحه يتألف من علم الجاني بالوقائع المادية اللازمة لقيام الجريمة العمدية وعلم مفترض بالقواعد القانونية التي تحكم تلك الجريمة، وإرادة متجهة للقيام بالفعل المادي الإجرامي وللنتيجة الإجرامية – وبالإضافة للقصد العام المتطلب في الجرائم علي وجه العموم إستقر قضاء النقض علي وجوب توافر قصد خاص في جريمة التعدي علي رجال السلطة بالقوة والعنف فأوردت محكمتنا العليا ما يلي نصه :
" المقرر أن الركن الأدبي في جريمة التعدي بالقوة علي رجال السلطة لا يتحقق إلا إذا توفرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينه هي أن يؤدى عملا لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدى فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه"
( الطعن رقم 2388 لسنة 50 القضائية - جلسة 17 من نوفمبر سنة 1981)
لما كان ما تقدم وكان وفقا للثابت بالأوراق أن القبض أساسا غير مشروع وفقا لما أبديناه في الدفع الأول وما تلاه فلا تثريب علي المتهمين إن هم قاوموا رجال الضبط مقاومة سلبية لمنعهم من إتمام هذا القبض ولما كان أي من المتهمين وفقا للثابت بالأوراق لم يقم بثمة تعدي علي رجال السلطة ولم يتوافر في حق أي منهم القصد الجنائي سواء الخاص أو العام - وهو ما تنتفي به أركان هذه الجريمة في حق المتهمين ويبقي توجيه هذه التهمة وغيرها للمتهمين مجرد دعابة سمجة تُبكِي ولا تُضحِك ....
ثامنا : ندفع بشيوع الاتهام وعدم وجود دليل أو شاهد بالأوراق وعدم معقولية الواقعة وانفراد محرر المحضر بالشهادة.
البين من مطالعة محضر الضبط وكافة التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة الموقرة – أنها تضمنت فقط أقوال الضابط خرافي الملكات أمجد فتحي رئيس فرع البحث بشمال الشرقية – فأسهب في شرح واقعات القضية وكيف كيفية تنبأ بها في المهد قبيل حصولها – وفي بيان كيفية تجهيزه للقوات بقيادة تشكيل من قوات الأمن المركزي بالمديرية وضباط مباحث كفر صقر وأبو كبير – ورغم ذلك – لم نجد شاهد واحد بالأوراق غير محرر المحضر الذي استطاع بإمكاناته الخارقة للعادة أن يتابع وحده ويرصد تحركات ما يربو عن الـ 500 فرد و 50 سيارة وموتوسيكل – ولم يفوته أن يلمح " منفردا" المتهم التاسع والثلاثون " وهو يلقي بحجر علي سيارة الشرطة رقم 7910 – ليحدث ما بها من تلفيات !!
وقد أفضنا أعلاه في بيان بطلان محضر الضبط وهو ما يستتبع بطلان ما عسي أن ينتج عن كليهما من أدلة- ويهدر كل حجية لأقوال محرر المحضر فلا يعتد بشهادته ولا بما أثبته فيمحضره من أقوال واعترافات يقول بحصولها أمامه من المتهمين – فضلا عن حجب باقي أفراد القوة عن الشهادة – خشية تكذيبهم لما ورد علي لسانه – أو تضارب أقوالهم معه – لمعرفته بكذب الواقعة المسندة للمتهمين عموما .
وهو ما يصح معه الدفع بعدم وجود شاهد أو دليل بالأوراق حول ارتكاب كافة المتهمين للوقائع المسندة إليهم – ويصح معه الدفع أيضا بشيوع الاتهام وعدم وجود شاهد أو دليل بالأوراق – حول التهمة المسندة للمتهم التاسع والثلاثون " أحمد محمد عبد المقصود " بإتلاف سيارة الشرطة رقم 7910.
وقبل أن ننهي مرافعتنا نوجه للنيابة العامة الموقرة كلمة أخيرة ، لا نخفي أننا من أشد المعارضين أن تجمع النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام، كما أننا نسعى حثيثا نحو تأييد استقلال النيابة العامة الكامل عن السلطة التنفيذية – وليس هذا الطرح عن واقعات الدعوي ببعيد فأوراق هذه القضية- في نظرنا - لم تخلو من فرط حرص النيابة العامة علي أداء الواجب الاتهامي بطريقة ربما توحي ببعض خلل بالتوازن المفروض بين حرص النيابة العامة علي الواجب الاتهامي وبين حق المتهم في جهة مستقلة تباشر التحقيق معه – حتى أن شعورا تسلل إلي قلوبنا بحرص النيابة علي هذا الجانب علي حساب سواه– وذلك حين نجد المتهمين يرسفون من قسوة الإتهامات بينما ينعم من آلمهم وعذبهم وأحدث إصابتهم بكامل حريته – بل ويمارس هوايته المفضلة في رؤية ضحيته تئن من وطأة المحاكمات - كل ذلك دون أن تبذل النيابة أقل عناية في معرفة الجناة الحقيقيين الذين صادروا حريتهم وأحدثوا إصابتهم لثمة محاكمة!!!
• وإن كانت السلطة التنفيذية قد سخرت بعض الجهات كأداة من أدواتها حتى أصبحت مجالا للعبث – لتلقي القبض علي كل من خالفها الرأي وتلفق لهم الإتهامات تارة بقول أنهم إعتدوا علي أفراد السلطة العامة وغير مرة بتهمة تهديد السلام الاجتماعي وغير ذلك - فإذا جاز لهذه السلطة أن تتخد من بعض الجهات " قوات البوليس" ساترا لأغراضها ومنفذا لأهوائها فإنه لا يكون لها تحقيق ذلك مع السلطة القضائية - لئلا تصبح المحاكم مجالا لعبث رجال السلطة التنفيذية يرسلون إليها من يشاءون ويوقعون فيها من يخاصمون .
سيدي الرئيس من أسف أن تعرض علي حضراتكم هذه القضية في وسط كل هذا الصخب وتلك الأهازيج حول الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي وهو ما يضاعف المسئولية الملقاة علي عاتقكم – وبات من واجب قضائنا النزيه في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد أن يُعبد الطريق ويمهده لممارسة حق الرأي والتعبير– ليثبت بما لا يدع مجالا للشك توافر أهم ضمانات ممارسة حق الرأي وهو تحرر السلطة القضائية من كل سلطان للسلطة التنفيذية..
بناء عليه
يلتمس الدفاع : براءة جميع المتهمين مما اسند إليهم ...
وكيل المتهمين
ملحوظة : تم الاستعانة بروائع مرافعات السادة الزملاء أعضاء المنتدى ومذكراتهم في قضايا شبيهة ، لهم مني جميعا خالص الشكر والتقدير...