المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون.
هذه العبارات الخالدة ليست صياغة أدبية أقدم بها لمقالي وأتنادي بها في وجه الأزمة التي تعصف بقلعة الحريات، ولكنها المادة الأولي لقانون المحاماة المعمول به والذي أصدره الرئيس مبارك عام 83 بعدما قرره مجلس الشعب المصري، هذا هو المحامي في عين المجتمع والقانون والسلطة التنفيذية والتشريعية، لكن بعض وجهاء السلطة القضائية لا يرون هذا الرأي في المحامين ومهنة المحاماة رغم أنهم جميعا يلتحفون بها بعد تقاعدهم ويطعمون من إيراداتها.
لم يكن الاعتراض أبدا علي محاسبة محام أخطأ، ولكن الأزمة في تحقير مهنة المحاماة واعتبار أعضاء النيابة العامة فوق البشر، وهذا بعينه هو النعي الذي حذر منه المصطفي - صلي الله عليه وسلم - ودمغ المجتمعات بالحيف والجور «إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد».
لن نعلق علي أحكام القضاء، فهذا ما لا يجوز قانونا، ولكننا نتعرض للإجراءات التي سبقت الحكم والطريق الذي رسمه القانون للاعتراض علي الأحكام هو الطعن بالاستئناف، رغم أن كثيراً من رؤساء المحاكم دأبوا علي إصدار بيانات صحفية تتعلق ببعض قضايا سياسية أو تتعلق بالرأي العام علي غير الطريق الذي رسمه قانون السلطة القضائية.
لم تكن الأزمة أبداً بين جناحي العدالة المؤسسة القضائية ومهنة المحاماة ويجب ألا تكون، وكانت مشاجرة عارضة بين محام وعضو نيابة تعدي أحدهما علي الآخر لم تتم المعالجة علي هذا النحو، ولكن حبس المحاميان وأحيلا للمحاكمة علي غير المقرر في مثل هذه النوعية من القضايا وفي أول جلسة لنظر القضية ودون أن يتمكن الدفاع من الاطلاع أو إبداء الدفوع اللازمة قضت المحكمة بأقصي عقوبة لم نر من قبل تطبيقاً لها، حتي في أزمة مرتضي منصور الشهيرة مع المرحوم المستشار سيد نوفل وهو رئيس هيئة قضائية عالية المقام هي مجلس الدولة كانت العقوبة هي الحبس سنة. إننا نبحث عن العدل والنزاهة والشفافية، أما الكيل بمكيالين فهو إضرام للنار في قواعد العدالة وفي استقرار مرفق مهم من مرافق المجتمع هو نقابة المحامين، لقد استمعنا لشيوخ القضاة يتنادون بضرورة ردع المحامين ولو وصل الأمر لإبقائهم في بيوتهم، وسخر بعضهم من التنادي بحصانة لازمة لمهنة المحاماة!! وهو أمر يلزم أن نخرج به من رحم هذه الأزمة، أن يتضمن التعديل التشريعي المرتقب توفير حصانة للمحامي أثناء وبسبب تأديته عمله، فلا يتصور عقلا أو واقعاً أن يحصل المحامي الذي يدافع عن الحكومة علي حصانة ويشرع له كادر خاص هو هيئة قضايا الدولة رغم أنه يمارس المحاماة في حين يحرم المحامي الذي يدافع عن المواطن من المركز ذاته وتهدر كرامته وتُساء معاملته علي أعتاب أقسام الشرطة أو أبواب أعضاء النيابات، وهو أمر طالبت به مواثيق الأمم المتحدة المنظمة لمهنة المحاماة علي الصعيد الدولي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا من 27 أغسطس إلي 7 سبتمبر 1990، يحافظ المحامون، في جميع الأحوال، علي شرف وكرامة مهنتهم باعتبارهم عاملين أساسيين في مجال إقامة العدل. «وقررت في ذات الإعلان وتاريخه» تكفل الحكومات ما يلي للمحامين
(أ) القدرة علي أداء جميع وظائفهم المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق.
(ب) القدرة علي الانتقال إلي موكليهم والتشاور معهم بحرية داخل البلد وخارجه علي السواء.
(ج) عدم تعريضهم ولا التهديد بتعريضهم، للملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية والاقتصادية وغيرها نتيجة قيامهم بعمل يتفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها.
توفر السلطات ضمانات حماية كافية للمحامين، إذ تعرض أمنهم للخطر من جراء تأدية وظائفهم.
إننا نثق في ضمير المستشار عبد المجيد محمود وقدرته الفائقة علي تحقيق التوازن بين مصالح الشعب والسلطة، الأمر الذي يفرض عليه الارتفاع فوق أي دعوات فئوية ويعمل كعادته علي تحقيق العدالة عليه بهذه الصفة كضمير للشعب كله وأمين علي الدعوي العمومية أن يتلمس صحة الواقعة من جميع أطرافها، وأن يتلقي المعلومات من مصادرها المختلفة، ولديه ضمير يقظ يملك القدرة علي التمييز بين الزيف والحقيقة، هناك في المؤسسة القضائية عدول نثق فيهم، وعليهم أيضا واجب التحرك لاحتواء الأزمة إننا لن نركع لغير الله سبحانه، ولن نطأطئ لأحد، يمكننا التفاهم لحل الأزمة ووضع تفاهمات لمواصلة مسيرة إرساء العدل في المجتمع، إذ لا قضاء بغير محامين، ولا محاماة بعيدا عن القضاء، علينا إدراك حقيقة مفادها أن الاحترام المتبادل هو الضمانة الحقيقية لاستمرار العلاقة في إطار القانون.
إن هناك بدائل كثيرة لو لم تبدر في الأفق بوادر الحل والاحتواء، وفي حالة عدم قدرة القضاء الوطني علي ترسيخ الحيدة في النزاعات التي تعرض عليه، فإن القانون الدولي الذي صادقت عليه مصر يتيح تقديم الشكاوي اللازمة أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الخامسة علي: «لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة» ونص في مادته السابعة «كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في حماية متساوية دون أي تفرقة».
يمكننا في إطار هذه اللجنة أن نفتح كل الملفات العالقة بتعرض المحامين للإهانة في النيابات وأمام القضاء، وفقدان المحامين لحصانتهم المفترضة أثناء وبسبب تأدية مهنتهم، بل والخلل الخطير في شروط تعيين أعضاء النيابة والقضاة وتعيين رجال الشرطة في هيئة النيابة العامة والقضاء وحرمان المحامين من هذا الحق الذي نص عليه قانون السلطة القضائية إما أن نكون أو لا نكون.
http://dostor.org/opinion/10/june/11/18970