في يناير 87 القي القبض علينا في احداث التضامن مع الانتفاضه الفلسطينيه الأولي .. وتساءلنا عما يحدث بالجامعه بعد اعتقالنا وفوجئنا من إذاعة مونت كارلو" وسيلتنا الوحيده لمعرفة الاخبار من خلال راديو صغير مخبأ دائما " فوجئنا بأن المظاهرات مستمره ... وتأكدنا من ذلك بوفود المعتقلين الجدد من زملاءنا ... وعلمنا بظهور طالب يقود المظاهرات ويهتف ويؤلف الهتافات ... وبعد وقت قصير علمنا بالقاء القبض عليه وايداعه سجن طره مع آخرين من الطلاب ولم يأتو بهم الي ابي زعبل خوفا عليهم من العدوي من القدامي امثالنا ..
وخرجنا بعد شهرين ... وبعد تجربة السجن الصعبه ... فإما أن يرحل هذا الطالب الذي كان عمره لا يتجاوز 19 عام ... او يواصل معنا .. وكانت الأخيره .. وواصل
أصبح هذا الطالب من رموز الحركه الطلابيه المصريه في نهوضها الثاني بعد السبعينات..
مبادرا ومشاركا في كل ما قمنا به من أنشطه في تلك الفتره.
وفي احدي المظاهرات اقتحم الامن المركزي حرم الجامعه والقوا علينا القنابل المسيله للدموع..وفوجئنا بالدكتور لبيب شنب رحمه الله ينزل وسط هذه الاشتباكات ليقنعنا بالعوده الي الكليه ... وكان هذا الطالب آخر من اقتنع ... لانه كان يدير معركته مع الامن منفردا وسط شارع الجامعه بزجاجات المياه الغازيه يلقيها علي عساكر الامن وضباطهم..
وفي نوفمبر 89 وعقب مؤتمر كبير بكلية الحقوق جامعة عين شمس ألقي القبض علينا وتقابلنا في مباحث أمن الدوله وساقونا الي ابو زعبل كالعاده ..
والسجن مفرزه لا تخطيء أبدا ... السلوك الشخصي مع زملاء السجن .. الصلابه في مواجهة الامن والاداره ... التمسك بالفكره في هذا الظرف الاستثنائي ... كل هذا يجيب هل انت سجين مناضل أم سجين عابر؟؟!! ... وكان هو سجين مناضل ..
ملحوظه " لم يكن عبر هذه السنوات كلها لا فضائيات ولا جرائد مستقله ولا نت ولا فيس بوك ولا ولا ...!!!!"
واليكم هذا المشهد ..
جاء قرار الافراج يحمل اسمه فقط ولم يشملني ... فأصر علي رفض قرار الافراج وانه لم يخرج الا ويدي في يده ... ولكن طبعا الكلام ده مينفعش ... فأقنعته بأن يمتثل لقرار الافراج مثلما امتثل لقرار الاعتقال .. ولحظة خروجه من الزنزانه احتضني ووجهه غارق في دموع نبيله وكأنه ذاهب لموته لا للقاء أهله وناسه ... وأنا لن أنسي هذا المشهد ما حييت وتكاد دموعي تسقط الآن.
في حرب الخليج شاركنا في حركة الاحتجاج علي مشاركة القوات المصري ضمن التحالف الدولي لما سمي بتحرير الكويت .. وتم القبض علي عدد كبير من جامعة عين شمس وكنا منهم ... وكان معنا بصلابته ومعدنه .. وهو من اسره بسيطه ومكافحه اقسمت ان تجعل من ابنها رجلا .. وقد نجحت ..
وخرجنا من الجامعه ومعنا عقوبة الانذار بالفصل بعد تحقيق تافه كانت التهمه فيه هي تعطيل الدراسه باستخدام مكبرات الصوت أثناء مظاهره احتجاجيه عقب القبض علي ايمن حسن ومحاكمته "الجندي الذي قتل عدد من الاسرائيلين علي حدودنا مع الاراضي المحتله ".
ودخلنا النقابه ومارسنا المحاماه ... وشاركنا منذ اللحظه الأولي في كافة الانشطه وكنا ضمن فريق من كبار الراحلين العظام تتلمذنا علي يديهم وعرفنا كيف تكون مناضلا مستقيا ... وان مبادئك لا يجب أن تتجزأ ... وأسسنا رابطة سباب المحامين للدفاع عن الديمقراطيه وكان هو في مقدمة الصفوف وشاركنا بفاعليه كانت مثار دهشة الجميع في ذلك الوقت في احداث الاحتجاج علي مقتل المحامي الاسلامي الشهيد عبد الحارث مدني .. وكان صوته معبرا عن حجم المأساه عندما كان يهتف علي سور النقابه وخلفه آلاف المحامين " دون ادني مبالغه في هذا " وكان فريق من المحامين الشباب النابه المثابر هو وقود هذه المعركه.
وظل مشاركا .. ولم يتواني عن نجدة من يطلبه من زملاؤه ... ولا يمكن ان انسي سهر الليالي خلف الطلاب المعتقلين ومتابعتهم في سجون الخليفه وطره والقناطر ومديريات الامن .. ولم يكن يهدأ له بال الا عندما يتسلم كل ولي أمر ابنه المعتقل حرا ..
وكان جسورا عندما خاض الانتخابات اكثر من مره ... وجسارته في انه لم يكن في أي مره ضمن قائمه من قوائم الاحتراف الانتخابي .. بل كان طائرا عبر المحافظات حاملا معه افكارا وبرامج واحلام لزملاؤه .. بجهده الشخصي وماله الشخصي ايضا ..
.... قد اختلف معه كثير او قليلا في الافكار والاولويات والاداء ..
هو طارق محمد العوضي
وهو هكذا لأنه نبيل الأصل والفكره .. جسور جسارة الحلم ..ولأنه ايضا من أبناء اليسار ..الذي هو ملح الارض يا ساده ..