أخي العزيز الاستاذ / اسعد هيكل
اتفق معك في ضرورة أن نتلمس الامل والنور للخروج مما نحن فيه , وأننا فعلا بحاجة إلي إشراقة جديدة وطنيه مصرية لا شرقية ولا غربيه , كلنا يحدونا هذا الامل وتشتعل جذوته في صدورنا , ولكن ما هو السبيل , فالشعب اعلن رغبته وقالها مرارا وتكرارا , وامتلأت شوارع العاصمة بانتفاضتهم , وصرحت وسائل الإعلام المتاحة بضرورة التغيير , ولكننا نفتقد الي الآلية لفعل ذلك .
والسبب في غياب تلك الآلية أننا عشنا حينا من الدهر نقاوم الفرنسيين ثم الأنجليز ومعهما الملك , بصدور مفتوحة ونفوس لا تخاف الموت , حتي قامت حركة الضباط الأحرار كما سموها هم أنفسهم , ثم أطلقنا عليها الثورة البيضاء , فالتف الشعب حول أبناءه وكان ما كان , إلا أن المشكلة الحقيقية وضعت نبتتها في هذه الآونة , فقد كان هدف هؤلاء الضباط هو تحرير الشعب المصري من سطوة المحتل الانجليزي , واطلاق يده في اختيار قائده بعدما غلت لزمن طويل , وبعد أن تنتهي تلك الفترة الانتقالية يعود الضباط الي ثكناتهم , بعدما يستتب الامر ويختار الشعب زعيمه . ومن هنا كان الصدع الذي انتاب هدف تلك الحركة ومازال يتسع حتي اصبح شرخا ثم بونا كبيرا , وانشق بعض قادة الحركة فكريا بعدما تغير الهدف والغيت الاحزاب ولم يعد للبلاد دستور , بعدما كان الامل منعقدا علي عودة دستور 1923 وقد كان نموذجا حيا يمكن الاخذ به مع بعض التعديلات القليلة .
ثم بعد ذلك ظهر لنا عدو جديد قديم , استفحل وجسم علي صدورنا وهو الكيان الصهيوني فتقدمت غاية التحرير علي كل غاية أخري , وذقنا طعم الهزيمة ومررنا بحرب الاستنزاف الطويلة , ثم عاد الدستور شاحبا , وجاء من بعده النصر , وبداية عودة الاحزاب للحياة السياسية , ولكنها عودة مرتجفة بولادة قيصرية , وكان لزاما وضعها في الحضانة حتي يشتد عودها وتقوي من جديد علي مواصلة مشوارها وتملأ الحياة السياسية صخبا , ولكن الطبيت يأبي أن يسمح لها بالخروج , بدعوي أنها تنقصها الكوادر المؤهلة التي تستطيع أن تقود وليس لها ظل بين الناس , بعدما ابتعدت حينا عن الحياة السياسية , الامر الذي اخمد جذوتها .
ولم نكد نتنفس الصعداء , حتي فار التنور بطريقة عشوائية , وصحونا علي فجيعة اغتيال الرئيس المؤمن بطل الحرب والسلام الرئيس أنور السادات , في يوم النصر , بعدما امتلأت السجون بالنخبة ورفاق الامس . فكان لابد أن نلتف بسرعة وراء قيادة جديدة حتي لا يفلت منا زمام الامور , وخاصة أن هناك من يتربص بنا . وظل الوضع ساكنا بعد خروج غالبية من في المعتقلات , ورحنا نكمل مسيرة استرداد الارض باسم السلام التي بدأها السادات , ورحنا نلهث خلف التنمية والبناء , وزاد عدد الاحزاب حتي أني لا احصيها , ولكنها هياكل واسماء خالية الوفاض , سلبت الوسائل التي تستقوي بها وتفتقد حتي امكانية الاتصال بالجماهير .
وطال انتظارنا , وتردت الاوضاع من سئ الي أسوأ , وضاع القطاع العام , وسقطت الاحزاب في اول مواجهة رمزية مع الحزب الوطني , وضاق الناس ذرعا بهذه المسرحية الهزلية وخرجت جموع الشعب معلنة عن غضبها وراء حركة كفاية مع رموز من كافة القوي السياسية بمصر . ثم خدرت هذه الجموع بزعم تعديل المادة 76 المشبوهة من الدستور , وعوقب رموز اكبر حزبين تجاوزا حدودهما في الانتخابات الرئاسية الاخيرة , لانهما صدقا نفسيهما وارادا تغييرا حقيقيا , فنجد نور في السجن , ونعمان الي ما صار اليه .
كل هذه المقدمة الطويلة كي اوضح لك يا صديق انني اختلف معك فيما ذهبت اليه - ان سمحت لي - فليس صحيحا أن النخبة المثقفة يستعصي عليها أن تتفق علي قيادة وطنية , لأننا لم تتح لنا الفرصة حتي هذا الحين , وليس صحيحا أن لدينا حاكم معين , وغريب قولك هذا , معين من قبل من ومن فرضه علينا , فكل من حكمنا جاء بوسيلة شرعية وفق المتاح آنذاك , أم انك نسيت الاستفتاء . لكن ما اتفق معك فيه هو تزوير الارادة وسلبها القدرة علي التغيير , حتي أصبح كلامها صراخا غير مفهوم ولامعني له .
ثم ماذا تقصد بالخضوع , هل نسمي هذا الشعب بعد كل ما مر به من محن ونضال وانتصار وتحرير للأرض خاضعا , إن الوصف للصحيح له أنه صابرا , ولكن طال صبره حتي نفد , ثم إن مقولة عمر بن العاص بفرض صحتها لا تعني العبودية التي تقصدها , لأننا لم نكن في حرب مع المبشرين المسلمين , ولكن الحرب كان بين جحافل الاسلام ضد الرومان , بل إن المصريين ساعدوا العرب ورحبوا بهم للاستقواء بهم علي عدوهم , لان العرب آنذاك كانوا هم الاشراقة الجديدة , وسبيل التغيير المتاح حتي في العقيدة , فتحولت مصر القبطية الي مسلمة في معظهمها .
أما حديثك عن النظام الذي تتبعه مصر , فلا هو رئاسي ولا هو برلماني , فنحن مزيج ثالث لا مثيل له في العالم قاطبة , ولن أخوض في هذا الامر . كل ما هنالك أنني أود أن أقول أن الحياة النيابية أيام الملكية كانت فتية قوية , استطاعت ان تسقط حكومات , وكان الملك يخشي بأسها . والسبب في ذلك أننا كنا جميعا نحارب غريبا يحكمنا وغاشما يحتلنا , فكان شعارنا الاستقلال التام أو الموت الزوئام , وكنا نتلقي الرصاصات بصدور مفتوحة وأيد خالية , من أجل حريتنا , ونجحنا أحيانا في فرض ارادتنا وتغيير دستورنا . أما الان فمن نحارب , هل نحارب رجلا حمل رأسه علي كفيه وقاد أكبر معركة جوية لنا في العصر الحديث وشارك في تحقيق أول نصر صريح لنا إعترف به العالم واحترمنا من أجله , ابن من ابناء هذه الارض الطيبه , لهذا تجدنا مغلولي الايدي مهزومي الهمة , فلا سبيل لنا سوي المطالبة بتفعيل الديموقراطية واقعا وعملا ملموسا , وليس شعارا أو مزيدا , لأن الديموقراطية لا تتجزأ حتي نطلب المزيد , وإلا فتجربة الجماعات الاسلامية مع السادات والتي ندموا عليها وتراجعوا عن فتواهم , لا نستطيع أن ننكر أن هناك تغييرا ولكنه بطئ جدا , وسرعته مرهونة بالمطالبة ثم المطالبة والاستمرار فيها , فالشعوب البكماء لا يتحقق لها شئ , أما نحن فصوتنا عال يملأ الارجاء .
حسني سالم المحامي
|