قال لي ـ يوم أمس (5أغسطس 2008) ـ المفكر المصري الكبير الأستاذ جمال أسعد عبد الملاك، إن ما صدر من أسقف القوصية الأنبا توماس، يفوق في خطورته، ما صدر من عالم الاجتماع المثير للجدل الدكتور سعد الدين إبراهيم، ومع ذلك حرك محامون مصرويون دعاوى قضائية ضد الأخير، وأدانته إحدى المحاكم مؤخرا، وقضت بحبسه عامين، بتهمة الإساءة إلى سمعة مصر!
استغرب "أسعد" حماس المحامين لمعاقبة "إبراهيم" وفتورهم إزاء صنيع "توماس"! رغم أن الأول طالب فقط بربط المساعدات الأمريكية للنظام، بمدى تقدمه فيما يتعلق بملف الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، فيما ألقى الأخير "تقريرا" ـ سمى "محاضرة" ـ في مركز دراسات أمريكي يرتبط أمنيا ولوجستيا بالعدو الإسرائيلي ، كان مكتظا بالإهانة والتحقير وبالأكاذيب وبالفتن، ما يستحق أن ينقل مباشرة من المطار ـ فور وصوله ـ إلى أعلى جهات سيادية أمنية بالدولة، ثم تسليمه وبما انتهت إليه التحقيقات الأولية داخل مقار الأمن، إلى النيابة ليقول القضاء كلمته بشأنه!
ويبدو لي أن حماس المحامين لإيذاء "إبراهيم" قضائيا، كان "تزلفا" للنظام، وليس غضبا لـ"المصر" ولا لـ"سمعتها"، لأن إساءته ـ بحسب تقدير المدعين ـ لا زالت عند حدود "الرأي" و"وجهة النظر"، وترتبط بموقف معارض وخصومة سياسية مع نظام حكم الرئيس مبارك، أما ما صدر من المواطن "توماس" فهو "كوكتيل" أقلها المشاركة في أعمال مؤسسة أجنبية معادية، وتقديم تقرير "محاضرة" مترع بالكراهية يحض على الفتنة واشعال الحرائق الطائفية في طول البلاد وعرضها، ومع ذلك، بلع محترفو الحسبة السياسية، ومطاردة المعارضين للنظام ألسنتهم، لأن غضبهم في الأولى كان لـ"ولي النعم"، فيما من أوذي في الثانية هي "البلد ـ مصر"، عظم الله أجركم في مكانة أمنها القومي، في قلوب وضمائر نخبها السياسية والفكرية.
أعلم أن في مصر العشرات من المحامين الوطنيين والشرفاء من الجانبين المسلم والمسيحي، وأعلم انهم يشعرون بالصدمة ـ مثل كل المصريين ـ مما صنع رجل دين رسمي كبير، يشغل منصب أسقف، وعضو في المجمع المقدس الذي يرأسه البابا شنودة، وأعلم أنه لا يرضيهم أن يحاكم الرجل كنسيا، في قضية تعتبرـ حتى الان ـ قضية أمن دولة، لأن ذلك، يعتبر إهدارا لمبدأ المواطنة، وتعزيزا لفكرة "الدولة الدينية" وخصما من رصيد النضال الوطني من أجل إرساء نظام حكم مدني، يفرض ولايته على الجميع.
لم يخف الأستاذ جمال أسعد، أمله في أن يضطلع المحامون المصريون بمسئوليتهم، إزاء حماية السلام الاجتماعي المصري، من عبث المتطرفين، وأن يبادروا برفع دعوى قضائية ضد هذا القمص، تأديبا له، وردعا لكل متطرف، يستن بسنته ويحذو حذوه ويتبع سبيل من يضمر شرا للبلاد والعباد.
|