اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
saberammar
التاريخ
11/4/2007 4:43:25 AM
  دراسة هامة حول " التشريع فى مصر"      

الدراسة الأولى

 

الواقـــع التشريعـــى فــى مصـــر

 

عبد المنعم حسنى

 

********************

 

 

نتناول الواقع التشريعى فى مصر فى مبحثين نعرض فى المبحث الأول للوصف التفصيلى للتشريعات النافذة فى مصر ، ونتناول فى المبحث الثانى بيان الأوجه الفنية المتعلقة بالتشريعات المعمول بها والملاحظات عليها .

 

 

المبحث الأول : وصف تفصيلى للتشريعات النافذة فى مصر :

 

 

نقسم الحديث فى هذا المبحث الى مطلبين ، نعرض فى المطلب الأول للتشريعات المعمول بها من حيث الشكل ، فنتحدث عن جهات وضع التشريع فى فرع أول ، ثم نعرض لدرجات التشريع فى فرع ثانى . وفى المطلب الثانى نتناول التشريعات المعمول بها من حيث مضمونها. 

 

المطلب الأول : التشريعات النافذة فى مصر من حيث الشكل

 

الفرع الأول : جهات وضع التشريع

 

نبذة تاريخية

 

التشريع هو المصدر الرسمى الأول للقانون فى مصر ، والسلطة المختصة بإصدار التشريع هى فى الأصل السلطة التشريعية ، ومع ذلك فإن هناك سلطات أخرى قد تختص بإصدار التشريع ، فالدستور وهو التشريع الأساسى يصدر عن السلطة التأسيسية ، وهو أعلى من السلطة التشريعية واللوائح والقرارات بقوانين تصدر عن السلطة التنفيذية . وهى ليست مختصة أصلاً بإصدار التشريع .

 

ويحدث فى العمل أن تنجح السلطة التنفيذية فى إصدار الكثير من التشريعات التى قد تصدر فى صورة معلنة عن طريق اللوائح أو القرارات بقوانين التى لها قوة القانون أو بطريقة غير معلنة عندما تتقدم بمشروعات القوانين الى المجلس الشعبى المنتخب . ويحصل على موافقة من هذا المجلس بغير مشاركة جدية منه فى كثير من الأحيان ويصدر التشريع فى كثير من الأحيان ويصدر التشريع فى مثل هذه الحالات من الناحية الشكلية عن السلطة التشريعية المنتخبة ولكنه فى الواقع يكون صادراً عن السلطة التنفيذية ومثل هذا التشريع لا يكون نابعاً عن الأعماق البعيدة للأمة وإنما هو يعبر – غالبا – عن الإنفصال بين القانون و بين الشعب وهذه ظاهرة مألوفة فى التاريخ .

 

ويحدث – وهو الأسوأ – ان يكون التشريع تعبيراً عن إرادة شخص واحد هو الحاكم المطلق ، وقد يكون هذا التشريع مطبوعاً بما فى هذا الحاكم
من هوى أو جنوح أو جهل أو ظلم ، ولكنه يظل معتبراً تشريعاً بالمعنى الفنى لهذا الاصطلاح .

 

كذلك ، فإنه اذا كان المفروض أن يصدر التشريع عن الإرادة الوطنية للدولة ، فإنه من التصور أن يصدر عن إرادة دولة أجنبية تحتل أو تستعمر دولة أخرى ، وقد عرفت مصر ظاهرة الخضوع لسيطرة أجنبية فى مراحل طويلة من تاريخها ، ولعل أحلك فترات الاستعمار التى عرفتها مصر هى تلك الخاصة بالاستعمار العثمانى الذى استمر منذ فتح سليم الأول لمصر الى عهد محمد على باشا ، الذى كان هو أيضا يحكم باسم الباب العالى فى تركيا إلا أنه حاول أن يحقق لمصر نوعا من الاستقلال الذاتى تحقيقا لسيطرته هو ، ولسيطرة أولاده من بعده .

 

وهكذا نستطيع القول بأن نظام الحكم فى مصر كان نظاما للحكم المطلق منذ ولاية محمد على الى حين صدور دستور عام 1923 ، وان كانت قد تخللت هذه الفترة بعض المظاهر الوطنية أهمها إنشاء مجلس شورى النواب عام 1869فى عهد إسماعيل ، وهو مجلس استشارى ، وصدور اللائحة الأساسية التى أطلق عليها دستور عام 1879 وقيام الثورة العرابية فى عام 1880 وما ترتب عليها من إعادة انتخاب مجلس شورى النواب سنة 1881 ، ثم وضع دستور 1882 الذى أقام نظاما برلمانيا ولكن هذا الدستور ما لبث أن الغى بعد احتلال الإنجليز لمصر ، وحل محله القانون النظامى سنة 1883 ، الذى نص على انشاء مجلسين استشاريين بالجمعية التشريعية سنة 1913 ، وكان اختصاصها استشاريا فيما يتعلق بإصدار القوانين ، وقد عطلت هذه الجمعية بعد قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914 .

 

وكانت بدايات القرن العشرين مؤذنة بظهور الحركات الشعبية والوطنية التى ادت الى صدور دستور سنة 1923 ، وهو أول دستور ينص على أن الامة مصدر السلطات وان السلطة التشريعية يباشرها مجلس النواب ومجلس الشيوخ بالإشتراك مع الملك .

 

 

 ومنذ ذلك الوقت وكل الدساتير التى صدرت فى مصر ، وآخرها الدستور الدائم الصادر عام 1971 ، تنص على أن الأمة مصدر السلطات ، وأن السلطة التشريعية يباشرها مجلس تشريعى منتخب .

 

ويتضح مما سبق أنه فى الفترة ما بين حكم محمد على إلى عام 1923 – تاريخ صدور دستور 1923 – لم يكن التشريع فى مصر تعبيراً عن الإرادة الوطنية لأبناء الشعب المصرى .

 

وحتى بعد سنة 1923 ، فإن السلطة التشريعية فى مصر لم تكن تملك سلطة التشريع بالنسبة للأجانب بسبب الإمتيازات الأجنبية التى ألغيت بمقتضى إتفاقية مونترو سنة 1937 التى نصت المادة الثانية من هذه الإتفاقية على أنه مع مراعاة مبادئ القانون الدولى يخضع الأجانب للتشريع المصرى فى المواد الجنائية والمدنية والإدارية والمالية وغيرها .

 

السلطة التشريعية هى المختصة بوضع التشريع العادى

 

يأخذ الدستور المصرى بمبدأ تعدد السلطات من ناحية ، ومبدأ تدرج التشريع من ناحية أخرى ، حيث توجد فى النظام الدستورى المصرى ثلاث سلطات هى : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية .

 

وتختص السلطة التشريعية أصلاً بوضع التشريع العادى ، وتختص السلطة التنفيذية بوضع التشريع الفرعى . أما التشريع الأساسى وهو الدستور فقد تم وضعه بطرق مختلفة من دستور إلى آخر . فدستور سنة 1956 أعدته الحكومة وطرحته للإستفتاء الشعبى فحصل على موافقة الأمة ، ثم صدر بعد ذلك دستور سنة 1964 وهو دستور مؤقت صدر بقرار من رئيس الجمهورية ليعمل به إلى حين وضع دستور دائم للبلاد . وقد تم وضع الدستور الدائم فى سنة 1971 بطريق الإستفتاء الشعبى العام يوم 11 سبتمبر سنة 1971 ، حيث حصل على موافقة الأمة ، وكانت مواد هذا الدستور قد تمت بالموافقة عليها قبل طرحه للإستفتاء بواسطة مجلس الأمة ، وكذلك اللجنة المركزية
للإتحاد الإشتراكى العربى .

 

أما عن التشريع العادى فإن سنه هو من إختصاص السلطة التشريعية التى يمثلها مجلس نيابى منتخب يطلق عليه فى مصر أسم مجلس الشعب .

 

وتشارك السلطة التنفيذية فى الواقع إلى حد ما السلطة التشريعية فى وضع القوانين ، وطبقاً لدستور 1971 فإن لرئيس الجمهورية الحق فى إقتراح القوانين وفى الإعتراض عليها ، وهو الذى يقوم بإصدارها ثم نشرها بعد ذلك . وهذه المشاركة وإن كانت تؤدى من الناحية العملية إلى صدور التشريعات التى تريد السلطة التنفيذية إصدارها ، فإن مجلس الشعب هو صاحب الكلمة الأخيرة فى سن التشريع ، ويستطيع المجلس إذا أراد أن يباشر سلطته فعلاً أن يجعل التشريع
معبراً عن إرادته وحده .

 

حلول السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية فى سن التشريع العادى  

 

للسلطة التنفيذية فى ثلاث حالات أن تقوم بسن التشريع العادى ، ويطلق على القانون فى هذه الحالات اصطلاح "القرار بقانون" ، فهو من ناحية يعتبر قراراً لصدوره عن السلطة التنفيذية ، ومن ناحية أخرى يعتبر قانوناً لأن له قوة القانون ، ويستطيع تعديل القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية .

 

والحالات الثلاث هى : تشريع السلطة الفعلية ، تشريع الضرورة ،
وتشريع التفويض .

 

أ - تشريع السلطة الفعلية :

 

وهو التشريع الصادر من سلطة غير مزودة من الناحية الدستورية بحق إصدار التشريع ، ومع ذلك فإن عملها يعتبر ولأسباب مختلفة تشريعاً صحيحاً

 

والسلطة الفعلية هى عادة حكومة ثورية مؤقتة وما يصدر عن مثل هذه الحكومة من تشريعات يظل نافذاً وله قوة القانون ، طالما أن هذه الحكومة تحافظ على مركزها .

 

ومتى نجح النظام الثورى المؤقت فى إقامة نظام دستورى جديد فإن التشريعات التى سبق صدورها فى ظل السلطة الفعلية تعتبر صحيحة فى ظل النظام الدستورى الجديد ، سواء ورد نص صريح على ذلك فى الدستور الجديد ، أو لم يرد مثل هذا النص ، لأن التصحيح فى هذه الحالة يعتبر ضمنياً . ومن قبيل النصوص الصريحة فى هذا الصدد ما نصت عليه ( المادة 191 من دستور 1956 ) من اعتبار جميع القرارت الصادرة من مجلس قيادة الثورة صحيحة ، ولا يجوز الطعن فيها ( انظر كذلك المادة 190 من ذات الدستور ) .

 

ب- تشريع الضرورة :

 

وهو قرار بقانون يصدره رئيس الجمهورية فى غيبة المجلس التشريعى لمواجهة حالة من حالات الضرورة .

 

فالمعروف أن البرلمان لا ينعقد بصفة دائمة ، بل توجد فترات يكون فيها البرلمان معطلاً بسبب حله ، أو وقف جلساته ( مادة 136 ) أو بسبب إجازاته السنوية التى تقع ما بين دورتين من دورات انعقاده ( مادة 101 ) . فإذا طرأت فى فترة من هذه الفترات حالة من حالات الضرورة التى تستدعى إصدار تشريع يواجهها ، يكون من الواجب إعطاء رئيس الجمهورية الحق فى إصدار مثل هذا التشريع على سبيل الإستثناء ، مع إتخاذ الضمانات اللازمة بإخضاع قرارت رئيس الجمهورية هذه لرقابة البرلمان اللاحقة ، بحيث يصير التشريع وكأنه صدر من السلطة التشريعية فى آخر الأمر . وقد نص دستور سنة 1971 – على غرار الدساتير السابقة عليه – على إعطاء رئيس الجمهورية الحق فى إصدار تشريعات الضرورة فى ( المادة 147 ) منه التى يجرى نصها إذا حدث فى عيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون ..إلخ .

 

 

جـ- تشريع التفـويض :

 

وهو التشريع الذى يصدره رئيس الجمهورية فى موضوعات معينة يفوضه مجلس الشعب فى إصدار قرارات بشأنها لها قوة القانون .

 

وفى مصر كان دستور 1923 لا يتضمن أى نص يجيز التفويض ، أما الدساتير التالية لدستور لدستور 1923 فقد حسمت هذه المسألة فى
{( المواد 136 من دستور 1956 ) ، و( 10 من دستور 1964 ) ،
و( 108 من دستور 1971 )} والتى يجرى نصها بأن لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى الأحداث الإستثنائية وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثى أعضائه أن يصدر قرارت لها قوة القانون ، ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة ، وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التى تقوم عليها ، ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب فى أول جلسة بعد إنتهاء مدة التفويض ، فغذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها زال ما كان لها من قوة القانون .

 

هذا ويعتبر تشريع التفويض – على ما استقر عليه القضاء المصرى – من طبيعة مزدوجة ، بحيث تكون له قوة القانون العادى فى موضوعه ، ومع ذلك يظل قراراً إدارياً صادراً عن السلطة التنفيذية يجوز إلغاؤه لعيب فيه – وقد أشارت محكمة النقض إلى هذا المعنى بقولها : إن المحاكم وإن كانت لا تملك إلغاء القوانين التى تصدرها السلطة التشريعية أو تعديلها
وكانت القرارات التى تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية وإن كان لها فى موضوعها قوة القانون التى تملكها من إلغاء وتعديل القوانين القائمة إلا إنها تعتبر قرارات إدارية لا تبلغ مرتبة القوانين فى حجية التشريع ، فيكون للقضاء الإدارى بما له من ولاية الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية أن يحكم بإلغائها إذا جاوزت الموضوعات المحددة بقانون التفويض ،
أو الأسس التى تقوم عليها ، ولا تحوز هذه القرارات حجية التشريع إلا إذا أقرها المجلس النيابى شأنها فى ذلك شأن أى قانون آخر .

 

( نقض مدنى 21/12/1972 طعن رقم 21 س 39 ق رجال القضاء )

 

 

اختصاص السلطة التنفيذية بسن التشريع الفرعى ( اللوائح )

 

يجرى نص ( المادة 144 من دستور 1971 ) على أن يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين ، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها ، وله أن يفوض غيره فى إصدارها ، ويجوز أن يبين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه .

 

واللوائح التى تصدرها السلطة التنفيذية بمقتضى هذا النص فى الدستور لا يكون لها قوة التشريع العادى ، بل هى أقل منه فى الدرجة ، ومن هنا أطلق عليها إسم التشريع الفرعى أو اللائحة .

 

     واللوائح ، أو التشريعات الفرعية ، من ثلاثة أنواع ، فهناك اللوائح التنفيذية التى يكون الغرض منها وضع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية موضع التنفيذ ، وهناك اللوائح التنظيمية وهى التى يكون الغرض منها تنظيم سير المرافق والمصالح العامة ( المادة 146 من الدستور )، ويلاحظ أن
( المادة 146 ) هذه – على خلاف ( المادة 144 ) – لم تخول رئيس الجمهورية تفويض غيره فى إصدار اللوائح التنظيمية ، وهناك أخيراً لوائح البوليس أو لوائح الضبط ، وهى التى يكون الغرض منها المحافظة على الأمن والهدوء والصحة العامة . وقد أشارت إليها ( المادة 145 من دستور 1971 ) فأعطت حق إصدارها لرئيس الجمهورية ، ولم تخوله حق تفويض غيره فى إصدارها ، وذلك على عكس ما كان منصوصاً عليه فى دستور 1964 ( مادة 122 ) ودستور 1956 ( مادة 138 ) .

 

القضاء وسلطة وضع القانون  

 

أدرك الفقه من قديم الأمد أنه ما من تشريع يخلو من نقص ، وأنه إذا كان القضاء هو المسئول عن تطبيق القانون ، ولم يجد فى نصوص التشريع حلا للمسألة المعروضة ، كان عليه – حتى يحكم بالعدل بين الناس – أن يقوم ببحث علمى حر يستهدى به بنفس الموجهات التى يستهدى بها المشرع لو أنه أراد الفصل فى النزاع ، وهذه – على ما تقضى به المادة الأولى من القانون المدنى المصرى – هى المبادئ العامة للشريعة الإسلامية ومبادئ القانون الطبيعى ، وقواعد العدالة . وإذا كان عمل القاضى فى هذا المجال يخرج عملاً عن نطاق تطبيق القانون بمعناه الإطصلاحى ، ويدخل فى ميدان خلق القانون بطريقة مباشرة ، إلا أن دوره هذا يكون دائماً مقصوراً على الحالة المعروضه أمامه ، وتتحدد قوته الملزمة بحدود حجية الأمر المقضى فحسب .

 

             وعلى أية حال ، ومهما كان نصيب الخلاف حول قيمة القضاء بين مصادر القانون فى مصر ، فالواقع أن قضاء محكمة النقض المصرية ، وأيضاً قضاء المحكمة الإدارية العليا قد تبوأ كل منهما بين أحكام القضاء عموماً موقفاً ممتازاً ، يكاد يرتفع به إلى موقع التشريع ، وتعترف بذلك
محكمة النقض ، فنراها لا تخفى أن ما يجرى عليه قضاؤها هو حكم القانون الواجب التطبيق ، وذلك فى عبارتها المشهورة " وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة " بل أن من النصوص التشريعية ما يستفاد منه هذا المعنى صراحة ، ومن ذلك الفقرة الأخيرة من ( المادة 23 من قانون مجلس الدولة
رقم 47 لسنة 1972 ) فى قولها أما الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى فى الطعون المقامة أمامها فى أحكام المحاكم الإدارية فلا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا إلا من خلال رئيس هيئة مفوض الدولة . إذا صدر الحكم على خلاف ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا
، أو إذا كان الفصل فى الطعن يقتضى تقرير مبدأ قانونى لم يسبق لهذه المحكمة تقريره ، وقد حدا ذلك بالبعض إلى القول بأن يعتبر القضاء أهم مصادر القانون الإدارى ، فهو يشغل بين هذه المصادر المركز الممتاز الذى يشغله التشريع بالنسبة للقانون المدنى .

 

وهكذا نصل إلى أن القضاء وإن لم يعتبر مصدراً رسمياً من مصادر القاعدة القانونية ، إلا إنه يعد كذلك فى الواقع ، وهو قادر نتيجة لذلك على إنشاء قواعد قانونية تستند إلى نصوص تشريعية غامضة مضطربة ، كما هو الأمر فى الإشتراط لمصلحة الغير فى ظل التقنين المدنى السابق ( الوسيط السنهورى جـ 1 ص 49 ) ، أو قواعد قانونية لا سند لها من التشريع كما هو الأمر فى نظريتى الإستغلال والتهديد المالى فى ظل التقنين المدنى السابق كذلك ( المرجع السابق ص 47 و 51 ) أو قواعد قانونية تجرى على عكس النص التشريعى وتتعارض معه تعارضاً صريحاً كما هو الأمر فى الشرط الجزائى فى ظل ذاك القانون ( المرجع السابق ص 53 ) .

 

ونكتفى بهذه الإشارة فيما نحن بصدده ، نظراً لأن التشريع وحده – وليست سائر مصادر القاعدة القانونية – هو محل هذه الدراسة .

 

 

المحكمة الدستورية العليا وسلطة التشريع

 

إذا كانت القاعدة أن التفسير التشريعى ( الرسمى ) ، يصدر من الهيئة التى أصدرت التشريع المراد تفسيره ، أو من سلطة أعلى منها ، إلا أنه قد يحدث أن تقوم هذه السلطة بتخويل هيئة أخرى أو سلطة أدنى حق تفسير تشريع معين ، وعندئذ يعتبر التفسير الذى يصدر عن هذه الهيئة أو عن هذه السلطة الأدنى تفسيراً رسمياً صادراً من السلطة الأصلية وله نفس الأثار .

 

ومن أمثلة ذلك ( المادة 14 مكرر من قانون الإصلاح الزراعى رقم 1978 لسنة 1952 ) التى خولت الهيئة العليا للإصلاح الزراعى سلطة تفسير أحكام قانون الإصلاح الزراعى واعتبار قراراتها فى هذا الشأن تفسيراً تشريعياً ملزماً . ومنها أيضاً ( المادة 97 من القانون رقم 46 لسنة 1964 ) بشأن نظام العاملين المدنيين فى الدولة التى خولت لجنة عليا يرأسها وزير العدل سلطة التفسير الرسمى لأحكام هذا القانون ، كما نسوق من نصوص الدستور فيما نحن بصدده ما جرى به نص ( المادة 175 من دستور 1971 ) من أن تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح ، وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون ، وتطبيقاً لذلك نصت ( المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ) على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين صادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاً فى التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها .

 

والذى يعنينا بهذه المناسبة هو الإشارة إلى أن المفروض فى التفسير الرسمى – سواء صدر عن ذات الهيئة التى أصدرت التشريع المطلوب تفسيره أو صدر عن هيئة أخرى أو سلطة مفوضة فى التفسير – هذا التفسير لا يجب أن يخرج عن كونه مجرد إيضاح للمعانى المقصودة من التشريع السابق
أو مستحدثاً لحكم جديد .

 

ولكن قد يحدث أن تخرج الهيئة المفسرة من نطاق التفسير بالمعنى الصحيح ، فيصدر التفسير الرسمى متضمناً تعديلاً للنص المفسر ومستحدثاً لحكم جديد ، فهل يعتبر مثل هذا التفسير تفسيراً تشريعياً ينسحب أثره على الماضى فيحكم العلاقات التى تخضع لحكم القانون المفسر ، أم إنه يسرى فقط بأثر مباشر ؟ والراجح فى هذه الحالة ألا يعتد بالتفسير إذا تضمن تعديلاً للنص وإضافة أحكام جديدة . ويعزز هذا الرأى امتناع مجلس الدولة عن مراجعة تفسير الهيئة العامة للإصلاح الزراعى للمادة الأولى من القرار الجمهورى بالقانون رقم 128 لسنة 1961 الخاص بتخفيض أقساط الدين وفوائده على المنتفعين بقانون الإصلاح الزراعى بمقدار النصف ، تأسيساً على أن عبارة القانون وردت صريحة فلا يجوز الإجتهاد على هذا الوضوح فى الدلالة ولو بدعوى أن النص غير عادل ، لأن رعاية العدالة مهمة المشرع ، وليست مهمة من يفسر أو يطبق القانون ( مجموعة الجمعية العمومية للقسم الإستشارى بمجلس الدولة ، أبو شادى 1960 – 1970 – القاعدة 341 ص 584 ، انظر أيضاً : ما قضت به محكمة القاهرة الإبتدائية فى 9/5/1977 من عدم اعتدادها بما أصدرته امحكمة العليا من تفسير فى الطلب رقم 1 لسنة 8 ق تفسير ، إذ رأت بحق هذا التفسير يتضمن إنشاء قاعدة جديدة ) .

 

وخلاصة القول أن التفسير التشريعى – أيا كانت الجهة التى تصدره – لا يعتبر مصدراً من المصادر المنشئة للقاعدة القانونية ، وإنما هو فقط مجرد كشف لحقيقة المعنى المقصود من التشريع المفسر ، ومن ثم فأن المحكمة الدستورية العليا – فى ممارستها لسلطتها فى التفسير التشريعى – لا تعتبر من جهات وضع التشريع فى مصر .

 

 

الفرع الثانى : درجات التشريع

 

مبدأ تدرج التشريع  

 

بينا فيما سبق أن هناك ثلاثة أنواع من التشريع يعلو بعضها على بعض فى الدرجة ، وتستمد القاعدة القانونية فى كل من هذه التشريعات قوتها ، لا من مضمونها ، وإنما من درجة التشريع الذى يتضمنها .

 

ومؤدى ذلك أنه إذا وردت قاعدة ما فى الدستور لم يعد بإمكان التشريع العادى أن يعدلها أو أن يخالفها ،واذا وردت قاعدة ما فى التشريع العادى لم يعد جائزاً للتشريع الفرعى أن يعدلها أو أن يخالفها . ويعمل بهذا المبدأ ( تدرج التشريع ) حتى ولو تضمن التشريع الأعلى مثلاً تنظيماً مما قد تختص به السلطة المختصة بإصدار التشريع الأدنى .

 

وللملاحظة الأخيرة أهمية خاصة أظهرها مسلك المشرع المصرى عندما درج على تعديل بعض مواد التشريعات العادية ( القوانين ) بموجب تشريعات فرعية
( قرارات جمهورية ) مما قد يحمل على التشكيك فى صحة النتيجة التى أشرنا إليها من الناحية الموضوعية . ولكن سرعان ما يزول هذا الشك جزئياً إذا علمنا أن رئيس الجمهورية يتمتع دستورياً بسلطة تشريعية أصلية فى حالة الضرورة
أو حالة التفويض وكانت هذه السلطة تمارس بإفراط وتزيد فى مرحلتى الستينيات والسبعينيات .  

 

ولعله من المفيد هنا أن نسوق أمثله لبعض التشريعات الصادرة بقرارات جمهورية التى صدرت بتعديل قوانين ومنها :

 

1 - قرار رئيس الجمهورية الصادر بتاريخ 31/1/1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 632 لسنة 1955 بإنشاء المعهد القومى للبحوث الجنائية .

 

2 - قرار رئيس الجمهورية الصادر بتاريخ 31/1/1957 بتعديل المادة الثامنة من القانون رقم 214 لسنة 1951 الخاص بإنشاء صندوق إدخار لنظار وناظرات ومدرسى ومدرسات المدارس الإبتدائية .

 

3 – قرار رئيس الجمهورية الصادر بتاريخ 31/1/1957 بإضافة فقرة جديدة إلى المادة الأولى من القانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة للمطابع ( ملحوظة : ورد فى المذكرة الإيضاحية لهذا القرار الجمهورى عبارة " ويتشرف وزير الصناعة بعرض مشروع القرار بقانون على السيد رئيس الجمهورية ... " إلا أن العمل التشريعى صدر بموجب قرار جمهورى فحسب ، ونصت المادة الثانية منه على أن على وزير الصناعة تنفيذ هذا القرار ... ) .

 

4 - قرار رئيس الجمهورية الصادر بتاريخ 19/2/1957 بإضافة فقرة جديدة للمادة الثانية من القانون رقم 381 لسنة 1954 بشأن مؤسسة أبنية التعليم .

 

5 - قرار رئيس الجمهورية الصادر بتاريخ 10/7/1957 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى . ( ملحوظة : ورد فى المذكرة الإيضاحية لهذا القرار الجمهورى ما يلى : قضت ( المادة الثانية من القانون رقم 32 لسنة 1957 ) بإصدار قانون المؤسسات العامة بأنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إلغاء المؤسسات القائمة أو إدماجها أو تعديل نظمها وفقاً لأحكام ذلك القانون . لذلك اقتضى الأمر تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 1978 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى ، كما رؤى إدخال تعديل على تشكيل مجلس الإدارة فأعد مشروع القرار الجمهورى المرافق استناداً إلى التفويض المذكور ... ) .

 

6 – قرار رئيس الجمهورية الصادر بتاريخ 10/7/1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 367 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة الزراعية المصرية .

 

7 – القرار الجمهورى رقم 1155 لسنة 1959 بتعديل بعض أحكام
القانون رقم 93 لسنة 1959 المتضمن نظام مكتب تفتيش
الدولة فى الأقليم السورى .

 

8 – القرار الجمهورى رقم 541 لسنة 1959 فى شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 367 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة الزراعية المصرية .

 

9 – القرار الجمهورى رقم 541 لسنة 1959 فى شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة الأسكندريه .

 

10- القرار الجمهورى رقم 1377 لسنة 1959 بتعديل المرسوم بقانون
رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى .

 

11- القرار الجمهورى رقم 2344 لسنة 1959 بتعديل بعض أحكام القانون
رقم 167 لسنة 1958 بإنشاء الهيئة العامة لشئون البترول .

 

12- القرار الجمهورى رقم 269 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القانون
رقم 367 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة الزراعية المصرية .

 

13- القرار الجمهورى رقم 282 لسنة 1960 بتعديل القانون
رقم 5 لسنة 1959 ، الخاص بإعادة تنظيم الخطوط الجوية السورية .

 

14- القرار الجمهورى رقم 288 لسنة 1960 بتعديل المادة 15 من القانون
رقم 150 لسنة 1958 بشأن إنشاء مؤسسة مستقلة لأبنية التعليم فى الإقليم السورى .

 

وتؤكد هذه النماذج أن المشرع المصرى فى كل منها لم يكن حريصاً على الإلتزام بمبدأ تدرج التشريع ، فكان يقوم بتعديل القوانين بقرارات جمهورية لا ترقى فى قوتها إلى درجة وقوة القانون .

 

هذا وجدير بالذكر أن ما ورد فى المذكرة الإيضاحية للقرار الجمهورى الصادر بتاريخ 10/7/1957 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى ، والمنوه عنه فيما تقدم تحت رقم (5) من تبرير لتعديل القانون بقرار جمهورى استناداً إلى أن قانون المؤسسات العامة رقم 32 لسنة 1957 قد أجاز إلغاء المؤسسات أو إدماجها أو تعديل نظمها بقرار من رئيس الجمهورية ، هذا التبرير لا يقوم على فهم صحيح من المشرع لمقتضى مبدأ تدرج التشريع ، ذلك أن نصوص التشريعات أياً كان موضوعها تستمد قوتها من درجة التشريع الذى يتضمنها ، وأنه لا يجوز لتشريع أدنى أن يعدل من نصوص التشريع الأعلى ، ولو تضمنت هذه الأخيرة تنظيماً لموضوعات أصبح تنظيمها من سلطة الجهة التى تملك إصدار التشريع الأدنى ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن تعديل السلطات على النحو الذى استحدثه القانون رقم 32 لسنة 1957 بشأن المؤسسات العامة لا يعد من قبيل التفويض التشريعى الذى يجوز معه للسلطة الأدنى أن تباشر بعض اختصاصات السلطة الأعلى . كالأمر الحاصل فى ( المادة 55 من القانون رقم 79 لسنة 1975 ) بإصدار قانون التأمين الإجتماعى التى تجيز لوزير التأمينات زيادة النسب الواردة فى الجدول رقم (2) المرافق لهذا القانون ، أو إضافة حالات جديدة إليه ، وكما هو شأن النص فى ( المادة الثانية من القانون رقم 133 لسنة 1981 ) بإصدار قانون الضريبة على الإستهلاك على أنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية تعديل الجدول المرافق للقانون .

 

المطلب الثانى : التشريعات النافذة فى مصر من حيث مضمونها

 

توافر وعدم توافر خاصية العمومية والتجريد فى قواعد التشريع

 

المعروف أن القانون هو مجموعة القواعد السلوكية ، العامة المجردة ، الملزمة والمقترنة بجزاء قهرى توقعه الدولة . أما التشريع وهو القاعدة القانونية المكتوبة الصادرة عن السلطة المختصة فإنه إذا كان العدد الغالب من قواعده تتوافر فيه خاصية العمومية والتجريد مما يجعل هذه القواعد التشريعية قابلة لتطبيقات غير متناهية وغير محصورة ، إلا أن بعض التشريعات يصدر من غير مراعاة لتوافر هذه الخاصية ، مما يجعل التشريع مجرد تطبيق لقاعدة قانونية أخرى على أساسها تصدر مثل تلك التطبيقات فى شكل تشريع .

 

( فالمادة 35 من دستور 1971 ) لا تجيز التأميم إلا بقانون ، ( والمادة 116 من ذات الدستور ) توجب موافقة مجلس الشعب على نقل أى مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة ، وكذلك على كل مصروف غير وارد بها أو زائد فى تقديراتها ، أن يصدر ذلك بقانون ، ( والمادة 118 ) توجب أن يصدر الحساب الختامى لميزانية الدولة بقانون ، كما أن ( المادة 149 ) تقضى بأن العفو الشامل لا يكون إلا بقانون ، وانظر أيضاً ( المادة 29 من القانون
رقم 144 لسنة 1988 ) بشأن إصدار قانون الجهاز المركزى للمحاسبات التى يجرى نصها بأن تنظم شئون العاملين بالجهاز لائحة خاصة تصدر بقرار من مجلس الشعب له قوة القانون .

 

ومثل هذه القوانين لا تكون – بحسب مضمونها – قابلة لتطبيقات متكررة وغير محصورة ، وهى بهذه الطبيعة – وعلى حد تعبير محكمة النقض – لا تعتبر قوانين إلا من الناحية الشكلية ، أما من الناحية الموضوعية فهى مجرد عمل تنفيذى إدارى ( نقض مدنى 30/4/1960 – مجموعة المكتب الفنى ، السنة 11 ص 257 ) .

 

وإذا كانت القوانين المنوه عنها تجد سندها التشريعى فى نصوص الدستور سالفة البيان ، فإننا نلحظ أن المشرع المصرى لم يقف فى إصدار مثل هذه القوانين الشكلية عند الحدود التى تقضى بها نصوص الدستور ، وإنما نجده يستخدم التشريع العادى (القانون) فى غير الغرض الذى خصص له ،
ومن ذلك ما نراه فى القرار بالقانون رقم 111 لسنة 1964 الذى لم يصدر إلا من أجل تعيين السيد / .................. فى وظيفة من الدرجة السادسة الإدارية بوزارة الحربية .

 

( الجريدة الرسمية فى 23/3/1964 – العدد 68 ب ) ، وأيضاً القرار بالقانون رقم 29 لسنة 1969 ، الذى لم يصدر إلا من أجل استثناء الملك .... من تطبيق أحكام القانون رقم 15 لسنة 1963 ( الجريدة الرسمية فى 34/7/1969 – العدد 27 ) . والقانون رقم 71 لسنة 1955 بالإذن بارتباط القوات الجوية مع شركة التعمير والمساكن الشعبية لإنشاء مدينة سكنية بمنطقة مطار بلبيس . والقانون رقم 163 لسنة 1981 فى شأن النزول عن ملكية الدار التى كان يقيم فيها المغفور له الرئيس الراحل ............... ومنح أسرته معاشاً . والقانون رقم 9 لسنة 1986 بتصحيح أوضاع العاملين بهيئة قناة السويس . وغير ذلك من القوانين التى لا تقع تحت الحصر ، والتى صدرت فاقدة لخاصية العمومية والتجريد ، سواء بسبب كونها تطبيقات لبعض مواد الدستور ، أو بسبب استخدام المشرع للقانون فى غير الغرض الذى خصص له . وقد بلغ عدد هذه القوانين 3959 قانوناً خلال فترة الدراسة ( 1950 – 1989 ) .

 

توافر أو عدم توافر صفة الثبات والإستقرار فى قواعد التشريع

 

الإلغاء حدث عادى فى حياة التشريع ، فهو يضع نهاية لهذه الحياة ، ولكل حياة نهاية ، ولئن كان هذا يعنى ألا يتصف التشريع بالثبات والإستقرار . فثبات التشريع هو بلا شك من أخص عوامل استقرار المجتمعات السياسية . أما التغيير والتبديل المتعدد والمتقارب فى أحكام التشريعات المعمول بها ، فهو أمر منتقد يتعين تفاديه . ولا يصح الإعتراض على قولنا هذا بأن المشرع حر فيما يصدره من تشريعات منشئة أو معدلة ، وفى التوقيت الذى يتخيره بغير تقييد أو تنظيم ، فلو صح ذلك لكانت النتيجة انهيار صفة الثبات والإستقرار التى يجب أن يتميز بها التشريع ، ونحن فى النهاية لا نتحدث عن محظور قانونى ، وإنما نتحدث عن كمال جزئى مطلوب للتشريع ، دفعنا إلى ذلك هذا السيل الهائل من التعديلات التشريعية التى يكاد لا ينجو منها سوى البعض من التشريعات قليلة الأهمية .

 

وإذا تتبعنا التعديلات التشريعية خلال مدة البحث – وضمنها الإلغاءات بطبيعة الحال – وجدنا 1299 قانوناً تصدر معدلة لقوانين سابقة ، بالإضافة إلى 1571 قانوناً تصدر ملغية لقوانين معمول بها ، وهكذا بلغ المجموع 2870 قانوناً تشكل نسبة 70 % من إجمالى عدد القوانين الصادرة طوال فترة الدراسة
( 1950 – 1989 ) ، ومجموعها 4182 قانوناً ( بعد استبعاد تلك التى تفتقر إلى خصائص القاعدة القانونية ) .وفيما يلى نشير إلى بعض النماذج لتشريعات تناولها التعديل المستمر منذ الشهور – وأحياناً منذ الأيام – الأولى للعمل بها ، وسوف نقف من هذا العرض على أهمية العيب الذى قصدنا بيانه .

 

أولاً : قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937

 

فقد توالت تعديلات هذا القانون على النحو التالى: القانون 50 لسنة 1949 ، القانونان 51 ، 120 لسنة 1950 ، القانونان 24 ، 232 لسنة 1951 ، القوانين 7 و16 و323 و242 لسنة 1952 ، القوانين 69 و112 و242 و435 و536 582 و617 لسنة 1953 ، القانونان 424 و635 لسنة 1954 ، القوانين 17 و97 و112 و568 لسنة 1955 ، القوانين 68 و137 و152 و295 و308 لسنة 1956 ، القانون 112 لسنة 1957 ، القانون 120 لسنة 1962 ، القانونان 34 و59 لسنة 1970 ، القانون 24 لسنة 1971 ، القانون 37 لسنة 1972 ، القانون 14 لسنة 1973 ، القانون 63 لسنة 1975 ، القانون 59 لسنة 1977 ، القانونان 90 و214 لسنة 1980 ، والقانون 169 لسنة 1981 ، القانون 29 لسنة 1982 ، القانونان 9 و34 لسنة 1984 .

 

ونلاحظ على التعديلات ما يلى :

 

1- القانون 308 لسنة 1956 ألغى المادتين 52 ، 53 ، والقانون 59 لسنة 1970 أعادهما .

 

2- القانون 232 لسنة 1951 ألغى المادة 193 ، والقانون 112 لسنة 1957 أعادها ، والقانون 29 لسنة 1982 عدلها .

 

3- القانون 120 لسنة 1950 أضاف المادة 201 مكررا ، والقانون 142 لسنة 1952 ألغاها .

 

4- القانون 242 لسنة 1952 أضاف المادة 206 مكرراً ، والقانون 68 لسنة 1956 ألغاها ، والقانون 120 لسنة 1962 أعاد إضافتها .(ملاحظة بلغت التعديلات حتى نوفمبر2007 عدد 58 تعديلا)

 

ثانياً : قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950

 

فقد توالت تعديلات هذا القانون على النحو التالى : القوانين 152 و178 و228 لسنة 1951 ، القوانين 116 و340 و353 و358 لسنة 1952 ، القوانين 243 و252 و280 و379 و535 لسنة 1953 ، القوانين 4 و150 و426 لسنة 1954 ، القوانين 98 و271 و627 لسنة 1955 ، القانونان 121 و305 لسنة 1956 ، القانونان 37 و113 لسنة 1957 ، القانونان 43 لسنة 1958 ، القانونان 107 لسنة 1962 ، القانون 7 لسنة 1963 ، القانون 43 لسنة 1967 ، القانون 57 لسنة 1968 ، القانون 26 لسنة 1971 ، القانون 5 لسنة 1972 ، القانون 5 لسنة 1973 ،
القانونان 85 ، 91 لسنة 1976 ، القانون 170 لسنة 1981 ،
القانون 15 لسنة 1983 .( بلغت التعديلات حتى نوفمبر 2007 عدد 54 تعديلا)

 

ثالثاً : قانون موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951

 

فقد توالت تعديلات هذا القانون والإستثناءات من أحكامه على النحو التالى :
القوانين 79 و125 و134 و225 و287 و339 لسنة 1952 ، القوانين 42 و87 و94 و132 و142 و260 و261 و374 و401 و432 و473 و579 و586 و659 لسنة 1953 ، القوانين 113 و336 و372 و410 و450 و520 و608 لسنة 1954 ، القوانين 28 و58 و87 و124 و147 و178 و238 و312 و398 و405 و409 و477 و534 و620 لسنة1955 ، القوانين 39 و45 و201 و256 و281 و310 و311 و322 و347 و370 و383 لسنة 1956 ، القوانين 26 و39 و73 و177 لسنة 1957 ، القوانين 95 و154 و205 لسنة 1958 ، القوانين 151 و164 و208 و229 و237 و261 و268 لسنة 1959 ، القوانين 23 و32 و74 و120 و121 و154 و186 و300 لسنة 1960 ، القوانين 8 و45 و94 لسنة 1961 ، القانونان 76 و122 لسنة 1962 ، القانون 41 لسنة 1963 ، القانونان 30 و46 لسنة 1964 .

 

رابعاً : قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952

 

فقد توالت تعديلات هذا القانون على النحو التالى : القوانين 197 و264 و271 و311 لسنة 1952 ( ذات عام صدور القانون ) ، القوانين 108 و131 و225 و241 و270 و300 و397 و405 و406 و452 و495 لسنة 1953 ، القوانين 210 و355 و403 و474 لسنة 1954 ، القوانين 245 و411 و554 651 لسنة 1955 ، القوانين 267 و268 و298 315 و333 و381 لسنة 1956 ، القانونان 84 و148 لسنة 1957 ، القوانين 24 و120 و168 لسنة 1958 ، القوانين 183 و205 و209 لسنة 1959 ، القانونان 60 و274 لسنة 1960 ، القوانين 14 و127 و128 و172 و187 لسنة 1961 ، القانونان 85 و139 لسنة 1962 ، القوانين 17 و82 و83 لسنة 1963 ، القانونان 83 و138 لسنة 1964 ، القانونان 14 و45 لسنة 1965 ، القانون 52 لسنة 1966 ، القانونان 69 و75 لسنة 1971 ، القانون 123 لسنة 1974 ، القانون 67 لسنة 1975 ، هذا بخلاف القرار الجمهورى الصادر فى 10/7/1957 والقرار الجمهورى رقم 1377 لسنة 1959 بتعديل أحكام قانون الإصلاح الزراعى .

 

ونلاحظ على هذه التعديلات أن ( المادة 23 من قانون الإصلاح الزراعى ) قد عدلت ست مرات بالقوانين { ( 358 لسنة 1952 )
و ( 234 لسنة 1953 ) و ( 4 لسنة 1954 ) و ( 37 لسنة 1957 )
و ( 7 لسنة 1963 ) و ( 26 لسنة 1971 ) } .

 

خامساً : القانون رقم 98 لسنة 1953 بإنشاء مجلس إدارة للمصانع الحربية  

 

فقد صدر هذا القانون فى عام 1953 وعدل فى ذات العام
بالقانون 187 لسنة 1953 ثم ألغى فى العام نفسه بالقانون 619
لسنة 1953 . كما أن القانون الذى حل محله أصابه التعديل هو الآخر ثلاث مرات فى السنوات التالية مباشرة لتاريخ العمل به ، وهذه التعديلات تمت بالقوانين 479 لسنة 1954 و183 لسنة 1955 و 335 لسنة 1956 .

 

سادساً : التشريعات الفرعية

 

ولم تختلف التشريعات الفرعية عن التشريعات العادية فيما نحن بصدده ، فقرار رئيس الوزراء رقم 238 لسنة 1986 بتشكيل لجان التعويض عن الأضرار الناتجة عن أعمال الشغب والصادر فى 4/3/1986 عدل بعد خمسة أيام فقط من صدوره بالقرار رقم 255 لسنة 1986 .

 

وقرار وزير التموين رقم 312 لسنة 1986 بتحديد أسعار وتنظيم تداول المكرونة المعبأة الصادر فى 1/7/1986 عدل بعد سبعة أيام فقط من صدوره بالقرار رقم 350 لسنة 1986 وقرار وزير التأمينات
رقم 52 لسنة 1985 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 64 لسنة 1980 الصادر فى 15/5/1985 عدل بالقرار رقم 58 لسنة 1985 .

 

وقرار وزير التأمينات رقم 49 لسنة 1987 بشأن إجراءات طلب إنتفاع أصحاب المعاشات الذين إنتهت خدمتهم قبل 1/7/1987 بأحكام العلاج والرعاية المعدل بالقرار رقم 55 لسنة 1987 .

 

- هذا عن تكرار تعديل التشريعات أو عن تعديلها بعد مرور أيام معدودة على صدورها . وهناك ظاهرة أخرى يمكن وصفها بالتعديلات المتتابعة للتشريع الواحد ، حيث يعدل القانون فى الفترة الزمنية الواحدة ( نفس اليوم أو عدة أيام ) أكثر من مرة ويصدر تشريع مستقل بكل تعديل . ومن ذلك :

 

1 - القانون 15 لسنة 1923 المعدل بالقانونين 154 و155
لسنة 1952 .

 

2 - القانون 14 لسنة 1939 المعدل بالقانونين 11 و12 لسنة 1967 وأيضاً بالقانونين 77 و 78 لسنة 1973 .

 

3 - القانون 95 لسنة 1945 المعدل بالقانونين 138 و139
لسنة 1951 .

 

4 - القانون 98 لسنة 1949 المعدل بالقانونين 138 و139
لسنة 1951 .

 

5 – القانون 210 لسنة 1951 المعدل بالقانونين 260 و261
لسنة 1953 ، وأيضاً بالقانونين 310 و311 لسنة 1953 ، وكذلك بالقانونين 120 و121 لسنة 1960 .

 

6 - القانون 178 لسنة 1952 المعدل بالقانونين 127 و128 لسنة 1961 ، وأيضاً بالقانونين 405 و406 لسنة 1953 ، وكذلك بالقانونين 82 و83 لسنة 1963 .

 

7 - القانون 234 لسنة 1955 المعدل بالقانونين 137 و138 لسنة 1959 ، وأيضاً بالقانونين 256 و257 لسنة 1960 .

 

8 – القانون 505 لسنة 1955 المعدل بالقانونين 29 و31 لسنة 1973 ، وأيضاً بالقانونين 37 و38 لسنة 1975 .

 

9 – القانون 184 لسنة 1958 المعدل بالقانونين 107 و108
لسنة 1971 .

 

10- القانون 232 لسنة 1959 المعدل بالقانونين 162 و164
لسنة 1961 ، وأيضاً بالقوانين 96 و98 و99 لسنة 1971 ، وكذلك بالقانونين 107 و108 لسنة 1985 .

 

11- القانون 14 لسنة 1964 المعدل بالقانونين 30 و31 لسنة 1970 .

 

12- القانون 25 لسنة 1966 المعدل بالقانونين 5 و7 لسنة 1968 .

 

13- القانون 38 لسنة 1972 المعدل بالقانونين 22 و23 لسنة 1979 .

 

14- القانون 123 لسنة 1981 المعدل بالقانونين 139 و140
لسنة 1988 .

 

وإذا أردنا أن نقف على الأسباب التى أدت إلى كل من ظاهرة عدم توافر صفة الثبات والإستقرار فى قواعد التشريع المصرى ، وظاهرة التعديلات المتتابعة للتشريع الواحد ، فلا نحسب أننا فى حاجة إلى دليل يؤكد أن صناعة التشريع فى مصر تفتقر إلى الكثير من المقومات الأساسية التى من خصها أن تتوافر لدى المشرع القدرة على التخطيط للمستقبل والسيطرة نتيجة لذلك ، ليس على تشريعات المستقبل وإنما على مستقبل التشريعات الحاضرة . فلا تصدر هذه إلا بعد جهد كبير ودراسة متأنية متخصصة مستفيضة ، ووعى كامل بحاجات التطور حتى يخرج التشريع مستجمعاً إلى حد كبير مقومات الصلاحية للتطبيق أطول فترة ممكنة ، دون أن تبدو الحاجة إلى تعديله أو إستبدال غيره به

 

 

المبحث الثانى : الأوجه الفنية المتعلقة بالتشريعات المعمول بها والملاحظات عليها :

 

تمهيــد

 

قمنا بإجراء مسح شامل للتشريعات العادية ( القوانين ) الصادرة سواء عن السلطة التشريعية أو عن السلطة التنفيذية – فى حدود اختصاصها التشريعى – وذلك من خلال الفترة الزمنية من أول سنة 1950 وحتى نهاية سنة 1989 ، وكانت النتائج كما يلى ( أنظر الرسم البيانى المرفق ) .

 

- عدد 3959 قانوناً لا يتوافر فيها بعض خصائص القاعدة القانونية ، خاصية العمومية والتجريد .

 

- عدد 1299 قانوناً صدرت معدلة لقوانين سابقة .

 

- عدد 1312 قانوناً هى مجموع القوانين سارية المفعول .

 

وبذلك يكون مجموع القوانين الصادرة خلال الفترة الزمنية المشار إليها
هو 8141 قانوناً موزعة على النحو سالف البيان .

 

وقد عمدنا أثناء قيامنا بهذا المسح الشامل إلى فحص الأوجه الفنية المتعلقة بتلك التشريعات ، وأمكننا أن نلاحظ عليها العديد من الملاحظات نسوقها
فيما يلى تباعاً :

 

 

 

 

 

 

أولاً : بعض مؤشرات المسح الإحصائى للتشريع المصرى

 

1- إذا كان إجمالى القوانين الصادرة خلال فترة البحث ( أربعون عاماً ) قد بلغ 8141 قانوناً ، بمستوى سنوى يصل إلى 203 قانون ، فالملاحظ أن عدد القوانين قد بلغ مداه فى عام 1953 بمجموع
قدره 716 قانوناً ، كما بلغ أدناه فى عام 1965 بمجموع
قدره 52 قانوناً فقط .

 

2- إذا كان إجمالى القوانين الملغاة خلال فترة البحث قد بلغ 1571 قانوناً  بمتوسط سنوى يصل إلى 39 قانوناً ، فالملاحظ أن من هذه القوانين الملغاة 1309 قانوناً كانت قد صدرت خلال حكم الرئيس عبد الناصر و151 قانوناً كانت قد صدرت خلال حكم الرئيس مبارك .

 

3- إذا كان إجمالى القوانين التى تفتقر إلى بعض خصائص القاعدة القانونية قد بلغ 3959 قانوناًَ خلال فترة البحث ، وهو ما يمثل حوالى 50% من إجمالى القوانين الصادرة ، فالملاحظ أن هذا العدد قد بلغ خلال حكم الرئيس عبد الناصر 2151 قانوناً ، تمثل نسبة 43% من إجمالى القوانين الصادرة ، كما بلغ حكم الرئيس السادات 373 قانوناً تمثل نسبة 32% من إجمالى القوانين الصادرة ، كما بلغ خلال حكم الرئيس مبارك 1435 قانوناً تمثل نسبة 78% من إجمالى القوانين الصادرة . وذلك بالنسبة لكل فترة من تلك الفترات الثلاث .

 

ثانياً : عدم توافر معلومات هامه وواجبة لدى المشرع

 

أن وجوب توافر أدق المعلومات عن " التشريع " لدى المشرع هو ضرورة لا غنى عنها ، وذلك حتى يكون المشرع نفسه فى وضع يسمح له بالتعرف على التشريعات المعمول بها ، وتلك التى يكون قد أنتهى العمل بها . وبدون هذه المعلومات سوف يجد المشرع نفسه تائهاً وسط غابة من التشريعات لا يعلم عنها شئ . وفى ذلك الخطر كل الخطر سواء بالنسبة للمخاطبين بأحكام هذه القوانين ، والفرض أنهم مطالبون بإحترامها والخضوع لأحكامها ، أو بالنسبة للقضاة المكلفين بتطبيق أحكام القوانين المعمول بها خلال الظرف الزمنى الذى يحكم واقعات الأنزعة المطروحة.

 

ويتملكنا الأسف عندما نراجع مسلك المشرع المصرى فنجده غائباً عنه الكثير من المعلومات المتعلقة بالتشريعات التى يصدرها ، ومن ذلك تكرار النص فى القوانين على إلغاء قوانين ملغاه من قبل . وقد يثير هذا المسلك الخاطئ من المشرع إستفسارا عن قيمة الإلغاء الثانى أو الثالث للقانون ،

 

حيث يبدو منطقياً أن يستنتج من الإلغاء الحاصل فى تاريخ معين إفتراض العمل بأحكام القانون الملغى حتى اليوم السابق على هذا التاريخ ، فالأصل فى الإلغاء أنه يرد على محل موجود .

 

أما حين يتصادم هذا التفكير المنطقى مع الواقع العملى ، ويكون القانون المنصوص على إلغائه قد ألغى قبل ذلك مرة أو مرات ، فالطبيعى أن يسود الواقع وأن يستبعد التفكير المنطقى ، وهو ما أدى بالمحكمة الإدارية العليا إلى القول بأن " النص على إلغاء التشريع لا يفيد حتماً إفتراض صحة قيامه إلى وقت الإلغاء ، وأنه لا يصلح إفتراض إحياء التشريع بأثر رجعى من مجرد النص على غلغائه بنص لاحق ( جلسة 30/12/1968 – القضية رقم 834 لسنة 9 ق) " ولكن تبقى مع ذلك إحتمالات اللبس وبالتالى الخطأ ، فقد يقع الأفراد ، كما قد يقع القضاة فى هذا اللبس ، وينتهى الأمر إلى العمل بأحكام تشريعات ملغاة لمجرد إعادة النص على غلغائها فى تواريخ لاحقة ، وعدم الوقوف على حقيقة سبق إلغاء العمل بها فى الماضى .

 

ونسوق فيما يلى بعض نماذج الإلغاء المتكرر للتشريع الواحد :

 

1- نصت ( المادة 7 من القانون رقم 26 لسنة 1965 ) بشأن الهيئات الخاصة العاملة فى ميدان رعاية الشباب على أن يلغى القانون
رقم 129 لسنة 1963 ... والقانون رقم 77 لسنة 1964 ..
( الجريدة الرسمية فى 9/6/1965 – العدد 126) .

 

       وفى عام 1972 أعاد القانون رقم 41 لسنة 1972 النص
على إلغاء ذات القانونين 129 لسنة 1963 و77 لسنة 1964
( الجريدة الرسمية فى 28/9/1972 – العدد 39 ) .

 

       وفى عام 1975 أعاد القانون رقم 77 لسنة 1975 النص على إلغاء ذات القانونين 129 لسنة 1963 و77 لسنة 1964 فضلاً عن إلغاء القانون رقم 26 لسنة 1965 والقانون رقم 41 لسنة 1972
( الجريدة الرسمية فى 31/7/1975 – العدد 31 تابع ) .

 

2- نصت ( المادة 7 من القانون رقم 47 لسنة 1961 ) بتنظيم أعمال الوكالة التجارية على أن يلغى القانون رقم 24 لسنة 1957
( الجريدة الرسمية فى 17/6/1961 – العدد 134 ) .

 

      وفى نفس العام 1961 أعاد القانون رقم 107 لسنة 1961 ببعض الأحكام الخاصة بتنظيم أعمال الوكالة التجارية
النص على إلغاء ذات القانون رقم 24 لسنة 1957
( الجريدة الرسمية فى 11/7/1961 – العدد 154 ) .

 

3- نصت المادة (2) من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك على أن يبطل العمل بأحكام القانون رقم 65 لسنة 1961
فى شأن إعفاء البعثات التمثيلية ... ( الجريدة الرسمية
فى 26/6/1963 – العدد 142 ) .

 

وفى عام 1969 أعاد القانون 69 لسنة 1969 النص على إلغاء ذات القانون رقم 65 لسنة 1961 (الجريدة الرسمية فى 19/8/1969 – العدد 33 مكرراً ) .هذا وقد ورد النص فى القانون 69 لسنة 1969 المشار إليه بصيغة تفيد تعديل القانون رقم 65 لسنة 1961 وليس إلغاؤه ، حيث ورد النص بالإلغاء بالنسبة للسيارات الخاصة بالمستفيدين من القانون .

 

4- نص القانون رقم 47 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون التأمين الإجتماعى على أصحاب الأعمال ومن فى حكمهم على إضافة بعض التشريعات إلى نص ( المادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 79 لسنة 1975 ) بإصدار قانون التأمين الإجتماعى ( الجريدة الرسمية فى 31/3/1984 – العدد 13 مكرر و ) .

 

وفى عام 1987 أعاد القانون رقم 107 لسنة 1987 النص على إضافة ذات التشريعات السابق إضافتها إلى المادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 79 لسنة 1975 المشار إليه ( الجريدة الرسمية – العدد 30 مكرر فى 27/7/1987 ) .

 

هذا ويصل غياب المعلومات لدى المشرع المصرى إلى الذروة عندما نجد المشرع يصدر تشريعات يعدل بها تشريعات ملغاة . ومن ذلك
( فضلاً عن القانون رقم 69 لسنة 1969 المشار إليه ) القرار بالقانون رقم 61 لسنة 1960 بتعديل ( المادة التاسعة من القانون
رقم 251 لسنة 1953 ) بإنشاء صندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات القطنية ، وهذا هو عنوان القانون . ( الجريدة الرسمية فى 8/3/1960- العدد 57 ) ، على حين كان القانون
رقم 251 لسنة 1953 المشار إليه قد ألغى بموجب ( المادة 31 من القرار بالقانون رقم 21 لسنة 1958 ) بشأن تنظيم الصناعة ( الجريدة الرسمية فى 29/4/1958 – العدد 7 مكرراً ) .

 

ومن ذلك أيضاً : القانون رقم 46 لسنة 1969 بإنشاء نقابة أطباء الأسنان الذى نصت ( المادة 73 منه على إلغاء العمل بالقانون رقم 62 لسنة 1949 ) بشأن إتحاد نقابات المهن الطبية ( الجريدة الرسمية فى 24/7/1969 – العدد 30 ) ، والقانون رقم 47 لسنة 1969 – الصادر فى ذات يوم صدور القانون 46 لسنة 1969 – الذى أعاد فى ( المادة 68 ) منه النص على إلغاء العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1969 – الصادر فى ذات يوم صدور القانونين 46 و47
لسنة 1969 – الذى كرر للمرة الثانية فى ( المادة 65 ) منه النص على إلغاء العمل بالقانون رقم 62 لسنة 1949 ( الجريدة الرسمية – العدد السابق ) ، والقانون رقم 49 لسنة 1969 – الصادر فى ذات يوم صدور القوانين 46 ،47 ،48 لسنة 1969 – الذى نص فى
( المادة 29 ) منه على إلغاء كل نص يتعارض مع أحكامه من أحكام القانون 62 لسنة 1949 . وهذه صياغة تفيد الإلغاء الجزئى لقانون سبق أن ألغى بأكمله ثلاث مرات فى يوم واحد ( الجريدة الرسمية – العدد السابق ) . ثم يأتى المشرع بعد خمسة عشر عاما وينص فى
( المادة 3 من القانون رقم 62 لسنة 1949 ) ، وهذا أيضاً إلغاء جزئى لقانون ملغى ثلاث مرات منذ خمسة عشر عاما .

 

ثالثاً : إلتفات المشرع عن تحقيق المصلحة المستهدفة بالمادة 188
من الدستور

 

تنص ( المادة 188 من دستور 1971 ) على أن تنشر القوانين فى الجريدة الرسمية .. ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشرها
إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر ، والبادى من صياغة هذه المادة أنها تتضمن قاعدة وإستثناء .فالقاعدة وهى الأصل تقضى بأن يعمل بأحكام القوانين بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشرها ، والخروج على هذا الأصل ، وهو إستثناء ، يكون فقط عندما يحدد المشرع ميعاداً آخر
للعمل بأحكام القانون .ولأن النصوص القانونية ليست غاية فى ذاتها ، بل هى وسائل لتحقيق أهداف معينة ، ولآن حكم ( المادة 188 ) هو الوسيلة التى أختارها الدستور لإمكان العمل بقاعدة " إفتراض العلم بالقانون " ، فقد تعين على المشرع – حتى يكون ملتزما أحكام الدستور فيما نحن بصدده – ألا يخرج عن القاعدة التى أوردتها ( المادة 188 ) إلا فى الحالات التى قد تتطلبها مصلحة معينة ، وبالقدر اللازم لتحقيق هذه المصلحة .

 

وإذا نحن راجعنا مسلك المشرع فى نصوصه بشأن مواعيد العمل بأحكام القوانين ، فإننا سوف نصل فى غير عناء إلى أن المشرع لا يترسم خطى الدستور فى هذا الشأن ، وأنه يعمل حكم الإستثناء فى الأغلب الأعم من التشريعات ، حتى أننا نحتاج إلى جهد كبير للتعرف على تشريع واحد ينص فيه على العمل بأحكامه بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشره . وهكذا يصير الإستثناء هو القاعدة وتصير القاعدة هى الإستثناء فتضيع الغاية المستهدفة بالحماية الدستورية .

 

ولانحسب أننا بحاجة إلى تعداد الأمثلة للتشريعات فيما نحن بصدده ، ويكفى أن نحيل القارئ إلى تشريعا أية سنة يتخيرها هو ، وسوف يلمس بنفسه صحة قولنا المتقدم ، وأن الغالبية من التشريعات ينص فيها على العمل بأحكامها من اليوم التالى لتاريخ نشرها ، وهذه
مخالفة لروح الدستور .

 

رابعا : مخالفات دستورية أخرى

 

تعددت أحكام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض نصوص القوانين ، تخيرنا منها ما يلى :

 

1 - مخالفة أحكام القانون رقم 125 لسنة 1981 ببعض الأحكام الخاصة بنقابة المحامين لنص ( المادة 56 من دستور 1971 ) المقرر لمبدأ الديمقراطية النقابية ( الدعوى رقم 47 لسنة 3 ق –
جلسة 11/6/1983 ) .

 

2 – مخالفة القانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية للضوابط المقررة فى الفقرة الأولى من
( المادة 147 من الدستور 1971 ) ( الدعوى رقم 28 لسنة 2 ق جلسة 4/5/1985 ) .

 

3 – مخالفة حكم الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الإجتماعى لنص المادة 62 من دستور 1971 . ( الدعوى رقم 56 لسنة 6 ق جلسة 21/6/1986 ) .

 

4 – مخالفة حكم ( المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 ) بشأن حماية الجبهه الداخلية والسلام الإجتماعى لنص ( المادة الخامسة من دستور 1971 ) . ( الدعوى رقم 56 لسنة 6 ق –
جلسة 21/6/1986 ) .

 

5 – مخالفة حكم المواد الخامسة مكرر والسادسة فقرة ( أ ) والسابعة من القانون رقم 38 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 فى شأن مجلس الشعب لنصوص ( المواد 8 و40 و62 من دستور 1971 ) ، ( الدعوى رقم 131 لسنة 6 ق جلسة 16/5/1987 ) .

 

6 – مخالفة المعاملة الإستثنائية فى القبول بالتعليم العالى التى تضمنتها نصوص ( المواد 76 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 ) . والفقرة الثالثة من ( المادة 123 من القرار بقانون رقم 232 لسنة 1959 ) فى شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة ،
( والمادة الأولى من كل من قرارى رئيس الجمهورية رقمى 742 ، 743 لسنة 1975 لأحكام المواد 8 و18 و40 من دستور 1971 ) ( الدعوى رقم 106 لسنة 6 ق جلسة 29/6/1985 ) .

 

7 – مخالفة المادة الأولى من القانون رقم 74 لسنة 1970 فى شأن وضع بعض المشتبه فيهم تحت مراقبة الشرطة لحكم ( المادة 66 من دستور 1971) . ( الدعوى 39 لسنة 3ق جلسة 15/5/1982) .

 

8 – مخالفة المادة 47 من ق5انون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 لنص ( المادة 44 من دستور 1971 ) . ( الدعوى رقم 5 لسنة 4 ق جلسة 2/6/1984 ) .

 

9 – مخالفة الفقرة السادسة من ( المادة الخامسة من القانون
رقم 46 لسنة 1962 ) بتحديد إيجار الأماكن – المعداه بالقانون رقم 133 لسنة 1963 – لنص ( المادتين 40 و68 من دستور 1971 ) ( الدعوى رقم 5 لسنة 1 ق جلسة 4/12/1971 ) .

 

10- مخالفة الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى – المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 – لحكم ( المادتين 40 و68 من دستور 1971 ) ( الدعوى رقم 92 لسنة 4 ق جلسة 3/12/1983 ) .

 

خامساً : غابة من الإستثناءات

 

الإستثناء خروج عن الأصل . وهو لا يكون مبرراً إلا عندما تبدو الحاجة إلى المفاضلة بين أهداف القواعد العامة وأهداف أخرى يراها المشرع أولى بالرعاية . وقد تظل الإستثناءات تتكرر فى الموضوع الواحد إلى أن تطغى أهداف الإستثناءات على أهداف القاعدة العامة ، وعندئذ يتعين على المشرع إما العدول عن القاعدة ، وإما مراجعة سياسته فى تقرير الإستثناء .

 

وما نراه فى تشريعاتنا يدعو إلى التشكك فى صحة هذه المفاهيم ، آية ذلك أن المشرع يجرى على وضع تنظيمات عامة لسير العمل فى المصالح الحكومية والهيئات العامة ووحدات القطاع العام . وطبيعى أن هذه التنظيمات ليست غاية فى ذاتها ، وإنما هى مجرد وسيلة لتحقيق أهداف معينة تكون مستهدفة بالحماية . والفرض أن تلك التنظيمات كوسيلة لتحقيق الغايات المستهدفة قد وضعت بطريقة تكفل – فى نظر المشرع – تحقيق الغاية منها ، فلا يكون الخروج عليها مقبولاً إلا على سبيل الإستثناء ، وبالقدر اللازم لتحقيق الهدف من هذا الإستثناء .

 

وندلل فيما يلى على أن المشرع المصرى يجرى فى تشريعاته على إهدار الأهداف التى من أجلها وضعت تنظيمات سير العمل فى المصالح الحكومية والهيئات العامة ووحدات القطاع العام . فنراه يقرر الخروج على هذه التنظيمات فى الأغلبية الأعم من التشريعات المنظمة لكثير من الوحدات الإدارية والإنتاجية وغيرها ، بحيث توارت غايات التنظيم العام وحلت غيرها محلها . وبات على المشرع أن يعيد حساباته ، فإما أن يبقى على التنظيم العام كأصل ، وإما أن يرشد الخروج على هذا التنظيم عن طريق الإستثناء .

 

وفيما يلى نشير إلى بعض ما قصدنا إليه . فالخروج عن التقيد بالنظم الإدارية والمالية والفنية المتبعة فى مصالح الحكومة قد ورد التصريح به فى التشريعات التالية ، وهى مجرد حالات نوردها على سبيل التمثيل وليس الحصر .

 

1 - ( المادة 3 من القانون رقم 619 لسنة 1953 ) بإنشاء مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات .

 

2 - ( المادة 6 من القانون رقم 643 لسنة 1955 ) بشأن الهيئة الدائمة لإستصلاح الأراضى .

 

3 - ( المادة 5 من القانون رقم 167 لسنة 1956 ) بإنشاء صندوق لدعم الصناعات الريفية .

 

4 - ( المادة 4-1 من القرار الجمهورى رقم 1587 لسنة 1963 ) بتنظيم الهيئة العامة للإصلاح الزراعى .

 

5 - ( المادة 6 من القرار الجمهورى رقم 293 لسنة 1967 ) بإنشاء المؤسسة المصرية العامة لصناعة الحديد والصلب .

 

6 - ( المادة 5-2 من القرار الجمهورى رقم 1770 لسنة 1971 ) بإنشاء الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات .

 

7 - ( المادة 5- ب من القرار الجمهورى رقم 2828 لسنة 1973 ) بشأن هيئة الآثار المصرية .

 

8 - ( المادة 4-2 من القرار الجمهورى رقم 1093 لسنة 1973 ) بشأن إنشاء الهيئة العامة للتخطيط العمرانى .

 

9 - ( المادة 6-3 من القرار الجمهورى رقم 830 لسنة 1975 ) بإنشاء مركز البحوث المائية .

 

10- ( المادة 10- جـ من القرار الجمهورى رقم 34 لسنة 1977 ) بإنشاء صندوق أراضى الإستصلاح .

 

11- ( المادة 6-2 من القرار الجمهورى رقم 392 لسنة 1979 ) بتنظيم الهيئة المصرية العامة للتوحيد القياسى .

 

12- ( المادة 4-4 من القرار الجمهورى رقم 475 لسنة 1979 ) بإنشاء مركز تنمية الصادرات المصرية .

 

13- ( المادة 9-1 من القرار الجمهورى رقم 520 لسنة 1979 ) بإنشاء الهيئة العامة لسوق المال .

 

14- ( المادة 3-1 من القانون رقم 13 لسنة 1979 ) بشأن إنشاء الإذاعة والتليفزيون .

 

15- ( المادة 7 من القانون رقم 19 لسنة 1982 ) بإنشاء الهيئة
القومية للبريد .

 

16- ( المادة 9 من القانون رقم 6 لسنة 1984 ) بإنشاء الهيئة القومية للإنتاج الحربى .

 

17- ( المادة 10-3 من القرار الجمهورى رقم 17 لسنة 1985 ) بإنشاء هيئة القطاع العام للسينما والضوئيات .

 

18- ( المادة 7- جـ من القرار الجمهورى رقم 4 لسنة 1986 ) فى شأن تنظيم الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية .

 

19- ( المادة 10- أ من القرار الجمهورى رقم 53 لسنة 1989 ) بإصداراللائحة التنفيذية للمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية .

 

20- ( المادة 51-1 من القانون رقم 230 لسنة 1989 ) بإصدار
قانون الإستثمار .

 

سادساً : تعدد التشريعات المنظمة للموضوع الواحد

 

لم يكن المشرع المصرى يعنى بأهمية التقنين كأسلوب من أساليب السياسة التشريعية الصحيحة . فكنا نراه يصدر العديد من الأعمال التشريعية المنظمة للموضوع الواحد ، رغم ما تسببه هذه السياسة من تضخم تشريعى ليس له من مبرر ، فضلاً عن صعوبة الإلمام بالتشريعات المنظمة للموضوع الواحد ، مع إحتمالات التعارض بين أحكام هذه التشريعات .

 

ونسوق للتدليل على هذه الظاهرة النماذج التالية :

 

1- التعليم الفنى كان منظماً بالقوانين أرقام 22 لسنة 1956 بشأن تنظيم التعليم الصناعى و261 لسنة 1956 بشأ تنظيم التعليم التجارى و262 لسنة 1956 بشأن تنظيم التعليم الزراعى و90 لسنة 1957 بشأن إمتحانات النقل والإمتحانات العامة فى المرحلتين الإعدادية والثانوية بالتعليم التجارى و91 لسنة 1957 بشأن إمتحانات النقل والإمتحانات العامة فى المرحلتين الإعدادية والثانوية بالتعليم الزراعى ، و92 لسنة 1957 بشأن إمتحانات النقل والإمتحانات العامة فى المرحلتين الإعدادية والثانوية بالتعليم الصناعى ، 203 لسنة 1958 بشأن إجازة تشغيل معامل المدارس الفنية والريفية وحدائقها للإنتاج ، و27 لسنة 1962 المواد الدراسية بمراحل التعليم الإعدادى والثانوى والفنى ، هذا بالإضافة إلى القرارين الجمهوريين رقم 2287 لسنة 1962 بشأن المواد الدراسية ونظم الإمتحانات فى التعليم الصناعى بمرحلتيه الإعدادية والثانوية ، ورقم 2288 لسنة 1962 بشأن إمتحانات اللغة العربية فى المرحلتين الإعدادية والثانوية بالتعليم الزراعى . وقد ألغيت كافة هذه التشريعات ، وحل محلها القانون رقم 75 لسنة 1970 فى شأن التعليم الفنى الذى أقتصر على الأساسيات ، وأحال بالنسبة للفرعيات إلى قرارات وزارية تصدر لتنفيذ أحكام القانون .

 

2- التعليم العام كان منظماً بالقوانين أرقام 211 لسنة 1953 بشأن تنظيم التعليم الثانوى العام ، 213 لسنة 1956 فى شأن التعليم الإبتدائى ، و399 لسنة 1956 فى شأن إمتحانات النقل والإمتحانات العامة فى المرحلتين الإعدادية والثانوية للتعليم العام ، و6 لسنة 1962 فى شأن تنظيم تعليم من تقصر حواسهم أو عقولهم عن متابعة التعليم فى المدارس العادية ، و27 لسنة 1962 فى شأن المواد الدراسية بمراحل التعليم الإعدادى والثانوى والفنى ،
و56 لسنة 1962 بتخفيض الرسوم المقررة لأداء الإمتحانات العامة  و85 لسنة 1964 بأحوال إلغاء إمتحان التلميذ فى النقل والإمتحانات العامة النهائية ، و86 لسنة 1964 فى شأن الرسوم المقررة لأداء امتحان مسابقة القبول بالمدارس الإعدادية والإعفاء منها ، و37 لسنة 1965 فى شأن المواد الدراسية بالمرحلة الثانوية بالتعليم العام . وقد ألغيت كافة هذه التشريعات وحل محلها القانون رقم 168 لسنة 1968 فى شأن التعليم العام الذى ألغى بدوره مع القانون رقم 16 لسنة 1969 بشأن التعليم الخاص والقانون رقم 75 لسنة 1970 بشأن التعليم الفنى ، وحل محل هذه القوانين الثلاثة رقم 139 لسنة 1981 بإصدار قانون التعليم .

 

3- التأمين الإجتماعى كان منظماً بالتشريعات التالية : الأوامر الصادرة فى 26/12/1854 و11/1/1871 و21/6/1887 بشأن المعاشات المدنية ، والقانونين 5 لسنة 1909 و37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية ، والقوانين 27 لسنة 1954 بتعديل لائحة التقاعد للعلماء المدرسين والعلماء الموظفين بالأزهر و25 لسنة 1957 بشأن جواز الجمع بين مرتب الوظيفة العامة والمعاش المستحق قبل التعيين فيها ، و1 لسنة 1962 بشأن صرف مرتب أو أجر أو معاش ثلاثة شهور عند وفاة الموظف أو المستخدم أو صاحب المعاش ، و77 لسنة 1962 بشأن عدم جواز الجمع بين مرتب الوظيفة فى الشركات التى تساهم فيها الدولة وبين المستحق قبل التعيين فيها ، و50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفى الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين ، و33 لسنة 1964 بمنح معاشات للموظفين والمستخدمين الذين أنتهت خدمتهم قبل أول أكتوبر سنة 1956 ولم يحصلوا على معاش ، و63 لسنة 1964 باصدار قانون التأمينات الإجتماعية ، و75 لسنة 1964 فى شأن التأمين الصحى للعاملين فى الحكومة وهيئات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمؤسسات العامة . وقد ألغيت هذه التشريعات – وغيرها – وحل محلها القانون رقم 79 لسنة 1975 بلإصدار قانون التأمين الإجتماعى . وبعد خمسة عشر عاماً على صدور هذا القانون نعود إلى الحال التى كنا عليها ، حيث تتابعت القوانين بشأن التأمين الإجتماعى نذكر منها – على مستوى القانون – القوانين أرقام 28 و57 و108 لسنة 1976 ، و30 و50 لسنة 1978 و64 و93 و112 و137 لسنة 1980 و61 و126 لسنة 1981 ، 116 لسنة 1982 ، 98 لسنة 1983 و47 لسنة 1984 ، 102 و107 لسنة 1987 ( المجموع ستة عشر قانونا بخلاف القانون رقم 79 لسنة 1975 ) .

 

4- الزراعة كانت منظمة بالقوانين أرقام 6 لسنة 1912 و30 لسنة 1921 ، و13 لسنة 1922 ، و5 لسنة 1935 و27 لسنة 1936 و28 لسنة 1941 و123 ، 134 لسنة 1946 و60 لسنة 1948 و102 لسنة 1951 و65 ،297 ،951 لسنة 1953 و170 ،417 ،445 ،449 لسنة 1954 و386 ،523 ،539 لسنة 1955 ، و27 ،41 ،203 ،339 لسنة 1956 ،21 ،200 لسنة 1957 ، و48 ،158 ،146 ،258 ،278 لسنة 1960 ،84 لسنة 1962 و131 ،166 لسنة 1963 و11 لسنة 1964 .

 

وقد ألغيت هذه القوانين ( 37 قانون ) وحل محلها القانون رقم 53 لسنة 1966 ، بإصدار قانون الزراعة .

 

      هذه فقط نماذج أربعة نسوقها فيما نحن بصدده ، وهى دليل على إمكانية الإصلاح التشريعى فى مصر ، لو أن كل وزارة شاركت فى هذا الإصلاح بمثل ما شاركت به وزارة الزراعة عندما أصدرت القانون رقم 53 لسنة 1966 الذى ألغى (37) قانوناً ، وما شاركت به وزارة التأمينات الإجتماعية عندما أصدرت القانون رقم 79 لسنة 1975 الذى حل محل (13) قانوناً ، وما شاركت به وزارة التعليم عندما أصدرت القانون رقم 139 لسنة 1981 الذى حل ثلاثة قوانين كانت قد حلت بدورها محل عشرات القوانين المنظمة للتعليم بنوعياته .

 

      كما لا يفوتنا هنا أن نحيى جهود وزارة المالية التى أصدرت القانون
رقم 157 لسنة 1981 بشأن الضرائب على الدخل ، والذى حل محل القوانين أرقام 14 لسنة 1939 و99 لسنة 1949 و155 لسنة 1950 و7 لسنة 1953 و95 لسنة 1973 و27 لسنة 1977 و46 لسنة 1978 ( عدا خمس مواد ) و113 لسنة 1973 و117 و118 لسنة 1973 و277 لسنة 1956 ( جزئياً ) و23 لسنة 1967 ( جزئياً ) والذى ننقل عن مذكرته الإيضاحية ما نصه :

 

" ولعل الأسلوب المفضل فى هذا الإصلاح الضريبى الشامل هو إعداده كمجموعه متكامله من التشريعات تعالج أوجه القصور فى التشريعات الحالية وتراعى التنسيق بين مختلف الضرائب التى يضعها النظام الضريبى حفاظاً على وحدة الهدف التى يتعين توافرها فى النظام فى مجموعة ، ومراعاة للحفاظ على عدالة النظام بصفة عامة ، دون الإقتصار على السعى إلى تحقيقها بالنسبة لكل ضريبة على حدة ، وبذلك يمكن تدارك مثالب الأسلوب التقليدى الذى أتبع من قبل فى إدخال بعض التعديلات الجزئية على بعض الأحكام القائمة ، ةالتى بلغ عددها حوالى 78 مرة فى خلال الأربعين عاما الماضية ، بغير نظرة شاملة لأحكام النظام الضريبى ككل ، فانتشر التعارض بين أحكام القوانين الضريبية وتعذر على رجال الإدارة الضريبية والممولين تتبع هذه التعديلات والعمل بها " .

 

وهذا الذى نستحسنه هو ما يعرف بـ " التقنين " حيث يتم وضع تشريع عام موحد يضم جميع النصوص القانونية وفقاً لخطة معينة يتحقق عن طريقها الإنسجام بين الأصول والفروع ، ويزول معها التعارض وتلك غاية الغايات .

 

 

الخـاتمـة

 

لعلنا بعد أن إنتهينا من دراسة الواقع التشريعى فى مصر أن نطمئن إلى أننا فى مصر لا نعانى – فى الواقع – من ظاهرة تعدد القوانين بقدر ما نعانى من ظاهرة قصور شيد فى " صناعة القانون " .

 

فلقد أشار المسح الإحصائى إلى أن القوانين الصادرة خلال فترة الدراسة
( من 1950 حتى 1989 ) قد بلغت 8141 قانوناً ، وأن 3959 منها لا يتضمن قواعد تنظيمية عامة ومجردة ، كما أن 1571 منها تم إلغاؤه ( صراحة ) و1299 منها صدر معدلاً لقوانين قائمة ، بحيث لم يبق نافذاً ومعمولاً به من إجمالى القوانين المستجمعة خصائص القاعدة القانونية والصادرة خلال فترة البحث سوى 1312 قانوناً فقط ، وأحسب أن هذا العدد من القوانين لا يشكل ظاهرة " تضخم تشريعى " فى دولة كمصر .

 

وإذا كان هذا العدد الأخير لا يشكل ظاهرة " تضخم تشريعى " إلا أن صدور 8141 قانوناً خلال أربغين عاماً ( بمتوسط يزيد على 200 قانون فى العام الواحد ) هو الأمر الذى يشير إلى القصور الشديد فى " صناعة القانون " ويستوجب الدراسة بهدف إيجاد الحلول الكفيلة بالإصلاح .

 

وفيما يلى نلخص رؤيتنا من أجل ترشيد " صناعة التشريع " فى مصر :

 

1- أن تعدد الأعمال التشريعية الصادرة خلال فترة الدراسة وغير المستجمعة عناصر القاعدة القانونية ، أعطى إنطباعاً صورياً بالتضخم التشريعى . ولأن هذه الأعمال – على حد تعبير محكمة النقض – لا تعتبر قوانين إلا من الناحية الشكلية ، وأنها من الناحية الموضوعية ليست سوى أعمال تنفيذية إدارية ، فقد يكون مناسباً أن تصدر تلك الأعمال فى صورة " قرارات " تصدرها السلطة التشريعية ويكون لها قوة القانون . ( أنظر المادة 29 من القانون رقم 144 لسنة 1988 بشأن الجهاز المركزى للمحاسبات ) .

 

وطبيعى أن العمل بهذا الرأى يقتضى تعديلاً دستورياً

 

2- توالت القوانين الملغية والمعدلة لقوانين سابقة ، فبلغت خلال فترة الدراسة حوالى 70% من عدد القوانين " الموضوعية " الصادرة خلال ذات الفترة ، وقد أتى ذلك بطبيعة الحال نتيجة عدم الدراسة المتأنية والمتخصصة والمحايدة لأحكام القانون . وقد يخفف كثيراً من هذا العيب أن يعهد بإعداد مشروعات القوانين إلى لجان محايدة تضم خبرات حقيقية ووطنية لا تستهدف سوى مصلحة مصر والمصريين . كما قد يفيد فيما نحن بصدده أن يعاد النظر فى قانون مجلس الشورى ، وأن يخول هذا المجلس اختصاصاً تشريعياً حقيقياً على النحو الذى كان مخولاً لمجلس الشيوخ فى نظامنا البرلمانى قبل عام 1952 .

 

3- تثير الأحكام الصادرة بعدم دستورية بعض نصوص القوانين مشكلة
" ضحايا عدم الدستورية " فالحكم بعدم الدستورية من ناحية ليس له أثر رجعى ، وهذا يعنى أن جميع الآثار التى تكون قد ترتبت نتيجة العمل بالنص غير الدستورى تظل قائمة وصحيحة ، والحكم بعدم الدستورية من ناحية أخرى يؤدى إلى وجود فراغ تشريعى ، حيث يعطل النص المحكوم بعدم دستوريته وإلى أن يصدر قانون جديد يحل محل النص المعطل ويتفق وأحكام الدستور .

 

وقد يفيد فى الحد من هذه الآثار الأخذ بالنظام المقرر فى الدستور الفرنسى بشأن المجلس الدستورى الذى تعرض عليه مشروعات القوانين الأساسية قبل إصدارها ليراقب دستوريتها .

 

4- إذا كانت الدراسة قد دللت على وجود نقص غير مقبول لدى المشرع بشأن الإلمام بالمعلومات الضرورية لإصدار تشريع رشيد وكان من شأن ذلك أن يتزعزع الأساس الذى تقوم عليه قاعدة اقتراض العلم بالقانون ، فلعله بات ملحاً الإفادة – فى مجال صناعة التشريع – من تطور تكنولوجيا المعلومات بهدف إنشاء قاعدة بيانات تشريعية من خلال الرصد والجمع والتصنيف والتخزين لمواد التشريعات المعمول بها ، حتى يكون لدينا إطار مرجعى مركزى للتشريع على المستوى القومى ، وحتى يمكن أن تنطلق من هذا العمل خطوات جادة للإصلاح التشريعى المنشود .

 

5- إذا كانت القوانين المعمول بها حالياً يصل عددها إلى حوالى 1312 قانوناً وهو عدد مناسب إلى حد ما ، فمازال من المرغوب فيه ، ومن الممكن تقليل هذا العدد . والسبيل إلى ذلك هو اتباع أسلوب "التقنيات المجمعة أو الموحدة" وتلك مهمة كل وزارة على حدة ، عليها أن تقوم بتجميع وحصر التشريعات الأصلية التى تنظم أنشطتها ، وأن تعمل على تطويرها وتبسيطها ، وإعادة صياغتها فى تقنين موحد ( انظر القانون رقم 53 لسنة 1966 بإصدار قانون الزراعة وقد حل محل (37 قانوناً) ) .

 

ولا يفوتنا أن نوجه النظر إلى ضرورة العناية فيما نحن بصدده بالتنسيق الواجب بين التشريعات المحلية والتشريعات الدولية ، حتى لا تواجه بمشكلات مع المنظمات الدولية ، فقد أدى غياب هذا التنسيق فى مجال العمل إلى
وضع مصر ضمن القائمة السوداء التى تصدرها منظمة العمل الدولية
( تصريح منشور للدكتور يحي الشعرانى نائب مدير مكتب منظمة
العمل الدولية بالقاهرة ) .

 

وإذا كان لنا أن نتخير نموذجاً للإصلاح المطلوب ، فلعل موضوع " التعاون " هو أحد النماذج . فالجمعيات التعاونية ينظمها القانون رقم 317 لسنة 1956 والتعاون الإستهلاكى منظم بالقانون رقم 159 لسنة 1975 ، والتعاون الإنتاجى بالقانون رقم 110 لسنة 1975 ، والتعاون الزراعى بالقانون رقم 122 لسنة 1980 ، والتعاون الإسكانى بالقانون رقم 14 لسنة 1981 ، وتعاونيات الثروة المائية بالقانون رقم 123 لسنة 1983 ، والإتحاد العام للتعاونيات بالقانون رقم 28 لسنة 1984 . وإذا كان كل من فروع هذه التعاونيات يدخل ضمن إختصاص وزارة مختلفة ، فلا يجب أن يحول ذلك دون إصدار تشريع موحد للتعاون ينظمه فكر تعاونى واحد ، ولا بأس من أن تتعدد التشريعات التعاونية الفرعية التى تصدرها كل وزارة مختصة ، وربما لا يخل بوحدة النظرية العامة ، وعلى أن يعنى التشريع الفرعى الذى تصدره كل وزارة بتجميع مختلف التشريعات الفرعية التعاونية الصادرة فى ذات المجال ،بحيث يستعاض عن العديد من هذه الأخيرة بلائحة تنفيذية مجمعة لفرع التعاون الذى تختص به كل وزارة .

 


  hmohandes    عدد المشاركات   >>  181              التاريخ   >>  4/11/2007



 

 

شكراً للأستاذ الفاضل صابر عمار على طرح هذه الدراسة القيمة عظيمة الفائدة على صفحات المنتدى للباحث الأستاذ/  عبد المنعم حسنى

 

ولنا ملاحظات واجبة على فقرة وردت بتلك الدرسة

 

 

 

الخـاتمـة

 

.....................................

 

........................

 

3- تثير الأحكام الصادرة بعدم دستورية بعض نصوص القوانين مشكلة
" ضحايا عدم الدستورية " فالحكم بعدم الدستورية من ناحية ليس له أثر رجعى ، وهذا يعنى أن جميع الآثار التى تكون قد ترتبت نتيجة العمل بالنص غير الدستورى تظل قائمة وصحيحة ،.........

 

ونحن نختلف مع ما ذهب إليه سيادته من إنعدام الأثر الرجعى  للحكم بعدم الدستورية ، ونذهب مع الرأى الغالب فى الفقه والقضاء  الذى يرى أن الحكم بعدم دستورية نص قانونى إنما يكشف عن عيب شاب ذلك النص منذ لحظة صدوره وجعله معدوماً ابتداء لا انتهاء .

 

وحيث إن العدم لا يترتب عليه أى أثر ، فإن ذلك يقتضى ترتيب الأثر الرجعى كنتيجة عقلية منطقية حتمية للحكم بعدم دستورية أى نص قانونى

 

وتأكيداً على ذلك الفهم ، نتذاكر ما ذهب إليه المشرع من تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا لاستثناء القوانين المتعلقة بالضرائب من الأثر الرجعى للحكم بعدم الدستورية ثم التعديل مرة اخرى للمادة 49 من القانون بما يبيح للمحكمة أن تحدد بنفسها تاريخ نفاذ الحكم ، مما يقطع بأن ذلك هو الاستثناء أما القاعدة العامة فهى الأثر الرجعى للحكم بعدم الدستورية.

 

كما ذهب سيادته أيضاً إلى القول:

 

وقد يفيد فى الحد من هذه الآثار الأخذ بالنظام المقرر فى الدستور الفرنسى بشأن المجلس الدستورى الذى تعرض عليه مشروعات القوانين الأساسية قبل إصدارها ليراقب دستوريتها .

 

 

نحن نختلف مع سيادته فى ذلك الامر ايضاً لأن ذلك يعنى عملاً إلغاء دور ووظيفة المحكمة الدستورية العليا التى تعد وبحق مفخرة النظام القضائى فى مصر ، وخط الدفاع الأخير وصمام الأمان ضد العبث والفساد التشريعى ، ونرى أنه لا مجال مطلقاً للمقارنة بين أوضاعنا الإستبدادية البائسة التى يرسخ لها ترزية التشريع عندنا ، وبين الحال فى فرنسا منارة الديمقراطية فى العالم.

 

 


هشام المهندس

 لا تنه عن خُلُقٍ وتأتى مثله* عار عليك إذا فعلت عظيم


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 663 / عدد الاعضاء 62