الشعوذة الاعلامية.. وأساطير الحياد
مدخل:
بسم الله الرحمن الرحيم (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) (الأعراف:113)
،،،،،،،،،،،،
الشعوذة الاعلامية، التي تمارسها القوى الصهيونية (يهودية أو مسيحية متطرفة) على المسلمين والعرب، ماهي في النهاية إلا مصيبة (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران:165). وسيكتب الله يوما على هذه الشعوذة عصاً (تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ).
وحتى ذلك الوقت، فإن الاعلاميين هم سحرة هذا العصر.. ومن هؤلاء السحرة من يحركه طمعه.. مثل الذين اشترطوا على فرعون: (أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) (الشعراء:41).. ومن السحرة من يكون مُرغما على الدجل الصهيوني.. ومن السحرة أيضا طابور خامس، حسن النية، يُباشر الشعوذة الاعلامية باسم الحياد الصحفي!
حين كتبت أميمة الجلاهمة مقالها حول (فطير لدم صهيون)، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية احتجاجها الرسمي لحكومة المملكة العربية السعودية.. فمُنعت الكاتبة السعودية من الكتابة.. وفُصلت من الجريدة.. وتقدم، آنذاك، مدير الجريدة السعودية بتبريرات مُخجلة!
وحين يسب الصهاينة ديننا، ويعتدون على معتقداتنا، ويسفهون حكامنا، ويطالبون بنسف مكة المكرمة بقنبلة ذرية، ويقترحون جمهورية صديقة (المقصود: عميلة) تسيطر على منابع البترول السعودي.. نجد إعلاميونا/طابورنا الخامس الحسن النية يُلمّع تبريرات وزارة الخارجية الأمريكية: (هذه ليست وجهة نظر الحكومة الأمريكية.. هذه وجهة نظر الاعلاميون الأمريكان.. وكل انسان حر في رأيه)!
فلماذا أميمة الجلاهمة ليست حرة في رأيها؟.. أم لأنها تقول الحق؟ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (سـبأ: من الآية43) وهذا هو دأب الكفرة والمشعوذين حين تواجه سحرهم بالحق.
أكتب هذا الكلام وفي صحفنا العربية من التنويريين (أصحاب المخ الكبير!) ممن شرخوا آذاننا بمسألة (الحياد الصحفي).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
حينما كانت أمريكا تقصف أفغانستان بالقنابل وتقتل الأبرياء من الناس ظلما (وتعتذر بحجة الخطأ)، كانت أمريكا في ذات الوقت تلقي بالمؤن الغذائية على أفغانستان.
قصف.. ومؤن غذائية!
بالضبط مثل الشعوذة الاعلامية التي تقصفنا بها أمريكا ثم تلقي علينا بالمؤن الغذائية: (الحياد الصحفي!). الغريب أن صحافتنا تتلقف الشعوذة (والحياد) بنفس الروح الرياضية الطيبة!
أذكر قبل أسابيع أن شاهدت مَسْخَاً إعلاميا (عربيا ومسلما) في قناة خليجية كان يجري لقاءا مع المخرج الفلسطيني (إيليا أبو سليمان) الذي حاز فيلمه القصير، حول واقع الاحتلال الصهيوني، على جائزة مهرجان (كان).
سأل (المسخ الاعلامي) المخرج (إيليا أبو سليمان):
(كيف استطعت أن تصور الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون على الحدود في ظل هذا التعسف والعنف الفلسطيني؟). (لاحظ: العنف الفلسطيني!)..
فصحح (إيليا أبو سليمان):
(تقصد العنف الذي يتعرض له الفلسطينيين)..
فعقّب المسخ الإعلامي ببلادة لا يحسد عليها:
(لا فرق.. فهذا الذي أقصده)!!
هذا المسخ الاعلامي لا يجد فرقا ما بين (العنف الفلسطيني) و (العنف الذي يتعرض له الفلسطينيين)! رغم أن الفرق هو الفرق بين الحق والباطل.. رغم أن الفرق هو ذلك الفرق الدقيق الذي نكسب به قضية أو نخسرها.
( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) أيها الصحافيون..؟
إن توصيف الأشياء، دجلا وشعوذة، بغير أسمائها شئ دأب عليه اليهود منذ سيطرتهم على الاعلام العالمي ومن الغباء المُطلق ترديد هذا الدجل كأنه حقائق.. ولتقريب صورة هذا الدجل نضرب أمثلة:
* يطلق اليهود على فعل (عدوانهم على الشعب الفلسطيني) مصطلح (الدفاع عن النفس).. وقد أكد هذا الرئيس الأمريكي السابق (كلينتون)، صاحب الفضائح الأخلاقية الشهيرة، حين عقب على القصف العدواني الذي تعرضت له قانا في سنة 1996م وما نتج عنه من مجزرة راح ضحيتها المئات أغلبهم أطفالا ونساء.. أقول أكد (كلينتون) ذلك الدجل حين صرح بالنص: (إني أشعر بالأسف على هذه المأساة المحزنة التي وقعت عرضا أثناء محاولة إسرائيل الدفاع الشرعي عن نفسها.. وهذه المأساة لم تكن لتحدث لولا العمليات الارهابية التي تتعرض لها إسرائيل على يد حزب الله)!.. ولو كان صحافيونا على قدر مسئوليتهم لما وجدنا بعدها رجل أعمال سعودي فخم يتبرع بـ (مليون ريال!) للرئيس الأمريكي السابق (بيل كلنتون) ليتحدث في منتدى اقتصادي في جدة! ولو علم الناس لانتهوا عن هكذا أفعال التزاما بقوله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9)
* يطلق اليهود على (حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم):
1. مصطلح: (الارهاب)، إذا كان مباشرة الفلسطينيين لهذا الحق باستعمال وسيلة (الأسلحة النارية) أو (العمليات الفدائية).
2. مصطلح: (العنف)، إذا باشر الفلسطينيون حق الدفاع عن النفس باستعمال (الاضراب) أو (الحجارة).
وإعلاميونا ما يزالون ينعقون بالحياد الصحفي!
* يطلق اليهود والأمريكان على فعل (الشروع في العدوان على العراق) مصطلح: (ضرب العراق) بدلا من (العدوان على العراق).. وصحافيونا (المنومين مغناطيسيا) يرددون مع الأمريكان: (ضرب العراق)، (ضرب العراق)!
* تُطلق صحافتنا، في الأغلب، على بعض من يتبعون المنهج الديني المتشدد مصطلح: (المتطرفون).. وفي أحسن الأحوال: (الأصوليون).. في حين أنها تطلق على نفس المتشددين من الغربيين، في أغلب الأحوال، مصطلح: (المحافظون)!.. وعلى المتشددين، سواء يهودا أو نصارى متطرفين، لفظة: (المتدينون).. بدلا من المصطلح الصحيح: (المتطرفون).
* تطلق صحافتنا على الاستشهاديين الفلسطينيين مصطلح (الانتحاريين)!.. بحكم موقع الصحفي الحيادي! ولو وافقنا على هذه الحيادية.. فلماذا لا تلتزم بها الصحف الاسرائيلية؟ وأغلب الصحف الأمريكية؟ وبعض الصحف العالمية؟ ولو سلمنا جدلاً بموضوع الحيادية.. فلماذا لا تطلق صحافتنا على الاستشهاديين مصطلح: (الفدائيين) كما كان يحدث في السابق؟
من ناحية ثانية، ينسى (الحياديون) أن أساطير لعبة الحياد قد تهاوت في ظل التطرف الذي تمارسه وسائل الاعلام الأمريكية واليهودية الصهيونية.. والغريب الذي يستحق أن نقف عنده هنا أن الاعلام الأمريكي، كما يزعمون، إعلام مستقل. والحقيقة أنه مستقل في الظاهر.. مرتب منسق من الداخل، وإن كانت هناك بعض الحالات الاستثناءية (والاستثناء لا يَصلُح حُكماً، كما تُقرر الشريعة). والدليل على هذا هو نتائج هذا الاعلام الأمريكي. فالسواد الأغلب من النتائج يخدم الصهاينة ويخدم توجه السياسة الأمريكية. وإن كانت السياسة الأمريكية تنكر هذا علنا وتبسم وتفرك يديها حماسة سرا.ً
ويبدو أن ما لا يدركه صحافيونا، أو ربما يتناسونه، أن الحياد الصحفي في هذا الزمن الردئ قد أصبح مجرد أداة.. شيئ كالخرافة التي تُدعى (حقوق الانسان). فأصبحت (حقوق الانسان) سكينا يُذبح فيها أعداء أمركة العالم.
على سبيل المثال: كانت هناك حملة أمريكية شعواء على الصين أثناء العشرين سنة الأخيرة حول انتهاك (حقوق الانسان).. وفي نفس الوقت كان هناك تكتم أشبه بالفضيحة على ماقام به السفاح (بينوشيه) في تشيلي من ذبح للانسان (وليس انتهاك لحقوقه فقط).
السبب: الصين ليست في معسكر الأمريكان واليهود.. وحكومة تشيلي حكومة صديقة (أي عميلة)!
وإعلاميونا..
ما يزالون..
ينعقون..
بالحياد الصحفي!
ولا أدري متى سيستيقظون من هذا (البنج)؟
ولا أدري كيف لا يستيقظون وبخور الدجل الاعلامي اليهودي، نشادرٌ مسمومٌ، يُغلفُ الدنيا.؟!
لعل بامكان البعض ممن يعزفون على (كَمان الحياد) أن يكفوا.. لأن عزفهم نشاز.. وأصواتهم أصبحت لا تلقى قبولا.
ولعل (فزّيعة) المطبخ الصحفي تأخذ حذرها من أن يكون الطعام الذي يقدمونه لنا، بكل نية حسنة، طعاما مسموما.. وهم لا يشعرون.
أحمد زكي سليم
مستشار قانوني ومحام
aslawfirm@hotmail.com