لا شيئ يغيظني مثل الأحكام المسبقة على الأشياء والناس، رغم سبق ارتكابي لأحكام مسبقة على بعض الناس.. وبعض الأشياء.
الحديث هنا عن المحامين وبعض الانطباعات والأحكام المسبقة نحوهم مثل أنهم: (أسماك قرش).. وهذا التعبير بالمناسبة غير صحيح، فأنا أعرف محامين هم بالكاد (أسماك ساردين) أو (طحالب) أو أي شئ مما يتفق و مصطلح (الغلابة) بدلا من مصطلح (أسماك القرش).. وهذا ليس موضوعنا. موضوعنا هنا هو بعض الأحكام المسبقة ضد بعض المحامين مثل: (المحامين نصابين)!، أو: (يقلبون الحق باطلا والباطل حقا).. أو بعض الانطباعات الغربية المسبقة مثل: (تعرف أن المحامي يكذب عندما يحرك شفتيه)!
ليس كل المحامين، بطبيعة الحال. ففي كل مهنة أذناب ممن يتعلقون بها مهما كانت مهنتهم شريفة، أو بافتراض ذلك على الأقل، مثل حرفة الاعلام أو مهنة الطب. لكننا لا نسمع بهجوم ضار مثل ذلك الذي يُرتكب بحق المحامين. كما لانسمع، خارج وسط المحامين، عن تلك الوقائع التي يشيب لها الولدان حول تنكر عملاء المحامين لأتعاب المحامين، بعد انتهاء القضية طبعا.. في العالم العربي على الأقل.
وقد وضحت أنه سبق لي شخصيا (ارتكاب) أحكام مسبقة بنفس هذا المفهوم..
فقبل عدد من السنين كنت أباشر أول قضية حقيقية أمام أحد الزملاء من المحامين.. وكنتُ أعتقد جازما بانطباق بعض الأقوال السالف ذكرها على الزميل. هذا في الوقت الذي كنتُ أرى فيه الحق مع موكلي.. وكنت أعتقد بأن من يخالف وجهة نظري هذه فإنما يخالف الحق.
وذات (فضفضة): كنت أتجادل مع رجل حكيم حول ذلك المحامي الزميل وأشتكي من الفساد الذي تغلغل في نفسية الناس (ربما اسقاطا للمسئولية.. أو ردة فعل عن صعوبة التأقلم مع المهنة. أقول: ربما).
وبعد أن تفرس كلامي جيدا، قرأ علي الرجل الحكيم قوله تعالى:
(وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) (الانبياء: 78، 79) وفسر لي الرجل الحكيم أصل هذه الحكاية القرآنية في أنه:
كان لشخص ما بستان (قيل أنه كان من أشجار العنب) فأتى على هذا البستان ليلا قطيع من الغنم يملكه راع للغنم.. فأفسد الغنمُ البستانَ. فلما اشتكى صاحب البستان لسيدنا/ داوود الضرر الذي لحق بالبستان، حكم سيدنا/ داوود على راعي الغنم بأن يدفع جميع غنمه لـصاحب البستان جزاء لما فعل الغنم بالبستان ولأن الضرر يساوي ثمن الغنم.
وحين عُرضت نفس القضية على سيدنا/ سليمان، (ربما كان هذا أول أشكال الاستئناف القضائي)، رأى سيدنا/ سليمان رأيا مغايرا لرأي سيدنا/ داوود.. فقضى سيدنا/ سليمان بما يلي:
1. يُعمر راعي الغنم البستانَ.
2. يُعطي الغَنمَ لصاحب البستان ليستغلها في بيع حليـبها وصوفها والانتفاع منها حتى يعوض مثل ماخسر.
3. إن عَوّضَ صاحب البستان خسارته، ردَّ الغنم لراعيه.
وكان حكم سيدنا/ سليمان هو الحكم الأصح مصداقا لقوله تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ).. لكن الله تعالى قد وضح في ذات الوقت أن كلا النبيين الحكيمين لهما حكمهما الصحيح على الأشياء: (وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً). مما نستنتج معه: أن قد يكون شخصين على اختلاف في وجهات نظرهما حول موضوع ما.. إلا أن رأي الشخصين صحيح وإن اختلف حكمهما على الموضوع.
وفي تاريخنا الاسلامي صفحات ناصعة سَطّرها فقه الاختلاف، (البديل الشرعي لفتنة التكفير!)، كاختلاف الفقهاء الأربعة حول العديد من المسائل.. لكن لم يحدث أن بنى أحدهم حول الآخر حكم مسبق أو كَفّرَه (كما يحدث الآن!).. أو رفض أحدهم، وهم تلامذة بعض، الصلاة خلف الآخر (كما كان يحدث في الحرم النبوي الشريف قبل أقل من 100 سنة فقط!)
خلاصة القول: إن إعذار الناس في تفكيرهم وطريقة حكمهم على الأشياء هو ديدن فقهاءنا العظام فضلا عن أنه عرف إسلامي. كما وأن التسامح مع الخصوم و إعذارهم يُعطي للمحامي فرصة طيبة لعرض قضيته بحياد ودون انفعال أو عواطف كاذبة.
تحياتي
التائب عن الأحكام المُسبقة/ أحمد زكي سليم
مدحت عدد المشاركات >> 1 التاريخ >> 2/9/2002
|
في مصر كذلك نعانى ذات الأمر اذا كان هناك متهم بإجراءات باطلة ودافع عنة المحامى وحصل لة على البراءة يقال أن المحامى هو السبب ويناسي الجميع أمران الاول أن المحامى ليس هو القاضي كما يتناسي الجميع الإهم وهو أن الاجراءات الباطلة لايمكن ابدا ان تكون سندا لحكم ودائما نقص واقعة الفاروق عمر بن الخطاب رضي اللة عنة عندما شاهد رجل وإمرآة يحتسيان الخمر لم يقم عمر رضي اللة عنة بتوقيع الحد لأن الفارق أقر أنة اتبع إجراء باطل ، لايفهم الاخرين أهمية الشرعية الاجرائية وهى ضمانة لحريات الناس وحقوقهم كما ان المحامى تنظر لة السلطات البوليس النيابة وحتى السلطات السياسية على أنة رزل ولمض لأنة ببساطة يفهم في القانون يفهم معنى فصل السلطات والشرعية الاجرائية وعيوب القرار الادارى وغير ذلك مما هو ثقيل على أصحابنا
نعمل اية ياعم احمد هذه مهنتنا التى يجب ان ندافع عنها فكل المهن في النهاية فيها الصالح والطالح ولايمكن ان يكون هناك تعميم لكن في المحامى بالذات هناك جهات تساعد وتدعو الى هذا التعميم مش قلتلك رزلة على قلبهم
المحامى الرزل
مدحت
|
الزميل (غير الرزل) / مدحت مصطفى
أتفق معك. فأحيانا كثيرة حين أختلف مع ديناصور حكومي وأقول له:
إن النظام ينص على أن لون هذه المسألة (اسود) لا أبيض كما تعتقد .. أجد عيني الديناصور تدور في محجريه. وأجده يرد: المسألة دي لونها أبيض.. أبيض يعني أبيض! !
يعني: ( عنزة ولو طارت.)
أتمنى من هؤلاء الذين يحسدوننا أن يضعوا أنفسهم مكاننا شهرا واحدا فقط.
الرزل أيضا/ أحمد سليم
|
شناني عدد المشاركات >> 172 التاريخ >> 3/9/2002
|
الأخ العزيز أحمد سليم
أسعدني جدا كلامك
الأحكام المسبقة هي مصيبة العقل العربي
ومعلومك أن الميل إلى الأحكام المسبقة هي ميزة العقول الخاملة
والتعامل بهذه العقلية الخاملة مع كثير من القضايا الكبرى والحيوية هو ما أوصلنا إلى حالات كثيرة من الصدام والعنف كانت مجتمعاتنا في غنى عنها تماما
وإحدى علامات التخلف ، هو جاهزية الناس لتقبل الأحكام المسبقة بكل سهولة وبدون أدنى تمحيص أو تفكير
تجد من يشتم ويكفر هذا الكاتب أو ذاك الشاعر وهو لم يقرأ للأول مقالا ولا للثاني قصيدة
وتجد من لديه حكما جاهزا لأي شيء دون أن يعلم عنه أي شيء
وقد أعجبني كثيرا المثال الذي ضربته عن سيدنا سليمان وداود عليهما السلام
بالفعل ، قد تختلف الآراء ، ويكون لكل منها حظ من الحق والحقيقة
إن الله يضرب لنا الأمثال علنا نعقل أو نتفكر
ولكن المصيبة كانت عندما تركنا نفر قليل جدا يفكر نيابة عن الأمة التي اتجهت إلى التقليد كومحاربة التجديد وراحوا يقدمون لنا الأحكام الجاهزة كوجبة سريعة أو كمعلبات جاهزة للأكل السريع دون أن تفكر في عملية الطبخ لنتعلم كيف نطبخ ما نحتاجه ويناسبنا بأيدينا
أما المحامون الفاسدون ، فهم الذين يعتبرون المهنة نوع من الفهلوية واللف والدوران ومجافاة كل الاعتبارات الأخلاقية عملا بالمبدأ اللاأخلاقي : الغاية تبرر الوسيلة
وهناك خيط رفيع جدا ما بين الشطارة القانونية واستغلال الثغرات القانونية وما بين الكذب والخداع
ومن يستطع التمييز بين الأمرين يكون قد صان نفسه ومهنته من الأقاويل التي تتناولنا بحق وبدون حق
ولكن جانب هام أيضا : وهو عدم نجاح بعض المحامين في إبراز البعد العلمي والتخصصي لهم أمام الغير وخلق القناعة بأن المحامي رجل فكر وثقافة ومجتمع قبل أن يكون رجل .. الفهلوية
ولعلنا ندرك أن بعض الزعماء العرب أيضا لا يفرقون بين الحكمة وما بين التسليم ، كما لا يفرقون بين الدبلوماسية وما بين اللعب على الحبلين
وتحياتي للجميع
موسى شناني
|
أستاذنا موسى..
يسعدني أن تقرأ لي.. وأنا من يتعلم منك سيدي.
أما بخصوص الأحكام المُسبقة فقد عانيت منها شخصيا الأمرّين.
وكنت أكلف في تفهيم من يصدرون هذه الأحكام بأن مقاس واحد لا يصلح لجميع الناس.. (وما فيش فايدة) مثل ما يقول سعد زغلول.
بل إن هناك من يكفرون سيد قطب.. لمجرد أنه أشار للتصوير الفني في القرآن.. فتخيل؟
أحيانا أحس بأن بعض فقهاءنا يعيشون داخل كتاب لابن القيم.. بانفصال عن الواقع طبعا. ولو كان ابن القيم معنا لاستنكر ما يفعلون.
أما السياسة.. فأنا من أنصار السلام
السلام عليكم:)
|
أستاذنا موسى..
يسعدني أن تقرأ لي.. وأنا من يتعلم منك سيدي.
أما بخصوص الأحكام المُسبقة فقد عانيت منها شخصيا الأمرّين.
وكنت أكلف في تفهيم من يصدرون هذه الأحكام بأن مقاس واحد لا يصلح لجميع الناس.. (وما فيش فايدة) مثل ما يقول سعد زغلول.
بل إن هناك من يكفرون سيد قطب.. لمجرد أنه أشار للتصوير الفني في القرآن.. فتخيل؟
أحيانا أحس بأن بعض فقهاءنا يعيشون داخل كتاب لابن القيم.. بانفصال عن الواقع طبعا. ولو كان ابن القيم معنا لاستنكر ما يفعلون.
أما السياسة.. فأنا من أنصار السلام
السلام عليكم:)
|
شناني عدد المشاركات >> 172 التاريخ >> 8/9/2002
|
المشكلة التي نطلب من أولي الألباب حلها هي معالجة نفر من الناس يرون الحق حكرا عليهم وحدهم ، وينظرون إلى الآخرين نظرة انتقاص واستباحة . تعصب للفرعيات تسيطر على مسالكهم وحينما يشتغل بالفتوى جزار ، فلن تراه أبدا إلا باحثا عن ضحية ، نريد ثقافة تجمع ولا تفرق ، وترحم المخطئ ولا تتربص به المهالك ، وتقصد إلى الموضع ولا تتهارش على الشكل .،ن
هذا ليس كلامي ، إنه كلام الشيخ محمد الغزالي
أهديك إياه أيها الأخ اللطيف أحمد
وتقبل تحياتي
|