اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
ACHRAFE
التاريخ
3/19/2006 5:10:52 PM
  بحث المرجعية الدولية كاملا      

 

اود ان اشكر بداية الاستاذ  رشيد بومريم على اهتمامه  . و ان اخبره كذلك ان  هذا البحث في اصله هو بحث في مرجعية مدونة الاسرة ككل  و المرجعية الدولية هي جزء فقط من هذا البحث  و عموما هذا هو نص المرجعية الدولية لمدونة الاسرة كاملا :


المطلب الثاني: المرجعية الدولية.

          أمام مصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية – سواء العامة منها التي تنظم مجال حقوق الإنسان ككل أو الخاصة كالاتفاقيات التي تهدف إلى النهوض بأوضاع المرأة والطفل -  فإن المغرب بمصادقته تلك يصبح ملزما بها، وفاءا بتعهده الدستوري، ومن ثم يصبح واجبا عليه أن يلائم تشريعه الوطني مع هذه الاتفاقيات.

          وهذا ما شكل هاجسا حقيقيا للمشرع في صياغة نصوص مدونة الأسرة، والذي حاول إلى أبعد ما يسمح به الوضع أن يلائم نصوص مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية.

          وسنحاول من خلال هذا المبحث أن نبين الحد الذي بلغه المشرع في ملائمة نصوص مدونة الأسرة مع عدة اتفاقيات دولية تهتم بالنهوض بوضعية الطفل والمرأة، من خلال مطلبين: في الأول سنعالج وضعية المرأة في مدونة الأسرة، على أن نعالج في المطلب الثاني وضعية حقوق الطفل في هذه المدونة.

 

          الفقرة الأولى: الوضعية القانونية للمرأة في مدونة الأسرة.

          سنحاول في هذه الفقرة رصد مختلف المجالات التي تأثرت فيها مدونة الأسرة بالاتفاقيات الدولية وذلك من خلال الآتي: في الأول نبحث وضعية المرأة عند إنشاء وقيام العلاقة الزوجية، ثم وضعية المرأة بعد إنهاء الرابطة الزوجية.

 

          أولا : الوضعية القانونية للمرأة عند قيام الرابطة الزوجية.

          1- مبدأ المساواة بين الزوجين.

          عانت المرأة في ظل مدونة الأحوال الشخصية من أشكال غير مقبولة من التمييز تتجلى على مستوى عدة مواضيع، فهذه المدونة كانت تجعل من الرجل السلطة الأعلى في الأسرة وما المرأة إلا تابعة له، وهذا يتنافى مع الدور الحقيقي الذي تضطلع به المرأة داخل الأسرة.

          - فعلى مستوى تعريف الزواج، كانت عبارة "تحت رعاية الزوج" تكرس استمرارية مفهوم الأسرة الأبيسية التقليدي، وترجح كفة الرجل داخل الأسرة على حساب المرأة.[1] فهو الآمر الناهي وهي التابع المطيع، ولقد أصبح هذا الوضع منتقدا جدا ومتجـاوزا في الوقت الحالي أمام التحولات التي عرفتها الأسرة المغربية ووعي المرأة بوضعيتها داخل المجتمع إذ انتقلت من الأمية المطبقة إلى أرقى الدرجات ثقافيا واقتصاديا وسياسيا[2].

          إلى جانب تعريف الزواج نظمت مدونة الأحوال الشخصية عدة مقتضيات، اعتبرت مجسدة لأوضاع أخرى منتقدة بشدة، ومن أهمها ما يتعلق بالحقوق المشتركة بين الزوجين وخاصة حقوق الرجل على المرأة المنصوص عليها في المادة 36 من مدونة الأحوال الشخصية.

          فالفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أن حقوق الزوج على زوجته:" 1- صيانة الزوجة نفسها وإحصانها" والملاحظ أن هذا النص يجعل هذا الحق لصالح طرف واحد وهو الزوج، كأننا بالمشرع يفترض سوء النية في الزوجة، وأنها وحدها التي يمكن أن تقع في المزالق، والواقع أن هذا الحق يتعين أن يكون حقا مشتركا بين الزوجين[3].

          في ما يتعلق دائما بمظاهر التمييز التي تجسدها المادة 36 من مدونة الأحوال الشخصية، ما تضمنته الفقرة الثانية من هذه المادة والتي تجعل من حقوق الزوج، طاعة الزوجة له بالمعروف وذلك استنادا على مبدأ القوامة.

          وفي الواقع فقد أثار هذا المبدأ نقاشات عدة، خاصة فيما يتعلق بالتناقض بين مفهومه الشرعي الحقيقي والمدلول الاجتماعي الذي فهم به ومورس على أساسه، حيث أن هذا المبدأ في معناه الاجتماعي، يهدم مبدأ المساواة من أساسه، ويبرز بدله أفضلية متوهمة للرجل، مقابل دونية مؤكدة للمرأة، ومن ثم فإن للأول السيادة والرئاسة، وعلى الثانية الخضوع والانقياد والطاعة[4].

          وأمام هذا الوضع، اعتبرت مدونة الأحوال الشخصية، مكرسة للمقتضيات الأكثر تمييزا في الحقوق بين الرجل والمرأة، ومجسدة للامساواة بينهما، وأنها متسمة بالطابع الرجولي وتكرس دونية المرأة.[5]

          مما يعد انتهاكا صارخا لحقوق المرأة، ومخالف للمبادئ التي أرستها العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وسنعرض لهذه المبادئ في بعض الاتفاقيات الدولية حسب التسلسل الزمني لصدورها.

          فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان[6]، ينص في المادة 16: ".... وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج، وخلال قيام الزواج....."

          والميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية[7] ينص في المادة 23 الفقرة الرابعة: " 1 ... 2 .... 3..... 4- على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية، اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء القيام به...".

          وكذلك المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[8]، التي تنص: " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: أ: نفس الحق في عقد الزواج...... . ج – نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج...".

          وتجدر الإشارة ونحن بصدد هذه المادة، أن المغرب كان قد تحفظ على مقتضياتها على اعتبار أن المساواة التي تقررها تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوق ومسؤوليات في إطار من التوازن والتكامل، وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج.[9]

          وهذا التحفظ وإن كان يجيز من أحد الأوجه على تشبت المغرب بقيمه الدينية ومحافظته على خصوصياته الثقافية، فإنه من جهة أخرى يكرس وضعا لا تقبله أبدا الشريعة الإسلامية المتشبعة بقيم المساواة.

          لذلك وإيمانا بقيم المساواة وتحقيقا للعدل جاءت مدونة الأسرة، لترد الاعتبار إلى المرأة ولتدعم مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، دون الخروج عن المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، ذلك أن الدين الإسلامي هو أول دين أعلن المساواة بين البشر كافة، وألغى الفوارق والكراهية بين الناس.[10]

          وعلى أساس ذلك فقد تضمنت مدونة الأسرة مجموعة من المقتضيات التي تؤكد على أن الفلسفة العامة لهذه المدونة مبنية على أساس مبدأ المساواة بين الزوجين، وأن صورة الأسرة التي ترسمها هي الأسرة القائمة على المسؤولية المشتركة بين الزوجين، حسب ما تضمنته المادة 4 المتعلقة بتعريف الزواج وكذلك ما أقرته المادة 51 من هذه المدونة، التي تنص على الحقوق المشتركة بينهما، وقد جاء فيها: "الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين: " 1 – المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية...... 2- تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال. 3- التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل....".

          وبهذا يكون المشرع قد خطى خطوة مهمة في سبيل ملائمة مقتضيات مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب، وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.

          مع ملاحظة أن الرجل ما زال ملزما بأداء المهر وبالنفقة، وعند التطليق بأداء المستحقات، ولو كان التطليق وقع بسبب تعسف الزوجة.

 

          2- حرية المرأة في الزواج واختيار الزوج.

          لم تكن المرأة في ظل مدونة الأحوال الشخصية مؤهلة لتزويج نفسها بنفسها، بل لا بد من وسيط ذكر يقوم مقامها للتعبير عن موافقتها في مجلس عقد الزواج، وهذا الوسيط هو الولي[11].

          ولقد كانت صلاحيات الولي قبل التعديلات التي طالت مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993. تسمح له بإمكانية إجبار المولى عليها على الزواج إذا خيف عليها من العنت، لكن بعد هذه التعديلات تم إلغاء ولاية الإجبار، وتم السماح لليتيمة من جهة الأب الراشدة إبرام عقد زواجها بنفسها، أما الراشدة ذات الأب فقد بقيت الولاية شرط صحة في زواجها، مع إعطائها حق قبول الزواج من عدمه، لكن مع ذلك بقيت للولي سلطة الإجبار السلبي، برفض الزواج إذا لم يكن كفئا للزوجة، وكذلك إذا لم يمنح لها صداق المثل[12].

          لذلك فإن الولاية بهذا المفهوم، اعتبرت متناقضة مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تكرس المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وتؤكد على ضرورة تمتع المرأة بكامل حريتها وراضا في الزواج.

          فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في الفقرة الثانية من المادة 16 على أن: " لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا، لا إكراه فيه".

          كما نصت الفقرة الثالثة من المادة 23 من الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية على أنه: " لا يتم زواج دون الرضاء الكامل والحر للأطراف المقبلة عليه".

          ونفس المقتضى نصت عليه المادة 10 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

          وأمام هذا الوضع غير المقبول أصبح التغيير حتميا، لذلك جاءت مدونة الأسرة بمقتضيات جديدة تجسد حرية المرأة ورضاها الكامل في الزواج، وذلك بإلغاء الولاية على الرشيدة، كما جاء في المادة 24 من هذه المدونة التي تنص على أن الولاية حق للمرأة تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها، والمادة 25 التي تنص على أن للرشيدة أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض ذلك لأبيها أو أحد أقاربها.

          وبهذا تكون المدونة قد صححت الوضع الذي كان قائما وحققت الانسجام مع الاتفاقيات الدولية فيما يخص هذا الموضوع، فأصبح الزواج، عقدا لا يتم إلا بالرضا الكامل لطرفيه.

 

          3 – التعدد:

          يعد التعدد من المواضيع الحساسة والخطيرة التي تجسد التعارض الذي يمكن أن يحصل بين مرجعيتين، المرجعية الإسلامية والمرجعية الدولية.

          فالتعدد من جهة، هو نظام أصيل في الشريعة الإسلامية، مشروع ومباح بغض النظر عن القيود التي يمكن أن ترد عليه، بينما هو في الاتفاقيات الدولية يشكل خرقا لحقوق المرأة التي يجب أن تكون متساوية مع حقوق الرجل.

          بهذا يكو ن "التعدد" مجسدا بحق لإشكالية عويصة جدا، أثارت نقاشات عديدة، وهي إشكالية الخصوصية في مقابل الكونية، ودون الخوض في الأبعاد الفكرية لهذا الموضوع، فإن ما يهمنا هو موقف المشرع منه، وكيف خرج من هذا المأزق-  وسميناه بالمأزق لأن المشرع يقع فيه بين أمرين، فهو متطلع إلى تحرير المرأة ومواكبة متطلبات الواقع والوفاء بعهوده الدولية.

          وفي نفس الوقت هو مقيد بعدم الخروج عما تقتضيه خصوصياته، ونقصد بالأساس خصوصياته الدينية- لذلك يصبح التوفيق والملائمة التامة في موضوع كموضوع التعدد مع الاتفاقيات الدولية صعبا.

          ولاستجلاء حقيقة موقف المشرع من التعدد كان لا بد من استعراض تطوره التشريعي من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة مع توضيح وجه التعارض مع الاتفاقيات الدولية.

          ففي مدونة الأحوال الشخصية وقبل تعديلات 1993. لم يكن يرد على التعدد أي قيد أو مانع يحول دون لجوء الزوج إليه، اللهم اشتراط العدل بين الزوجات، ويبقى هذا القيد قيدا أخلاقيا لا يمكن ضبطه من الناحية الواقعية.

          وقد كان نص المادة 30 التي تنظم التعدد على الشكل التالي:" 1- إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لم يجز التعدد. 2 – للمتزوج عليها إذا لم تكن اشترطت الخيار أن ترفع أمرها للقاضي لينظر في الضرر الحاصل لها، ولا يعقد على الثانية إلا بعد إطلاعها على أن مريد الزواج منها متزوج يغيرها".

          لكن هذا الوضع لم يكن مقبولا أبدا على اعتبار أنه يلحق حيفا كبيرا بالمرأة ويشكل مصدر قلق للأسرة يهدد استقرارها باستمرار، لذلك كان منع التعدد من المطالب الأساسية للحركات النسائية لإصلاح الوضع القائم، خصوصا وأنه يتعارض مع جميع الاتفاقيات الدولية التي تتبنى المساواة بين الرجل والمرأة، إطارا للعلاقة بينهما.

          بعد الإصلاح التشريعي الذي طال مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 تم تعديل المادة 30، وإقرار قيدين على التعدد، فاشترط المشرع على الزوج ضرورة إخبار الزوجة الأولى برغبته في الزواج عليها، وأهم مستجد في هذه المادة يتمثل في أن التعدد في كل الأحوال، لا يمكن أن يتم إلا بعد الحصول على إذن القاضي بذلك.[13]

          والملاحظ أن هذه التعديلات لم تذهب لحد منع التعدد كما كانت تنتظر العديد من الجهات المدافعة عن حقوق الطفل والمرأة، كما لم تمنح المرأة أية إمكانية حقيقية للحيلولة دون حصول التعدد، رغم اشتراط إذن القاضي فإن هذا الأمر يبقى مرتبطا بالتكوين الفكري والثقافي للقاضي وقناعاته[14].

          ولهذا فإن هذه التعديلات بقيت محدودة ولم تعكس طموحات المرأة المغربية وتصورها الجديد للبناء الأسروي الحديث القائم على إلغاء الحيف والتمييز بين الجنسين[15]. وبقي هذا الموضوع بذلك متعارضا تعارضا تاما مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تكرس مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة، خاصة منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي طالبت بشجب كل أشكال التمييز ضد المرأة وطالبت الدول الأطراف بإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في تشريعاتها الوطنية، واتخاذ جميع التدابير المناسبة لتغيير القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييز ضد المرأة (المادة الثانية) وأن تضمن المساواة التامة بين الرجل والمرأة في نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج (المادة 16).

          وعلى أساس هذه المبادئ، تمت من جديد المطالبة بمنع التعدد بصفة نهائية لا أن يقيد بشروط فقط كما جاء في خطة إدماج المرأة في التنمية[16].

          لكن الأمر ليس بالسهولة المتصورة، فالتعدد نظام إسلامي أصيل – إباحته ثابتة بالكتاب- كما قلنا بغض النظر عن القيود التي يمكن أن ترد عليه، لذلك فإن المشرع في إطار مدونة الأسرة لم يمنع التعدد من حيث المبدأ، لكنه ضيق من دائرتة وأخضع شروطه لإذن المحكمة مع تطبيق عدة إجراءات مسطرية جعلت ممارسته شبه مستحيلة[17].

          ومن أهم المستجدات ما جاءت به المادة 41 من مدونة الأسرة التي أعطت للمحكمة صلاحية منح الإذن بالتعدد ومراقبة توفر شروطه، خاصة شرط توفر المبرر الموضوعي والاستثنائي.

          وبهذا تكون المدونة قد خطت خطوة مهمة في سبيل ملائمة التشريع الوطني في موضوع التعدد مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، بالقدر الذي تسمح به الخصوصية الدينية لذا فقد تم إقرار نوع من المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الموضوع، حيث يمنع التعدد إلا في حالات استثنائية جدا والتي تبيح فيها الضرورة ما حظر.

         

          ثانيا: وضعية المرأة بعد إنهاء العلاقة الزوجية .

          " الطلاق هو حل عقدة النكاح بإيقاع من الزوج أو وكيله أو من فوض له ذلك، أو الزوجة إن ملكت هذا الحق أو القاضي" الفصل 44 من مدونة الأحوال الشخصية.

          هكذا كانت مدونة الأحوال الشخصية تعرف الطلاق، والملاحظ من هذه الصيغة أن الطلاق يقع من جانب واحد، وبإرادة واحدة هي الإرادة المتفردة للزوج، وبذلك تكون المدونة قد خولت للرجل وحده الحق في تقرير مصير مؤسسة الزواج[18]، وغالبا ما يقدم الرجل على حل هذه الرابطة رغما عن إرادة الزوجة ومن ثم إجبارها على قبول واقع شاركت في بنائه وأجبرت بإرادة الزوج المنفردة على إنهائه[19] سواء بمبرر أو بدونه.

          وفي المقابل فإن سلطة المرأة في إنهاء العلاقة الزوجية ظلت محدودة، إذا ما قورنت بالسلطات الممنوحة للرجل، حيث لا يسمح لها سوى بطلب التطليق أمام القاضي في حالات معدودة على سبيل الحصر، وحتى في ظل هذه الحالات كانت المرأة تعاني بطء مسطرة التطليق التي تتطلب الكثير من الوثائق المثبتة للضرر الذي قد يستحيل على الزوجة الراغبة في الطلاق في الحصول عليها.

          ولم تكن المرأة تعاني على مستوى الحق في الطلاق فقط، بل حتى على مستوى آثاره، حيث كانت تحرم من الحصول على تعويض منصف عن الطلاق التعسفي الذي يوقعه الزوج، وتحرم من حقها في مستحقات عادلة تحقق لها شروط العيش الكريم، وحرمت في الكثير من الأحيان من حقها في السكنى.

          وأمام هذا الوضع المتدني الذي كانت تعيشه المرأة والذي يتعارض جملة وتفصيلا مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، ليس فقط التي تكرس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، بل والتي تكرس مبادئ حقوق الإنسان بصفة عامة وحقه في العيش الكريم، لذا كان لزاما على المشرع التدخل لتصحيح الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها.

          لذلك جاءت تعديلات مدونة الأسرة في هذا السياق وتبنت مبادئ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كإطار للعلاقة بينهما، فأقرت مجموعة من المقتضيات الجديدة في سبيل تحقيق التوازن بين حقوق الرجل والمرأة انسجاما مع مقتضيات هذه الاتفاقيات الدولية، ومع مبادئ العدالة، فالعقد الذي تبرمه إرادتان لا تبطله الإرادة الواحدة[20].

          وهكذا على مستوى الحق في إنهاء الرابطة الزوجية تم إخضاع مسطرة الطلاق والتطليق لشروط وإجراءات قضائية جديدة من شأنها حماية الزوجة من كل تعسف من قبل الزوج في ممارسته، حيث تم إخضاع الطلاق لرقابة من القضاء، وتمت تقليص إرادة الزوج في إنهاء الرابطة الزوجية، وتوسيع مجال هذه الإرادة لفائدة الزوجة بتوسيع حالات وأسباب التطليق، حيث شملت بالإضافة إلى الحالات الواردة في مدونة الأحوال الشخصية.[21]

          حالة التطليق بسبب الإخلال بأحد الشروط التي تم الاتفاق عليها في العقد، وحالة التطليق للشقاق، وحالة التطليق الاتفاقي[22].

          أما على مستوى آثار الطلاق، فقد تم إقرار مجموعة من المقتضيات التي تضمن حصول المرأة على مستحقات منصفة، وفي وقتها، بحيث لا يقع الطلاق إلا بعد إيداع المستحقات، وتم الإقرار بحق المسكن كحق مستقل عن النفقة، ومن بين أهم المقتضيات، ما جاءت به المادة 97 والمادة 101 والمتعلقتان بالتعويض عن الضرر، الذي يمكن أن ينجم عن الطلاق مع مراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق.

          وبهذا تكون مدونة الأسرة قد حققت نوعا من الانسجام مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أكدت على أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة.

          ومع هذا تبقى بعض الملاحظات على مدونة الأسرة في هذا الموضوع، لأن تحقيق المساواة لا يعني تغليب حقوق طرف على الآخر، بقدر ما هو تحقيق التوازن بين الأطراف في هذه الحقوق.

          وهذا ما لا تلاحظه في تكليف الرجل بأداء المستحقات في جميع الأحوال، فإذا كان هذا التكليف قد يجد له مكانا عند إيقاع الطلاق من طرف الزوج، فإنه غير قابل للتفسير إذا كان طلب التطليق من الزوجة، خاصة عندما تكون متعسفة في طلبه، فالرجل مكلف بالمهر والإنفاق على زوجته، وعند التطليق ولو كانت الزوجة متعسفة فإنها تستحق النفقة والسكن والمتعة.

          وارتباطا بهذا الموضوع وعلى صعيد الاجتهاد القضائي، فقد حكمت المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة، في حكم لها في قضية تطليق للشقاق، للزوج بمبلغ 3000 درهم تعويضا له عن الضرر الذي لحقه جراء انفصام العلاقة الزوجية، وبتحميل الزوجة الصائر، وهذا دليل على ثبوت تعسف الزوجة في التطليق، لأنه لا محل لتعويض الزوج لولا ثبوت مسؤولية الزوجة عن الضرر الذي أوجب التعويض. لكن في المقابل حكمت للزوجة بمستحقات مضاعفة لهذا المبلغ، فمبلغ المتعة بلغ dh 15000 [23].

          لذا يصبح التساؤل عن مدى تكريس المدونة لمبدأ المساواة مشروعا.


[1] خالد برجاوي: قانون الزواج بالمغرب بين مدونة الأحوال الشخصية ومقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان". دار القلم. الرباط 2000 الطبعة الثانية. ص: 14.

[2] إدريس الفاخوري :  المرجع السابق . ص:  15.

[3] إدريس الفاخوري :  المرجع السابق . ص:  127.

[4] الحسين بلحساني: الدعوة إلى تحرير المرأة بين خصوصيات الهوية ومقتضيات الحداثة". المجلة المغربية للإقتصاد والقانون، العدد الأول. سنة 2000 . ص: 84.

[5] نجاة الكص: مواقف وآراء حول الوضع القانوني للمرأة المغربية . دار القلم . الرباط 2002. الطبعة الأولى . ص: 57.

[6] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ: 10 دجنبر 1984.

[7] الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، نشر بموجب الظهير الشريف رقم: 2 .   186.  79 . 1. بتاريخ 17 ذي الحجة . 1398 (8 نوفمبر 1979).

[8] ظهير شريف رقم: 361 . 93 . 1 . صادر في 27 رمضان 1421 (26 ديسمبر 2000) ينشر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة.

[9] من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/ 12/ 1979. الجريدة الرسمية عدد: 4866. بتاريخ 18 / 1 / 2001. ص: 226.

[10] أستاذنا إدريس الفاخوري: : بعض مظاهر قيم حقوق الإنسان في مدونة الأسرة الجديدة. كتاب: الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة. مكتبة دار السلام. الرباط . 2004. ص: 154.

[11] نجاة الكص: المرجع السابق . ص:  60.

[12] إدريس الفاخوري :  المركز القانوني للمرأة المغربية من خلال نصوص مدونة الأحوال الشخصية . أبحاث ودراسات. المرجع السابق . ص:  126.

[13] تنص المادة 30 من مدونة الأحوال الشخصية بعد تعديلات 1993. على : " يجب إشعار الزوجة الأولى برغبة الزوج في التزوج عليها....  في جميع الحالات إذا خيف عدم العدل بين الزوجات لا يأذن القاضي بالتعدد".

[14] خالد برجاوي: المرجع السابق . ص:  36.

[15] أستاذنا إدريس الفاخوري:  المركز القانوني للمرأة المغربية من خلال نصوص مدونة الأحوال الشخصية أبحاث ودراسات. المرجع السابق . ص:  178.

[16] أستاذنا إدريس الفاخوري : المركز القانوني للمرأة المغربية من خلال نصوص مدونة الأحوال الشخصية أبحاث ودراسات. المرجع السابق . ص:  20

[17] محمد الشافعي: قانون الأسرة المغربي بين الثبات والتطور . المطبعة الوراقة الوطنية. مراكش 2004. الطبعة الأولى ص: 82.

[18] نجاة الكص: المرجع السابق . ص:  64.

[19] أستاذنا إدريس الفاخوري:  المرجع السابق . ص:  132.

[20] أستاذنا إدريس الفاخوري :  "دور الإرادة في إنهاء عقود الزواج على ضوء مدونة الأسرة" مجلة الملف. العدد: 4 . سنة 2004. ص: 66.

[21] وهذه الحالات هي التطليق لعدم الإنفاق، والتطليق للعيب، التطليق للضرر، التطليق للغيبة، ثم التطليق للإيلاء والهجر.

[22] أستاذنا إدريس الفاخوري : "دور الإرادة في إنهاء عقود الزواج على ضوء مدونة الأسرة . المرجع السابق . ص:  67.

[23] حكم المحكمة الابتدائية بقلعة السراغة ملف رقم 5536 /  2004 بتاريخ: 21 / 12/ 2004. منشور بمجلة قضاء الأسرة. العدد الأول: يوليوز 2005 . ص: 98.


  ACHRAFE    عدد المشاركات   >>  7              التاريخ   >>  19/3/2006



 

الفقرة الثانية: وضعية الطفل في مدونة الأسرة.

          أولا: حقوق الطفل أثناء قيام العلاقة الزوجية.

          1 – رفع سن الزواج.

          كانت مدونة الأحوال الشخصية تنص في الفصل 8 على أن أهلية الفتى في النكاح تكتمل بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة في تمام الخامسة عشرة من العمر.

          وقد كان هذا النص محل انتقاد شديد، وذلك لسببين، السبب الأول لأنه يقيم تمييزا لا أساس له بين الجنسين، والسبب الثاني لأنه يعتبر اعتداءا صارخا على حقوق طفلة تبلغ من العمر 15 سنة.

          فالدخول في علاقة زواج ليس قرارا هينا، إنما هو قرار قد يتحمل الإنسان نتائجه طيلة حياته، لذا فهو يستعصي حتى على من خاض تجربة طويلة في غمار الحياة، فكيف بطفلة لم تتجاوز 15 سنة؟ فالمكان الطبيعي لطفلة في مثل هذا العمر هو المدرسة، وليس تحمل واجبات ومسؤوليات لا تدرك الفتاة الصغيرة خطورتها وآثارها على الأسرة والمجتمع، فكيف لفتاة في هذا العمر أن تربي أطفالا وهي ما تزال في حاجة إلى الرعاية، لذلك اعتبر الكثيرون – وعن حق- أن السماح بزواج الفتاة في سن 15 هو اغتصاب لطفولتها ولحقوقها كطفلة.[1]

          كما أنه لا أساس للتمييز بين الجنسين في تحديد سن الزواج، لذلك فإن المطالبة بتغيير هذا الوضع كانت ضرورية، خاصة وأنه يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وتعهد باحترامها.

          فالمادة الأولى ضمن اتفاقية حقوق الطفل تنص : " لإغراض هذه الاتفاقية يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك، بموجب القانون المطبق عليه".

          كما نصت المادة الثانية : " تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز".

          واستنادا على هذه النصوص رفعت مدونة الأسرة من سن الزواج حيث نصت في المادة 19: " تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة متمتعان بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية". وبهذا تكون المدونة قد ألغت التمييز الذي كان قائما بين الجنسين في هذا الموضوع، وضمنت لها التمتع بحقوق الطفولة.

 

          2- حقوق الطفل في إطار المادة 54 من مدونة الأسرة

          تجدر الإشارة قبل التطرق لما تضمنته المادة 54 من مدونة الأسرة إلى ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 51 والتي تنص على المسؤولية المشتركة لكل من الزوجين في تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال وذلك انسجاما مع ما تضمنته المادة 18 من اتفاقيات حقوق الطفل التي تنص على: " تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه...".

          بعد ذلك تنص المادة 54 على مجموعة من الحقوق التي تؤكد الاتجاه الفعلي للمدونة في الاهتمام برعاية الطفل، وفي تبني الاتفاقيات الدولية مرجعية لهذه الحقوق وسنحاول رصد مختلف هذه الحقوق بنفس الترتيب الذي جاء في هذه المادة.

 

          1- حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغهم سن الرشد، وذلك توافقا مع ما نصت عليه المادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل بالنسبة للحق في الحياة، توجب على الدول الاعتراف بأن لكل طفل حق في الحياة وتكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.

          أما بالنسبة للحق في الصحة فقد نصت المادة 24 على أن الدول الأطراف تعترف بحق الطفل في التمتع بأقصى مستوى صحي، وتبذل قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية.

          وفي نفس هذا السياق نصت الفقرة 5 من المادة 54 من مدونة الأسرة على ضرورة اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم، وقاية وعلاجا.

 

          2- العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة بالنسبة للإسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية، وهذه هي العناصر الأساسية المكونة للشخصية القانونية للطفل وهويته، لذلك فالطفل من حقه أن يحصل على إسم شخصي وعائلي طبقا لمقتضيات قانون الحالة المدنية وخاصة المادة 20، كما من صميم حقه الحصول على الجنسية، كما من حقه التسجيل في الحالة المدنية، أو يقع هذا التسجيل في دفتر الحالة المدنية بالتصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية ولو كان الطفل مجهول الأبوين أو متخلى عنه،[2] ويقع التصريح وفق ما تنص عليه المادة 16 وما بعدها من القانون المتعلق بالحالة المدنية.

          وتتوافق هذه الأحكام مع ما جاء في المادة 7 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تنص في فقرتها الأولى على: " يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب الجنسية..." وكذلك ما نصت عليه المادة 8.

 

          3 – التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل... وتجدر الإشارة بخصوص هذه الفقرة من المادة 54 أنها تتلاءم في جانب فقط منها مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وهو الجانب المتعلق بحماية الطفل من الاستغلال والعنف، والذي يتلائم مع المواد 32 و33 34 و36. من الاتفاقية.

          ويبقى الجانب الآخر المتعلق بالتوجيه الديني غير متوافق مع هذه الاتفاقية الدولية التي تنص في المادة 14 على: " تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين" وذلك باعتبار أن المغرب دولة إسلامية ينص دستورها على أن دين الدولة هو الإسلام، لذلك لا تعطى الحرية للأطفال في تبني دين آخر[3]، وقد تحفظ المغرب على مسألة التوجيه الديني، وجاء التحفظ بالصيغة التالية: " إن حكومة المملكة المغربية التي يضمن دستورها لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية تتحفظ على أحكام المادة 14 التي تعترف للطفل بالحق في حرية الدين نظرا لأن الإسلام هو دين الدولة.

 

          4- التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، على الآباء أن يهيؤوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني، وتتلائم هذه المقتضيات مع المادة 28من اتفاقية حقوق الطفل.

 

          5- إلى جانب حقوق الطفل السليم أقرت مدونة الأسرة في المادة 54 برعاية خاصة للطفل المعاق، لا سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته، قصد تسهيل إدماجه في المجتمع، وذلك تماشيا مع ما نصت عليه المادة 23 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي أكدت على ضرورة تمتع الطفل المعاق عقليا أو جسديا بحياة كاملة كريمة. في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس، وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع.

          وأخيرا فإن من أهم ما جاءت به هذه المادة هو تحميل الدولة جزءا من المسؤولية والنيابة العامة توافقا مع الاتفاقية الدولية.

         

          ثانيا: حقوق الطفل بعد انتهاء العلاقة الزوجية.

          تتجلى مظاهر تلائم نصوص مدونة الأسرة مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية على عدة مستويات، وذلك على مستوى المسطرة القضائية، وعلى مستوى النفقة وعلى مستوى حضانة الطفل ونسبه وجنسيته.

         

          1 – المسطرة القضائية:

          فالمشرع حماية منه لأطفال الطلاق أخضع الطلاق للمسطرة القضائية، وأوكل للقضاة مهمة حماية حقوق الطفل مراعيا في ذلك مصلحتهم الفضلى، وخص هذه المصلحة بمجموعة من المقتضيات التي تضمن حماية الطفل، فألزم القضاء على تكرار محاولة الصلح بين الزوجين في حالة وجود أطفال (المادة 82)، كما يجب أن يتضمن طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق، عدد الأطفال إن وجدوا وسنهم ووضعهم الصحي والدراسي، (المادة 80). كما منع الخلع بشيء تعلق به حق الأطفال (المادة 119) كما منح المحكمة في المادة 121 سلطة اتخاذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة للزوجة والأطفال تلقائيا، أو بناء على طلب.

          وتنسجم هذه المقتضيات مع ما نصت عليه الكثير من مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تؤكد ضرورة استحضار المصلحة الفضلى للطفل واتخاذ التدابير اللازمة لحمايته، خاصة ما نصت عليه المادة 3 في فقرتها الأولى: " في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى".

          ويبقى هذا المجال واسعا للقضاء المغربي لكي يقوم بدوره الكامل في تفعيل هذه المقتضيات لحماية أطفال الطلاق مستحضرا في ذلك مصلحتهم الفضلى.

         

          2- النفقة:

          تعتبر النفقة حقا أساسيا للطفل نظرا لطابعها المعيشي والاجتماعي، وحاجة الطفل إليها لتحقيق ضرورياته، لذلك فقد نصت مدونة الأسرة على مجموعة من المقتضيات التي تعزز اكتساب الطفل لحقه هذا، فعلى مستوى المكلف بالإنفاق، فإن الأب مكلف بالإنفاق على أولاده حسب ما نصت عليه المادة 198 من مدونة الأسرة، وأهم ما جاءت به في هذا الأمر إلزام الأم بالنفقة على الأولاد عند عجز الأب عن الإنفاق كليا أو جزئيا على أولاده (المادة 194من المدونة).

          وعلى مستوى مشمولات النفقة فقد نصت المدونة على حق الطفل في السكنى مستقلا عن النفقة حتى تضمن للطفل حقه هذا وتحميه من التشرد، وتكون بذلك قد صححت الوضع الذي كان يطرح عدة إشكالات في إطار مدونة الأحوال الشخصية، حيث كانت النفقة التي يحكم بها غالبا هزيلة لا تكفي لتوفير ضروريات الحياة ومنها السكن، لذلك ألزمت الأب بأن يهيئ مسكنا ملائما لأبنائه، ولا يفرغ المحضون من بيت الزوجة كأجل عام، وعليه أن يؤدي في المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه[4]، كما على المحكمة أن تحدد في حكمها الإجراءات الكفيلة بضمان استقرار الأب في تنفيذ المحكوم به عليه، المادة 168من مدونة الأسرة.

          وعلى مستوى مسطرة الحكم بالنفقة، فإن المحكمة تبت في مستحقات الأطفال المحددة في المادتين 84 و85 في نفس الوقت الذي تبت فيه دعاوى التطليق (المادة 113)، كما نصت المادة 45 على أجل قصير لإيداع المبلغ المقابل لحقوق المطلقة والأولاد وهو 7 أيام، كما أن المادة 171 من مدونة الأسرة حصرت أجل البت في القضايا المتعلقة بالنفقة، في شهر واحد، بعد أن كان أمد الدعوى يمتد لشهور عديدة[5].

          كما أن تحديد مستحقات الأطفال يكون على أساس مراعاة الوضعية المعيشية والتعليمية التي تكون أو كانوا عليها قبل وقوع الطلاق (المادة 85 من مدونة الأسرة).

          وبهذا تكون مدونة الأسرة قد حققت حماية لنفقة الطفل وسكنه، تتلائم والمقتضيات المقررة في اتفاقية حقوق الطفل خاصة ما تضمنته المادة 27 التي تلزم الدول الأطراف والأبوين بتحقيق مستوى معيشي ملائم لنمو الطفل البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، ولاتخاذ التدابير المناسبة لكفالة تحصيل نفقة الطفل من الوالدين أو من الأشخاص الآخرين المسؤولين ماليا على الطفل.

         

          3- الحضانة:

          جاء في الخطاب الملكي المعتبر كديباجة لمدونة الأسرة: " لقد توخينا في توجيهاتنا السامية لهذه اللجنة، وفي إبداء نظرنا في مشروع مدونة الأسرة اعتماد الإصلاحات الجوهرية التالية: ... ثامنا: الحفاظ على حقوق الطفل، بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في صلب المدونة، هذا مع اعتبار مصلحة الطفل في الحضانة من خلال تخويلها للأم ثم للأب ثم لأم الأم... كما تم جعل توفير سكن لائق للمحضون واجبا مستقلا عن بقية عناصر النفقة".

          ومن هذا يتبين الاهتمام الفائق للمشرع بموضوع حق الطفل بالحضانة لذلك فقد حظي بمجموعة من الضمانات التي تخول له استيفاء كامل حقه والتي تتوافق مع ما جاء في الاتفاقيات الدولية ومن ذلك:

          - توحيد سن اختيار المحضون لحاضنه (المادة 166) وذلك انسجاما مع المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تمنع التمييز بين الأطفال لأي سبب كان.

          كما أن من أهم ما جاءت به المدونة في هذا المجال هو ما جاء في المادة 186 من مدونة الأسرة التي تنص على مراعاة مصلحة المحضون في تطبيق المواد المتعلقة بالحضانة.

          وبذلك تكون قد وسعت من صلاحيات القضاء في اتخاذ ما يراه مناسب في أحكام الحضانة، لا تقيده في ذلك إلا مصلحة المحضون، ومن بين أهم المواضيع التي تتدخل فيها المحكمة: حل الخلاف الذي يمكن أن يحصل بين النائب الشرعي والحاضنة (المادة 164) وكذلك تنظيم حق الزيارة الذي تنظمه المواد  من 180 إلى 185، لتضمن بهذا حق اتصال الطفل بأبويه، والتمتع برعايتهما المشتركة.

          وبمقارنة ما أقرت به مدونة الأسرة في موضوع الحضانة مع ما تقتضيه نصوص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل خاصة منها المادة 20 التي تؤكد على ضرورة ضمان الدول الأطراف وفق القوانين الوطنية رعاية بديلة للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية، ومن بين أشكال الرعاية نصت على الحضانة المادة 9 التي تلزم الدول باحترام حق الطفل المنفصل عن والديه أو أحدهما في الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا والديه، إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى.

          نلاحظ أن المدونة قد أقرت نظاما حمائيا للمحضون يتلائم ومبادئ هذه الاتفاقية.

          4- النسب:

          تنص المادة 8 من اتفاقية الطفل: " تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته، واسمه وصلاته العائلية على النحو الذي يقره القانون..." والحفاظ على صلات الطفل العائلية تقضي اتخاذ كل التدابير للإقرار بحق الطفل في نسبه إلى أبويه.

          وقد جاءت مدونة الأسرة في إطار حساباتها لحق الطفل في النسب بكثير من المقتضيات التي تعزز اكتساب الطفل لحقه هذا، خصوصا وأن هذا الحق تترتب عليه حقوق كثيرة أخرى، فبه يثبت له حق الإرث أو به تثبت حقوق وواجبات الأبوة والبنوة ( المادة 145) مثل حقه في الرعاية والتربية والنفقة.

          لذلك فقد نصت مدونة الأسرة في المادة 151: " يثبت النسب بالظن و لا ينتفي إلا بحكم قضائي" ومفاد هذه القاعدة أن إثبات النسب لا يحتاج في تأكيده عادة إلى حكم يصدر عن القضاء اللهم إذا نازع فيه صاحب مصلحة، وتماشيا مع هذا فإن نفي النسب ليس سهلا، إنما لا ينتفي إلا بواسطة حكم يصدر عن المحكمة المختصة.

          إضافة إلى ذلك تم التوسيع من دائرة إثبات النسب بالنص على الخبرة الطبية كوسيلة شرعية للإثبات (المادة 158) وكذلك السماح بلحوق النسب في بعض الظروف الاستثنائية.

          فبالنص على الخبرة الطبية كوسيلة شرعية للإثبات يكون المشرع قد حل إشكالية عويصة جدا كانت مطروحة في إطار مدونة الأحوال الشخصية، حيث غالبا ما كان يرفض القضاء المغربي الإثبات عن طريق الخبرة الطبية أو بتعبير أدق " البصمة الوراثية" على اعتبار أنها ليست من الوسائل المقررة شرعا لإثبات النسب، ولقد كان هذا الاجتهاد الذي تواتر عليه القضاء المغربي منتقدا بشدة، ولا يخدم المصلحة الفضلى للطفل، لذلك كان أغلب الفقه يدعو القضاء المغربي إلى ضرورة الأخذ بنتائج البحث العلمي في مجال الخبرة الطبية لإثبات النسب أو نفيه، فهي نتائج أبحاث علمية لفكر إنساني[6]، تخدم العدالة وتخدم مصالح الطفل بالأساس.

          وقد استجاب المشرع المغربي لنداء الفقه في أول فرصة سنحت له للتعديل وأصلح الوضع الذي كان قائما بالنص – كما قلنا- على اعتبار الخبرة الطبية وسيلة من الوسائل الشرعية لإثبات النسب.

          بالإضافة إلى ذلك فقد سمح المشرع بإثبات النسب ولحوقه في بعض الحالات الاستثنائية كما في حالة إلحاق إبن المخطوبة بنسب أبيه إذا توفرت مجموعة من الشروط التي تم النص عليها في المادة 156 من مدونة الأسرة.

          كما تم التوسيع من دائرة إثبات الزوجية اعتمادا على سائر وسائل الإثبات وكذا "الخبرة" وتراعي المحكمة في ذلك وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية (المادة 16من المدونة).

          وكذلك التنصيص على إقرار ثبوت البنوة بالنسبة للأم واعتبارها شرعية بإقرارها، أو في حالة الشبهة والاغتصاب. (المادة 147من المدونة)

          وعموما فإننا نلمس من خلال أحكام النسب اتجاه المشرع إلى تدعيم مجال حقوق الطفل وملائمة نصوص المدونة مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها.

          ويبقى على القضاء المغربي الاتجاه في سبيل تكريس هذه الحقوق حتى لا تفقد النصوص معناها.

 

          5- حق الطفل في الجنسية:

          نصت مدونة الأسرة على حق الطفل في الجنسية في إطار الفقرة الثانية من المادة 54، ويخضع حق الجنسية في تفاصيله لقانون الجنسية الصادر بمقتضى ظهير 6 شتنبر 1958، ويكتسب الطفل المغربي جنسيته الأصلية عن طريق رابطة الدم فيعتبر مغربيا كل ولد ينحدر من أب مغربي (المادة 6 من قانون الجنسية) أما رابطة الدم من جهة الأم المغربية فالملاحظ أن القانون المغربي لا يعتد بها لإسناد الجنسية للولد، إلا إذا وقع ازدياد هذا الولد في المغرب من أم مغربية وأب عديم الجنسية، فإذا ولد الطفل خارج المغرب ولو كانت أمه مغربية وأبوه عديم الجنسية، فإنه لا يكتسب الجنسية المغربية.

          ويؤدي هذا الوضع إلى صعوبات عديدة تؤثر على حقوق الطفل، وهي تؤدي مثلا عند الطلاق إلى إخضاع الإبن لقانون أبيه وما يترتب على ذلك من مشاكل، ففي مجال التنقل مثلا وخاصة عندما تكون الحضانة للأم، فإن أبناء المرأة المغربية المتزوجة من أجنبي يعتبرون أجانب في نظر السلطات المغربية والتشريع المغربي، فلا يحق لهم استيلام جوازات سفر مغربية، كما تعترضهم صعوبات في دخولهم إلى المدارس المغربية ومتابعتهم لدراستهم بالجامعة المغربية، ودخولهم سلك الوظيفة العمومية[7].

          لذلك فإن هذه الوضعية قد تعتبر متناقضة مع ما تقرره مقتضيات الاتفاقيات الدولية، في ضرورة تمتع الطفل بهويته، ومن عناصرها الأساسية "الجنسية"، فالمادة 8 من اتفاقية حقوق الطفل تنص على: " تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته...".

 

 

 

 

 

 

 

 



[1] نجاة الكص: المرجع السابق . ص:  58.

[2] عبد الله الحمومي: حقوق الطفل وحمايتها من خلال مدونة الأسرة. منشور بمجلة المعيار. العدد 32 . دجنبر  2004  ص: 99.

[3] علي الصقلي: المستجدات في مجال حقوق الطفل . سلسلة منبر الجامعة. العدد: 5. 2004. ص: 46.

[4] أستاذنا إدريس الفاخوري:  بعض مظاهر قيم حقوق الإنسان في مدونة الأسرة الجديدة" المرجع السابق . ص:  172.

[5] محمد الشرقاوي: حدود ملائمة مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل. سلسلة منبر الجامعة. العدد الخامس 2004. ص: 145.

[6] أستاذنا إدريس الفاخوري :  المركز القانوني للمرأة المغربية . المرجع السابق . ص:  115.

[7] أحمد زوكاغي: الجنسية المغربية الأصلية من جهة الأم. المجلة المغربية للاقتصاد والقانون عدد: 9 – 10 . سنة 2004 ص:18.



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1787 / عدد الاعضاء 62