هنا تصنع العدالة
قصر العدل ... ماذا تعني هذه التسمية ؟؟؟
كلمة القصر هنا تحمل أحد معنيين : الأول ، المسكن الكبير الفخم الذي يسكنه أناس لا نعرف عنهم إلا كونهم من طبقة المسؤولين والأمراء ، وهذا المعنى لا يستقيم في عبارة "قصر العدل" لأن العدل ليس من طبقة المسؤولين والأمراء . أما الثاني ، فهو من التقصير أو الاقتصار أي وجود الشيء في حدوده الدنيا . وأعتقد أن هذا هو المعنى المقصود من تسمية مقرات المحاكم باسم قصر العدل .
لأن العدل يقتصر فيها على أصحاب النفوذ الأمني والسياسي والحزبي والمالي والاجتماعي. فهو الماركة الوطنية الوحيدة التي تشترى عندهم بأغلى الأثمان وتوزن من الذهب بالأطنان .
والعدل فيها يقصر عن الإحاطة بكل فئات المجتمع ، فعلى الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والمعوزين والموظفين أن يبنوا لهم بيتاً للعدل وليس قصراً لأن القصر لا يدخله إلا .... و .... والأمراء .
والعدل فيها ما زال في مرحلة القصر ، لذلك فهو بأمس الحاجة إلى تلمس العناية من أصحاب القلوب الكبيرة والقصور الكبيرة ممن يغدقون عليه العناية ولا يتأففون مهما "بقي في كنفهم وتحت إبطهم" .
تدور هذه الخواطر في ذهني كلما اضطررت إلى دخول قصر العدل ، وأنا بحكم كوني محامياً ، أضطر –والحمد لله – على الدخول إليه يومياً . وأتساءل بيني وبين نفسي الحبيسة في جسدي والتي أعتقد أنها تفارقني على باب القصر : هل في هذا المكان تصنع العدالة حقاً؟؟؟ وهنا تبنى صروح الحق وهياكل القانون؟؟؟ وهنا تحلق ملائكة الحقيقة فوق رؤوس القضاة والمحامين ؟؟؟؟ وهنا يصرع الباطل مهما كان قوياً ونافذاً ؟؟؟ وهنا تنتهي جميع حكايات المظالم ؟؟؟ وهنا قلوب لا تأنس إلا بالحق والحقيقة ؟؟؟ هنا .. هنا ؟؟؟؟
ثم أنتبه إلى نفسي وقد وصلت إلى باب المحكمة ... يا إلهي الباب مغلق !!!! لا تظنوا بالسوء ... فالباب ليس مغلقاً لأن القاضي يستقبل ضيوفه فيه .... وإنما الضرورة تستلزم الحفاظ على سر الخلطة التي تصنع منها العدالة ، والقاضي في الداخل وراء الباب المغلق يعد الخلطة بهدوء وروية وعلى نار هادئة . وأنا لن أطرق الباب الآن ... ليس لأنني أخاف من ردة فعل القاضي ... وإنما لا أريد أن يجفل القاضي فأتسبب في انتزاع الخلطة السحرية .
ثم أعود في وقت لاحق ... أشكر الله فالباب مفتوح !!!! أدخل ..وأنظر .. يا إلهي القاضي غير موجود !!!! لا تظنوا بالسوء ... فالقاضي لم يترك محكمته وقوس عدالته أثناء دوامه دون سبب .... وإنما لا بدَّ له أن يستشير المحامي العام عن بعض الأسرار الخفية التي اعترضته في خلطة العدالة السحرية لذلك اضطر إلى ترك محكمته وقضاياه وتأجيل النظر فيها إلى أن تتوازن تركيبة الخلطة وتصبح قابلة للاستعمال !!!
ثم أعود في نهاية الدوام .... يا إلهي الباب مغلق !!!! أين القاضي ... ؟؟ وأين الكاتب ... ؟؟ وأين الخلطة ... ؟؟ لا تظنوا بالسوء .. فالقاضي لم يغادر قبل انتهاء الدوام ... دون سبب !!! وإنما اكتشف أن خلطته لا يمكن تطبيقها هنا فذهب لتطبيقها في مكان آخر .
