إسرائيل وخرقها لقواعد الاحتلال الحربي ، وتقاعس المجتمع الدولي :- تمهيد :- قد يشكك البعض في عدم وجود ما يسمى بالقانون الدولي ، قائلين أن القاعدة القانونية يجب أن تجتمع فيها شروط ثلاثة الأول : وجود سلطة تشريعية تقوم بوضعها ، الثاني : وجود سلطة قضائية تتولى تطبيقها ، الثالث : وهو الأهم وجود جزاء يحميها ويمكن توقيعه على من يخالفها . وفي واقع الأمر يمكن الرد على ما يستند إليه أصحاب التشكيك بالتالي :- أ - السلطة التشريعية : في الغالب ينشأ القانون وليد العرف ويقتصر دور السلطة التشريعية على إقراره ، فالقواعد القانونية تنشأ بالعرف أولاً ويتدخل المشرع لإيجادها بالنص عليها ، وأظهر مثال على ذلك القانون الإنجليزي فأغلب أحكامه تثبت عن طريق العرف وأحكام المحاكم ، كما أنه يجب عدم الخلط بين فكرة القانون كقانون موجود وفكرة التشريع نفسها كوسيلة من وسائل سن القوانين ، ولذلك يمكن القول أن عدم تدوين قواعد القانون الدولي في شكل نصوص رسمية لا ينال من صفتها كقانون ، ومع كل فإن أغلب مصادر القانون الدولي هي الاتفاقات الدولية وهي غالب ما تكون في شكل مكتوب ومتفق على أن لها قوة القانون . ب - السلطة القضائية : إن وجود السلطة القضائية وإن كان ضرورة ملحة في إطار تطبيق القانون ، وهي لازالت على المستوى الدولي لم تبلغ المستوى الذي وصل إليه القانون الداخلي ( في إطار المقارنة بين المحاكم الدولية والمحاكم الداخلية ) إلا أنه الملاحظ أنها محل ازدياد في الفترة الأخيرة ، ويمكن القول بشكل عام بوجود محكمة العدل الدولية ، ومحاكم الغنائم ج - الجزاء : بالفعل هناك جزاءات إقتصادية وعسكرية وبعض التدابير الدولية ، ولكن لا يتم تطبيقها بروح العدالة والإنصاف (فهي توقع على بعض الدول دون البعض )أو لا يتم تطبيقها بالمرة ، ونشير إلى أن انعدام الجزاء أو ضعفه ليس عيباً في القانون إنما عيب في النظام الإجتماعي الذي يطبق القانون في ظله ، ولم يزل المجتمع الدولي متفكك ، وبعض الدول تحقق مصالحها على حساب البعض الآخر. بعد هذه المقدمة البسيطة عن القانون الدولي ، وفي إطار الربط بين قواعد القانون الدولي والإحتلال الإسرائيلي وبعدما أصبح هذا الإحتلال أمراً واقعياً(فمن الناحية القانونية مازال غير شرعي ) ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل هذا الإحتلال يرتب آثار قانونية . للإجابة على هذا التساؤل يجب البحث عن مصادر قواعد الإحتلال ودورها أو وظيفتها وبيان ماهية الإحتلال الحربي حتى يمكن الوقوف على ما ترتبه من آثار قانونية ، ومدى التزام إسرائيل بصفتها محتل بتلك القواعد :- مصادر قواعد الاحتلال الحربي :- تنحصر هذه المصادر في ( العرف الدولي – المصادر الاتفاقية وعلى رأسها الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة ، كمصادر أساسية ، و أحكام المحاكم الدولية ، قرارات التحكيم الدولي – العمل الدولي و آراء الفقهاء كمصادر تكميلية ) . وظيفة قواعد الاحتلال الدولي :- - التأكيد على أن هناك فرق بين الاحتلال وضم الإقليم نهائياً . - التأكيد على حسن معاملة سكان الإقليم المحتل معاملة تتفق مع القيم والكرامة الإنسانية . - تحديد اختصاصات المحتل ومدى سلطته . وفي ضوء ذلك وضعت اتفاقية قانون وأعراف الحرب البرية ولائحة لاهاي المرفقة بها ، وهذه اللائحة قد تناولت القواعد والأحكام الأساسية لقانون الإحتلال الحربي طبقاً لما استقر عليه العرف وجرى به العمل الدولي – ثم جاءت اتفاقية جنيف الرابعة التي تعرف باتفاقية حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة ماهية الاحتلال الحربي : - الاحتلال الحربي هو طور من أطوار الحرب يوجد عندما تتمكن قوات الغزو من اقتحام إقليم دوله وهزيمة قواتها إذا تصدت للغزو ثم الهيمنة على الإقليم أو على جزء منه ، والاحتلال الحربي يقوم على أساس أنه حالة فعلية أكثر منه حالة قانونية . ويقتضي الأمر أن أفرق بين الغزو والإحتلال الحربي والفتح ، لأن لهذه العبارات معان مختلفة وفقاً للمفهوم القانوني ، فالغزو هو عبارة عن إغارة جيوش دوله على إقليم دولة ، والإحتلال : هو الغزو مضاف إليه وضع الإقليم المغزو تحت السيطرة الفعلية للقوات الغازية ، أما الفتح فهو إخضاع إقليم دوله تابع إخضاعاً تاماً مضافاً إليه ضمه إلى إقليم الدولة التي أخضعته ، ويتم ذلك الضم إما صراحة أو ضمناً . الآُثار القانونية التي تترتب على حالة الإحتلال :- ولا يترتب على القول بأن الإحتلال حالة واقعية أكثر منها قانونية ، أن الإحتلال الحربي ليس له أي تنظيم وأن المحتل له أن يقوم بأي تصرف كان ، بل هناك نتائج قانونية تترتب على حالة الإحتلال على جانب كبير من الأهمية - ومن أجل إقرار هذه النتائج وإلزام الدول بها على نطاق القانون الدولي كان هناك الملحق بالاتفاقية الرابعة (لاهاي ) لعام 1907م حيث خصص الفصل الثالث منه في المواد من 42- 56 ، وعلى ذلك يمكن إرجاع هذه النتائج القانونية ممن خلال هذه الاتفاقية إلى قاعدتين هما :- الأولى :- ليس من شأن هذا الإحتلال نقل السيادة إلى الدولة الفاتحة . إن القاعدة العامة هي أن الاحتلال الحربي لا يؤدي إلى نقل السيادة من الدولة المحتلة إلى الدولة الفاتحة ، فالبرغم من الحالة الواقعية الناتجة عن الإحتلال فإن رئيس الدولة الشرعي يظل محتفظاً بممارسة اختصاصاته ، فالإحتلال الفعلي لإقليم دولة معينة لا يمنع هذه الدولة من ممارسة اختصاصاتها علية سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية . الثانية :- نقل بعض الاختصاصات من الدولة المحتلة إلى الدولة الفاتحة . وهو في غالب الأحيان يكون اختصاص تنظيمي مقيد بعدة قيود منها حرمة الأموال العامة العائدة للدولة المحتلة ، حرمة الأموال الخاصة العائدة لمواطني الدولة المحتلة ، حظر أخذ الرهائن وإرغام السكان على الرحيل والعقوبات الجماعية وأعمال الإنتقام والتعذيب ، والعمال المتنافية مع الكرامة الإنسانية ، والإعدام التعسفي – اتخاذ تدابير خاصة لحماية النساء الحوامل والأمهات اللواتي لم يبلغن أولادهن خمسة عشر عاماً واليتامى والشيوخ والجرحى والمرضى وذو العاهات . خرق إسرائيل بصفتها محتل واقعي قواعد الإحتلال الحربي الدولية :- وهذه بعض النماذج التي تيسر لي كتابتها ، وهي بالتأكيد ليست كلها فمازالت إسرائيل تنتهك كل يوم قواعد الاحتلال الحربي ، ومازال المجتمع الدولي يغض الطرف . 1- لم تلتزم إسرائيل بقواعد الإحتلال الحربي السابق بيانها ، بل أتخذت من حقها في إدارة الإقليم المحتل ( والإدارة بقصد التنظيم ) وسيلة لضم الأراضي إليها ويتضح ذلك من أنه بعد حرب عام 1967م قسمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية الأرض المحتلة إلى أربعة أقاليم ( إقليم الضفة الغربية لنهر الأردن وأطلقت عليه سلطات الإحتلال اسم يهودا والسامرة – اقلي غزة وشمال سيناء وأطلقت عليه سلطات الإحتلال اسم شلومو – إقليم هضبة الجولان – إقليم سيناء الجنوبية ) – وأقامت سلطات الإحتلال على رأس كل إقليم حاكم عسكري وتم تقسيم كل إقليم إلى عدة مناطق لكل منها حاكم عسكري محلي ، كما أنها أردفت عملية دخولها للأقاليم بإذاعة عدة منشورات جاء في المنشور الأول أن الجيش الإسرائيلي قد تقلد زمام الحكم في الإقليم ، وجاء في المنشور الثاني أن قادة القوات الإسرائيلية لهم صلاحيات الحكم والتشريع والتعيين ، وجاء في المنشور الثالث تعليمات للأمن ، والواقع أن المنشور الثالث قد حوى بيانات خاصة باضطهاد وسلب الحقوق وفرض الأحكام العسكرية وتقيد التحركات ومصادرة الأراضي والممتلكات وصلاحيـة الضبط والتوقيف والتفتيش والاعتقال الإداري ومنع التجوال وإعلان المناطق المغلقة ، وعندما قامت إسرائيل بضم مدينة القدس ، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة إجراءات الضم بقرارها رقم 2253 الذي لم تستجيب له إسرائيل ، فأصدرت قرارها رقم 2254 الذي أبدت فيه أسفها لعدم إستجابة إسرائيل لقرار ها السابق ، ومجلس الأمن هو الأخر أدان إجراءات الضم وطالب بإلغائها بقراره رقم 252 ثم عاد المجلس وأصدر القرار رقم 267 ليؤكد فيه قراره السابق ، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية أيدت محاولة إسرائيل لضم القدس العربية وغيرها من الأقاليم المحتلة بامتناعها عن التصويت على قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن . 2- تدخلت في مرفق القضاء ففرضت ولاية المحاكم العسكرية ، وللتمويه أنشئت محكمة شرعية في يافا قام قاضي تلك المحكمة بأداء قسم الولاء والإخلاص لرئيس السلطة الإسرائيلية ، كان الهدف من هذه المحكمة إدخال نوع من الشرعية على إجراءات ضم مدينة القدس ، وتدخلت في مرفق التعليم وحذفت كل ما له علاقة بتاريخ الشعوب العربية وأخضعت التعليم لبرامج تعليم إسرائيلية – وأصدر المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو " أثناء انعقاده بباريس في الفترة من 17إلى 23/11/1974م قرار ناشد فيه إسرائيل بصورة عاجلة بالامتناع عن كافة الإجراءات التي تحول دون تمتع سكان الأقاليم العربية المحتلة بحقوقهم في التعليم الوطني والحياة الثقافية الوطنية . 3- رفضت إسرائيل تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الرغم من توقيعها على هذه الاتفاقية والتزامها باحترام أحكامها ، وقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر فورية وحتمية تطبيق هذه الاتفاقية في مذكرتها الموجة للحكومة الإسرائيلية ، كما أشير إلى وجوب تطبيق الاتفاقية في تقرير الخبراء الذين عينتهم لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، وكذلك في تقرير اللجنة الخاصة التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث الممارسات الإسرائيلية الماسة بحقوق الإنسان . 4- استغلت ونهبت موارد الأقاليم المحتلة فعلي سبيل المثال لا الحصر رفضت تصريف المنتجات الفلسطينية بأسواقها ووضعت عوائق وقيود على التصدير – وتم تحويل الأنشطة الزراعية لإنتاج المحاصيل التي تحتاجها في مشاريعها ، وشكلت ما يسمى باللجان والمجالس الزراعية ، واستطاعت أن تحول النشاط الزراعي إلى نشاط تابع إلى إسرائيل ، ونفس الأسلوب في الصناعة ، وقامت بنهب البترول من آبار البترول المصرية أثناء الإحتلال للأرضي المصرية وعلى الأخص من أبار أبورديس وخليج السويس . 5- طرد الأهالي وتدمير الممتلكات ، فحملت المخططات الصهيونية على طرد أكثر من ربع مليون من أهالي الضفة الغربية ونزوحهم إلى الضفة الشرقية ، وأمكنها أن تقيم مستوطنات بعد رحيلهم ، وقامت بنسف الجسور بين الطفتين لمنع عودتهم ، على الرغم من وجود قرارات من الجمعية العامة ومجلس الأمن تقضي بوجوب عودتهم ، وعلى الرغم من سماح إسرائيل بعودة بعض الأهالي تحت الضغوط الدولية إلا أنها نجحت في تمرير هذه الضغوط فحددت فترة العودة بمدة قصيرة وتشددت في إجراءات التحقق من العائدين وفي النهاية كان عدد العائدين أربعة عشر ألف فقط وفي هذا الأمر مقولة لأحد الإسرائيليين الناشطين في حقوق الإنسان وهو إسرائيل جاك وهو أستاذ كمياء بالجامعة العبرية حيث يقول : ( إن الإحتلال الإسرائيلي من أقسى وأشد الأنظمة ظلماً في العصور الحديثة … ويستطرد في وصف حال الفلسطينيين ويقول : إنها المعاناة الإنسانية التي يشق على المرء وصفها ، … إن السلطات تداهم بين الفلسطيني عند منتصف الليل وتمهله ساعة أو نصف ساعة لحيزم القليل ممن أمتعته ولا تترك له فرصة الإتصال بأحد ثم تأخذه إلى وادي الأردن حيث يتم إلقاءه وراء النهر بعد أن يكون قد نال نصيبه من اللكمات والكدمات وأحياناً رصاصة ) ولا يتسع المجال لي لذكر كل المخالفات التي ارتكبتها إسرائيل فما من جريمة من جرائم الحرب وإلا واقترفتها إسرائيل . وعلى كل فإنه وإن أدان المجتمع الدولي الجرائم البشعة التي ارتكبتها إسرائيل ومازالت ترتكبها ، فلا تكفي هذه الإدانة، فقد نصت المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي الرابعة على مسئولية دولة الإحتلال على الأضرار والخسائر التي تلحق بالإقليم المحتل وبسكانه ، ومع ذلك لم تتدخل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية لإعمال هذا النص على إسرائيل ، كما نصت اتفاقيات أخرى على الجزاء الجنائي فمثلاً نصت المادة السادسة من أنظمة نورمبرج على تقديم مرتكبي ومخططي والمشاركين والمساعدين في جرائم الإحتلال إلى المحاكمة ومحاكمتهم جنائياً . كما أن الأمم المتحدة عليها مسئولية كبيرة بصفتها تمثل المجتمع الدولي وتمثل الشرعية الدولية فلا يكفي أن تصدر قرارات تندد بإسرائيل بل يجب عليها أن تعمل أحكام المادتين الخامسة السادسة من ميثاقها بشأن إسرائيل وهو أن توقف عضويتها وتقوم بفصلها من المنظمة – ومن الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة هي التي خلقت إسرائيل وأسبغت عليها الشرعية الدولية وخالفت ميثاقها نفسه حيث أظهرت إسرائيل إلى الوجود بقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة وقامت الجمعية العامة بإصدار قرارها الشهير بتقسيم إقليم الدولة الفلسطينية منتهكة بذلك ميثاق المنظمة ومتجاوزة اختصاصاتها المنصوص عليها بالميثاق – وإذا كانت إسرائيل قد حازت تلك الشرعية فإن عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة مشروطة بشرطسن وهما تنفيذ قرار التقسيم وحق عودة اللاجئين ، وعلى الرغم من أن إٍسرائيل لم تنفذ هذين الشرطين ، فإن الأمم المتحدة لم تسقط عضويتها – وبهذا تسجل الإنسانية فشل ذريعاً.
الانتقال السريع اختــــار