طبيعة تفسير عنصر التجريم
أمل فايز الكردفانى
ماجستير القانون الجنائى
باحث بمعهد البحوث والدراسات العربية
المقدمة
الي اين يتجه القانون الجنائي؟
سؤال يجب طرحه في ظل المتغيرات العالمية التي يمر بها إنسان الألفية الثانية . هذه المتغيرات التي استطاعت براديكالية اجتياح كافة النظم السياسية والاقتصادية,بل الثقافية و الاجتماعية لدي كافة شعوب المعمورة ؛ وإزاء هذا ؛ لم يكن القانون الجنائي بعيدا عن مخاطرها . بل كان اقرب اليها من حبل الوريد ,لاسيما وأنه احد أفرع القانون التى تسعى إلى وضع الجميع في منظومة واحدة تهدف الي تحقيق السلوك الأمثل الذي يجب أن يكون؛ وذلك من خلال بيان ما يعد جريمة وما لا يعد, ونسج النظريات العامة التي تنظم عملية التجريم والعقاب .
فاذا ألقينا نظرة فاحصة علي شق التجريم داخل القاعدة القانونية, لوجدنا الأثر البالغ لهذه المتغيرات عليه , وأضحي لازما علينا , أن نغير نهج سياستنا الجنائية , بل وفلسفتنا الجنائية ,حتي لايظل العنصر الهام سادرا في الماضي بتيبس ، أو أن يجاري الحاضرالمتسارع في تطوره بوسائل هشة تؤدي الي ترهل نطاقه بحيث يثير فوضي التطبيق قبل أن يكون ضابطا للسلوك . وتبرز؛ في هذا الصدد ؛ إحدي أهم إشكاليات هذه المنطقة ,ألا وهي إشكالية تفسير الشق التجريمي داخل القاعدة الجنائية . فهذي الإشكالية , تعكس وبشكل مباشر مدي قدرة القاعدة الجنائية علي استيعاب الحاضر المتطور .. , وهي بالتالي تعبر عن مدي تطور علمي السياسة والفلسفة الجنائيين . كما هي ايضا ؛ وببحثها ؛ تجيبنا – كاستشعار للمستقبل ــ عن سؤالنا المطروح ابتدءا ؛ الي اين يتجه القانون الجنائي ؛ هل الي مزيد من قدرته علي تحقيق الانضباط , أم يتداعي عن واقعه , مؤديا الي تكريس للفوضي.
ومن خلال بحثنا هذا , سنحاول الجمع بين النظرية والتطبيق من خلال فرعين , اولهما نتناول فيه , النظرية العامة للتفسير؛ ومتعلقاتها , ثم نعرج في ثانيهما الي دراسة أهم الاشكاليات المعاصرة في التفسير لينتهي البحث بخاتمة.
منتهجين في هذا الشأن المنهج الوصفي الدياليكتيكي .
الفرع الأول
الأصول العامة للتفسير
دراسة تفسير عنصر التجريم ، لايمكن فصلها عن دراسة مبدأ هام وهو مبدأ المشروعية ، حيث ظل هذا الأخير مقيِّدا لأعمال المشرع ومبادئ القضاء ونظريات الفقه كلما انبرى أيهم فى معالجة الفروض المختلفة بإشكالياتها الطارفة والتليدة ؛ كل من وجهة إختصاصه.
ولذا ؛ سنتعرض لهذا المبدأ بدراسة مفهومه وتطوره التاريخى ، ثم نتائجه بالنسبة للسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، لننعطف بعد ذلك إلى دراسة التفسير ، من حيث مفهومه وأنواعه ومدارسه ، ثم الإرادة المراد استظهارها عند إعماله.
أولا : مبدأ المشروعية:
Principle Of Legality (nulla poena lege)
يقصد بمبدا المشروعية ؛ أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي سابق في نفاذه علي اقتراف السلوك المجرم . فهو ضمان ضد تعسف الإدارة في مواجهة الأفراد(1) , إضافة الي دوره في منع انتهاك الحريات الدستورية(2) . كما أنه يعبر عن درجة سامية من العدالة الجنائية(3) .
وقد اختلف الفقه حول تاريخ ظهور المبدأ ؛ وإن استندت الأغلبية من الفقه إلي مفهوم المبدأ دون النظر إلي ظهور المصطلح المعبر عنه , بل أكد بعضهم علي أن اتساق نصوص التجريم والعقاب في القوانين القديمة تدل بذاتها أو تكشف بحسن صياغتها عن المبدأ .
فبالاستناد الي مفهوم المبدأ ؛ في سبق وجوده ؛ ذهب البعض الي ظهور المبدأ في كتاب (باول انسلم فينرباخ(1775م-1833م)
Paul Anslem Fener Bach
وإن كان قد سبق ظهوره في العهد الأعظم للملك جون1215
4)(5) )Magnachorta Promulgated by King Jhon
ويتجه الفقه الإسلامى – وبحق – إلى أن للإسلام السبق في ظهور المبدأ داخل آيات القرآن الكريم في اكثر من موضع ومنها قوله تعالي : (وماكنا معذبين حتي نبعث رسولا)(6)(7) .
وبالعودة الي القرن الثامن عشر نجد أن المبدأ قد تحدد مضمونه علي يد علماء العقد النظريين الاجتماعيين (بيكاريا,مونتسكيو) (8) , محتويا علي مفاهيم المدرسة الكلاسيكية التحررية(التي تعتمد علي حرية الإرادة(9) حيث نادت هذه المدرسة ؛ بالتخفيف من قسوة العقوبات ووضع حد لتحكم القضاء واستبداده ..., فالقوانين يجب أن تصاغ بطريقة لا تفتح أمام القاضي أي باب لتفسيرها , والمشرع وحده هو الذي يضع العقوبات بصفة محددة تلغي كل دور للقاضي خلاف تطبيقها كما نص عليها المشرع . كما افترضت هذه المدرسة حرية الارادة في حق الجميع ابتداء حتي ولو كانت من الناحية الفعلية منعدمة او معيبة الي حـــــد
بعيد (10) .
ونتيجة لذلك أقر المشرع الفرنسى المبدأ فى تقنينه العقابى الصادر فى عام 1791 ، ثم نصت عليه المادة الرابعة من قانون العقوبات الفرنسى الصادر فى عام 1810. (11)
أما من حيث اتساق النصوص الجنائية ووضوحها فقد ذهب البعض ؛ إلى أنه يمكن أن يستشف المبدأ داخل قانون حامورابي والقوانين القديمة (12).
وقد يرى البعض أن فى هذا الإتجاه شئ من التصنع ، إلا أنه لا يخلو من الصحة ؛ فإذا كان القسم الخاص فى قانون العقوبات بتحديد الجرائم والعقوبات أسبق فى ظهوره من القسم العام لما فى هذا الأخير من تطور عميق فى الفكر الجنائى ، إلا أن اتساق نصوص التجريم والعقاب ووضوحها فى الحضارات القديمة يستشف منه إحساس المشرعين فى ذلك الوقت بأهمية الصياغة التشريعية المنضبطة وإن لم يكونوا بقادرين على لمس أو إمساك الإطار العام لهذه الأهمية .
علي أية حال , فإن شأو مبدأ المشروعية , قد ارتفع في عهد المدرسة الكلاسيكية , ثم مالبث أن تقلص بتألق الاشتراكية ؛ نتيجة الإرتباك الإجتماعي الذي أحدثته الثورةالصناعية , حيث بدأ الناس في الإعتقاد بعدم جدوي ذلك الفكر التقليدي المتفائل في مواجهة المجتمعات الرأسمالية(13) .
وعلي اثر ذلك , نصت المادة 16 من قانون العقوبات الروسي الصادر في عام 1926 علي أنه إذا كان الفعل ذا خطورة اجتماعية ولم يرد بتجريمه نص صريح طبق عليه أقرب النصوص اليه , وعلي غراره عدلت المادة الثانية من قانون العقوبت الألماني بمقتضي قانون 28 يونية سنة 1935(14) .
ولكن مالبث أن عاد المبدأ مرة اخري بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (15) .
فبمجرد انتهاء النظام النازي في المانيا عاد مبدأ المشروعية الي المادة الثانية من قانون العقوبات , كما عاد المشرع الروسي فنص علي مبدأ المشروعية في المادة الثالثة من قانون العقوبات الصادر في 27 اكتوبر1960(16) .
وإذِ انتهينا من هذه النبذة التاريخية لظهور المبدأ وتطوره التاريخى ، يجدر بنا الإشارة الى انتشاره الواسع ضمن القوانين الجنائية ؛ فقد نصت عليه المادة الثالثة من القانون الجنائي لجمهورية الصين الشعبية لسنة 1979 والمعدل بالجلسة الخامسة لمؤتمر الشعب الوطني الثامن لسنة 1997م(17 ) .والقانون الجنائي الكندي (م6/1)(18) والقانون الطاجاكستاني (م4,3/4,2)(19) ثم التزمته اغلب الدساتير ليتحول الي مبدأ دستوري ,كالمادة 9/1 من الدستور الامريكي (20) والمادة32 من الدستور السوداني (21) , والمادة (66) من الدستور المصري (22)
ولم يغفل المجتمع الدولي ككل أهمية المبدأ فنص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر1948م في المادة 11/2(23)
كما لم يغفل نظام روما الأساسي هذا المبدأ فنص عليه في الباب الثالث في المادتين (23,22) .(24) وكذا المادة 7 من الإتفاقية الأوربية لــــحــقــوق الإنسان (25) .
نتائج المبدأ :
أ- بالنسبة للمشرع :
كان لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص أثر كبير علي تفسير النصوص الجنائية فقد ذهب بيكاريا الي أنه ( إذا كان تفسير القوانين شر ,فان غموضها الذي يستلزم التفسير بالضرورة ,شر آخر)(26) ويلقي هذا دورا هاما علي عاتق المشرع ؛ فالقوانين يجب أن تكتب بوضوح , لأن المحاكم لا تخلق الجرائم فيجب ألا يكون النص عام كليا , وإلا كان غير دستوري ,(27) فيجب –لادانة المتهم- أن تكون الأفعال التي اعتبرها القانون جرائم محددة الأركان تحديدا واضحا . (28) بل اتجه البعض الي أن مفهوم الوضوح يجب أن يمتد لا الي رجل القانون فقط بل كذلك لدي فهم الكافة فيجب أن يكون سهل الوصول الي معناه , حتي أن أي شخص يرغب في معرفة القانون في موضوع معين ؛ يكن قادرا علي التوصل اليه فيجده سهلا في قرءته , وأحكامه متينة البناء ,لا أن يضطر - وهو بصدد فهمه - الي قراءة كتب الفقهاء أمثال روسل و آرتشبولد .....الخ. بل بين يديه بيان مختصر ومفيد وواضح امامه .
اضافة الي أن التقنين الجنائي يجب أن يؤدي الي تماسك هذا الفرع من فروع القانون , وعليه يجب إزالة الفروق اللاعقلانية لأنها تؤدي الي ظلم عند اختلاف التطبيقات , وهذه ليست عدالة .
أن التقنين يجلب الحقيقة العظمي إلي القانون , فالقانون يجب أن يكون بقدر ماهو مؤكد ," ممكنا " . (29)
ويذهب بعض الفقهاء إلي أن هناك نوعان من النظم الأساسية تقع تحت الإبطال للغموض:
أولاهما : حيث كان المعني العادي للكلمات شاملا جدا .
ثانيتهما : حيث كان النص لا يستطيع اشتمال كافة الحالات من السلوك الاجرامي (30).
ويطلق علي هذا القيد في فقه ال Common law مبدأ أو مذهب ((الفراغ للغموض)) أو ((الإبطال للغموض)) . حيث يمكن الكشف عنه بالإجابة علي سؤالين : أولهما : هل استطاع القانون أن يخطر الافراد بالقيود التي ترد علي تصرفاتهم ( الملاحظة العادلة ) ؟
ثانيا : هل النظام الأساسي دقيق بما فيه الكفاية بحيث يحول دون أن تقوم الهيئات التي تطبق القانون ؛ بتطبيقه بصورة إعتباطية ؟ فاذا كانت الإجابة بالإيجاب ؛ دل ذلك علي دقة ووضوح القانون أما إذا كانت الإجابة سلبية ؛ دل ذلك علي بطلان النظام الأساسي ، حيث أن المتطلب الدستوري لوضوح النص الجنائي سيكون منتهكا حين لا يكون النموذج قادرا علي أن يبين للفرد العادي بأنه سيحتجز جنائيا لتصرف ما .
صحيح أنه ليس من المحتمل أن يقوم الشخص قبل أن يقترف القتل أو السرقة بقراءة القانون بعناية . لكن هذا لايمنع من ضرورة أن يكون إعلانه قد جاء بصيغة سهلة
وواضحة . (31)ودرجة الغموض الذي يمكن أن يحتمل تعتمد علي طبيعة التشريع .
إن الحاجة الي صيغ عادلة وواضحة يبدو اكثر أهمية عندما يفرض القانون العقوبات علي السلوك الفردي منه عندما ينظم سلوكا اقتصاديا (كالأعمال التجارية).وكذا في القانون المدني . لأن نتائج الغموض في الحالتين الأخيرتين تكون أقل حدة .
والأكثر اهمية من هذا أن (التشريع) قد يؤثر علي التصرف المحمي دستوريا ومن ثم يجب الا تؤدي صياغة النص الي انتهاك هذه الحريات الدستورية . فالغموض المكروه في القانون هو ذلك الذي يمس منطقة التعبير الحر ؛ فهذه الحريات , حساسة وضعيفة بالاضافة الي أنها ثمينة جدا في مجتمعنا , والتهديد بالعقاب قد يعوق الأفراد عن ممارستهم لهذه الحريات بشكل فعال . فالحكومة لها فقط أن تنظم هذه الحرية في أضيق الحدود . أما القوانين الواسعة التي تمس منطقة حرية التعبير - على سبيل المثال - فهي قوانين مشكوك فيها . إن دقة التنظيم يجب أن تكون المحك عندما تُمس حرياتنا الأغلي .(32)
ويؤدي انضباط الصياغة الي منع التنفيذ الإعتباطي أو الذي ينم عن تمييز ما ؛ فمبدأ المشروعية يؤدي الي ضبط نفس مستمر وواسع الإنتشار , في حين أن غياب هذا الوضوح يدفع ضباط الشرطة والمدعين الي التنفيذ الإعتباطي أو يشاب بشيئ من التمييز . ومثال ذلك النصوص التي تجرم الأفعال المنطوية علي الفوضوية , حيث يجب أن يخضع تعريف الفوضي كليا إلي صيغة القانون . (33)
إن تقييد الحريات يجب ألا يترك لخيال أى وكيل شرطة أو جهاز مخابرات سرى ؛ بل يجب أن تكون هناك معايير معرفة لتطبيق القانون (34) حتى يؤدى ذلك إلى حصر تقــديــر الشــرطــــــــة والمدعين . (35)
ومن الأعباء الملقاة على عاتق المشرع وهو تحت خضوعه للقاعدة ؛ أن يمتنع عن تجريم فعل لم يقع وقت العمل بالقانون الذى سنه (36) ، لأن انسحاب التجريم إلى فعل تحقق فى الماضى معناه اعتبار هذا الفعل جريمة رغم أنه فى وقت إتيانه ، لم يكن قد وجد بعد التشريع الذى يقرر له هذا الوصف ، فيكون ذلك بمثابة جريمة وعقوبة بدون قانون . وهذا مايعرف بقاعدة عدم رجعية نصوص التجريم والعقاب (37) . وكنتيجة لازمة لذلك يمتنع عليه أيضا إنشاء المحاكم الخاصة (38).
ب – بالنسبة للسلطة التنفيزية :
يجب على السلطة التنفيزية أن تمتنع عن تنفيذ أى عقوبة على شخص مالم يصدر ضده حكم بالإدانة . كما يجب عند تنفيذها للعقاب أن تنفذه وفقا للشروط والحدود التى ينص عليها القانون (39).
كما أن الشرطة ؛ فى مرحلة إبتدائية ؛ يجب أن تمتنع عن التطبيق الإعتباطى او المنطوى على تمييز ضد الأقليات ، بل يجب أن يكون تنفيذها حسب نص القانون الواضح (40).
جـ – بالنسبة للسلطة القضائية :
يترتب على مبدأ المشروعية وجوب تفسير النصوص القانونية تفسيرا ضيقا (41).
فمتى لم ينص القانون على تجريم سلوك معين ،لم يجز للقاضى إدانة أى متهم بإقتراف مثل هذا السلوك ، ولو كان تصرفه عديم الأخلاق أو لا إجتماعى (42).
فإذا صوبت المحكمة نظرها الثاقب لتمييز نطاق التجريم ، ومع ذلك ظلت هناك شكوك معقولة حول هذا النطاق ، فإن الشك يفسر لمصلحة المتهم (43) ، كما أنه لا يجوز استخدام القياس الذى يؤدى إلى تجريم أفعال لم ينص على تجريمها (44) .
ثانيا : التفسير:
(أ)مفهوم التفسير وأنواعه :
1/ المفهوم العام للتفسير :
التفسير هو بيان الحكم القانونى الأمثل الذى يستدل عليه من الألفاظ التى عبر بها المشرع عن ذلك تمهيدا لتطبيقه على الفرض المعروض أمام القاضى أو الفقيه (45).
وقد ذهب البعض (46) إلى أن التفسير يتم اللجؤ اليه إذا شاب النص غموض يراد توضيحه أو تعارض يبتغى إزالته أو حتى نقص يتعين إكماله . واتجه رأى إلى خلاف ذلك بإعتبار أن التفسير قد يرد على نص سليم لا يلحقه عيب معين ، بإعتباره حكما تشريعيا على الحالات الواقعية التى تثور أمامه (47).
2/ مفهوم تفسير النص الجنائى :
المقصود بتفسير القانون الجنائى خضوع القانون لتلك العملية الزهنية التى يمكن بواستطها فهم مضمون النص الجنائى وتحديد معناه من اجل رسم حدود تطبيقه (48).
3/أنواع التفسير :
• أنواع التفسيرمن حيث مصدره :
ينقسم التفسيرمن حيث مصدره إلى تفسير رسمى يتولاه المشرع وتفسير قضائى وتفسير فقهى (49).
التفسيرالتشريعى : هو التفسير الذى يصدر عن المشرع نفسه . فإذا كان المشرع هو الذى يضع التشريع ، فيكون هو أقدر من غيره على تفسيره (50).
التفسير القضائى : هو الذى يقوم به القضاة أثناء نظر الدعاوى التى ترفع إليهم حتى يتوصلوا إلى معرفة حكم القانون فى هذه الدعاوى (51).
التفسيرالفقهى : وهو الذى يصدر عن فقيه فى القانون (52) ، وإذا كان التفسير هو عمل إستثنائى نادر بالنسبة للمشرع ، كما أنه عمل مرتبط بتطبيق القانون بالنسبة للقاضى ، فإننا نرى الآن أنه العمل الأول والأخير بالنسبة للفقيه . فليست للفقه وظيفة أخرى غير تفسير القانون (53).
• أنواع التفسير من حيث أسلوبه :
ينقسم التفسير من حيث أسلوبه إلى تفسير لغوى وآخر منطقى أولهما يعتمد على اللفظ والعبارة ( المبنى ) ، والآخر يعتمد على المعنى والمقصد (54).
• من حيث النتيجة :
ينقسم التفسير من حيث مايتمخض عن إعماله إلى ثلاثة أنواع :
أولهم : التفسير الكاشف ( المقرر ) : أى الذى يكشف عن قصد الشارع ويقرره ؛ حيث يتطابق فيه المعنى واللفظ مع قصد المشرع .
ثانيهم : التفسير المقيد والموسع : فلا يقصد بهما ؛ كما يقال عادة ؛ التفسير الذى يتحدد وفقا لما إذا كان الشارع قد قال فى النص أقل أو أكثر مما أراد . وإنما يقصد بهما إعطاء القاعدة الجنائية معنى غير المعنى الظاهر لأول وهلة من اللفظ القانونى ، بحيث يصبح بين " المعنى الظاهر " و "المعنى الحقيقى" فارق مرجعه العزوف عن ظاهر اللفظ إلى فحوى النصوص ، فإذا كان المعنى الظاهر قد تقلص بعد عملية التفسير ، فإن التفسير يكون مقيدا . أما إذا كان قد إتسع وانبسط نطاقه فإن التفسير يكون "مفسحا" أى "موسعا"(55).
(ب) مدارس التفسير :
1- مدرسة الشرح على المتون : وهى تعتمد على شرح مقيد للنصوص وتعتمد على الإعتداد بنية المشرع الحقيقية ... ، فإذا تعذر الوصول إليها تم الرجوع إلى النية المفترضة والمستخلصة من روح التشريع بمقارنة النصوص ببعضها البعض ، وبالإستعانة بالروح العامة والمبادئ الأساسية التى يمكن إستخلاصها من القانون ، ومن نتائجها كذلك إعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون .
وقد أنتقدت هذه المدرسة لمبالغتها فى الوقوف عند المدلول
الشكلى مما يؤدى إلى عدم تطور القانون بل إلى جموده (56).
2- المدرسة التاريخية :
الفكرة الأساسية فى فقه هذه المدرسة التى أنشأها فى ألمانيا "سافينى" و "بوشتا" ، هى أن المصدر الوحيد للقانون هو ضمير الشعب أو روح الأمة . أما التشريع فهو لا يعدو أن يكون تعبيرا عن هذه الروح ، وليس عملا إراديا منشئا صادرا عن المشرع . ومن ثم فإن تفسير التشريع لا ينبغى أن يكون تفسيرا لإرادة المشرع ، بل يجب أن يستقل التشريع عن المشرع ، ليعش حياته المستقلة فى الجماعة ذاتها ، ويخضع فى تفسيره لكل التطورات التى تحدث داخل هذه الجماعة (57) .
وحيث أننا سنتطرق إلى فكرة الإرادة فيما يلى دراسة هذه المدارس ؛ فنجمل القول فى هذا الصدد ، بأن العيب الرئيسى فى فقه المدرسة التاريخية ؛ أنها لاترى فى التشريع عملا إراديا ، وأنها لا ترى فى القانون كله تعبيرا عن إرادة الإنسان ، بل ترى فيه تعبيرا جبريا بما تسميه بروح الشعب أو ضمير الجماعة . والصحيح أن القانون هو بالدرجة الأولى عمل إرادى ، بل هو نتيجة للصراع الدائم بين الإرادات الإنسانية النشطة (58).
ويلاحظ أن الصراع بين المدرستين السابقتين لم يقف على حدود حلبة الجدل الفقهى ، بل امتد إلى أروقة القضاء ؛ ففى قضية كليبر أمام المحكمة العليا لكاليفورنيا 1970، ثار الخلاف بين أغلبية القضاة والقاضى بورك الذى عارض الحكم داعيا إلى عدم الإكتفاء بتفسير القانون العام للإجهاض على أنه قتل إنسان ولد بالفعل ، بل يجب أن يمتد ليشمل الجنين ؛ على أساس أن المشرع عندما أصدر قانون العقوبات للولاية عام 1850 كان متأثرا بواقعه الإجتماعى ، حيث كانت معدلات وفيات الأطفال المولودين بالفعل آخذة فى الإرتفاع نتيجة لتخلف الطب فى ذلك الوقت ، أما فى الوقت الحاضر ، فإن التطور الطبى ، أدى إلى زيادة كبيرة فى نسبة إحتمالات بقاء الطفل على قيد الحياة حتى ولو ولد قبل أوانه ، ثم استطرد القاضى المعارض مؤيدا قوله بالإستناد إلى عدم ضرورة العودة إلى القانون العام لتعريف النظم الأساسية متسائلا عن المانع من إعتبار الجنين إنسانا فى الوقت الذى نعطى فيه وصف الإنسان للمسن والمحتضر . (59)
• المدرسة العلمية :
تتجه هذه المدرسة إلى التعرف على إرادة المشرع الحقيقية وقت وضع النص ، فلا شك أن التشريع عمل قامت به إرادة واعية تهدف إلى تحقيق غرض معين منه ، ومهمة التفسير هى الوصول بقدر الإمكان إلى هذه الإرادة ، فإذا لم يتعرف المفسر على هذه الإرادة بسبب عدم وجود نص يحكم المسألة المعروضة فإنه يلجأ إلى المصادر الرسمية الأخرى ثم إلى البحث العلمى الحر الذى يرجع إلى العوامل المختلفة التى تساهم فى خلق القواعد القانونية والمصادر المادية للقانون بما تشتمل عليه من حقائق طبيعية وتاريخية وعقلية ومثالية (60).
وقد أثارت المدارس السابقة جدلا فلسفيا آخر ؛ إنصب حول الإرادة المتوخى استظهارها من التفسير ، وهذا ما سنتناوله فيما يلى.
(ج) الإرادة المراد إستظهارها بالتفسير :
ثار الخلاف الفقهى حول الإرادة المراد استظهارها عن طريق التفسير ؛ أهى إرادة المشرع أم إرادة التشريع ؟ لتتمخض عن هذا التساول نظريتان ؛ الأولى : النظرية الشخصية ؛ والتى ترجح إرادة المشرع ، بإعتباره واضع النص التشريعى ، ويتم إستكناه هذه الإرادة من من خلال وسائل عدة ؛ كاللجوء إلى الأعمال التحضيرية التى غالبا ماتكشف عنها (61).
وقد انتقد الفقه هذا المذهب من عدة أوجه ؛ فمن وجهة أولى ؛ " لايمكن معرفة إرادة المشرع إن كان فردا واحدا أثناء حياته ، فقد لايستطيع التعبير عنها ، وقد يدفعه شعوره بأن النص الذى وضعه ناقص ؛ إلى محاولة سد نقصه بالإعلان عن إرادة لم تكن إرادته . وإن كان أكثر من شخص ؛ فمن النادر إجماعهم على رأى واحد بصدد نصوص هذا التشريع حتى ولو أجمعوا على صيغة واحدة لاختلاف بواعثهم على وضع النص "(62)
ويبدوا أن هذا النقد ، يتصف بصبغة تجريدية ؛ فهو لا يأخذ بالفكرة المعنوية أو الحيلة القانونية لمصطلح المشرع " النية الموضوعية " ، بل يتجه إلى تجريد المشرع من شخصيته المعنوية ، ورده إلى مفهومه الإنسانى " النية الشخصية " ، كنوع من مجابهة منطق النظرية الشخصية بذات الأسلوب الذى اتبعته.
ومن وجهة ثانية ؛ أنتقد المذهب الشخصى على أساس أنه مخالف للقواعد الدستورية ، باعتبار أن التشريع بمجرد صدوره يعد تعبيرا عن الإرادة الجماعية للأمة لا تعبيرا عن قصد فرد واحد فيها ، كما أنه يؤدى إلى تعطيل قدرة التشريع على ملاحقة التطور فى أساليب الجريمة (63).
ومن خلال هذا النقد إتجهت بعض الآراء الفقهية إلى الأخذ بمذهب موضوعى : يدور مفهومه حول إنفصال النص عن واضعيه ليتطور بمعزل عن إرادتهم ، بالقدر الذى تسمح به ذاته ووظيفته الإجتماعية التى يهدف إلى تحقيقها داخل النظام القانونى وهى الصالح العام (64).
إلا أن هذا الإتجاه لا يخلوا من نقد ؛ فهو يتجاهل حقيقة هامة ، أن القاعدة القانونية ليست كائنا حيا بل هى وسيلة لتنظيم علاقات المجتمع . وما الحديث عن إنفصالها عن مصدرها ، إلا حديثا مثاليا أشبه بلوحة سيريالية ، ذات أبعاد ميتافيزيقية ، لكنه لايصلح أساسا فى التجريم والعقاب ، ذلك الذى يمس الفرد فى حريته أو جسده أو ماله مساسا مباشرا ، ومن ناحية ؛ فإن هذا المذهب لا يؤدى إلى تطور القانون بل إلى جموده جمودا نابعا من فكرة الإنفصال عن إرادة المشرع ؛ لأن نطاق تفسيره سينحصر فى التعابير اللغوية ، والقول بغير ذلك يؤدى إلى إقتراب مفهوم النص القانونى إلى القانون الطبيعى ، أو العرف ، كما سيشكل إنتهاكا - بفرض أخذنا به - لمبدأعدم جواز تطبيق القانون بأثر رجعى ، فالأفراد يجب أن يعطوا ملاحظة عادلة ( علم مسبق ) بأن سلوكهم الذى لم يكن مجرما وفق تفسير سابق سيضحى كذلك بناءا على تتبع الصالح العام .
• نظرية البيان الواضح :
أشار رئيس القضاة بمقاطعة نيو ساوث ويلز بأستراليا ؛ إلى مبدأ البيان الواضح ؛ منطلقا من توضيح أن المقصود بنية المشرع هو النية الموضوعية للبرلمان ، وليس النية الشخصية للوزراء أو أعضاء البرلمان ، ففى حقيقة الأمر ؛ لا يوجد أى نية شخصية ذات علاقة بالنص التشريعى ، ومهمة المحكمة ليست فهم نية البرلمان ، بل الكشف عما عناه البرلمان بكلمات النص .
وأضاف بأن الأصل التاريخى لمفهوم النص ، منبثق من منازعات العقود ، فقد كان السؤال المطروح دائما ؛ مامعنى الكلمات المستخدمة فى العقد ، وليست نية الأطراف .
وانتقد بشدة افتراض نية المشرع لفهم نصوص القانون ، فلا أخطر أو أشد بطلانا فى تفسير قانون ما ، من افتراض أن المجلس التشريعى كان عنده نية معينة ، وبعد ذلك يتم إتخاذ قرار نهائى بالإستناد إلى هذه النية المفترضة .
إنما البحث يكمن فى معنى الكلمات ، ذلك أن من يضعون التشريع إنما يضعونه على خلفية المفاهيم والمبادئ والممارسات والحقائق والحقوق والواجبات التى أعتبرت ؛ وفق ثقافتهم المشتركة فى وقت ما ؛ من البديهيات ، أو إعتقدوها كذلك دون إهتمام واع ، بسبب هذه الثقافة المشتركة ، الأمر الذى جعلهم يعتبرونها من الفرضيات التى لا يُتطلب تكرارها مرارا فى كل نص .
وانطلاقا من هذا ، فإن الكشف عما أعتبر من البديهيات ؛ سواءا كانت ، مبادئ أو ممارسات ..... ألخ ؛ سيؤدى بالتبعية إلى إكتشاف المعنى المقصود من النص .
ولا يعنى ذلك تطبيق المفهوم الحرفى تطبيقا كاملا بشكل يؤدى إلى الإصطدام بالمبادئ المعترف بها فى ذلك البرلمان ، بل مجمل القول أنه يجب البحث عن شئ صريح يستخلص إما من السياق أو من الظروف الملابسة لوضع التشريع . ويخلص رئيس القضاة - فى هذا الشأن - إلى ضرورة التخلى عن مصطلح التفسير الضيق ، على أن يتوازى ذلك مع إعطاء المحاكم تفسيرا مقيدا للغة البرلمان ، ويعمل ذلك بصرف النظر عن نية البرلمان ، مطلقا على ذلك كله "مبدأ البيان الواضح"(65).
ومع ذلك لم يزل التساؤل قائما حول كفاية هذه النظريات ؛ على إختلافها ؛ لوضع حد أدنى يمكن الاسترشاد به لحل مشكلة التفسير فى ظل المستجدات اللا متناهية لا سيما فى وقتنا الحاضر ؟ هذا ماسنبحث عن إجابته فى الفرع الثانى من الدراسة ؛ والمتعلق بالإشكاليات المعاصرة فى التفسير (دراسة تطبيقية ).
الفرع الثانى
الإشكاليات المعاصرة فى التفسير
عوامل عديدة تتهدد صياغة النص الجنائى ، فتؤثر عليه من حيث وضعه أو تطبيقه أو تنفيذه ، فمنها ذلك النمط القديم الحديث للجريمة الذى يزداد عنفا ودموية يوما بعد يوم مخلفا وراءه العديد من الضحايا ؛ ألا وهو الإرهاب ، بما حمله من تطور كمى ونوعى ، فأدى إلى إستنفار دولى لمجابهته على وجه السرعة وما رتبه ذلك من إرتباك النصوص المجرمة والمعاقبة على إقترافه ، فاستتبع هذا بالتأكيد إرتباكا مقابلا عند تطبيقها وتنفيذها .
ومن هذه العوامل أيضا تلك التى تتعلق بالإرث التاريخى لبعض الأنظمة القانونية كالنظام الأنجلوسكسونى أو " الأنجلوأميريكى" ، والذى خَلَفََ إرثه من قواعد القانون العام أو الـ Common law
فإذا بهذا الإرث لا يتجاوب مع إشكاليات الفروض غير المتناهية فى عصرنا الحديث .
ويهمنا كذلك - فى هذا الصدد – دراسة التقدم التكنلوجى الذى لعب دورا هاماً فى تطور أنماط الجريمة فى وقت لم تعهد فيه العلوم الإنسانية إرتباطا وثيقا بالعلوم الطبيعية كما نشهده فى وقتنا المعاصر.
وعليه فسنتجه إلى دراسة ماسبق فى ثلاثة بنود يتعلق أولهم بدراسة الأرهاب وأثره على التفسير ، ثم ننعطف إلى الـتأثير المتبادل بين كل من التفسير والقانون العام الـ Common law
، يتلو ذلك بند أخير عن دراسة جرائم الحاسوب وأثرها على التفسير.
أولا الإرهــــــــاب
1- جزور مصطلح الإرهاب :
ترجع جزور مصطلح الإرهاب فى اللغة الإنجليزية إلى عهد الثورة الفرنسية (1789- 1795م) عندما إستعمل رجل الدولة البريطانى إدموند بورك التعبير لوصف تصرفات الحكومة الفرنسية تحت هيمنة جاكوبن ؛ أثناء فترة الثورة الفرنسية المعروفة بعهد الإرهاب (1793- 1794) بزعامة ماكسيمليان روبيسبير (رئيس لجنة السلامة العامة والمحكمة الثورية ). فى هذه الفترة حوكم الآلاف من أعداء الدولة ، وقد إختلف العلماء فى تقدير هذه الأعداد ، وإن كان الراجح لديهم بأن 500000 ألقى القبض عليهم ، 40000 نفذ فيهم حكم الإعدام ، 200000 تم إبعادهم ، 200000 ماتوا فى السجن من جراء التجويع والتعذيب (66).
2- أهمية تعريف الإرهاب :
تجد ضرورة الإجماع على تعريف الإرهاب أهميتها على المستويين الدولى والداخلى وكذلك على مستوى الأفراد .
فعلى المستوى الدولى : يؤدى الإجماع على تعريف موحد للإرهاب إلى إمكانية وضع إتفاقية شاملة واحدة بشأنه ، ذلك أن عدم الإتفاق على تعريف موحد كان العقبة الرئيسية أمام وضع إجراءات عالمية مضـــادة له (67).
أما على المستوى الداخلى : فإن تعريف الإرهاب يجد أهميته فى التشريع والعقاب فيجب أن يميز الإرهاب عن الجريمة العادية (68).
وعلى مستوى الأفراد ؛ فإن عدم وضع تعريف محدد وواضح للإرهاب ، يؤدى إلى أستخدام الحرب على الإرهاب كزريعة للمساس بحقوق وحريات الأفراد . وعلى سبيل المثال تزايدت أخطار مسعى الإدارة الأمريكية لمكافحة الإرهاب بتزايد حالات الإحتجاز والمحاكمة وإعدام الإرهابيين بدون الإعتبارلأغلب وسائل الحماية الإجرائية التى يكفلها الدستور والقانون الدولى ، لاسيما ماخوِّل للمحاكم العسكرية بشكل خاص ، من عزل المشتبه به أو القبض عليه بدون تسبيب وبدون عرضه على القاضى ....ألخ.
ويؤكد ذلك ماتم بالفعل من إستجواب 130000 مهاجر أجنبى للولايات المتحدة ، وترحيل قرابة 9000 شخص غير موثوق بهم ، وتوقيف أكثر من 800 مشتبه به ، واعتقال 11 إرهابى مشتبه به ، لا سيما من العرب والمسلمين (69).مما دعا السيناتور الديمقراطى كارل يفين من ميشغان ، عضو لجنة القوات المسلحة ؛ مستشهدا بالقرارات السابقة للمحكمة العليا الأميريكية ؛ إلى القول :
" إذا أردنا إحتجاز الأفراد لمدى الحياة او لعدة سنوات ، فيجب أن يكون هناك بعض القليل من مظاهر المشروعية الإجرائية " (70).
3 - تعريف الإرهاب :
بالرغم من ضرورة تعريف الإرهاب ، إلا أن الخلاف حول وضع تعريف موحد له لا زال قائما ؛ حتى أن البعض قد ذهب إلى "أن الكفاح لتعريف الإرهاب أكثر صعوبة من الكفاح ضد الإرهاب نفسه "(71). وأعتبر آخرون أن تعبير الإرهاب أضحى خاضعا لتسييس ؛ فهناك ميل لإستخدامه عندما يكون ملائما سياسيا ، لاسيما بعد هجمات سبتمبر ، وذهب تشومسكى - مؤرخ لغوى - إلى أنه " من غير المعتاد أن يستخدم تعبير الإرهاب لوصف نوع معين من السلوك ؛ وإنما كعلامة لتشويه عدو محسوس بشروط تروج لإحداث النفور والغضب الأخلاقى .
والشروط قد تكون مستخدمة ضمن سياقات عنصرية بأسلوب مهذب أو مقبول أو ملطف سياسيا لـ " العرب " أو " المسلمين ". أو إستعمال الإرهاب كسلاح سياسى قوى لتهميش أو إبطال دور الفئات السياسية المختلفة (72).
وكمثال على هذا التعدد والتباين بين المصادر المختلفة التى حاولت جاهدة وضع تعريف للإرهاب تقابلنا صيغة الإتفاقية الأوروبية لمكافحة الإرهاب ؛ فهذه الأخيرة وإن لم تفرد تعريفا للإرهاب ؛ وإنما اكتفت بتحديد الأفعال الإرهابية ؛ إلا أن ديباجتها حملت إلى حد ما وصفا عاما للأعمال الإرهابية ؛ والتى تهدف بطبيعتها أو سياقها إلى تخويف الأشخاص أو لإرغام الحكومات أو المنظمات للقيام أو الإمتناع عن عمل ما أو لزعزعة أو تدمير النظم الأساسية الإقتصادية والدستورية والسياسية أو الخصائص الإجتماعية للدولة ، أو ضد المنظمات العالمية (73).
اما لغة عصبة الأمم (1937) فقد جاءت الصيغة فيها لتعريف الإرهاب بأنه
" كل الأفعال الإجرامية التى توجه ضد الدولة هادفة خلق الهوف والرعب فى عقول أشخاص معينين ، أو مجموعة أشخاص أو الجمهور ".
فى حين قررت الأمم المتحدة فى 1999 ؛ بعد إدانتها لكل ما يعد إرهابا ؛ بأن الإرهاب هو "تلك الأعمال الإجرامية التى قصدت أو قُدرت لإثارة الخوف لدى مجموعة الأشخاص أو مجموعة معينة من الأشخاص لتحقيق أهداف سياسية ؛ وأيا كانت الإعتبارات ، سواءا الطبيعية أو الدينية أو الأثنية أو العرقية أو الآيديولوجية أو الفلسفية أو السياسية ألتى تبرر بها هذه الأفعال .
تعريف وزارة الدفاع الأمريكية :
" الإرهاب هو الإستعمال المحسوب للعنف أو التهديد بإستعماله لغرس الخوف أو إجبار الحكومات أو المجتمعات لتحقيق أهداف آيديولوجية او دينية ؛ أو سياسية بصفة عامة ".
مكتب التحقيقات الفيدرالى :
" أستخدام القوة أو العنف غير القانونى ضد الأشخاص أو الملكية لتخويف أو إجبار الحكومة ، او السكان المدنيين وذلك بغرض تدعيم أغراض سياسية
أو إجتماعية" (74).
وعلى الصعيد العربى ؛ نجد إجماعا عربيا على ضرورة التمييز بين الإرهاب ومقاومة الإحتلال (75) وقد نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى فى الباب الأول للإتفاقية العربية للإرهاب على أن :
" الإرهاب : كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه ، يقع تنفيذا لمشروع إجرامى فردى أو جماعى ، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق او الأملاك العامة أو الخاصة ، أو إحتلالها والإستيلاء عليها ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .
ونصت الفقرة الثالثة على أن :
الجريمة الإرهابية : هى أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابى فى أى من الدول المتعاقدة ، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلى ، ......"(76) .
ومجمل القول فى الإختلاف حول تعريف الإرهاب ؛ أن هناك إعتبارات عديدة تتنازع كل من يحاول وضع تعريف للإرهاب فهو يواجه على الأقل بأحد هذه الإعتبارات الثلاثة :
- مدى الإعتداد بالبواعث (سياسية ، دينية،......ألخ ).
- مدى الإعتداد بمشروعية الكفاح المسلح ؛ المناضل من أجل الحرية ؛
( المقاومة الفلسطينية كمثال ) أو مايطلق عليه البعض :
One state"s "terrorist" is another state"s "freedom fighter".
- إرهاب الدولة ( إسرائيل كنموذج مثير للخلاف ).
- حماية حقوق وحريات الأفراد ضد تعسف السلطة .
وأدت هذه الإعتبارات – وغيرها ، لا سيما تلك المرتبطة بالسياسة الدولية ( وهو ما يخرج عن النطاق القانونى للبحث ) – إلى هذا الكم من التناقضات داخل النصوص التى حاولت وضع تعريف للإرهاب ،لتظهر بمظهر الإعلانات الدولية غير الملزمة ، فهى تجريدية إلى حد بعيد غير عملية من الناحية التطبيقية ، والأهم من هذا كله أنها عندما تحاول رسم حدود للإرهاب تبدأ بنبذ الإعتداد بالبواعث ، لتعود بعدها للحديث عن هذه البواعث بصيغ أخرى كـ" الغرض الإرهابى " أو " بتدعيم أغراض سياسية أو إجتماعية".
ويكشف ما سبق أن هناك صراع نفسى بين الدول المكافحة للإرهاب والإرهاب نفسه ، فالدول المحكومة بمبادئ القانون لا ترغب فى بث رسالة إلى الإرهابيين مفادها ، إمكانية إستفادتهم من مبادئ القانون السامية . أو تكشف عن تراخى الدول فى كفاحها ضد الإرهاب ، فى نفس الوقت ، فإن طيفا ما لإعتبارات المبادئ القانونية ؛ العلمية والعملية ، الملتصقة بالعدالة ؛ يحول دون الإغراق فى التجريد ، لتخرج لنا النصوص فى حاجة إلى الإنضباط فى ذاتها أولا قبل أن تؤدى دورها فى تحقيق إنضباط السلوك الإنسانى.
4 - متطلب التفسير :
فى ظل هذا التضارب ، كان لابد للقضاء أن يقوم بدور جبار لوضع حدود التجريم ولعل من أبرز القضايا التى برز فيها هذا الدور ما قضى به القاضى بروكلين Brooklyn فى يونيو/ حزيران من عام 1988 برفض إلتماس المدعى الإتحادى الذى طلب تسليم عبد العطا إلى إسرائل ، وقد حامت الشكوك حول مشاركة عبد العطا ( وهو مواطن أمريكى ) فى هجوم ضد حافلة فى الضفة الغربية فى أبريل نيسان 1986 ، وقد إعتبر القاضى الهجوم "سلوكا سياسيا ، فهو جزء من الإنتفاضة فى المناطق المحتلة ، وله دور فعال فى نيل منظمة التحرير الفلسطينية "أهدافا سياسية" ، فى "الضفة الغربية" ،
( فثوار اليوم يمكن أن يكونوا حكام الغد ) . وبالتالى إستثنى القاضى الجرائم السياسية من صنف الجرائم الخاضعة لمعاهدة التسليم بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية(77).
غير أننا لا نغلو إن قلنا بأن هذه النظرة القضائية المتميزة للقاضى بروكلين لم تكن محكومة فى حقبة الثمانينيات بمثل معطيات ألفيتنا الثانية ، لا سيما بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، وتداعياتها السلبية على النظرة الغربية للمقاومة الفلسطينية .
وعلى سبيل التمييز بين السلوك الإرهابى وذلك المحمى دستوريا ؛ قضى فى قضية دنيس مقابل الولايات المتحدة - (341 الولايات المتحدة 494(1951) – " بأن الحق الدستورى فى حرية التعبير تُكفل حمايته عندما يكون الخطاب مجرد دعوة إلى مناقشة أو تفسير المذاهب أو العقائد التى تحث على إسقاط الحكومة ، دون ذلك الذى يدعو لمثل هذا الإسقاط بالفعل أو يتدخل فى أمور حيوية تمس الأمن القومى"(78).
ومع ذلك فإن بعض السيناريوهات صعبة التكييف قد تقف أمام قيام القضاء بمهمته على الوجه الأكمل ومنها :
- مجموعة تستهدف إغتيال قائد سياسى عن طريق تفجيره داخل فندق فاخر يقيم فيه ، وبالرغم من قيام هذه المجموعة بإنذار مسبق ، إلا أن تنفيذ العملية أسقط العديد من الضحايا الأبرياء.
- خروج مجموعة جنود من معركة عنيفة ، فقدوا فيها العديد من رفقائهم ، لينطلقوا فارين بغير هدى وفى حالة من التهيج والذعر ، مدمرين كل مايصادفونه من حقول وبنايات وأراض ، وهم لا يعرفون عدوهم من صديقهم .
- قيام مجموعة ثورية بإقتحام سفارة ، مطالبين بإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين ، إلا أن الحكومة ترفض - بصمود- التفاوض معهم ، بل وتقم بعملية إنزال أو إقتحام فاشلة يترتب عليها سقوط أبرياء من الرهائن . وفى الوقت الذى تدعى فيه الحكومة إستخدام الثوار للمدنيين كدروع بشرية يرفض هؤلاء هذا الإدعاء .
- تسطو إحدى العصابات المسلحة على البنك المركزى قبل أن تردى مديره ميتا ، فهل يختلف تكييف سلوكهم باختلاف ما إذا كان هدفهم الربح أم كان تسبيب أزمة فى الثقة العامة للنظام المصرفى للدولة أو زعزعة الإقتصاد (79).
- وأقرب مثال إلينا من أرض الواقع ؛ ماحدث مؤخرا فى شوارع الخرطوم ، عقب الإعلان عن وفاة قائد التمرد الأسبق "جون قرنق" ؛ حيث عاث بعض من أفراد القبائل الجنوبية قتلا للأنفس وتدميرا للممتلكات الخاصة والعامة وكل مايصادفونه أمامهم من حى أو جماد .
ثانيا : قواعد الكومون لو
يشكل القانون العام أو الـ ""Common law أساس الأنظمة القانونية فى كل من إنجلترا وويلز ، جمهورية إيرلندا ، الولايات المتحدة الأمريكية ( ماعدا لويزيانا ) ، كندا ( ماعدا كويبك) ، أستراليا ، نيوزيلاندا ، جنوب أفريقيا التى تخضع كذلك للقانون الهولندى الرومانى ،الهند والتى يمذج نظامها بين الكومون لو والشريعة الهندوسية المحلية وبعض أحكام الشريعة الإسلامية(80) ، ماليزيا ، سنغافورة ، هونج كونج ، ....والعديد من البلدان الأخرى الناطقة بالإنجليزية أو الكومون ولث (81).
1 - تعريف القانون العام :
يمكن تعريف القانون العام ، بأنه ذلك النظام المنبثق عن قرارات القضاة ( فمصدره السلطة القضائية ) ، بدلا عن النظم الأساسية -التشريعات - التى تصدر من السلطة التشريعية فى الدولة (82). وذلك نتيجة لعدم إنتظام البرلمان فى إجتماعاته ، فعمل القضاة - بدلا عن المشرعين - فى خلق وتعريف العديد من الجرائم والمعاقبة عليها(83).
2- تطور القانون العام :
يمكن القول بأن التطور المبكر للقانون العام قد نتج - بشكل كبير – من خلال ثلاث محاكم إنجليزية (84) هن :؛ محكمة مجلس الملك King Bench ، ومحكمة المال Court of Exchequer ، والمحكمة المدنية الكبرى ( التدوينية ) Court of Common Pleas (85).
وجاء هذا التطور نتيجة التنافس الإيجابى بين هذه المحاكم الثلاث وغيرها من محاكم المملكة.
ونتيجة لإتساع القانون العام ، فقد إزدادت الدعوات لإصلاح القانون الجنائى "بتقنينه"(86)؛ ذلك أنه وإن لم توجد سابقة مرصودة ، فإن أى فعل ؛ وفقا لمفهوم القانون العام ؛ يمكن أن يجرم ولو لم يرد بشأنه نص ، متى كان مؤديا مباشرة إلى جرح مشاعر الجمهور ،كما فى حالة الأفعال التى تخدش الأخلاق العامة أو تكون ذات طابع تجريحى أو معرقلة أو مفسدة للعدالة بصفة عامة . بل وحتى إن كانت مؤثرة فى الصحة العامة(87).
ففى قضية كومونولث ضد موتشان 1955م ؛ قررت المحكمة العليا ببنسلفانيا فى الولايات المتحدة الأمريكية إدانة - ومن ثم معاقبة - موتشان بجريمة لم ينص عليها القانون الجنائى البنسلفانى إستنادا إلى قواعد الكومون لو ، وتتلخص وقائع القضية فى أن موتشان ضايق إمرأة على الهاتف ، وبالرغم من أن القانون البنسلفانى لم يكن ينص على مثل هذه الجريمة ، إلا أن الأغلبية - من القضاة - أدانت سلوكه على أساس أن كل مايغضب أو يجرح الحشمة أو الأخلاق العامة ؛ يجرم تحت القانون العام . فى حين عارض القاضى "وود سيد" قرار الأغلبية لعدم ملاءمته ، فمسئولية التجريم تقع على عاتق المجلس التشريعى لا المحاكم ، بل يجب على هذه الأخيرة أن تستعمل ضبط النفس ، وألا تتجاوز حدودها مثل فرعى الحكومة الآخرين ( السلطتين التشريعية والتنفيذية ).
إلا أن الأغلبية رأت بأن هذا القرار لا يخلق جريمة جديدة ، لكنه يمنع - ومنذ فترة طويلة – مثل هذا النوع من التصرفات ، موضحة ، أن نية المجلس التشريعى لابد وأنها اتجهت إلى ذلك ؛ وإلا لما نُص على الإبقاء على العمل بقواعد القانون العام .
من الجانب الآخر ، ذهب وود سيد إلى أن هذا انتهاك واضح لمبدأ
المشروعية (88).
وفى قضية أخرى ، وهى قضية كليبر مقابل المحكمة المحكمة العليا لكاليفورنيا1970، تحرش المتهم بزوجته الحبلى ، دافعا ركبته فى بطنها ؛ مما أدى إلى إجهاضها . أتهم كليبر بثلاث تهم من ضمنها القتل ، وإذ لم يكن قانون كاليفورنيا - الذى شرِّع فى عام 1850 - يعرف الإجهاض فإن المحكمة إلتجأت إلى القانون العام ، إلذى يقصر مفهوم الإنسان فى القتل على من ولد بالفعل ومن ثم جاء الحكم برفض إعتبار كليبر قاتلا وفقا لرأى أغلبية القضاة ، فى حين عارض القاضى بورك الحكم ؛ على أساس أن المشرع عندما أصدر قانون العقوبات للولاية عام 1850 كان متأثرا بواقعه الإجتماعى ، حيث كانت معدلات وفيات الأطفال المولودين بالفعل آخذة فى الإرتفاع نتيجة لتخلف الطب فى ذلك الوقت ، أما فى الوقت الحاضر ، فإن التطور الطبى ، أدى إلى زيادة كبيرة فى نسبة إحتمالات بقاء الطفل على قيد الحياة حتى لو ولد قبل أوانه ، ثم استطرد القاضى المعارض مؤيدا قوله بالإستناد إلى عدم ضرورة العودة إلى القانون العام لتعريف النظم الأساسية متسائلا عن المانع من إعتبار الجنين إنسانا فى الوقت الذى نعطى فيه وصف الإنسان للمسن والمحتضر . كذلك لم لا يمكن للمحاكم أن تمثل " شبكة أمان " عندما يخفق المجلس التشريعى فى التصرف على النحو الملائم.
ومع ذلك ، فإن تقيد المحكمة بمبدأ الفصل بين السلطات ، وكذا مبدأ المشروعية الذى يمنعها من خلق جرائم جديدة ؛ قد حالا دون أخذ الأغلبية برأى القاضى المعارض ، لاسيما أنهم وبفرض إقتناعهم ومن ثم أخذهم برأيه ؛ سيجابهون بمبدأ عدم رجعية النص الجنائى على المتهم الذى يجب أن يعرف مقدما بأن مثل هذا التصرف غير شرعى(89). أى أن هناك إتجاها قضائيا يقصر دور قواعد القانون العام على الوظيفة التفسيرية . مما يؤكد وجود صراع بين المتمسكين بمبدا المشروعية وبين الليبراليين ألذين يعطون للقانون الجنائى وظيفة ميكانيكية تسعى إلى جبر الظواهر المستهجنة بالآلية القضائية مباشرة .
ومن هؤلاء من يتجه إلى الإستغناء عن القانون العام كلية ، فبالرغم مما يقدمه من مساعدة للقضاء بما يتيحه له من الإسترشاد بالتجارب القضائية لبقية الدول الناطـــــــــــــقة بالإنجليزية فضلا عن مساعدته فى إستقرار بعض القواعد التى تمتعت بقبول عام ؛ إلا أنه يخفق ؛ فى حالات كثير ؛ فى التعاطى مع التطورات الإجتماعية مما دفع معظم الدول فى السنوات الأخيرة إلى إلغاء أغلب قواعد القانون العام وبصورة خاصة كل من القانون الجنائى والإدارى والتجارى ، ولم تعد المحاكم تلجأ إليه إلا فى التفسير القانونى (90). وإن كان البعض يرى ضرورة الإبقاء على معاييره فى تحديد موانع المسئولية و أسباب الإباحة لتظل فى حالة تطور دائم(91).
و بإستقراء ما سبق ؛ نخلص إلى أن كلا الدورين الذين لعبهما القانون العام ( التفسيرى والمنشئ ) يجابهان اليوم بإنتقادات عميقة هى فى الأساس صراع العصر بين مبدأ المشروعية والتطور الإنسانى .
ثالثا : جرائم الحاسوب
لعب الكمبيوتر - من حيث الوجه المظلم لإستخدامه – أدوارا ثلاثة فى حقل الجريمة ، فهو إما وسيلة متطورة لإرتكاب الجرائم التقليدية بفعالية وبسرعة أكبر من الطرق التقليدية كما فى التزوير أو الإحتيال ، أو هو الهدف الذى تتوجه إليه الأنماط الحديثة من السلوك الإجرامى التى تستهدف المعلومات ذاتها ، كما فى إختراق النظم والدخول إليها دون تخويل ، والإستيلاء على البيانات واعتراض تبادلها أو تحويرها أو تدميرها بتقنيات الفايروسات الأليكترونية وغيرها ، أو هو البيئة بما تتضمنه من محتوى غير قانونى كالمواقع المعلوماتية لأنشطة ترويج المخدرات والأنشطة الإباحية وغيرها ، وهو البيئة التخزينية و التبادلية التى تسهل إرتكاب الجرائم خاصة العابرة للحدود بما أتاحه من توفير مخازن للمعلومات والأنشطة الجرمية(92).
وإزاء ظهور هذا النمط الجديد من الجرائم ، فقد ظهر عجز القانون الجنائى بقواعده التقليدية عن مجاراته ؛ لا سيما فى الدول النامية ؛ فعلى سبيل المثال ، لم يكن القانون الجنائى قادرا على تجريم سرقة المعلومات المختزنة فى الحاسب الآلى لأنها لا تعد شيئا ماديا ، ومن ثم لا تصلح محلا للإختلاس ، ولم يجد الفقه سبيلا غير التمسك بمبدأ المشروعية المقيد لتفسير النص الجنائى مقتصرا على تجريم مثل هذا السلوك فقط إذا وقع الإختلاس على وسيط مادى يحمل هذه المعلومات (93).
وتعددت الصعوبات بتعدد أنواع الجرائم المرتكبة عن طريق الإنترنت ، كالتزوير وما أثاره من إشكالية مدى المقارنة بين المحررات الورقية وتلك الأليكترونية ؛ ففى حين يكون محتوى الأولى كلمات يأتى محتوى الثانية مجرد أرقام ورموز يتم فك شفرتها ببرمجيات معينة ، وكذلك ما أثارته هذه الجريمة من بحث مدى الإقرار بقيمة التوقيع الأليكترونى والذى تم الإعتراف به أخيرا من قبل المجموعة الأوروبية فى عام 1999 (94).
وجاءت المواقع الإباحية على مقدمة الجرائم التى أثارت جدلا واسعا لا سيما فى القضاء الأمريكى حيث لم يقتصر عدم وضوح النص فقط على إفلات المجرم من العقاب بل أدى فى كثير من الأحكام إلى القضاء بعدم دستورية القوانين التى تحظرها ، نظرا لارتباطها بحرية التعبير ؛ ففى قضية النائب العام ضد الإتحاد الأمريكى للمدافعين عن الحقوق والحريات المدنية ؛ قضى بعدم دستورية المادة 223 من قانون حشمة الإتصالات Communication Decency Act لعام 1996 على أساس أن المحكمة المحلية أخطأت بتفسيرها الواسع لكلمة "إرسال مخل بالآداب" وكلمة "عرض هجومى واضح" ، ذلك أن هذه الألفاظ فضفاضة بحيث تؤدى إلى تقليص الحق فى حرية التعبير ، مما يناهض التعديل الأول الذى يحظر ذلك.
إضافة إلى ذلك فإن النص ، والذى يمنع من إرسال أو عرض رسائل أو مشاهد جنسية لمن هم أقل من ثمانى عشرة سنة ، يتسم بالغموض فى العديد من حالاته ، فهو على سبيل المثال لم يعرف أو يبين شروط "الإرسال المخل بالآداب" بما يخالف التعديل الخامس .
كما أن النص تنقصه الدقة التى يتطلبها التعديل الأول ، ذلك أنه يؤدى إلى قمع حق البالغين فى إرسال أو إستلام مثل هذه الرسائل على أساس أن الإنترنت شبكة عالمية والتى تمكن الملايين من الأفراد فى مختلف بقاع البسيطة من التواصل بما يعجز معه أصحاب المواقع عن مراقبة أو وضع وسائل تكشف عن أعمار المستفيدين من الخدمة ؛ فى الوقت الذى تطور فيه العديد من شركات البرمجيات برامجا تتيح للآباء حظر السماح لمثل هذه المواقع من الدخول إلى حواسيبهم الشخصية (95).
وتواترت أحكام القضاء الأمريكى على هذا المنوال ، قاضية بعدم دستورية القوانين المجرمة لنشر المواقع الإباحية ؛ لغموضها ، وإتساعها ومن ثم مصادرتها للحقوق والحريات الأساسية ؛ بما يتنافى مع التعديلات الدستورية(96)
ويكشف ما سبق عن فجوات فنية ، داخل التشريعات الجنائية ، كما يبين مدى
إزدياد أوشاج الترابط بين العلوم الطبيعية والإنسانية مما يدعو الفقه القانونى إلى عدم التقوقع داخل حدود القاعدة القائلة بأن القانون ليس سوى ناتج المنطق مضاف إليه العدل ؛ بما يحصر الفقه فى علوم الفلسفة والمنطق واللغات ... ؛ ففى هذه المنطقة الخطرة بالذات ستقف القواعد التفسيرية مكتوفة الأيدى أمام أى غموض تشريعى ولن يكفيها المنطق .
وعليه اتجهت آراء الفقه فى مختلف الأنظمة القانونية إلى ضرورة إستعارة الصيغ القانونية من العالم "الحقيقى" (97) أى أن توجد نصوص قائمة على مفاهيم علمية وتقنية لمعالجة أركان كل جريمة لعدم كفاية المفاهيم التقليدية القائمة(98).
الخاتمة
بعد الإستعراض السابق ، لأصول التفسير ثم بعض إشكالياته ، يتبين لنا ، أن جدلية التفسير لم تقف فى حدود الأخطاء المادية التى قد يقع فيها المشرع فى بعض الأحيان ، كالأخطاء الإملائية أو النحوية ، أو حتى إستخدام المترادفات أو المصطلحات التى تحمل أكثر من معنى يجملها أو يفصلها بما يتجاوز أو يقصر عن إفادة مقصودها . بل أن الإشكالية تمتد فى عصرنا الماثل ، إلى مواطن أكثر خطورة ، لأسباب منها ماهو تاريخى كإشكالية قواعد القانون العام أو الكومون لو ، ومنها ماهو مرتبط إرتباطا وثيقا . بالمنظومة السياسية الدولية وصراع البقاء كإشكالية الإرهاب ، ومنها ماهو متعلق بإتساع الهوة مابين واضع التشريع ، وما بين التطور التقنى فى وقت يتزايد فيه الإرتباط بين ضرورة التشريع وهذا التطور التكنولوجى لمساس الأخير بحقوق وحريات الأفراد مساسا يتطلب الحد منه ؛ على أدنى تقدير ؛ بتدخل تشريعى مقتدر فى فهمه لهذه الإشكاليات فهما تقنيا ، بل فهما يغوص فى أعماق التقنية المعاصرة مما يتطلب جهدا أكبر للجمع بين علم القانون ، والثقافة الاليكترونية ، أو على الأقل الإستعانة الدائمة بأصحاب التخصص التقنى الدقيق.
وفى مستخرج إستقرائى آخر ، تتضح تقلبات عدة يتأرق بها القانون الجنائى
ومنها :
أولا : وضع التشريع وتأثر المبادئ والنظريات القانونية :
يقف المشرع اليوم موقفا حرجا إزاء التغيرات الراديكالية التى تجتاح العالم ؛ فهو يكافح من أجل الثبات على المبادئ القانونية التى كرست على مدى قرون عديدة "كمبدأ المشروعية" وماينتج عنه من قواعد ، فى ذات الوقت الذى تجبره فيه هذه المتغيرات على محاولة مجاراتها وتدفعه دفعا إلى خلع عباءات المبادئ القانونية القديمة ؛ فعلى سبيل المثال ، نجد إجماعا دوليا على ضرورة مكافحة الإرهاب ووضع نصوص قانونية قادرة على أداء دورها فى هذا الصدد ، ومع ذلك نجد أصواتا عديدة تعلوا مطالبة بتجريم الإرهاب فقط ، ذلك أن كل من يرى الإرهاب يعرفه ، لكنه لا يستطيع فقط تعريفه . كما أن البحث فى تعريف الإرهاب سيدخلنا فى جدليات لا نهاية لها (99)
وهنا ؛ تتساقط العديد من المبادئ القانونية المتوارثة ، ليحل بدلا عنها ، تصنيف أو (تقنين) ذو طابع "ميكانيكى" براغماتى أو غائى ، يركز على الهدف فقط ويغلبه على كافة المبادئ والنظريات القانونية ثم يعالجه بتلقائية مجردة . ليخرج لنا عنصر التجريم بحدود شفافة .
وإذا كان القسم العام فى القانون أكثر حداثة عن القسم الخاص ؛ نسبة لما يعكسه الأول من تقدم وتطور المفاهيم القانونية الجنائية . فإننا نرى ؛ ومن خلال التطبيق الميكانيكى الغائى ؛ تقهقرا نحو التشريعات القديمة التى لم تعرف أبدا النظريات العامة ، كمدونة حامورابى والقوانين الفرعونية ، التى اكتفت بالنصوص الخاصة دون تأصيل نظرى.
ثانيا : تطبيق التشريع :
يقف القضاء اليوم ، موقفا لا يحسد عليه؛ فهو من تتجه إليه الأنظار دائما بإعتباره يد العدالة ، وهو من يلقى على كاهله دائما القيام بموازنات عدلية صعبة ، ولا أكثر صعوبة مما يجابهه القضاء اليوم أمام نصوص تشريعية " ميكانيكية غائية" ، وبين وقائع وملابسات موضوعية شديدة التعقيد ، فيحار مابين التطبيق التجريدى وما بين مبادئ قانونية إعتقد دوما بسموها .
فإذا كانت قواعد الكومون لو ، منطقة وسطى مابين الماضى والحاضر، بحيث يشرى الإتجاه نحو لفظها أو الحد من نطاقها رويدا رويدا ، فإن إشكاليات التقنيات الحديثة ومعضلة الإرهاب تضع القاضى فى موقف صعب . فكيف يفسر نصوص الإرهاب -على سبيل المثال - أمام مجموعة من الثوار إنتفضوا يدافعون عن قضيتهم ليسقط على إثر ذلك ضحايا أبرياء ؟ وكيف يقوم القاضى بتفسير نصوص مقيدة لإستعمال الإنترنت ، فى حين أن هذا الأخير بوابة مفتوحة على العالم بأسره لا قدرة على غلقها ولا حتى سد كوة صغيرة فى نوافذها .؟
وكيف يستطيع القاضى أن يوازن بين كل ماسبق والأمن القومى لبلاده؟
إذاً ؛ تتداخل الإعتبارات ، بحيث إذا أسقط أى منها شكل ذلك خطرا من جانب آخر .
ثالثا : دور الفقه :
لا شك أن التأثيرين السابقين ؛ يعكسان بذاتهما ما يواجهه الفقه اليوم من عثرات ، فالنظريات التى ظل يستند إليها فى دراسة النصوص القانونية تتهاوى ، ويقابل ذلك تضخما تشريعيا فى محاولات المشرع الدؤبة لسد الثغرات بأسلوب ميكانيكى غائى . ليقف الفقيه أمام النص أعزلا من أسلحته القديمة ، محاولا سبر أغوار البرامج الرقمية ، أو متجاوزا عن تعريف الإرهاب . سالكا هو نفسه المسلك التجريدى .
ومع ذلك يبقى للفقه دور هام هو محاولة الدمج بين النصوص والواقع ليعود بنا إلى عصر النظريات والمبادئ القانونية والتى برغم نسبيتها ؛ كانت قادرة على التعاطى مع كافة التطورات فى بيئتها .
التوصيات
أولا : ردم الهوة بين المشرع والتطور التقنى الحديث.
ثانيا : إذا كان لابد من إعطاء النص طابعا ميكانيكيا غائيا لتحقيق أهدافه ؛ فلا أقل من محاولة حصر ذلك فى أضيق نطاق .
ثالثا : لابد من مراعاة القضاء للمبادئ القانونية السامية وتغليبها فى كل الأحوال . لإجبار المشرع على توخى الدقة فى فنيات عمله التشريعى .
رابعا : يجب على السلطة التشريعية أن تتريث مستعينة بالهدوء والصبر والتدرُّب الفنى وهى فى سبيل أداء عملها التشريعى ، ومحاولتها ملاحقة التطورات ، لما فى ذلك من تعظيم هيبة القانون - عند وضوحه - لدى الأفراد قبل القضاة وقبل الفقهاء أيضا .
خامسا : ضرورة التحول فى مناهج البحث القانونى بحيث تتسم بقدر معلوم من الحرية فى تناول الإشكاليات المعاصرة لمجابهة الحاضر دون وجل وبناء التعليم القانونى على النظام البحثى المتعمق فى إشكاليات الحاضر.
مراجع البحث
(1)
http://www.minjust.nl:8080/b_organ/wodc/
publications/ob205_05.pdf
http://64.233.183.104/search?q=cach...crime&hl=ar
******************************
*****************************
(2)
-united states of America v. Brett Bursey
united states District Court for the District of south Carolina division –Aug/2/2003
Defendant’s Memorandum in Support of Dismissal
ntlworld.com - Because of Vagueness
http://homepage.ntlworld.com/jksonc...ey-dsc-d42.html
Robert L. Hallman - Columbia, South Carolina,
August 20, 2003
******************************
*******************
(3)
Issues of criminal law – op.cit
******************************
****************************
)4) الميثاق الأعظم أو العهد الكبير : ميثاق حقوق صدق عليه ملك الإنجليز جون الأول وأصدره فى 15 حزيران (يونيو) سنة 1215 ثم أقره من بعده ، مع بعض التعديلات ، كل من الملك هنرى الثالث والملك إدوارد الأول ؛ يعتبر هذا الميثاق أساس الحرية الدستورية الإنجليزية وقد جاء فى 38 فصلا تناولت قواعد العدالة وأصول تطبيق القانون وحددت إختصاصات السلطة الدنيوية temporal والكنسية ecclesiastical كما ضمنت الحرية الشخصية و السياسية وحقوق الملكية لجميع أفراد الشعب وعينت الضرائب الواجبة والحقوق العائدة للكنيسة .
أنظر :
- حارث سليمان الفاروقى – المعجم القانونى – مكتبة لبنان ناشرون – الطبعة الخامسة -2003م – ص436.
******************************
**************************
(5)
how did the late development of Japan Affect its legal syetem
http://www.t-ikeda.com/tj.htm
Apr24 ,2005
******************************
*****************************
(6) الإسراء – الآية (15)
******************************
*****************************
(7) أنظر فى ذلك :
- د . عبد القادر عودة – التشريع الجنائى الإسلامى مقارنا بالوضعى –ج1-دار الكتاب العربى ، بيروت –بدون تاريخ – ص185.
- المستشار على منصور - نظام التجريم والعقاب فى الفقه الإسلامى مقارنا بالقوانين الوضعية ( سلسلة الشريعة الإسلامية مقارنة بالقوانين الوضعية ) – مؤسسة الزهراء للإيمان والخير بالمدينة المنورة - طبعة أولى 1396هـ ، 1976م –– ص68.
- د . حسن محمد ربيع – شرح قانون العقوبات المصرى – القسم العام – الكتاب الأول ( المبادئ العامة للجريمة )- دار النهضة العربية - الطبعة الأولى 1996م – ص30.
******************************
*****************************
(8)
Crimes Against Humanity And The Principles Of Legality: What Could the Potential Offender Expect?Vincent Sautenet LLM (Int Human Rights) - Author: University of Essex
Murdoch University Electronic Journal of Law
http://www.murdoch.edu.au/elaw/issu...net71_text.html
Volume 7, Number 1 (March 2000)
******************************
*****************************
(9)
how did the late development of Japan Affect its legal syetem. Op.cit
ويعتبر الإيطالى "بيكاريا" هو الأب الروحى للإتجاه الفكرى الجديد الذى ثار ضد النظام الجنائى الذى غلب عليه الفساد، فكان بذلك وراء نشأة المدرسة التقليدية الأولى والإصلاح الذى عرفته النظم الجنائية الأوروبية منذ عهده . ومن رجال هذه المدرسة ؛..."فوير باخ" فى ألمانيا ، و"بنتام" فى إنجلترا . ولكن أفكار كثيرين وأهمهم الفرنسيون "فولتير" و "مونتيسيكيو" و "روسو" ساعدت فى إرساء دعائمها .
أنظر :
- د . أحمد عوض بلال – الإثم الجنائى- دار النهضة العربية – الطبعة الأولى – 1988م – ص 47،48.
******************************
************************
(10) د. أحمد عوض بلال – المرجع السابق – ص 48،49.
******************************
*********
(11) د . حسن محمد ربيع – مرجع سابق – ص28 .
******************************
********
(12)
- ADDRESS OF MR. BERTRAND RAMCHARAN, ACTING HIGH COMMISSIONER FOR HUMAN RIGHTS TO UN UNIVERSITY HUMAN RIGHTS DAY PANEL HUMAN RIGHTS: THE WAY FORWARD NEW YORK, 10 December 2003
http://64.233.183.104/search?q=cach...egality&hl=
******************************
**************************
(13)
- how did the late development of Japan Affect its legal syetem. Op.cit
******************************
****************************
(14) د . محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات ( القسم العام) – دار النهضة العربية – الطبعة الثامنة ( بدون تاريخ ) –ص 66.
- حيث يرى الماركسيون أن العامل الإقتصادى يتصدر جميع العوامل التى يتأثر بها قانون العقوبات ؛ فالقانون عموما ليس إلا ثمرة التنظيم الإقتصادى ، وتضمن نصوصه تحقيق خطة الدولة فى زيادة الإنتاج.
أنظر :
د. محمود محمود مصطفى – المرجع السابق- ص19.-
******************************
************************
(15)
-- how did the late development of Japan Affect its legal system. Op.cit
******************************
**************************
(16) د . محمود محمود مصطفى – مرجع سابق – ص19.
******************************
**************************
(17)
- Charles D. Paglee, China law Web – PRC Criminal Law (last modified April 7, 1998) - Criminal Law of the People"s Republic of China - (Adopted by the Second Session of the Fifth National People"s Congress on July 1, 1979 and amended by the Fifth Session of the Eighth National People"s Congress on March 14, 1997)
http://www.qis.net/chinalaw/prclaw60.htm
******************************
*****************************
(18)
- Source: http://laws.justice.gc.ca/en/C-46/41663.html
Updated to August 31, 2004
******************************
*****************************
(19)
- CRIMINAL CODE OF THE REPUBLIC OF TAJIKISTAN
GENERAL PART - SECTION I. CRIMINAL LAW - CHAPTER 1. Objectives and principles of the Criminal Legislation - Grounds for criminal responsibility
http://www.osi.hu/ipf/fellows/Zaripova/PCode.htm
******************************
**************************
(20) تنص المادة 9/1 من الدستور الأميريكى على أنه :
- no bill of attainder or expost facto law passed.
أنظر :
- The Constitution of the United States of America
http://caselaw.lp.findlaw.com/data/...n/articles.html
ويلاحظ أن مصطلح Bill of attainder كان فى الأصل قانونا برلمانيا يقضى بتجريم شخص معين وإدانته دون سابق محاكمة أو إجراءات قضائية . إذا صدر فى حق أى شخص ترتب عليه إعدامه وتجريده من كافة الحقوق واعتباره فاسد الدم .
وقد إشتد خطر هذا القنون فى عهد ملوك سلالتى stuart و tudor 8عندما كان يسخر للتخلص من الأعداء السياسيين . بإعدامهم على النحو المذكور . ولم يكف البرلمان الإنجليزى عن إصداره حتى أواخر القرن الثامن عشر
أما مصطلح ex post facto فيعنى الأثر الرجعى للقانون .
أنظر فى ذلك :
- حارث سليمان الفاروقى – مرجع سابق – ص62 و 262.
******************************
**************************
(21) تنص المادة 32 من الدستور السودانى على أنه " لا يجرم أحد ولا يعاقب على فعل إلا وفق قانون سابق يجرم الفعل ويعاقب عليه ..."
انظر :
http://www.siprecedents.org/displaylaw.php
******************************
*****************************
(22) حيث تنص على أن " العقوبة شخصية. ولاجريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون ".
- انظر :
- يحى الجمل – القضاء الدستورى فى مصر – دار النهضة العربية -2000 - ص 33.
******************************
*****************************
(23) د . صلاح الدين فوزى – المنهجية فى إعداد الرسائل والأبحاث القانونية – دار النهضة العربية – ص42.
******************************
*****************************
(24) نظام روما الأساسى المعمم بوصفه الوثيقة 9/183 A/CONF المؤرخة 17/ تموز/ يوليه 1999م ، و 30 تشرين الثانى / نوفمبر 1999 ، و 8 أيار / مايو 2000 م ، و 17 كانون الثانى / يناير 2001 م ، و 16 كانون الثانى / يناير 2002م . ودخل النظام الأساسى حيز النفاذ فى تموز/ يوليه 2002م .
- خاص بالسفارة السودانية بالقاهرة .
******************************
*****************************
(25)
- European Convention on Human Rights – Arabic version
http://www.coe.int/ar/portal/Human_...ebConv.asp?L=AR
******************************
*****************************
(26)
- Crimes Against Humanity And The Principles Of Legality: What Could the Potential Offender Expect? Op.cit
******************************
*****************************
(27)
– The principle of legality Commonwealth v. Mochan, the doctrine of lenity, Keeler v. Superior Court
http://lawschool.mikeshecket.com/cr...aw/8-29-03.html
-8/29/03
******************************
******************************
****************
(28)
-OCCAOnline
Oklahoma Uniform Jury Instructions (2nd Edition including 1997 supplement )
provided by the Court of Criminal Appeals
http://www.okcca.net/datafiles/lega...-CR%202-15.html
OUJI-CR 2-15
ATTEMPT - IMPOSSIBILITY UNAVAILABLE AS A DEFENSE
******************************
******************************
****************
(29)
dca department for constitutional Affairs - Lord Bingham of Cornhill - Lord Chief Justice of England - Speech at Dinner for HM Judges - 22 July 1998 - The Mansion House - London
http://www.dca.gov.uk/judicial/speeches/mnsion98.htm
******************************
******************************
****************
(30)
-In-class notes:
Picking up where we left off a couple days ago:
Statutory clarity, in several different contexts. Context of interpretation, then void for vagueness.
http://www.nvo.com/mikelaw/nss-fold...sept13notes.htm
ASP – Monday 4:15.
******************************
*****************************
(31)
United states of America v. Brett Bursey . Op.cit .
******************************
*****************************
ibid…………………………...…………………………………….(32)
ibid ..........................................................................................(33)
ibid ....................................................................................... (34)
******************************
*****************************
(35)
- Chicago-kent college of law
Http://www.kentlaw.edu/classes/ssow...ality/index.htm
******************************
***************************
(36)
-
university of manitoba
http://www.umanitoba.ca/faculties/l...inal/chap2.html
******************************
**************************
(37) د. حسن محمد ربيع – مرجع سابق – ص 42 .
******************************
**************************
(38) فالمحاكم تتعامل فقط مع المسائل المعينة التى يخلقها القانون.
أنظر :
Alexis A. Aronowitz -WORLD FACTBOOK OF CRIMINAL JUSTICE SYSTEMS
Germany - u.s department of justice
Office of justice programs
http://www.ojp.usdoj.gov/bjs/pub/ascii/wfbcjger.txt
******************************
******************************
************
(39) د. حسن محمد ربيع – مرجع سابق – ص45.
******************************
******************************
************
(40)
- In-class notes:
Picking up where we left off a couple days ago:
Statutory clarity, in several different contexts. Context of interpretation, then void for vagueness. Op.cit
وعلى النطاق الإجرائى ؛ ذهب البعض إلى أن النص على جريمة معينة يترتب عليه إلزام المدعى بإحالة أى مخالفة ( جريمة ) مسجلة (مثبتة ) إلى المحاكم فيما يسمى بالإدعاء الإلزامى ، على أن أغلب الأنظمة الآن تتجه إلى مبدأ الإدعاء الإختيارى أو مايسمى بمبدأ "الملاءمة" أو " الفرصة " أو "الذريعة"
(principle Expending)
أنظر فى ذلك :
http://www.findarticles.com/p/artic...407/ai_n9415793
ويستند الفقه فى ذلك إلى عدة أسباب من ضمنها تخفيف الضغط على الجهاز القضائى.
أنظر :
- Introductory Memorandum to the topic on:
« Discretionary powers of public prosecution:
Opportunity or legality principle - Advantages and disadvantages »
- Mr Marc ROBERT,
0Memo%20ROBERT%20Opportunity%20or%20Legality.asp ***********************************************************(41)The principle of legality Commonwealth v. Mochan, the doctrine of lenity, Keeler v. Superior Court . Op.cit ***********************************************************(42)Principles of criminal law Substantive criminal law The definition of criminal conduct Legality[url]http://www.britannica.com/eb/article?tocId=25572" target=_blankhttp://www.coe.int/T/E/Legal_affair...cle?tocId=25572
******************************
*****************************
(43)
university of manitoba – Op.cit
******************************
*****************************
(44) د. محمود محمود مصطفى – مرجع سابق – ص85.
******************************
*****************************
(45) د . نزيه محمد الصادق المهدى – المدخل لدراسة القانون – دار النهضة العربية – 2002م – ص 243 .
******************************
*****************************
(46) د . صلاح الدين فوزى – مرجع سابق – 158 .
******************************
*****************************
(47) د . نزيه محمد الصادق المهدى – مرجع سابق – ص 243 .
******************************
*****************************
(48) د . جلال ثروت – نظم القسم العام فى قانون العقوبات المصرى – منشأة المعارف بالأسكندرية - 1989م – ص53 .
******************************
*****************************
(49) د . عبد الفتاح مصطفى الصيفى _ القاعدة الجنائية " دراسة تحليلية" على ضؤ الفقه الجنائى المعاصر – دار النهضة العربية – بدون تاريخ – ص127 .
******************************
****************************
(50) د . سمير عبد السيد تناغو – النظرية العامة للقانون – منشأة المعارف بالأسكندرية – 1999م – ص 739 .
******************************
*****************************
(51) د . نزيه محمد الصادق المهدى – مرجع سابق – ص 247.
******************************
*****************************
(52) د . أسامة عبدالله قايد – شرح قانون العقوبات القسم العام – النظرية العامة للجريمة – دار النهضة العربية – 1422هـ ، 2002م – ص77.
******************************
*****************************
(53) د . سمير عبد السيد تناغو – مرجع سابق - ص745 .
******************************
****************************
(54) د. عبد الفتاح مصطفى الصيفى – مرجع سابق – ص 240 .
******************************
*****************************
(55) د . جلال ثروت – مرجع سابق – ص55 .
******************************
*****************************
(56) د . نزيه محمد الصادق المهدى – مرجع سابق – ص 255 .
******************************
*****************************
(57) د . سمير عبد السيد تناغو مرجع سابق – ص 753 .
******************************
*****************************
(58) د . المرجع السابق .
******************************
*****************************
(59)
- – The principle of legality Commonwealth v. Mochan, the doctrine of lenity, Keeler v. Superior Court . Op.cit.
******************************
****************************
(60) د . نزيه محمد الصادق المهدى – مرجع سابق - ص259 ، 260
******************************
*****************************
(61) د . جلال ثروت – مرجع سابق – ص 55 .
******************************
*****************************
(62) ) د . عبد الفتاح مصطفى الصيفى – مرجع سابق - ص 244 .
******************************
*****************************
(63) د. جلال ثروت – مرجع سابق – ص57.
******************************
*****************************
(64) د . عبد الفتاح مصطفى الصيفى – مرجع سابق – ص 244.
******************************
*****************************
(65)
-THE PRINCIPLE OF LEGALITY AND THE CLEAR STATEMENT PRINCIPLE - OPENING ADDRESS BY THE HONOURABLE J J SPIGELMAN AC CHIEF JUSTICE OF NEW SOUTH WALES - TO THE NEW SOUTH WALES BAR ASSOCIATION CONFERENCE - WORKING WITH STATUTES
SYDNEY, 18 MARCH 2005 - supreme court -new south wales - http://www.lawlink.nsw.gov.au/sc%5C...gelman_180305_3
- Thursday, April 14, 2005 2:03:43 a.m
******************************
*****************************
(66)
- THE CRIMINOLOGY OF TERRORISM: HISTORY, LAW, DEFINITIONS, TYPOLOGIES - North Carolina Wesleyan College.
http://faculty.ncwc.edu/toconnor/429/429lect01.htm
Last Updated: 04/10/05
******************************
*****************************
ibid ..................................(67)
******************************
*****************************
(68)
- Defining Terrorism: Is One Man’s Terrorist Another Man’s Freedom Fighter? by Boaz Ganor - international policy institute for counter – terrorism
http://www.ict.org.il/articles/define.htm
******************************
**************************
(69)
- Rogers M. Smith -Arraigning Terror
http://www.dissentmagazine.org/menu.../sp04/smith.htm
******************************
**************************
(70)
- Sen. Richard Lugar (R-IN): Lifetime Terror Detention is a "Bad Idea" - crimprof Blog
http://lawprofessors.typepad.com/cr...sen_richar.html
******************************
**************************
(71)
- Boaz Ganor - Is One Man’s Terrorist Another Man’s Freedom Fighter? Op.cit
******************************
**************************
(72)
- Definition of terrorism - From Wikipedia, the free encyclopedia
http://en.wikipedia.org/wiki/Definition_of_terrorism
******************************
**************************
(73)
http://www.statewatch.org/news/2005...ism-7-march.pdf
- Strasbourg, 7 March 2005
CODEXTER (2004) 27 fina - Page 2 –
******************************
**************************
(74)
- Carroll Payne - Understanding Terrorism - Definition of – Terrorism - World Conflict Quarterly - News, Analysis and Articles on Terrorists and Terrorism
http://www.globalterrorism101.com/UTDefinition.html
September 2003
******************************
**************************
(75) انظر كامة السيد الرئيس بشار الاسد فى مؤتمر القمة العربي فى دوته العادية الرابعة فى بيروت
27/3/2002م
http://www.rtv.gov.sy/PresidentSpeaches/Word16.asp
retrieved on 30 Jun 2005 01:38:29 GMT.
وأنظر كذلك كلمة رئيس وفد السودان فى كلمته للمؤتمر الدولى لمكافحة الإرهاب الذى عقد فى المملكة العربية السعودية – الرياض من 5 إلى 8 فبراير /2005 م
www.ctic.org.sa/aspk_stat.asp
******************************
**************************
(76)
qanoun.net
******************************
*****************************
(77)
- Boaz Ganor - Is One Man’s Terrorist Another Man’s Freedom Fighter? Op.cit
******************************
*****************************
(78)
- THE CRIMINOLOGY OF TERRORISM: HISTORY, LAW, DEFINITIONS, TYPOLOGIES - North Carolina Op.cit
******************************
*****************************
(79)
ibid
******************************
*****************************
(80)
كانت الشريعة الإسلامية الأسبق تطبيقا فى الهند حتى بدأ إستبدالها رويدا رويدا من عام 1772م وإلى عام 1861م . وكان أول تغيير فعلى ماقام به الحاكم هايستينجز فى 15/8/1772م وذلك بإصدار قانون لقمع النهب العديم الرحمة والعشوائى . إلى أن تم الإستبدال الكامل فى عام 1834م . ومع ذلك ظلت بعض الآثار من الشريعة الإسلامية إلى يومنا هذا.
أنظر فى ذلك :
http://www.ebc-india.com/lawyer/articles/70v2a7.htm
Crime and Punishment - by K.N. Kapur, Assistant Government Advocate,
(High Court), Lucknow
Cite as : (1970) 2 SCC (Jour) 37
******************************
*****************************
(81)
History of the common law
on_law" target=_blankhttp://en.wikipedia.org/wiki/ Commo...mm
on_law
******************************
*****************************
(82)
- E.B. Williams Library – TUTORIALS – Legal Research Definitions –Common law
http://www.ll.georgetown.edu/tutori...common_law.html
وكذلك :
- DICTIONARY - common law
http://www.freesearch.co.uk/dictionary/common-law
******************************
*****************************
(83)
-
Daniel L. Dreisbach, B.A., Ph.D., J.D.- Associate Professor, Department of Justice, Law, and Society, American University. Author of Real Threat and Mere Shadow: Religious Liberty and the First Amendment
Common law
www.encarta.msn.com/encyclopedia_76...iminal_Law.html
******************************
*****************************
(84)مجاس الملك : King Bench : هو دائرة من دوائر محكمة العدل العليا High Court of Royal ، مقرها الرئيسى دار محاكم العدل الملكية Royal Court of Justice بحى Strand فى لندن ، وهو يتألف من كبير مسشتشارى إنجلترا Lord Chief Justice رئيسا ومن أحد عشر عضوا .....، ولا يقتصر إختصاص هذه المحاكم على المسائل الجنائية فحسب بل يتناول الدعاوى المدنية أيضا ....، ولمجلس الملك ولاية عامة على جميع أنواع الدعاوى إلا ما دخل منها فى إختصاص دائرة العدالة المطلقة Chancery Division . أما المحكمة المدنية الكبرى التدوينية (Record) ذات إختصاص إبتدائى عام ، ألغيت بقوانين نظام القضاء Judicature Acts وكانت تنعقد فى Westminster Hall برئيس وخمسة مستشارين .
أنظر :
- حارث سليمان الفاروقى - مرجع سابق - ص 177 . ص402.
******************************
*****************************
(85)
- Common Law
http://www.answers.com/topic/common-law
******************************
*****************************
(86)
- Professor Andrew Halpin - Definition in the Criminal Law
http://www.hartpublishingusa.com/bo...d=336&bnd=0
october 2004
******************************
*****************************
(87)
- western new England college - school of law
http://wneclaw.wnec.edu/
p3
******************************
*****************************
(88)
- 8/29/03 – The principle of legality Commonwealth v. Mochan, the doctrine of lenity, Keeler v. Superior Court . Op. cit.
******************************
*****************************
(89)
ibid
******************************
*****************************
(90)
- Common Law
http://www.answers.com/topic/common-law
******************************
*****************************
(91)
- university of manitoba
http://www.umanitoba.ca/faculties/l...inal/chap2.html
******************************
*****************************
(92) نظرية قانون الكمبيوتر- قانون الكمبيوتر – النظرية والمشتملات.
http://www.arablaw.org/Computer%20Theory%20B.htm
******************************
*****************************
(93)رسالتنا المقدمة إلى معهد البحوث والدراسات العربية لنيل درجة الماجستير ، بعنوان
" مقارنة بين أركان السرقة البسيطة فى القانون المصرى وأركان السرقة الحدية فى السريعة الإسلامية " – 2004 ، 2005 م – ص 153 .
******************************
*****************************
(94)
- Per Furberg - Dealing with Computer Crime. A Critical Review of
Legislative Reactions to Computer Crime
http://www.itkommissionen.se/dynamaster/file_archive
******************************
*****************************
(95)
- Supreme court CDA Ruling , Attorney General of The United states
V.
American Civil liberties Union
www.cnn.com
******************************
*****************************
(96)
- First Amendment Victories! - Fact_ first Amendment Cyber tribune
http://fact.trib.com/1st.victories.html
******************************
*****************************
(97)
- Per Furberg - Dealing with Computer Crime. A Critical Review of Legislative Reactions to Computer Crime . Op.cit.
******************************
*****************************
(98) د. أحمد يوسف وهدان - تقييم فعاليات المواجهة التشريعية لجرائم الإنترنت – دورية الفكر الشرطى – الإدارة العامة لشرطة الشارقة – مركز بحوث الشرطة – مجلد 13 عدد 1 أبريل 2004 – ص 109.
******************************
*****************************
(99)
http://www.yenatech.info/proj7/aconference.asp?Page=1
المملكة العربية السعودية وزارة الخارجية – المؤتمر الدولى لمكافحة الإرهاب.
الايجاز الدورى الثاني لصاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل للمؤتمر الدولى لمكافحة الارهاب -
الرديني - مركز المعلومات والدراسات-2/8/2005
من موقع منتديات قانون نت