اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
محمد عبد الرحمن
التاريخ
3/10/2004 7:17:00 AM
  المجلس القومى لحقوق الإنسان ... مقال للأستاذ منتصر الزيات المحامى       

المجلس القومي لحقوق الإنسان

 

كتب الأستاذ/ منتصر الزيات*

بعد انتظار طويل جاء الإعلان عن تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر بعد جدل استمر قرابة العام منذ أعلن عن مولد فكرته الأولي من خلال الإعلان عن تشكيل لجنة السياسات التي ترأسها في الحزب الوطني السيد جمال مبارك، وكان المخاض محاطا بالآلام والشكوك في القدرة علي ولادة مثل هذا المجلس ولادة صحيحة. ولا شك أن قدرا كبيرا من تلك الشكوك التي أحاطت بمصداقية المجلس وقدرته علي القيام بدور حقيقي في صيانة الحقوق الإنسانية للمواطن المصري ارتباط ميلاده بدوائر السلطة العليا في الوقت الذي تتكدس السجون بآلاف من المعتقلين السياسيين وتكرر حالات إهدار حقوق الإنسان داخل أقسام الشرطة في تجاوزات نظرت بعض المحاكم حالات منها أدين فيها بعض ضباط الشرطة ذوي التخصص الجنائي باستعمال القسوة مع بعض الموقوفين أو المتهمين الأبرياء، الأمر الذي يشي بعدم حدوث تغير نوعي في ثقافة التعذيب واستعمال القسوة التي تعتمد علي نمطية التدريس في كليات الشرطة ومعاهد التدريب الخاصة داخل إدارات الشرطة المختلفة التي تتعامل في تقصي البحث الجنائي والسياسي واعتياد صغار الضباط في أقسام الشرطة إساءة معاملة المواطنين. وإذا أضفنا لهذه الشكوك غيرها من التي ترتبط بالمتغيرات الدولية والإقليمية مثل المبادرات الأمريكية لتلقين المنطقة العربية مباديء الديمقراطية ! واستخدام الإدارة الأمريكية تلك الورقة في ابتزاز بعض الحكومات العربية خاصة تلك التي ترتبط بملفات مهمة في فلسطين والعراق وغيرها وتعارضت مصالحها مع مصالح اليمين الأمريكي الذي يتولى الحكم حاليا رغم أنها كانت تغض الطرف عن تجاوزاتها في خصوص انتهاكات حقوق الإنسان قبل أن تتصادم مصالحها معهم.

والحقيقة أن حسم تبعية هذا المجلس لمجلس الشورى لم تخفف من الهواجس المتوفرة وصاحبت الإعلان عن مولده ولم تحقق الثقة في استقلاليته! فممارسة مجلس الشورى في صلاحياته الممنوحة له في خصوص ملكية بعض الصحف التي تسمي بالقومية أو إشرافه علي بلاط صاحبة الجلالة السلطة الرابعة لم تحقق الطمأنينة اللازمة لحياده خاصة أن تشكيل المجلس الأعلى للصحافة التابع له يتضمن شخصيات مرتبطة بالنظام السياسي الحاكم بصورة أو بأخرى وقد ظهر التباين بوضوح بينه أي المجلس الأعلي للصحافة وبين نقابة الصحفيين من جهة ومؤسسات صحفية مستقلة أو معارضة من جهة أخري في معالجة قضايا عديدة تتعلق بمعارك صحفية بين الحزب الحاكم ورموزه وبعض الأحزاب المعارضة ولعل معركة تعديل قانون الصحافة والنشر الذي غلظ العقوبة علي الصحفيين في قضايا النشر والرأي وحبسهم احتياطيا علي النحو الذي عاصرنا كشف عن خلل جذري في العلاقة بين عموم الصحفيين وبين هذا الكيان المفترض أنه يصون كرامتهم ويحمي حقوقهم. الشيء نفسه يمكن أن نسترشد به عند تناول إشراف مجلس الشورى أو مسئوليته في تأسيس الأحزاب السياسية بشكل تحول لفكاهات تتعرض بلجنة تأسيس الأحزاب بمجلس الشورى وتحول صلاحياته من مجرد الموافقة وقبول تأسيس الأحزاب إلي اعتبارها لجنة رفض الأحزاب فطوال فترة عملها منذ أنشأها السادات لم توافق علي تأسيس سوي حزب وحيد الوفاق القومي عادت سريعا إلي تجميد نشاطه مجددا! لينضم إلي قائمة الأحزاب التي جمدتها لجنة الأحزاب التابعة لمجلس الشورى والتي كانت قد تأسست بأحكام قضائية بالمخالفة لرأي اللجنة مثل العمل والأحرار ومصر الفتاة ومصر العربي الاشتراكي وهلم جرا، إذا جعل تبعية المجلس القومي لحقوق الإنسان لمجلس الشورى لم يبدد مخاوف الخائفين وهم كثر ولم يحقق طمأنينة المحايدين بل ربما لو صدر القانون كما مقدرا له في المشروع برد تبعيته لرئاسة الجمهورية كان يحقق قدرا من التفاؤل والطمأنينة أكثر مما يتوفر لمجلس الشورى ولجانه وكما يقولون في مصر تفكها إذا أردت أن تقتل موضوعا أحله إلي لجان. ولكن الإنصاف يقتضي أن عددا غير قليل من الأسماء التي تم اختيارها وأجازها مجلس الشورى مؤخرا هي ممن تحظي باحترام النخب الثقافية والفكرية بل والرأي العام المصري وفي صدارتها الدكتور أحمد كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس وأيضا وجود شخصيات حقوقية معنية بملف حقوق الإنسان مثل حافظ أبو سعده أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وقد كانت له معارك كثيرة مع الحكومة المصرية وصلت لحد اتهامه في إحدى القضايا بزعم تلقيه تمويلا من جهات أجنبية نتيجة مباشرة لدوره الفعال في كشف وقائع انتهاك وتجاوز في التعامل مع المعتقلين السياسيين والموقوفين في أقسام الشرطة والسيد بهي الدين حسن وهو رائد من رواد حركة حقوق الإنسان في مصر والعالم العربي وأيضا نقيب المحامين سامح عاشور ونقيب الصحفيين جلال عارف وهو ما يؤمل لإمكانية تغلغل المعنيين بملف حقوق الإنسان والشخصيات النظيفة الحيادية التي يمكن أن تساعد في تكريس ثقافة احترام حقوق الإنسان شيئا فشيئا وتغيير نمطية الأداء في أقسام الشرطة والسجون وتخريج أجيال جديدة تتلقي هذه الثقافة علي النحو الذي يمكن معه تصور صفحة جديدة تبعث علي الاطمئنان علي مستقبل مصر, لكن المشكلة الحقيقية التي سرعان ما تحيط بهذه الآمال هي حصر اختصاص المجلس علي التعامل مع الجهات الرسمية فحسب وعدم تحقيق التواصل مع المؤسسات ومراكز حقوق الإنسان غير الحكومية واقتصار دور هذا المجلس علي إصدار التقارير السنوية للحكومة والجهات الرسمية وتقديمها من ثم للجهات الدولية! ومن ثم تعيد هذه الممارسة تجربة غير سعيدة حينما تم إنشاء مكتب خاص لحقوق الإنسان تابعا لمكتب النائب العام في زمن المستشار رجاء العربي وللأسف الشديد لم ينصف هذا المكتب الخاص التابع للنائب العام أي مواطن سعي إليه وقبرت آلاف الشكاوى أدراج النائب العام ولم تحول قضية واحدة إلي القضاء مطلقا بل وتحول النائب العام إلي أداء دور يساعد السلطة التنفيذية بتقديم بيانات للهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وخاصة في الأمم المتحدة أو الدول الأوروبية التي تنظر في طلبات اللجوء السياسي لبعض المعارضين الإسلاميين المصريين تؤكد عدم صحة ادعاءات وجود تعذيب في السجون المصرية أو أقسام الشرطة وأن مثل هذه الادعاءات يحدثها المتهمون بأنفسهم! فما لم يتحول دور المجلس القومي لحقوق الإنسان إلي دور رقابي فعّال يرصد تلك الانتهاكات ويتلقى الشكايات ويحقق فيها ويكون لديه إدارة خاصة بالرصد والتوثيق وإصدار البيانات للرأي العام وتحويل البلاغات التي يتلقاها من المواطنين لجهات التحقيق ويتابع مراحل التحقيق حتى صدور قرار قضائي بشأنها بالبراءة أو الإدانة فإن أي حديث عن هذا المجلس وأهميته في الحياة السياسية وكفالة الحريات وتحقيق الطمأنينة للمواطن المصري يبقي مجرد أمان أو ديكور وكل وثائقه حبر علي ورق تصدر من اجل حماية الحكومة والأجهزة التنفيذية ولم يصدر لحماية المواطن الغلبان، وقد تجلي زعماء الحزب الوطني في منافحتهم لإفقاد مشروع القانون من أي صلاحيات حقيقية للمجلس وساقوا مبررات وهمية مثل عدم إعطاء أي سلطة عامة للمجلس لعدم حدوث ازدواجية في السلطة القضائية وما يمكن أن تؤدي إليه من تضارب القرارات وسلب الاختصاصات وهو دفاع في غير موضعه لأنه من غير المعقول أن يمنح أي مجلس اختصاصا قضائيا لغير السلطات القضائية المختصة لكن المطلوب أن يمارس دورا رقابيا حقيقيا ويرصد الانتهاكات ويقدم بشأنها بلاغاً للنيابة العامة مع توصيات في خصوص الوقائع موضوع الشكوى وهو الأمر المعمول به دوليا في كل المنظمات والهيئات الرسمية التابعة للأمم المتحدة أو غير الحكومية لكن أن يفقد المجلس هذا الدور فما بقي له إذا ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* محام مصري وكاتب إسلامي monty_zeto@hotmail.com


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2158 / عدد الاعضاء 62