اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
MANSOR2
التاريخ
3/29/2002 1:36:00 AM
  أصول الفقه بين الثبات و التجديد 1/2      

ندوات بحثية

أصول الفقه بين الثبات والتجديد1/2

ورقة ا.د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين
أستاذ أصول الفقه بقسم الدراسات العليا
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض:
8/1/1423
22/03/2002


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وبعد
فيمكن القول إن علم أصول الفقه يُعَدّ الفلسفة المميزة للمسلمين . وهو ألمع الجواهر في تاج الثقافة الإسلامية . أنشأه المسلمون على غير مثال سبق ، وكان من ابتكاراتهم الفذّة ، يقولون : "( حيث المجتمع ثمة شرع ، فبابل عرفت شريعة حمورابي ، والإغريق أقاموا الألواح الإثني عشر ، والرومان اتبعوا قوانين جوستنيان ، وليس من أمة عبر التاريخ لم تستن قانوناً أو تنتهج عرفاً ، لكنّ المجتمع الإسلامي امتاز عن (سائر الأمم بأنه أول من وضع منطقاً للشرع تحت اسم (أصول الفقه )" (1) .
وإن أصول الفقه هو منهج البحث عند الفقيه ، أو هو القانون الذي يعصم ذهن المجتهد عن الخطأ في الاستدلال على أحكام الشرع من طرقها المختلفة .
وفي عصرنا هذا ظهرت تيارات واتجاهات فكرية متعددة ، تهدف إلى تغيير المجتمعات ، وتدعو إلى تطوير العلوم الشرعية ، وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، واللجوء إلى مقتضيات الواقع ومعطيات العقول . وكان من جملة ما شملته هذه التحركات الدعوة إلى تجديد أصول الفقه ، وقبل أن نعرض إلى هذه الاتجاهات والآراء يجب أن نفهم ماذا يراد بالتجديد .؟. لقد كان السلف يريدون بالتجديد معنى خاصاً بنوه على قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )(2) . وقد فسروا التجديد – في غالب أقوالهم – بإحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما . أي بإماتة البدع وتجريد الدين عنها .
وفي اللغة استعمل تجديد الشيء بمعنى تصييره جديداً (3) . أي بإعادة نضارته ورونقه وبهائه إليه ، كدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في المجالات العقدية ، وعمل شيخ الإسلام ابن تيمية في مجال الاجتهادات .
غير أن التجديد استعمل في هذا العصر بمعان متعددة ، بعضها يعود إلى ما ذكرناه ، وبعضها لا يتلاءم مع المعنى المذكور . وقد اختلط الكلام في مسألة التجديد ، ودخل في أسماء المجددين من ليسوا منهم ، وفي أسماء الموضوعات ما هو من موضوعات أخر . فبعض من يسمونهم مجددين لا يؤمنون بأساسيات الشرع ، وبعض المجالات التي قيل في التجديد فيها لا تنطبق عليها الدعوى ، وقد نجد من يحاول التوفيق بين الشريعة وواقع المجتمعات، ويفسر ويؤول النصوص بما يتراءى له .
إن الذي يتعلق بموضوعنا هو جانب محدد ، وهو ما أطلق عليه التجديد في أصول الفقه . وأصول الفقه المقصود بها ، بحسب ما نختاره من التعريفات هي :
القواعد التي يُتَوَصّل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة (4) . فأمامنا ثلاثة أمور هي من موضوعات أصول الفقه ، وهي :
1- الأدلة التي هي مصادر الأحكام الشرعية ، وينابيعها .
2- القواعد أو القوانين التي تبين كيفية استنباط الفقه من الأدلة .
3- المجتهد الذي يستنبط الفقه من الأدلة ، بوساطة القواعد المذكورة .
وإذا أخذنا بالمفاهيم الجديدة في معنى التجديد فسنجد أنه سيختلط معناه بمعانٍ غريبة عنه تتردد بين الشذوذ والانحراف وصدق المحاولات . كما سنجد دوافع متعددة ليس في كثير منها دافع التجديد في أصول الفقه بالفعل ، بل ربما كان وراء ذلك أغراض ونوايا أخرى اتخذت من أصول الفقه سلّماً للوصول إليها .
وقبل أن نعرض إلى المحاولات الجديدة أو المعاصرة ، في هذا المجال ، نذكر بعض الآراء التي اشتهرت قبل هذا العصر ، والتي نعتها جمهور العلماء بالشذوذ أو الانحراف :-
1- ففي أوائل عهد نشاط العلماء في المجال الأصولي اشتهر إبراهيم بن سيار الملقب بالنظّام والمتوفى سنة 231هـ . بإنكاره الإجماع ، وإمكان تحققه ، وعُدَّ رأيه شاذاً (5) . يذكر في المباحث الأصولية عرضاً ، وعلى أنه في الأراء المرفوضة . ولم نعلم أنه قدّم تعديلاً أو حلاً آخر لدليلية الإجماع . وقد شاركه في رأيه عدد آخر من العلماء ، ولكنّهم قصدوا عدم إمكان ذلك على العهود التالية لعصر الصحابة (6) . بناء على أن أهل الحل والعقد كانوا مجتمعين في المدينة ، ولم يكونوا قد تفرقوا في البلدان أو الأمصار . وهم كالنظّام لم يقدموا حلاً أو بديلاً معدلاً لمواصفات الإجماع التي ذكرت في كتب الأصول . وإنما اقتصر كلامهم على الإنكار والرفض .
2- وعلى مقربة من عهد النظّام كان داود بن علي الأصفهاني الظاهري المتوفى سنة 260هـ ، ممن يرفض الرأي والقياس ، وألف كتاباً في إبطال القياس . وكان قدوة لمتبّع مذهبه الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم المتوفى سنة 456هـ. الذي أوقد نار حرب حامية بينه وبين علماء الجمهور ، وشدّد النكير على الآخذين بالقياس ، مع أنه من المتحمسين للمنطق الأرسطاطاليسي ، ومن الذين كانوا يرون المنطق اليوناني من أساسيات المعرفة ، وألف في ذلك كتاباً سماه ( التقريب لحدّ المنطق ) . ولتضييقه على مذهبه في رفض القياس اضطر إلى التوسع في مجال أصالة الإباحة ، وأن كل نازلة لا نجد لها حكماً في نصوص الشارع فهي على الإباحة الأصلية الشرعية ، أي أنه يستصحب حكمها ، فصار الاستصحاب البديل عن الأخذ بالقياس . ويبدو أن الأخذ بالاستصحاب كان حلاّ لما يشكّله رفض الأخذ بالقياس ، وانقاذاً لورطة خلوّ الوقائع عن الأحكام . ولهذا نجد أن الشيعة ، وهم ممن يرفضون الأخذ بالقياس أيضاً ، توسعوا في الاستصحاب وأكثروا من الكلام عنه ، وعن ثلاثة أصول أخرى ، وسموا الجميع ( الأصول العملية ) ، أو الأدلة الفقاهية ، وهي الاستصحاب ، والبراءة ، والاحتياط، والتخيير ، سواء كانت هذه الثلاثة الأخيرة شرعية أو عقلية . وقالوا إن الرجوع إليها عند الشك ، أو الجهل بالحكم الواقعي ، واليأس من تحصيله والعثور عليه ، والنتيجة المترتبة على هذه الأدلة ، عندهم ، لا يسمونها حكماً ، وإنما يطلقون عليها مصطلح الوظيفة ، لأن الحكم ، عندهم ، مصدره الأدلة الاجتهادية الأخرى أي الكتاب والسنة والعقل. والسنة عندهم واسعة تشمل كل ما ينقل عن أئمتهم الأثني عشر أيضاً . ولا شك أن توسعهم بالأخذ بما ذكرناه من الأصول المنتجة للوظيفة ، هو محاولة لفتح المجال أمام التعرّف على الأحكام الشرعية أو الوظائف ، فيما لا دليل عليه من الشارع .
3- وفي نهاية القرن السادس الهجري طرح سليمان بن عبدالقوي نجم الدين الطوفي المتوفى سنة 716هـ ، رأياً متطرفاً وشاذاً وفق المقاييس الأصولية ، في المصلحة . هو لم يؤلف كتاباً في المصلحة يذكر فيه رأيه ، ولكنه أورد رأيه في شرحه الحديث الثاني والثلاثين من الأحاديث الأربعين النووية ، وهو قوله :صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضِرار ) . ولم يشر علماء الأصول الذين عاصروه أو جاؤا بعده ، إلى رأيه هذا ، فيما أطلعت عليه من كتبهم . وقد طبع شرحه للأربعين النووية كاملاً باسم ( التعيين في شرح الأربعين ) في السنوات الأخيرة. وهو وإن لم يتكلم عن المصلحة في بعض كتبه كشرحه لمختصر الروضة ، لكنه لم يخرج في ذلك عن رأي الجمهور فيها ، مع نقده تقسيماتهم المصلحة إلى ضرورية وغير ضرورية ، وعدّه ذلك تعسفاً وتكلفاً ، وإنما كان رأيه الخاص والمخالف لرأي جمهور العلماء هو ما أورده في شرحه لحديث ( لا ضرر ولا ضِرار ) ، الذي تكلم في شرحه على المصلحة مطلقاً، لا المصلحة المرسلة . وقد عرّف المصلحة ، بحسب العرف ، بأنها السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع ، كالتجارة المؤدية إلى الربح ، وبحسب الشرع هي السبب المؤدي إلى مقصود الشارع عبادة أو عادة (7) .
وبعد أن أقام الأدلة على حجية المصلحة من نصوص الشارع ، ذكر أن رعايتها مقدمة على النصوص والإجماع ، مستدلاً على ذلك بوجوه ، منها :
أ - ( إن منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح ، فهو إذاً محل وفاق ، والإجماع محل خلاف ، والتمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه .
ب- إن النصوص مختلفة متعارضة ، فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعاً ، ورعاية المصالح أمر (حقيقي في نفسه ، ولا يُخْتَلَفْ فيه ، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعاً ، فكان اتباعه أولى ) (8) .
لكنه يقصر ذلك التقديم على جانب المعاملات والعادات وشبهها ، وأما في العبادات والمقدرات ونحوها ، فالمعتبر فيها النصوص والإجماع ونحوهما من الأدلة (9) .
والمصلحة عنده عامة هي مصلحة الناس ، وما يتراءى لهم أنه ذو منفعة . وليس المقصود في ذلك المصالح المرسلة التي يقول بها الإمام مالك . ونجد من المناسب أن نذكر خلاصة لهذا الاعتبار من عبارات الطوفي نفسه . قال : ( ولا يقال إن الشرع أعلم بمصالحهم فيؤخذ من أدلته ، لأنّا نقول: قد قدرنا أن رعاية المصلحة في أدلة الشرع ، وهي أقواها وأخصها فلنقدمها في تحصيل المصالح . ثم إن هذا يقال في العبادات التي تخفى مصالحها على مجاري العقول والعادات ، أما مصلحة سياسة المكلفين في حقوقهم فهي معلومة لهم بحكم العادة والعقل ، فإنا رأينا دليل الشرع متقاعداً عن إفادتها ، علمنا أنه أحالنا في تحصيلها على رعايتها ، كما أن النصوص لما كانت لا تفي بالأحكام علمنا أنّا أحلنا بتمامها على القياس ، وهو إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه بجامع بينهما )((10) .
فالأمور السابقة : الإجماع ، والاستصحاب البديل عن القياس الأصولي المعروف ، والقياس الواسع ، والمصلحة . والسنة كانت مما يدخل في مجال أصول الفقه ، لأنها تتناول الأدلة ، سواء كان بإنكارها ، أو بتوسيع نطاقها ، ولكنها لم يكن ينظر إليها على أنها تجديد ، بل كانت تذكر على أنها آراء شاذة ، باستثناء أفكار الطوفي في المصلحة التي لم نجد لها ذكراً في كلام المتقدمين.
وفي العصر الحاضر نجد دعوات في غاية الخطورة ، لمن يدع أصحابها التجديد في أصول الفقه وإنما كانوا يدعون إلى التغيير بوجه عام ، وإلى اعتماد التشريعات على مناهج وأدلة تأخذ باعتبارها العقل والواقع ، وحيث كانت النصوص الشرعية عائقة لدعواتهم فإنهم لجؤوا إلى طرق متعددة في التعدي على أهم أصلين تستند إليهما الأحكام الشرعية ، وهما الكتاب والسنة . فدعوا إلى تعطيل الكتاب ، أو تفسيره بحسب الأهواء ، والطعن بالسنة بوجوه مختلفة ، بغية استبعادها عن مجال الحياة ، تارة بادعاء عدم استقلالها بالتشريع ، و تارة بترك ما لم يكن معناه في القرآن الكريم أو مؤكداً له ، وتارة بتقسيمها إلى تشريعية وغير تشريعية، وأن لا حجة لغير التشريعية ، وأنه ينبغي أن ينظر إلى العرف والواقع عند تفسير القرآن الكريم أو السنة ، كما يرى ذلك الدكتور محمد عمارة ، أو ترك الأخذ بالأحاديث في تقنين الأحكام المعاصرة كما يرى ذلك محمد إقبال ، أو أن تردّ الأحاديث المخالفة للعقل والواقع ، بحسب ما يراه آخرون .
وقد يتطرف بعضهم كمحمد إقبال ويقول إن السنة غير التشريعية يجب تركها وعدم جعلها أساساً للقوانين ، وأنها خاصة بعصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الآراء .
وقد يكون بعضهم مستنداً إلى ما فعله القرافي في كتابه الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ، بتقسيم السنة إلى ما صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره مبلِّغاً ومفتياً ، وإلى ما صدرت عنه باعتباره حاكماً ، أو متمسكاً بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم بشأن تأبير النخل : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) .
وليس في ذلك شيء من التجديد ، ولم يقدم أحد منهم مقياساً صحيحاً لما يدعيه ، سوى الواقع والعقل ، وما ذكروه يؤدي إلى الانسلاخ من الشرع في آخر الأحوال . والأدلة التي قامت على حجيّة السنة ليس فيها هذا التفريق . قال تعالى :( ما أتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ) و( إن هو إلا وحي يوحى) و (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) وقال صلى الله عليه وسلم :[ لا ألفينَّ أحدكم متكئاً على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به ، أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ] .
لكن هذه أمور لم يكن الغرض منها الكلام في تجديد أصول الفقه ، وإن كانت تمس بعض موضوعاته ، ولعلّ إثارة هذا الموضوع – أي تجديد أصول الفقه – بخاصة لم تظهر قبل السبعينات من القرن الميلادي السابق ، وقد تكون رسالة ( تجديد أصول الفقه الإسلامي ) الصغيرة للدكتور حسن الترابي ، الصادرة في سنة 1400هـ/ 1980م من أقدم ما صدر بهذا الشأن في العصر الحديث ، وقد نشرت مقالات متعددة في بعض المجلات ، كما نشرت كلمات موجزة لبعض الأساتذة قالوها في مقابلات للدكتور عبدالحليم عويس ، كان ينشرها في ملف الشرق الأوسط الفقهي بعنوان ( أصول الفقه بين التقليد والتجديد ) وهي وما يشبهها في الكتابات العجلى لم تتضمن شيئاً ذا بال .
وقد كثر الكلام في هذا الشأن ، أعني التجديد والدفاع عن الشريعة ، وكان الكثير مما نشر يتعلق بمسألة التوفيق بين الشريعة ومستجدات الحياة ، سواء كانت اقتصادية أو علمية ، أو اجتماعية ، أو غيرها ، وكذلك واقع المجتمعات الإسلامية مما يدخل كثير منه في مجال الاجتهاد والفتوى ، ومنا ينبغي أن يتحقق فيها . ومثل هذه المحاولات بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ، مع الشيخ محمد عبده ( ت 1905م )، ثم تتالت بعد ذلك ، وكثرت إلى درجة بلغت الإحاطة بها بالغة الصعوبة ، وغير مجدية ، أيضاً ، لكون الكثير منها مما يكرر ويعاد .
وهذا الاتجاه له سابقة قديمة في بعض التفاسير الشبيهة بالتفاسير العلمية كتفسير ( مفاتيح الغيب ) لفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606هـ، وفي بعض ما كتبه الحكماء ، أو الفلاسفة المسلمون ، مثل ( فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ) لمحمد بن أحمد بن رشد الحفيد المتوفى سنة 595هـ . لكن هذا الموضوع لم يكن مختصاً بمسألة التجديد ، أو التطوير ، إن صح التعبير . ولهذا فإن محاولة الدكتور حسن الترابي تمثل مكاناً هاماً في هذا المجال . وسأعرض عن الجزئيات والتفصيلات وشطحات اللسان ، وأقتصر على أهم ما ذكره في مجال الأدلة .
يرى الدكتور الترابي أن الرجوع إلى النصوص ، بقواعد التفسير الأصولية لا يشفي إلا قليلاً ، لقلة النصوص . وأنه يلزمنا أن نطور طرائق الفقه الاجتهادي التي يتسع فيها النظر . وأن علم أصول الفقه الذي من شأنه أن يكون هادياً للتفكير آل إلى معلومات لا تهدي إلى فقه ، ولا تولد فكراً . وقال : إن الفقه يعلمك كيف تستنجي ولكن لا يعلمك كيف تقود سيارة . إلى آخر ذلك من الكلمات التي تنم عن الظلم للفقه وبخسه منزلته . ولا ندري إذا كان من مهمات الفقه ، بل قوانين العالم وشرائعه ، أن تعلم الشخص كيف يقود السيارة .
ومهما يكن من أمر فإن دعوته التجديدية بشأن الأدلة أو مصادر التشريع تتلخص في الأمور الآتية :
1- الأخذ بالقياس الواسع ، بأن نستقرأ بعض النصوص ويؤخذ منها المعنى الجامع ، أو القصد ، فيقاس على ذلك .
2- التوسع في المصالح المرسلة والمقاصد ، وتوسيع نطاقها .
3- الأخذ بالاستصحاب الواسع ، وتفعيل بعض الأصول المبنية عليه .
4- الأخذ بالإجماع وفق صورة جديدة تختلف عن صورة الإجماع التقليدي .
5- جعل أمر الحاكم وقراره مصدراً من مصادر التشريع .
وسنذكر فيما يأتي كلاماً موجزاً عن هذه الأمور :
أما القياس فيرى أنه بمعاييره التقليدية محدود لا يفي بمتطلبات الحياة (11) .وربما صلح استكمالاً للأصول التفسيرية في تبيين أحكام النكاح والشعائر والآداب ، ولكنه لا يجدي في المجالات الواسعة في الدين (12) .ولذلك ينبغي أن لا يكون الأصل المقيس عليه نصاً محددا ً، بل ينظر إلى جملة من النصوص ، ويستنبط منها مقصد معين من مقاصد الدين ، أو مصلحة معينة من مصالحه ، ثم نتوخى ذلك المقصد عند التطبيق على الوقائع أو النوازل الجديدة . وأن هذا القياس الإجمالي الواسع ، أو قياس المصالح المرسلة ، درجة أرقى في البحث عن جوهر مناطات الأحكام (13) .
وما ذكره الدكتور الترابي يدخل في مفهوم القياس بمعنى القاعدة العامة المتوصل إليها باستقراء طائفة من النصوص والأحكام ، وهذا أمر متبع ومعلوم للعلماء ، ولكنهم لم يُلْغُوا بسببه القياس الأصولي المعروف ، أي قياس العلة ، لكونه أقوى في الدلالة على حكم الوقائع من القواعد العامة .
وفي الاستصحاب الذي يقربه جمهور العلماء يرى الدكتور الترابي أن الشريعة لم تبدل كل ما كان في المجتمع الجاهلي القديم ، بل كانت هناك أمور متعارف عليها أقرّها الشرع ، وإنما تدخل في إصلاح ما اعوج منها ، فما لم يرد من الشارع دليل عليه ينبغي الاستمرار في العمل به ، وإبقاؤه على ما كان عليه . وذكر بعض القواعد المبنية على ذلك ، وهي : الأصل في الأشياء الحل ، وفي الأفعال الإباحة ، وفي الذمم البراءة من التكليف ، وكل ما تطوّقه المؤمن يقصد به وجه الله عبادة مقبولة ، وكل ما أخذ لمتاع الحياة الدنيا عفو متروك إلا أن يرد النص فينفي صفة العفو أو الإباحة عن فعل معين (14) .
وهو يشترط البدء بالنصوص ، ثم النظر في الأصلين الواسعين ، ثم النظر إلى الواقع الذي نعيشه بمصالحة وأسبابه ، لأن الفهم الذي يتبادر من النصوص قد يلغى عند التطبيق مؤدياً إلى حرج عظيم ، قد يأباه نص آخر ، أو مصلحة مقدرة في الدين (15) .
ولسنا نرى في كلامه هذا جديداً ، أو تجديداً ، وما ذكره أمور مقررة قامت على صحتها الأدلة الشرعية ، ولكن لا ينبغي أن تطلق الأقوال ، كما أطلقها ، فليس الأصل في الأشياء الحل مطلقاً ، بل لا بد من التفريق بين ما هو ضار وما هو نافع . فالصواب أن يقال : الأصل في المنافع الحل ، كما أن الأصل في المضار التحريم . وأما أن الأصل براءة الذمة من التكليف فصحيح قبل مجيء الشرع ، وبعد مجئته شغلت الذمة بما أمر به الشارع ، ويبقى ما عدا ذلك على الأصل المذكور ، وقول الدكتور الترابي : ( وكل ما تطوقه المؤمن ، يقصد به وجه الله عبادة مقبولة غير مقبول ). وهو طريق الابتداع في الدين ، وكل مبتدع إنما يتذرع بأنه يقصد وجه الله .
وأما ما يتعلق بالإجماع فإنه بالصورة التي رسمها له الأصوليون ، صعب التحقيق ، إن لم يكن متعذراً – لا سيما إذا اشترطنا فيه انقراض العصر ـ وهو في الماضي أكثر تعذراً مما هو في العصر الحالي .
ولهذا نجد أن محققي الأصوليين كالآمدي المتوفى 631هـ ، اختار بشأن حكم جاحد المجمع عليه التفصيل، وهو أن لا يحكم بكفر من جحده ، إلا إذا كان جاحداً لما كان داخلاً في حقيقة الإسلام ، أو ما ثبت من الدين بالضرورة كالعبادات الخمس ، ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة . وأما إن لم يكن كذلك فلا تكفير لجاحده (16) . وقد مالت طائفة من علماء هذا العصر إلى عدم إمكان انعقاده . وأكتفى بذكر رأي عالمين مشهورين في هذا المجال ، هما الشيخ/ محمد الخضري رحمه الله ، والشيخ / عبدالوهاب خلاف رحمه الله .
يقول الشيخ / محمد الخضري :
" ويبقى هذا السؤال ، وهو : هل أجمعوا فعلاً على الفتوى في مسألة عرضت عليهم ، وهي من المسائل الاجتهادية ؟ ويمكن الجواب على ذلك بأن هناك مسائل كثيرة لا نعلم فيها خلافاً بين الصحابة في هذا العصر ، وهذا أكثر ما يمكن الحكم به ، أما دعوى العلم بأنهم جميعاً ، أفتواً بآراء متفقة ، والتحقق من عدم المخالف فهي دعوى تحتاج إلى برهان يؤيدها . أما بعد هذا العصر ، عصر اتساع المملكة ، وانتقال الفقهاء إلى أمصار المسلمين ، ونبوغ فقهاء آخرين من تابعيهم لا يكاد يحصرهم العد ، مع الاختلاف في المنازع السياسة والأهواء المختلفة ، فلا نظن دعوى وقوع الإجماع، إذ ذاك ، مما يسهل على النفس قبوله ، مع تسليم أنه وجدت مسائل كثيرة في هذا العصر ، أيضاً ، لا يعلم أن أحداً خالف في حكمها . ومن هنا نفهم عبارة أحمد بن حنبل من ادعى الإجماع فهو كاذب ، لعل الناس قد اختلفوا ، ولكن يقول : لا نعلم الناس اختلفوا إذا لم يبلغه . وبعض فقهاء الحنابلة يرى أن الإمام يريد غير إجماع الصحابة ..."(17) .
و أما الشيخ عبدالوهاب خلاف ، فيقول :
" والذي أراه الراجح أن الإجماع بتعريفه وأركانه التي بيناها لا يمكن انعقاده ، إذا وكل أمره إلى أفراد الأمم الإسلامية وشعوبها ويمكن انعقاده إذا تولت أمره الحكومات الإسلامية على اختلافها ، فكل حكومة تستطيع أن تعين الشروط التي بتوافرها يبلغ الشخص مرتبة الاجتهاد ، وأن تمنح الإجازة الاجتهادية لمن توافرت فيه هذه الشروط . وبهذا تستطيع كل حكومة أن تعرف مجتهديها وآراءهم في أي واقعة" (18) . وقال :"وأما بعد عهد الصحابة ، وفيما عدا هذه الفترة في الدولة الأموية بالأندلس ، فلم ينعقد إجماع ، ولم يتحقق اجتماع من أكثر المجتهدين لأجل التشريع" (19) .
وإذا كان الأمر كما ذكر فينبغي البحث عن البديل ، وما قدمه الدكتور الترابي بديلاً عن الإجماع ، بحسب الصورة المذكورة في كتب الأصول ،وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – في عصر من العصور على حكم شرعي أو ديني ، أقول: ما قدمه الدكتور الترابي يُعَدّ بديلا غير مقبول . فهو يرى أن نتائج الاجتهاد وفق الفقه الإسلامي التقليدي تحتاج إلى ضبط ، لأن سعتها تؤدي إلى تباين المذاهب والآراء والأحكام ، ولهذا فهي تحتاج إلى الضبط . وأهم الضوابط في رأيه هي أن يتولى المسلمون بسلطان جماعتهم تدبير تسوية الخلاف ، وردُّه إلى الوحدة . ويتم ذلك بالشورى والاجتماع ، يتشاور المسلمون في الأمور الطارئة في حياتهم العامة ، فالذي هو أعلم يبصّر من هو أقل علماً ، والذي هو أقل علماً يلاحق في المسألة من هو أكثر علماً ، ويدور بين الناس الجدل والنقاش حتى ينتهي في آخر الأمر إلى حسم القضية ، إما بأن يتبولر رأي عام ، أو قرار يجمع عليه المسلمون أو يرجحه جمهورهم أوسوادهم الأعظم ، ( أو تكون مسألة فرعية غير ذات خطر يفوضونها إلى سلطانهم ، وهو من يتولى الأمر العام ، حسب اختصاصه بدأً من أمير المسلمين إلى الشرطي والعامل الصغير )(20) . ويرى الدكتور الترابي أنه بهذه العملية ( يمكن أن نرد إلى الجماعة المسلمة حقها الذي كان قد باشره عنها ممثلوها الفقهاء ، وهو سلطة الإجماع . ويمكن بذلك أن تتغيّر أصول الفقه والأحكام ، ويصبح إجماع الأمة المسلمة ، أو الشعب المسلم ، وتصبح أوامر الحكام كذلك أصلين في أصول الأحكام في الإسلام )(21) .
ولا أظن أن مثل هذا الكلام يمكن أن يسلم به، أو أن يصيح بديلاً عن الإجماع ، وكيف يمكن أن يدخل العوام والجهلة وعموم الشعب في الاستفتاء على مسألة علمية ، ينبغي أن تدخل في الأُطر العامة للتشريع ، وأن لا تعارض النصوص غير القابلة للجدل .
وإذا كنا نرى أن الإجماع غير ممكن بالصورة المطلوبة في كتب الأصول ، فإنه يمكن رد ذلك للمجامع الفقهية في البلاد الإسلامية ، واعتماد الآراء الصادرة عنهم ، سواء كانت بالإجماع ، أو بالأغلبية ، ولهذا فإني أرى أن رأي الشيخ عبد الوهاب خلاف رأي سديد وعملي.
وهذا أجدى من قول الترابي ( فيمكن أن نحتكم إلى الرأي العام المسلم ، ونطمئن إلى سلامة فطرة المسلمين ، حتى لو كانوا جهالاً في أن يضبطوا مدى الاختلاف ومدى التفرق )(22) . ولا أدري كيف يمكن أن يطمئن إلى فطرة الجهلة !!!
وبإزاء ذلك فإن هناك طائفة أخرى تدعي التجديد بوجه عام وتنصب نفسها مفسرة ومؤولة للآيات والأحاديث . وترى أن الشريعة مرحلية ، وخاصة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو تجعل الواقع أساساً للأحكام وتقصر الآيات على أسباب النزول ، فتقلب القاعدة الأصولية ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) إلى ( العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ) ، أو تحتال على النصوص بالتفسير المتعسّف ، بغية تعطيلها ، وإلغاء العمل بها ، فرحة بأنها حققت إنجازاً علمياً دون الالتزام بضوابط الاجتهاد ، وقواعد الأصول .
ويبدو أنهم في دعوتهم إلى التخلّص من ضوابط الاجتهاد يرسمون منهج الكاتب الإيرلندي برناردشو في قوله ( إن القاعة الذهبية أن لا قاعدة ) . وقد يكون لما قال وجه في المجالات النقدية في الأدب ، التي كان يمارس عمله فيها ، ولكن ذلك لا يصلح في المجال الذي نحن بصدده ، لان ذلك ستترتب عليه نتائج خطرة ، ومضارّ لا حصر لها .
وأكتفي بأن أمثل لذلك بمحاولات التفسير والتوجيه التي خاض في مجالها طائفة من هؤلاء الساعين فيما يسمونه تجديداً ، إن الذي صنعوه إنما هو نوع من التأويل البعيد ، والذي لم يستوف الشروط . لقد فرق الأصوليون بين النص والظاهر ، واعتبروا النص دالاً على معناه قطعاً ، ومن غير احتمال لغيره . أما الظاهر فهو وإن دل على معناه ، لكنه يحتمل غيره احتمالاً مرجوحاً ، ولكونه احتمالاً مرجوحاً لا يجوز اللجوء إليه إلا بشروط ، أهمها :
1- أن يكون الناظر المتأول أهلاً لذلك ، بأن يستوفي الشروط العلمية اللازمة للخوض فيما يخوض فيه .
2- أن يكون اللفظ الظاهر محتملاً لما صرف إليه.
3- أن يكون للمتأول الصارف للفظ عن معناه دليل يقصد به دلالة اللفظ على ما صرفه إليه من المعنى .
وهي شروط – فيما يبدو – تصلح مقياساً معقولاً ومقبولاً للتأويلات والتفاسير التي تذكر للنصوص الشرعية . واعتماداً عليها زيّفوا كثيراً من التأويلات البعيدة وغير المقبولة .
وهذا يبين مدى دقة علم أصول الفقه ، واهتمامه بالضبط ، وإعراضه عن الأمور الخفية المبهمة غير المنضبطة ، الأمر الذي ضاق دعاة التجديد المطلق ذرعاً به ؛ لتضييقه عليهم ، وسدّه مجالات الانفلات عن الفهم الصحيح عليهم ، فأعرضوا عنه وجاءوا بالغرائب التي تضحك من بعضها الثكلى ، بدعوى تأويلها بما يوافق الواقع ومن هذه التأويلات الرامية إلى إلغاء الحدود الشرعية ، والاعتماد على الواقع ، والتوجهات الخاصة ، ما ذكروه بشأن حدّ السرقة :
ففي أحد هذه التأويلات يذكرون أن المجتمع قبل عصر الرسالة كان بدوياً ، ليس فيه سجون يوضع فيها السارق ، فكانت العقوبة البدنية بالقطع مناسبة لذلك ، لكونها تحقق أمرين :
الأول : تعطيل إمكانية السرقة .
والثاني : وسم السارق بعلامة تجعل الناس تعرفه ، وتحذر منه .
ولما جاء عصر الرسالة لم يختلف المجتمع عما كان عليه ، فأبقى الشارع قطع اليد حدّاً للسرقة ، فصار حكماً شرعياً . ومعنى ذلك أنه لا يطبق هذا الحد في عالمنا المتمدِّن الذي فتحت فيه أبواب السجون ، التي تمنع السارق من الهروب ، وتحفظ للآخرين أموالهم ، وتقيهم من أضراره (23) .
وفي تأويل آخر أن النص القرآني لم ترد فيه عبارة ( من سرق) ، بل وردت فيه عبارة ( السارق والسارقة ) وهاتان الكلمتان وصفان لا فعلان ، والوصف لا يتحقق في الشخص إلا بالتكرار ، فلا يقال لمن ظهر منه الجود مرة ، أو مرتين أنه ( جواد ) ، ولا يوصف فرد بأنه ( عاقل ) ، لأنه وجد يعقل مرة أو مرتين ، بل يقصد به من قامت به صفة العقل . وعلى هذا فإن عقوبة قطع اليد هي للسارق الذي تكررت منه السرقة ، أما من لم تتكرر منه فيمكن معاقبته بما يردعه عما هو فيه قطعاً (24) .
ولا ندري كيف غاب هذا الفهم عن علماء السلف ، من لدن عصر الصحابة حتى الآن ،وهم الأعلم باللغة ودلالات ألفاظها من هذا المدعي.!
وإلى جانب من تقدم تبرز طائفة جريئة على الحق ، مجاهرة بالرفض لما جاء في تراث هذه الأمة ، لكنها ليست صنفاً واحداً ، فمنهم من يظهر الإيمان بالله ورسوله ، ويذكرهما بإجلال وتقدير ، ولكنه يعرض عما جاء عنهما من الإحكام ، أو يعطي لأحكامه تفسيراً عاماً ينسج على منواله ، ومنهم من يكفر بالوحي والرسالة ، أو يفسرهما بما يروق له.
فمن الصنف الأول سنكتفي بذكر شخصيتين ، مع وجود الفرق بينهما ، وذلك لاختصار أحدهما على جانب محدد ، وهو خطير ، ونشاط الثاني في مجالات متعددة ، مبثوثة في كتبه ومحاضراته . أما أولهما فهو المستشار محمد سعيد العشماوي الذي يرفض أن يكون ما جاء عن الله ورسوله ، أحكاماً صالحة للتطبيق على مر الزمان ، ويفسر الشريعة تفسيراً مختلفاً عما يفهمه الناس ، ويستدل باللغة اللاتينية ، وبالمعاجم ، وبالتوراة والإنجيل ، على ما يرومه . فهو لا يرى ، كما ذكر ذلك في كتابه ( أصول الشريعة) ، أن الشريعة هي الأحكام ، وإنما هي المنهاج والطريق . يقول : (فالشريعة هي المنهاج الذي يهيمن على الأحكام ، ويطبعها بطابعه ،وليست هي الأحكام بحال من الأحوال). (25) . ثم أخذ يخوض في تحديد معاني الشريعة المختلفة ، فقال:لقد كانت شريعة أوروريس ( ادريس ) هي الدين . وكان الدين عنده هو الشريعة ، الإيمان بالله والاستقامة ... وشريعة موسى هي الحقّ ، فهي تضع الحقوق مع الواجبات وتحدِّد الجزاء لكل إثم ، وتدعو لأعمال الواجبات ، دون تحقيق ، وتطبق الجزاءات بشدة . وشريعة عيسى هي الحب .. الحب الذي يدعو صاحب الحقّ ألا يبحث عن حقه ، ومن له الحق في الجزاء ألا يفكر في الجزاء.
أحبوا أعداءكم .
باركوا لاعنيكم .
أحسنوا لمن يسيئ إليكم .
وشريعة محمد هي الرحمة ، الرحمة التي تزاوج بين الحق والحب . وتمازج الجزاء بالعفو ، والتعامل بالفضل والمعروف (26) .
ثم يشرع بتفاسير عديدة للرحمة ، ثم يذكر أن شريعة الإسلام ، ومنهج القرآن ، لا يمكن أن يكونا قد قصدا إلا الإنسان ، ولقد خلق النص للإنسان ، ولم يخلق الإنسان للنص .
وحبس الإنسان في نص ، والروح في لفظ ، والحياة في قاعدة ، أمر غريب عن الطبيعة ، ومضاد لروح الإسلام الذي يقدم المثل الأعلى في الحركة والتجديد ، ( كل يوم هو في شأن )!! (27) .
ولسنا نفهم من هذا التجديد الذي يقدمه العشماوي غير الانسلاخ من الأحكام الشرعية وترك نصوص الكتاب والسنة والاكتفاء بالمنهج الذي هو الرحمة ، - كما يراه – فشرّع ما تشاء وافعل ما تشاء في نطاق الرحمة المطاطة غير واضحة المعالم . وعلى هذا فأصول الفقه لا حاجة إليها ، لأننا عرفنا أن الشريعة هي المنهاج ، وأن منهاج الشريعة الإسلامية تحقيق الرحمة ، فكل الطرق المؤدية لذلك ، والوسائل المحققة لها من أصول الفقه . والله أعلم.
والمستشار العشماوي وإن لم يدّع أنه مجدد في أصول الفقه،لكن ما قدمه يلغي أصول الفقه المعروف ، ويقيم مقامه ( الرحمة ) ، التي هي ذروة المنهج ، أو الشريعة الإسلامية .
أما الرجل الآخر فهو الدكتور محمد عابد الجابري ، الذي يرى الاعتماد على المقاصد الشرعية طريقاً للفهم والاستنباط ، دون الأحكام الجزئية . ويرى تجديد المقاصد ، وأن يكون العمل بالنص مقتصراً على مكانه وزمانه المتقدمين ، ويرى ضرورة فتح آفاق جديدة للاجتهاد المعاصر ، وأنه لم يظهر مجتهدون تتوفر فيهم الشروط الضرورية لممارسة الاجتهاد إلى الدرجة التي ترقى إلى مستوى طبيعة مشاكل العصر وتحدياته . ويرى أن أهم شروط الاجتهاد العصراني المطلوب ، هي :
1- انفتاح العقل على الحياة والمعطيات الجديدة والاطلاع على مختلف العلوم المعاصرة.
2- الانطلاق من المقاصد الشرعية .
3- جعل ضروريات العصر وحاجياته وتحسينياته جزءاً من المقاصد (28) .
ويرى أن حصر الضروريات في الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، كان منطلقاً فيه من داخل المجتمع الإسلامي الذي كان في وقتهم يشكل عالماً قائماً بذاته ، مستقلاً عن غيره من المجتمعات التي لم يكن لها شأن يذكر.
ويقول: إننا نعيش في مجتمع أصبحنا فيه تابعين لا متبوعين ، وتغيرت فيه الأحوال وتطورت الحقوق .
فهناك اقتراح بأن تضاف الحقوق الأساسية للمواطن والمجتمع المعاصر إلى تلك الضروريات . ومن هذه الحقوق :
الحق في حرية التعبير .
الحق في العمل .
الحق في التعليم.
الحق في العلاج .
ويدخل في الحاجات، الحاجة إلى تنشيط الإبداع الفكري ، والحاجة إلا اكتشاف المعارف الصحيحة.
وليس في هذا الكلام ما هو تجديد لأصول الفقه ، وإنما هو دعوة إلى الاجتهاد الحرّ أو المطلق، انطلاقاً من المقاصد الشرعية التي ينبغي أن تنبعث من ضروريات العصر . ولسنا نرى فيما قدمه من مقاصد ما هو خارج عن الكليات الخمس المطلوب المحافظة عليها شرعاً ، وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسب. وإنما هي وسائل وطرق تتحقق بها المحافظة على هذه الكليات .
ولكن إذا لم تربط هذه المقاصد بالضوابط الشرعية ، وبملاحظة نصوص الشارع التي هي الأساس في تكوينها ، فإنها تعدّ انسلاخاً من الأحكام الشرعية ، أي يكفي أن نحدد المقاصد ثم نبني أحكامنا عليها. فتكون أصول الفقه ، على هذا : هي المقاصد بحسب فهمنا وإدراكنا وعقولنا ، وواقعنا ، ومصلحتنا المطلقة التي لا تتقيّد بالاعتبارات الشرعية .
وأما الصنف الثاني فسنذكر من دعاته شخصين أيضاً ،هما الدكتور محمد أركون ، والدكتور حسن حنفي .
فالدكتور محمد أركون له كتب متعددة نشر فيها آراءه ، وبشّر بها . وسنكتفي من ذلك باستعراض بعض آرائه في اثنين من هذه الكتب هما : ( من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي) و ( تاريخية الفكر العربي الإسلامي) . إذ هما يمثلان نموذجاً لما يراه في أصول الفقه الإسلامي ، أو مصادره الأصلية ففي كتابه الأوّل تكلم علن المصدر الأول لأصول الفقه ، وهو القرآن الكريم . فشكّك في صحّته ، وسماه القرآن الرسمي (29) . وفسر الناسخ والمنسوخ بأنه يناسب انتهازية المشرّعين ، وأنه من إنتاج الأصوليين لمواجهة النصوص المتناقضة (30) . ويتهم الصحابة بالتلاعب بالآيات القرآنية من أجل تشكيل علم التوريث (31) . ويتهم محمد بن جرير الطبري في تفسير آيات الكلالة بأنها مقاومة مستبسلة لما يُحدِث وصفاً جديداً يؤدي إلى زعزعة نظام الإرث العربي السابق (32) . ويستخدم المصطلحات النصرانية والأجنبية ، ويسقطها على علماء المسلمين كنعت المذاهب الفقهية بالمذاهب الأرثوذوكسية ، والإجماع بالإجماع الأورثوذوكسي، وهكذا .
وفي كتابه ( تاريخية الفكر العربي الإسلامي ) يتكلم عن المصادر الفقهية الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس بما هو من كلام الملاحدة . فهو يشكك بالكتاب في صحته وفي مصدره أيضاً ، ويرى أن السنة ليست إلا اختلاقا مستمرا فيما عدا بعض النصوص القليلة .وأن الإجماع مبدأ نظري طبق على بعض المسائل الكبرى مثل الصلاة ، والاحتفال بعيد النبي !! وأما القياس فهو – في رأيه – حيلة كبرى أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأن الشريعة ذات أصل إلهي ، يحل المشاكل الجديدة ؛ ليتم تقديس كل القانون المخترع (33) .
وعلى هذا فمن الصعب أن يُعَدَّ مثل هذا الطرح داخلاً في مجال بتجديد أصول الفقه إذ هو لا يعتدّ بهذه الأصول حتى يجددها ، وما يبديه من رأي هو نسف وإلغاء لها ، وقلب حقيقة الشريعة ، من أنها مصدر إليهي إلى أنها اجتهاد بشري .
وهذا يؤكد ما ذكرناه من أنه لا توجد أرضية بيننا وبينه ، يمكن أن يرجع إليها عند الاختلاف والاحتجاج ، وحينئذ ليس هناك إلا العقل الذي يلجأ إليه لإثبات الألوهية والنبوة ، وصحة الرسالة ، وهذا ليس موضوع البحث .
أما الدكتور حسن حنفي فإنه صريح ، كما هو محمد أركون ، لكنه يعلن أنه صاحب قضية ، وصاحب فكر شيوعي ، يهدف إلى تهديم بناء الدين الذي مر عليه خمسة عشر قرناً وهو يبنى. الدكتور حسن حنفي أستاذ جامعي ،يرى في كتابه ( التراث والتجديد) أن الدليل النقلي الخالص لا يمكن تصوّره ، لأنه لا يعتمد إلا على صدق الخبر سنداً ، أو متناً ، وكلاهما لا يثبتان إلا بالحس والعقل طبقاً لشروط التواتر . فالخبر وحده ليس حجة ، ولا يثبت شيئاً ، على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة ، من اعتمادها شبه المطلق على ( قال الله) و( قال الرسول) ، واستشهادها بالحجج النقلية ، وحدها ، دون إعمال الحس والعقل ، وكأن الخبر حجة ، وكأن النقل برهان (34) .
والغريب أنه يرى أن الشريعة الإسلامية ، أو ما يسميه بالإيمان السلفي ، أخطبوط كبير ، وأنه يهدف إلى تحجيمه . يقول : ونحن منذ فجر النهضة العربية الحديثة وحتى الآن ، نحاول أن نخرج من الإيمان السلفي ، إلا أنهم أطول باعاً في التاريخ منّا ، وأكثر رسوخاً ، ووراءهم تراث حضاري ضخم ، ونحن الأقلّية ، كيف نستطيع أن نحجم هذا الأخطبوط الكبير (35) .
وقال إنه شيوعي ماركسي ، وأنه يرى أن النقد سلبي وليس إيجابياً ، أي أنه يبدؤه بالهدم لعوائق التقدم ، أي للدين . وأنه إذا استطاع ذلك فإنه سيسلم المجتمع العربي إلى إخوته العلمانيين ، لكي يبنوه إيجاباً. ويقول : أنا ماركسي شاب ، وهم ماركسيون شيوخ (36) .
وإذا كان حسن حنفي ، كما قال ، ماركسياً فهو ملحد كافر يؤمن بالمادية الدايلكتيكية ( الجدلية) . يقول ستالين في كتاب المادية التاريخية المترجم للعربية من قبل عزيز شريف ومن قبل خالد بكداش ، رئيس الحزب الشيوعي السوري ، أيضاً : إن كلام الفيلسوف اليوناني القديم ديمقريطس : إن العالم كان وما زال يشتغل بنظام وسيتجمد بنظام لم يخلقه إلاه . ولم يوجده إنسان ، هو عرض رائع لأصول المادية الدايلكتيكية . فإذا كان هذا هو واقع الدكتور حسن حنفي فما هي جدوى الكلام معه في أصول الفقه أساساً ، وهو لا يؤمن بالفقه ولا بأصوله ؟
فإذا لم يحتج بالقرآن نفسه ولا بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – ويسخر ممن يقول ( قال الله) و( قال الرسول) . فبماذا نحجه ؟ وكيف لمثله أن يتحدث عن أصول الفقه؟ فالنوايا ليست هي تجديد أصول الفقه ، بل إلغاء كل ما هو نقلي وشرعي ،والاعتماد على العقل والواقع في تقرير الأحكام ،شأن محمد أركون.
هذا ومن الجدير بالذكر أن نذكر إن من تعرضنا إليهم هم عينات في اتجاهات فكرية تعيش في المجتمع الإسلامي يتمذهب بها كثيرون . ولعل لأراء طائفة من المستشرقين اليهود والنصارى كجولد تسهير ، ويوسف شاخت ، ومرجليوث وغيرهم في الأصول التي بني عليها الفقه أثراً في أفكار هؤلاء .
والآن نسأل هل علم أصول الفقه غير قابل للتجديد بالمعنى الذي نفهمه في التجديد ؟ وهل أصبح حصناً مغلقاً لا يمكن اقتحامه ؟ هذا ما لم أقله ، ولست أراه . ومن الممكن أن تكون الخطوات الآتية مما تسهم في هذا المجال:
1- عرض أصول الفقه بطريقة ميسرة ، وقرن القواعد الأصولية بما يبنى عليها من الأحكام ، أي المزج بين أصول الفقه والتخريج على هذه الأصول ، لأن ذلك أدعى إلى الفهم ، وتفعيل القواعد الأصولية ، والجمع بين علمين نظر إليهما على أنهما منفكان عن بعضهما طوال قرون .
2- إعادة ترتيب الموضوعات الأصولية ، ودراستها ضمن مجموعات متجانسة ، كمباحث الأدلة ، ومباحث الأحكام ، والمباحث اللفظية ، وإجراء مناقلة – إن صح التعبير- بين بعض المباحث . وعلى سبيل المثال نرى أن جعل مباحث التعارض والترجيح مع الأدلة وفي نهايتها ، أولى من جعله بعد مباحث الاجتهاد والتقليد . ولا بأس بأن يكون بحث الاجتهاد والتقليد والإفتاء في نهاية تلك المجموعات .
3- إعادة النظر فيما احتوت عليه كتاب الأصول ، وتجريدها مما لا تمس الحاجة إليه، أو مما لا ينبني عليه عمل ، أو مما أدخل فيها وليس هو منها ، أو غير ذلك . ويمكن إجمال بعض ما ينبغي حذفه فيما يأتي :
أ‌- المباحث التي هي من مباحث علوم أخرى ، ليست بذات علاقة ممهدة لاستنباط الأحكام ، كمباحث علم الكلام ، مثل مسألة شكر المنعم ، ومباحث حاكمية الشرع ، وتكليف المعدوم ، والنسخ قبل التمكن ، وهل كان النبي e متعبداً بشرع قبل البعثة ، وحكم الأشياء قبل الشرع وغير ذلك من الأمور التي من هذا النمط.
ب‌- ترك المناقشات والاستدلالات فيما كان الخلاف فيه لفظياً والاكتفاء بالتنبيه إلى ذلك ، في أمثال هذه الاختلافات .
ج‌-وفي مجال الاستدلال يكتفي بذكر الأدلة القوية ، ويهمل ذكر ما كان ضعيفاً منها .
د‌- الاقتصار على ذكر الحدود المختارة ، أو المستوفية لشروط الحدّ، وإهمال الحدود المزيّفة ، والمرفوضة من قبل الجمهور .
هـ ترك الاستدلالات المعتمدة على الأحاديث الموضوعة التي لا أصل لها أو الضعيفة المتروكة ، لعدم الفائدة في ذلك ، لأن أمثال هذه الاستدلالات ستزيف و تنتقد بذلك ، وفي هذا إشغال للدارس في أمر عديم الجدوى.
4- الإفادة من الدراسات اللغوية المعاصرة في مباحث الدلالات ، ومراجعة المعاني اللغوية ، ودلالات الألفاظ على المعاني في كتب التراث . وتصحيح ما ثبت بالدليل أنه مما يستفاد منها الأحكام وفق الأساليب العربية ، ومباحث علم اللغة الحديث .
5- مراجعة الأحكام المنسوبة إلى الأئمة عن طريق التخريج ، فقد اتضح أن بعض الآراء لم تكن نسبتها صحيحة ، بناء على خطأ في التخريج ، ويعرف ذلك من فقه الأئمة أنفسهم ، سواء كان بكتاباتهم ، أو بنقل تلاميذهم عنهم .
6- الاهتمام بمبحث الاستدلال ، واستبعاد الضعيف في طرقه ، والتأكيد على القوية منها ، لا سيما الأدلة العقلية القاطعة التي لا تعارض الشرع والأحكام المبنية على نصوصه.
7- وفي مجال الأدلة أو مصادر الاستنباط فإنه يمكن اتخاذ ما يأتي :
أ‌- دراسة الأدلة ، سواء كانت متفقاً عليها أو مختلفاً فيها ، واستبعاد ما لا حاجة له من شروط الاستدلال بها .
ب‌- من الممكن إقامة مجمع فقهي موحد ، يضمّ المؤهلين من الفقهاء والعلماء من الاختصاصات المتنوعة المحتاج إليها في دراسة وفهم الوقائع والنوازل ، المحتاجة إلى الإفتاء بها ، واتخاذ قراراته مصدراً إضافياً من مصادر الاستنباط .
ج- إدخال القواعد الفقهية ، ولاسيما الكبرى منها ، في مباحث الاستدلال وضبطها ببيان أركانها وشروطها ، وشروط تطبيقها ، وبذلك تصبح مهيأةً للإفادة منها ، ببناء الأحكام عليها.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) الرسالة الرمزية ص 5 .
(2) رواه أبو داود .
(3) المعجم الوسيط .
(4) أصول الفقه – الحد والموضوع والغاية ص 107 .
(5) روضة الناظر بشرح نزهة الخاطر 1/335.
(6) المستصفى 1/185 و 189.
(7) التعيين ص 239.
(8) المصدر السابق ص 259، 260.
(9) المصدر السابق ص 274.
(10) المصدر السابق ص 279، 280.
(11) تجديد أصول الفقه ص 22 .
(12) المصدر السابق ص 23.
(13) المصدر السابق ص 24، 25.
(14) تجديد أصول الفقه ص 27 ، 28 .
(15) المصدر السابق ص 28 .
(16) الإحكام 1/282
(17) أصول الفقه ص 313 ، 314.
(18) علم أصول الفقه ص:44، 55
(19) علم أصول الفقه ص: 44، 55
(20) تجديد أصول الفقه ص 29 ،30.
(21) مفهمو التجديد بين السنة النبوية وأدعياء التجديد للدكتور محمود الطحان ص 23.
(22) المصدر السابق ص 21.
(23) وجهة نظر للدكتور محمد عابد الجابري ص 62 ،63.
(24) مناهج التفسير في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الحميد متولي ص 145.، وقد نسب هذا الرأي إلى كتاب ( الجنايات المتحدة في القانون والشريعة ) للأستاذ رضوان شافعي المتعافى .
(25) أصول الشريعة ص 178.
(26) أصول الشريعة للعشماوي ص 179 ، 180.
(27) المصدر السابق ص 181.
(28) وجهة نظر للدكتور محمد عابد الجابري ص 58 وما بعدها .
(29) من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ص 34.
(30) المصدر السابق ص 69.
(31) المصدر السابق ص 63.
(32) المصدر السابق ص 52.
(33) تاريخية الفكر العربي ص 297 وما بعدها.
(34) التراث والتجديد 1/ 390 ،391.
(35) الإسلام والحداثة ص 218.
(36) المصدر السابق .




  MANSOR2    عدد المشاركات   >>  14              التاريخ   >>  29/3/2002



تجدون الموضوع على هذا الرابط :

http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=71&catid=74&artid=695

  نايف     عدد المشاركات   >>  150              التاريخ   >>  29/3/2002




الاخ منصور:

جزاك الله خيرا على هذه الاضاءات وقد يكون لي عودة مع هذا الموضوع في وقت لاحق ان شاءالله.

نايـــف...

 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2612 / عدد الاعضاء 62