الكل يرغب في أن يكون محامياً
بقلم: آنجي لطيف
قدّم كينيت كيم، البالغ من العمر 27 عاماً، استقالته مؤخراً من عمله المحترم في إحدى الشركات الاستشارية لشؤون المال والموارد البشرية بولاية نيوجيرزي، والتحق بكلية القانون في إحدى الجامعات. قرار كيم دراسة القانون ليس أمراً غريباً على المجتمع الأميركي الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على نظامه القانوني. وتفاخر أميركا بأن لديها أكبر عدد من المحامين في العالم، فحسب إحصاء رابطة القانونيين الأميركيين American Bar Association (ABA) فإن عدد المحامين وصل إلى ما يقارب المليون و60 ألف محامٍ. كثرة المحامين دفع بعض النقاد إلى القول إن أميركا لديها، بالفعل، فائض من المحامين. كما يشير هؤلاء إلى أن كثرة المحامين تقود بكل تأكيد إلى زيادة في الدعاوى القضائية، ويجادل الكثيرون بأن هذا الوضع يزيد الضغط على المحاكم التي تعج أروقتها بالقضايا. إلا أن هذا الجدل كله لم يقلل من جاذبية دراسة القانون والتخصص فيه، فطلبات الالتحاق بكليات القانون تضرب أرقاماً قياسية مع بداية كل فصل دراسي جديد وتحطّم الأرقام السابقة كل عام. ويقول روبرت ستانيك، العميد المشارك لشؤون القبول والمساعدات المالية بكلية القانون بجامعة جورج واشنطنGeorge Washington ، التي تقع في قلب العاصمة الأميركية واشنطن: "قبل خمس سنوات كنا نتلقى 5 آلاف طلب سنويا فيما وصل عدد الطلبات اليوم إلى 12 ألف طلب سنوياً". ويؤيد ذلك الدراسة التي قام بها مجلس القبول لكليات القانون Law School Admission Council التي تقول إن كليات القانون بالولايات المتحدة وكندا تلقّت 99 ألف طلب التحاق للعام الحالي، وهو رقم يزيد عن الرقم السابق المسجل منذ ثلاث سنوات الذي بلغ 72 ألف طلب. ولا يشمل ذلك الرقم عشرات الآلاف الذين يفكرون حالياً في تقديم طلباتهم. وتشترط كليات القانون على المتقدمين إنهاء دراستهم للبكالوريوس واجتياز اختبار التأهيل، الذي يجرى سنويا، والمسمى School Admission Test (LSAT) Law والحصول على معدّل معين كشرط للالتحاق بهذه الكليات. وتهتم الكليات بالمعدّل الذي يحصل عليه المتقدمون في الامتحان عند النظر في طلبات الالتحاق بالرغم من أنه ليس المعيار الوحيد الذي يستخدم عند النظر في طلب الالتحاق. وقد تقدم أكثر من 148 ألف طالب للاشتراك في الاختبار العام الماضي، وهو رقم يزيد بنسبة 30% عما كان عليه منذ سنتين.
لماذا هذه الزيادة؟
لعل السبب الأول لهذه الزيادة هو الصعوبة التي تعانيها أميركا في سوق العمل. فمع قلة الأماكن الشاغرة حالياً مقارنة مع السنوات الأخيرة، يرى خريجو الجامعات الحاليون والسابقون الذين فقدوا وظائفهم أن هذا الوقت هو المناسب للحصول على درجة علمية قيمة بعد دراسة ثلاث سنوات، ويأملون أنها ستكون عوناً لهم في الحصول على وظيفة مناسبة أو الارتقاء في السلّم الوظيفي عند تحسّن الوضع الاقتصادي الأميركي خلال الفترة القادمة. يقول ستانيك: "إنني أعتقد أن الاقتصاد هو القوة الدافعة وراء هذه الزيادة. إذ ليس هناك الكثير من الخيارات اليوم". يعترف كيم بأن ذلك هو واحد من الأسباب التي دفعته لاختيار كلية القانون. ويقول كيم الذي يدرس الآن فصله الدراسي الأول في كلية مارشال للقانون Marshall School of Law بمدينة كليفلاند في ولاية أوهايو: "إن الكساد الاقتصادي الحالي جعل توقيت استقالتي من وظيفتي أمراً أكثر يسراً". سوء الأحوال الاقتصادية واصلت مطاردة كيم عند محاولته الالتحاق بكلية القانون، بسبب التنافس المتزايد بين المتقدمين للتسجيل. إذ بالرغم من تزايد أعداد المتقدمين لدراسة القانون، فإن عدد المقاعد الدراسية المتاحة ظلت كما هي لم تتغير، فهي لم تتجاوز 57 ألف مقعد في أرجاء أميركا، أو ما يعادل 17 ألف مقعد لكل سنة من سنوات الدراسة الثلاث، وهي المدة المطلوبة للحصول على درجة في القانون.
عانى كيم من هذه المصاعب شخصياً. فقد بدأ بالتقدم إلى كليات القانون عام 2001. وأعاد تقديم طلباته للكليات نفسها في العام التالي ليكتشف أن بعض الكليات التي قبلته في العام السابق لم تقبله في المرة الثانية. وتعتبر كليات القانون أن ازدياد الطلب على الانضمام إليها أمر مشجع، إذ أصبح بإمكانها أن تعدل من شروط القبول لديها. يقول العميد المشارك ستانيك: "إن الخبرة العملية ستكون دائما ميزة كبيرة، فعلى قدر زيادة حجم الخبرة العملية التي يمتلكها الطالب يستطيع إثراء الحوار في الفصل الدراسي. ونحن نميل إلى تفضيل المتقدمين الذين يملكون تجربة كبيرة". لا يعتقد كيم أن كل هذا الاهتمام المتزايد في دراسة القانون يمكن عزوه فقط إلى الوضع الاقتصادي الصعب بل يرى أن هناك أسباباً أخرى وراء اختياره لدراسة القانون، ويصفها بقوله: "هناك العديد من الأسباب وراء اتخاذي لهذا القرار، منها رغبتي في توفير صوت للطبقات الفقيرة وللأقليات التي عادة ما تبتعد عن المساهمة في عملية اتخاذ القرارات في الأمور القانونية والسياسية، وأيضاً اهتمامي الصادق بالعملية القانونية ورغبتي الأصيلة في التأثير". إلا أن المحامي أحمد صيام، الذي يملك مكتباً خاصاً للمحاماة في ولاية نيوجيرزي، يؤكد أن القرار النهائي في الأغلب يعود ببساطة إلى أن مهنة المحاماة تبقى من المهن ذات الدخل الجيد جداً، إذا ما قيست بمتوسط دخل المهن الأخرى، ويعلّق صيام، والابتسامة ترتسم على شفتيه، بقوله: "عادة ما يذكر الطلاب المتقدمون لدراسة القانون بأنهم يودون أن يردوا الجميل للمجتمع". ويضيف قائلاً: "قد يكون هذا الأمر صحيحا لعدد محدود من الأفراد العاطفيين، إلا أن أغلب الناس يحبون أن يكونوا ناجحين في مهنتهم التي تستطيع منحهم حياة مريحة. إضافة إلى اهتمامهم العاطفي الواضح بمجال القانون مما يجعل المزاوجة بين الأمرين مناسبة جداً". وفي الحقيقة فإن متوسط دخل خريج القانون سنة 2002 بلغ حوالي 54 ألف دولار حسب ما جاء في الاستبيان الذي أجرته الرابطة الوطنية لتوظيف خريجي القانون National Association for Law Placement، في الوقت الذي بلغ فيه متوسط دخل خريجي التخصصات الأخرى في السنة نفسها 38 ألف دولار فقط. وتقول الأستاذة الألمانية كاثرينا بيستور التي تدرّس القانون في كلية حقوق جامعة كولومبيا Columbia الرفيعة المستوى: "إن المجتمع الأميركي يعتبر من المجتمعات المشبعة بالقانون". وللأستاذة بيستور نظرية تفسّر بها الدخل المرتفع للمحامين في أميركا كثيرا: "يلجأ الناس في أميركا للعلاج القانوني للقضايا أكثر من غيره كوسيلة لحل المشكلات مقارنة مع البلدان الأخرى، الأمر الذي ينعكس على أجور التقاضي وزيادة الطلب على المحامين. يضاف إلى ذلك أن نظم الحكم تعتمد على القانون كأداة لحفظ الأمن والنظام الاجتماعي، وقد يكون هذا من الأسباب الدفينة التي تمكن المحامين من كسب هذه الدخول المتميزة.
وهناك نسبيا تأكيد أقل على دور القانون في التعاملات اليومية في أوروبا، التي يبدو وكأنها تحاول اللحاق بأميركا". يقول كيم وهو يجلس في حجرة مسكنه الجامعي الجديد، إنه في الحقيقة يشعر بأمان أكبر في كلية القانون مما كان يشعر به عندما كان يعمل في وظيفته: "إن القانون يؤثر على كل مناحي حياتنا ولذا فإن المحامين سيكونون دائما مطلوبين، وتشهد الأعداد الكبيرة من المحامين في وطننا على ذلك".
المصدر http://himag.com/articles/art7.cfm?topicId=7&id=171