شناني عدد المشاركات >> 172 التاريخ >> 13/8/2003
|
الأخ فهد العبد الله
الله بالخير ..
سؤالك يحمل جوابه في طياته .. بل في صريح الكلام الذي سبقته فيه .. وهو كلام جميل وواقعي لا يختلف معك فيه أحد .
ولكن جحا سبقك إلى معرفة كيف تحول الإنسان العربي إلى خروف .. أو حيوان آخر :
وهناك قاعدة جدلية وردت في القرآن الكريم ولم تأخذ حظها من الدراسة والاهتمام ، وهذه القاعدة تقول : لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ' . وهذه القاعدة الجدلية التي تعطي الإنسان حق المبادرة في تغيير الأوضاع .. قام السلطان العربي وعلى مر التاريخ .. بتحريفها في الواقع . بحيث راح الإنسان ينتظر الفرج من قوى غيبية أو فوقية وتحولت طموحاته إلى أماني خرافية .. مثل حكايات السندباد وحورية الجان ومارد الإبريق.
ورغم أن القرآن الكريم أعطى المسلم حق المبادرة في تغيير واقعه .. إلا أن السلطان العربي الآن كرس معادلة جديدة : نارك ولا جنة هلي !!!
يعني وضعنا بين خيارين ( نارين ) لا ثالث لهما : إما أنا أو ... أميركا !! مثلما فعل الطاغية الفريد من نوعه صدام حسين .
والنظام العربي الآن أصبح أكثر وقاحة !!! يعني صارت الأمور على المكشوف وعينك عينك .. وما عاد السلطان العربي يخاف من شعبه أو يحسب له أي حساب ولسان حاله يقول : أنا .. وأنا فقط .. ومن بعدي الطوفان .. مثلما حصل في المثال الصارخ أمام أعيننا .. العراق الحبيب .
ولا شك أنك تعلم أن الهزيمة تكون من الداخل والنصر يبدأ من انتصار الإنسان على ذاته وسيطرته على مقدراته .
الإنسان المهزوم والمقهور لا يصنع انتصارا .
تحرير الإنسان أولى من تحرير الأرض ، لأن الإنسان هو الأساس وهو المنطلق وهو الغاية . ( فالعبيد لا ينتصرون ) .
حرية الوطن مرتبطة بحرية المواطن . والوطن بحاجة جميع أبنائه .. المؤمنين منهم والكافرين .. السلفيين والعلمانيين والشيوعيين والاشتراكيين والقوميين .. الوطن بحاجة الجميع .. وهوملك الجميع .. وليس قصرا على فئة دون أخرى .. لأن مفهوم المواطنة ليس له علاقة بالإيمان ولا بالدين ولا بالمذهب .. مفهوم المواطنة يقوم على الرابطة الوطنية والحقوقية .. فكل سعودي له نفس الحقوق وعليه ذات الواجبات .. مهما كان دينه أو طائفته وكذلك السوري والمصري والسوداني ..ومفهوم المواطنة هذا هو مفهوم حيادي تجاه الدين .. يقوم على الرابطة القانونية ، وليس من الضرورة أن يكون المواطن مؤمنا بطريقة ما ، حتى يحوز المواطنة وحقوقها وواجباتها .
ومعركة الوطن مع أعدائه ليست قصرا على العسكر فقط .. بل إن المجتمع المدني والجمعيات الأهلية تلعب دورا كبيرا في التصدي والمواجهة وبناء الوطن والدفاع عنه والمحاسبة ومحاربة الفساد وغير ذلك .. ولكن النظام العربي كان يعتبر أن صوت المعركة يطغى على صوت الإنسان .. وهذا ما دفع رئيس وزراء فرنسا ' جورج كليمنصو ' إبان الحرب العالمية الأولى إلى القول : (( إن الحرب عملية جادة لدرجة لا تسمح بتركها للعسكريين فقط )) .
والمواطن المقهور لا يدافع عن جلاديه . وإنساننا العربي تحول إلى كائن هو أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان . كيف ؟.
أعود إلى جحا :
فذات يوم كان جحا ذاهبا إلى أمير حلب وحاملا معه إوزة مشوية للأمير المهيب . وفي الطريق فاحت رائحة الشواء ، فلم يتحمل صاحبنا جحا والجوع يغلبه ، فنزع فخذ الإوزة وأكله في الطريق ، ولما وصل ، قدم الإوزة إلى الأمير، فلما رآها المذكور ، سأل جحا : أين الرجل الثانية للإوزة ، فأجابه جحا بعفويته : إن الإوز ، يا مولانا ، خلقه الله برجل واحدة ، انظر يا مولاي إلى الإوز في حديقتك إنه واقف على رجل واحدة . وبالفعل كان الإوز في واحة القصر يقف يستريح على رجل واحدة ، فما كان من الأمير إلا أن أمر أحد حراسه بأن يهجم على الإوز ، فراح حارسه الضخم يهش على الإوز بسيفه ، فهب الإوز يعدو على رجليه ! وعندها نظر الأمير إلى جحا قائلا : ألم تر أن الإوز برجلين اثنتين وليس بواحدة كما قلت . وهنا رد جحا : رعاك الله يا مولاي ، لو أن حارسك الضخم هذا هجم علي الإنسان هجمته هذه لعدا الإنسان نفسه على أربع !!. فضحك الأمير ، ولكن .. بكى التاريخ .
أما بالنسبة لسؤالك ( القانوني ) عن حق المواطن العربي ، أو المحامي العربي ، في الانتماء إلى منظمات تهتم بحقوق الإنسان وغيره ، فأجيبك بالنسبة للقانون السوري والذي لا أعتقد أنه مختلف كثيرا عن باقي القوانين العربية :
منذ فترة أرسل لي الأستاذ هيثم المالح بطاقة اشتراك بجمعية حقوق الإنسان التي أسسها ، والتي أحيل إلى القضاء العسكري للمحاكمة بسببها بتهمة إنشاء جمعية بخلاف القانون .
وبعد أن درست الطلب ، وراجعت بعض المواد القانونية في قانون العقوبات التي تتناول تجريم مثل هذا النشاط ، وكذلك رجعت إلى قانون مهنة المحاماة لدينا ، فاتضح لي أنني لا أستطيع أن أعطس قبل موافقة مجلس النقابة !!!
وأنه من ضمن لائحة الممنوعات المفروضة على المحامي ، عدم الاشتراك في أي منظمة قبل أخذ الموافقة المسبقة على ذلك من النقابة .
كما أن قانون العقوبات يجرم الاشتراك في منظمة ذات طابع دولي ، حيث نصت المادة (288) منه على معاقبة من يقدم على الانخراط في جمعية سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي أو في منظمة من هذا النوع !! بالحبس والإقامة الجبرية من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ..
وبالنسبة لهذا النص فهو يشترط ، كما تلاحظ ، أن تكون الجمعية ذات طابع دولي ، وهذا واضح ، أما إذا كانت الجمعية وطنية مثلا .. ولها علاقات بمنظمات دولية .. فإن النص غير واضح بشأنها ..
وهناك نصوص مطاطة تعاقب على من ينشر أخبارا تسيء إلى سمعة البلاد في الخارج أو توهن نفسية الأمة !! وهذه العبارات المطاطة تترك المجال واسعا لملاحقة الصالح مع الطالح .
أما بالنسبة لقانون تنظيم مهنة المحاماة في سوريا فهو ، كما قلنا ، يحظر على المحامي الانخراط في مثل هذه المنظمات قبل الحصول على موافقة مسبقة ..
وذات مرة ، أجرت معي الإذاعة مقابلة .. وتحدثت فيها عن موضوع حقوق الإنسان .. وبعد فترة التقيت بالصحفي الذي أجرى معي المقابلة .. فأخبرني بأن فلان الفلاني اتصل به وقال له كيف تجرون المقابلة بدون إذن !!!!!
لأن محسوبك من المغضوب عليهم .. نقابيا طبعا .
وذات مرة كتب الزميل العزيز أحمد زكي المتواري عن الأنظار حاليا عن قانون تنظيم مهنة المحاماة في الدول العربية واعتبر أنه لائحة من الممنوعات والمحرمات لسلخ المحامي وجلد ظهره .. وكأنه قانون عقابي .. وليس تنظيمي ، أي جاء لتأديب المحامي .. وليس لحمايته .
يعني نحن بنظر الحكومات العربية .. ناقصنا أدب يا رعاك الله .
وأنت تعرف ، كيف تؤدب الحكومات العربية .. مواطنيها !. خصوصا إذا كانوا ليسوا شقرا ولا بعيون زرقاء !!!
|