المواصي منطقة ساحلية تمتد من دير البلح شمالاً حتى رفح جنوباً على شريط طوله 12 كم على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومنذ بداية انتفاضة الأقصى أصبح اسم المواصي مقترناً في اذهان المواطنين وعبر صفحات الجرائد وفي الإعلام بالإغلاق والحصار الشديد خلال تلك الفترة الممتدة قرابة الثلاث سنوات.
يقيم في منطقة المواصي حوالي 10000 مواطن فلسطيني في عدة تجمعات منها العزبة السويدية ومواصي رفح وحي العرب ومواصي خانيونس، ويسكن تلك المنطقة العديد من عائلات قطاع غزة المعروفة، منها "زعرب وأبو شلوف والندى في رفح وعائلات المجايدة والآغا والملالحة في خانيونس بالإضافة إلى عائلات أخرى.
وتعتبر هذه المنطقة من أكثر المناطق التي لم تشملها التسهيلات في اتفاقيات أوسلو وما بعدها، حيث تعتبر هذه المنطقة منطقة سيادة إسرائيلية كاملة (ج) حيث يحاصرها من الشمال مستوطنة تل قطيف في دير البلح، ومن الجنوب الحدود مع مصر ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق مجموعة مستوطنات غوش قطيف، وتشمل مستوطنات (رفيح يام وعتصمونا وجديد وجاني طال ونتسر حزاني ونفيه دكاليم وجان أور)، ومما يجدر ذكره أن هذه المنطقة التي تمتد على طول 12 كم من الشمال إلى الجنوب لا يوجد بها إلا منفذان فقط يربطهما ساحل البحر بالمدن خانيونس ورفح، وهما معبر تل السلطان في رفح، ومعبر التفاح في خانيونس، أما بالنسبة لمنفذ تل السلطان فهو مغلق بشكل دائم منذ بداية انتفاضة الأقصى وفي أفضل الحالات يتم فتحه ساعة واحدة صباحاً لمن يريد الذهاب إلى رفح فقط، إما إذا أراد العودة فعليه استخدام حاجز التفاح الذي يتم فتحه ساعتين في الصباح و3 ساعات في المساء، مصطحباً معه بطاقته الممغنطة الخاصة بسكان المواصي، حيث أن الاحتلال فرض على كل مواطن أن يحصل على بطاقة ممغنطة تحمل رقم خاص واسم الشخص ورقم بطاقة هويته، وذلك لتمييز سكان المواصي من غيرهم.
المواطنين عانوا وما يزالون يعانون حتى اليوم من أشكال الإذلال والإهانة المختلفة بداية بالألفاظ البذيئة والشتائم وانتهاء بالتفتيش الدقيق ومنع مرور الحاجيات، وإعادة المواطنين من حيث أتوا في كثير من الأحيان ناهيك عن أيام الإغلاق الكامل التي تستمر إلى أسبوع في بعض الأحيان لأقل سبب أو أقل حادث.
ورغم مرور شهر على الهدنة إلا أن أشكال التعسف والقمع لا تزال تمارس حتى اليوم ضد سكان المواصي رغبة في تهجيرهم وإجبارهم على مغادرة أراضيهم ومحاولة للضغط عليهم وابتزازهم بكل الطرق والوسائل.
المواطن أحمد قال: (عند مروري بالحاجز في أحد المرات متوجهاً إلى جامعتي في خانيونس قال لي رجل المخابرات "لا تعد قبل خمس سنوات").. المواطن معتز يسكن المواصي قال: منذ بداية الانتفاضة لم أفكر في عبور الحاجز تحسباً من المضايقات التي أسمعها تمارس عليه. وهذا حال كثير من الشباب، بل أن النساء شملها الإذلال والعقوبات الجماعية، فمن يقل عمرها عن 35 سنة لا تستطيع عبور الحاجز قبل رفع هذا الحظر في الأسبوع الأخير. المواطن أبو ياسر عبّر لنا عن معاناته التي مر بها في إحدى المرات فقال "كل شيء ممنوع من المرور، فلا تستطيع إدخال أي شيء معك ولو كان كيلو تفاح حتى أنني اضطررت مرة لتوزيع اوقية اللحم في جيوب المعطف لأسد بها رمق أبنائي الذين حرموا من التسوق مثل باقي الناس".
المواطن أم أحمد قالت: "اضطررت ذات مرة لإدخال الدواء في ملابسي الداخلية خوفاً من مصادرتها على الحاجز".
وإذا كانت هذه المشاهدات جزء يسير من تلك المعاناة، فإن هناك أصناف كثيرة من العقوبات الجماعية، فمثلاً مواد البقالة لا تدخل إلا يوم السبت فقط، ويجب أن يصحب ذلك تنسيق مع قوات الاحتلال. كما أن مواد الأخشاب والبلاستيك والحديد لا تمر إلا يوم الثلاثاء فقط من كل أسبوع، أما الأدوية فلا توجد إلا في عيادة صغيرة تخدم كل هؤلاء المواطنين ولا يوجد بها إلا طبيب وممرضتان وسيارة إسعاف واحدة لا يسمح لها بعبور الحاجز نحو خانيونس في حالة وجود حالة طارئة بل يجب أن تحضر سيارة إسعاف أخرى لتأخذ المريض بعد تفتيشه إلى مستشفيات خانيونس.
ويضاف إلى ذلك أن هناك حاجزاً داخلياً في المواصي يفصل بين رفح وخانيونس، فمن أراد أن يعود إلى مواصي رفح فعليه بالمرور عبر هذا الحاجز بعد حاجز التفاح، ويجب أن يخضع لإجراءات تشابه أحياناً تلك التي تمارس على حاجز التفاح.
هذه صور مبسطة من عشرات الصور التي تمارس ضد سكان المواصي، ففي الأسبوع الأخير فقط أغلق الحاجز ثلاث مرات واضطر المواطنون إلى العودة إلى خانيونس حتى صباح اليوم التالي.
إننا إذ نعرض بهذه المعاناة نطالب المجتمع الدولي وأصحاب القرار والمنظمات الإنسانية بسرعة التدخل لفضح هذه الممارسات وعرضها على العالم وإجبار الاحتلال على تخفيف المعاناة عن أهلنا في المواصي حتى يستطيعوا ممارسة حياتهم بدون معوقات وحواجز.