اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
2/7/2023 1:18:53 PM
  الأمثال والقانون.. لماذا؟      

الأمثال والقانون.. لماذا؟ أحمد عبد الظاهر مقال منشور بجريدة الوطن تعليقاً على أحد مقالاتنا المنشورة عن «الأمثال والقانون»، وردت لى رسالة عبر «الواتس آب» من الصديق العزيز والزميل الفاضل المستشار محمد هشام الرافعى، المستشار بالمكتب الفنى لوكيل دائرة القضاء فى إمارة أبوظبى: «أنا قرأت المقال، وأعتقد أن المشهد القانونى فى مصر بائس ويحتاج طرح موضوعات أكثر إلحاحاً، مثل التقاضى الجزائى عن بُعد وحوكمة إجراءات التقاضى وغيرها من المشكلات التى لا يتحدث عنها أحد... من واجبنا الاشتباك مع الواقع وطرح حلول، لأن مقالات مثل الأمثال والأمور النظرية لا تغير شيئاً على أرض الوقع، مثلها مثل كتابات أغلب النخبة فى مصر، الكتابة من أجل الكتابة، دون أن يكون للمثقفين والكتاب أى أثر فى تطوير البلد وإنارة العقول... أشعر أن هذا النوع من الموضوعات يستنزف حضرتك فى موضوعات نظرية، بدلاً من الاستفادة من قدراتكم فى التطوير».والواقع أن القانون هو أحد عوامل الضبط الاجتماعى، بل إن القانون يأتى على رأس هذه العوامل، مضافاً إليه الأخلاق والتقاليد. وحتى تحقق كل هذه العوامل الدور المأمول فى ضبط حركة الحياة فى المجتمع، ينبغى أن يكون ثمة تناسق وتناغم بينها. فلا يكون ثمة تناقض بين القيم الاجتماعية المستمدة من القانون والقيم الأخلاقية أو التقاليد. وإذا كان ثمة شبهة أو مظنة تناقض بينها، فإن من الواجب العمل على إزالة هذه الشبهة أو المظنة فى أذهان عموم الناس. وإذا كان ثمة تعارض أو تناقض فِعلى بينها، فإن من الواجب إزالة هذا التعارض، وبحيث يمكن أن يكون القانون هو الوسيلة لتهذيب ما تناقض من الأمثال الشعبية أو على الأقل بيان ما بها من شذوذ. فعلى حد قول أحد كبار فقهاء القانون فى مصر والعالم العربى، «القانون باعتباره مقيماً لنظام اجتماعى يتغلغل فى الحياة الاجتماعية ويوغل فيها، حتى يكاد ينبسط نطاقه على أكثر مظاهرها ومعالمها. بل إنه ماثل حاضر فى أكثر مظاهر النشاط اليومى بحكم ما يصدر عنها من تصرفات تبدو مع التكرار آلية كشراء الجرائد والحاجات المنزلية، وهو ما يكون بيعاً، وكركوب الترام والذهاب إلى دور السينما، وهو ما يكون إيجاراً. غير أن القانون، وإن كان يسيطر على أكثر مظاهر الحياة الاجتماعية، فليست قواعده بالوحيدة - وإن تكن فى الطليعة - بين القواعد التى تنظم الحياة فى المجتمع» (د. حسن كيره، المدخل إلى القانون، منشأة المعارف بالإسكندرية، د.ت، ص 27 و28).ومن ثم، ينبغى إبراز العلاقة بين القانون وبين النظام العام الحاكم للمجتمع، وعلى وجه التحديد القيم والمخزون الثقافى والأخلاقى له. وعلى حد قول أستاذنا الدكتور صوفى أبوطالب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، «يجب ألا يغيب عن بالنا أن انفصال الجزاء القانونى عن الجزاء الدينى أو الأخلاقى لا يعنى بالضرورة ابتعاد القانون عن الدين أو الأخلاق ومخالفته لأحكامهما، ذلك أن القانون مرآة لحضارة المجتمع وما تقوم عليه من قيم دينية وأخلاقية، ومن ثم يرتكز على الأسس الدينية والأخلاقية السائدة فى المجتمع. غاية الأمر أن القانون تخير بعض هذه القيم ووضع لها جزاء وترك ما عداها اكتفاءً بالجزاء الدينى أو الأخلاقى» (راجع: د.صوفى حسن أبوطالب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، الجزء الأول، تكوين الشرائع القانونية وتطويرها، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1425هـ - 2005م، ص 7).ومن ناحية أخرى، فإن للقانون دوراً تربوياً فى تهذيب سلوكيات وتصرفات الأفراد. ولن يتحقق للقانون هذا الدور بدون اقتناع المخاطبين بأحكام القانون بأحكامه والأساس الفلسفى لها. ولا شك أن إبراز العلاقة بين القانون والأمثال الشعبية يسهم فى تحقيق هذا الهدف. فالمثل هو قصة حياة ترويها الأجيال، وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان. وغنىٌّ عن البيان فى هذا الصدد أن الأمثال الشعبية القديمة تدعو إلى فضائل وخصال حميدة وتشجب صفات سيئة وتشدد على تجنبها، ومن الأمثال التى تدعو إلى العمل الجاد والاجتهاد والابتعاد عن الكسل والجدل والمراء «إذا أراد الله بقوم سوء أعطاهم الجدل ومنعهم العمل»، «الكلاب تعوى والقافلة تسير»، «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد». ومن الأمثال ما يدعو إلى الصدق والابتعاد عن الكذب والاعتراف بالخطأ، مثل «الصدق منجاة» و«الرجوع إلى الحق فضيلة» و«الكذب ليس له رجلين». ومن الأمثال ما يدعو إلى التسامح والعفو، مثل الصلح خير. ومن الأمثال ما يدعو إلى النزاهة، ومنها «الغنى غنى النفوس مش غنى الفلوس». ولأن الصداقة شىء مقدس، لم تخلُ الأمثال من بيان أهمية وفضل الصداقة، ومن ذلك نذكر «الرفيق قبل الطريق» و«الصديق وقت الضيق». ومن الأمثال التى تدعو إلى عدم مخالطة السفهاء وعديمى المروءة «الوِحْدَةُ خيرٌ من جليس السوء». ويمكن أن نجد نظيراً وتطبيقاً لكل هذه الأمثال من القواعد والأحكام القانونية.ومن ناحية ثالثة، فإن الأمثال الشعبية هو أحد عناصر التراث الثقافى غير المادى للشعوب. فوفقاً للمادة الثانية البند الثانى من اتفاقية اليونيسكو بشأن حماية التراث الثقافى غير المادى، لسنة 2003م، يتجلى التراث الثقافى غير المادى بصفة خاصة فى التقاليد وأشكال التعبير الشفهى، بما فى ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافى غير المادى. ومنظوراً إلى الأمور على هذا النحو، يبدو من الضرورى تعزيز سبل الحفظ على الأمثال الشعبية باعتبارها أحد عناصر التراث الثقافى غير المادى. وجدير بالذكر فى هذا الصدد أن المثل الشعبى اعتمد فى بقائه وانتشاره فى الماضى، على مجموعة من الخصائص، منها العلم به ومعانيه مسبقاً، وموافقة الجميع على معانيه وألفاظه، وسهولة وسرعة فهمه بين العامة وأصحاب الاختصاص، إضافة إلى أن المثل يتقارب فى صيغته مع مجمل الأمثال. ولكن، وعلى حد قول البعض، فإن من المؤسف القول إن «المثل الشعبى اندثر مثلما اندثرت بعض الآداب الشعبية والفنون، فعلى الرغم من أن المثل يعد أفضل الآداب التى يمكن للمرء التعبير بها أثناء الحديث وإيصال المغزى المطلوب بسهولة، إلا أن المثل الشعبى لم يوظف فى الدراسات الأكاديمية والمناهج الدراسية، لدرجة أنه زال من ثقافات الشعوب».ومن ناحية رابعة، فإن القانون هو مجموعة القواعد العامة المجردة التى تنظم سلوك الإنسان فى المجتمع، وتتضمن جزاءً قانونياً حالاً يوقع ضد من يخالفها. وبعبارة أخرى، فإن القانون هو خطاب موجّه إلى أشخاص فى مجتمع. ومن ثم، يبدو من الضرورى أن يفهم المخاطبون مضمون القواعد القانونية والوقوف على الخطوط العامة لها على الأقل. ولا شك أن الربط بين القواعد القانونية وبين الأمثال الشعبية باعتبارها الضمير الحى للشعوب هو الوسيلة المثلى فى التقريب بين القاعدة القانونية وبين أذهان الناس وفهمهم، بما يؤدى إلى تقليل حالات الجهل بأحكام القانون، لاسيما أن النظم القانونية مستقرة على أن الجهل بالأحكام القانونية ليس عذراً. أو كما يقولون: «القانون لا يحمى المغفلين».ولكل ما سبق، يزداد إصرارى يوماً بعد يوم على أهمية إبراز العلاقة بين القانون والأمثال الشعبية، إدراكاً منى بأن الأمثال هى حكمة الأجداد والمعين الذى نحتاج إليه فى ضبط حركة الحياة فى مجتمعاتنا، فى مواجهة رياح العولمة وحالة الاختلال الأخلاقى والفوضى العارمة التى يشهدها عالم اليوم. والله من وراء القصد... حفظ الله البشرية من كل مكروه وسوء.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 418 / عدد الاعضاء 62