مكتب المحاماة والاستشارات القانونية والتحكيم
مدحت طلال مرعبي
محام بالاستئناف
195541/03
طرابلس – البولفار – سنتر مسعود – الطابق التاسع
جانب محكمة الاستئناف الجزائية في الشمال الموقرة
إستئنـــــــــــــــــــــــــــــاف
مقدم مـــــــــــــــن
المستأنف: محمد عبد اللطيف برغشون وكيله: المحامي مدحت مرعبي
الستأنف ضده: الحق العام
القرار المستأنف: القرار رقم 97/2011 ، الصادر بتاريخ 13/1/2011
عن حضرة القاضي المنفرد الجزائي في طرابلس والذي
قضى بما يلي :
- بإدانة المدعى عليه محمد عبد اللطيف برغشون بجرم المادة 655 عقوبات وبحبسه سندا لها لمدة ستة أشهر وتغريمه مبلغ مئة الف ليرة لبنانية وبإنزال العقوبة تخفيفا سندا للمادة 254 عقوبات واستبدالها بغرامة مالية قدرها سبعة ملايين ليرة لبنانية على أن يحبس يوما واحدا عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال تمنع عن دفع الغرامة سندا للمادة 54 عقوبات وعلى أن تحسب له مدة توقيفه من العقوبة .
- بتدريك المدعى عليهما الرسوم والنفقات القانونية كافة .
تاريخ صدور القرار المستأنف: 13 /1/2011
أولا: فــــــــــــي الشـــــــــــكل:
بما الاستئناف وارد ضمن المهلة القانونية ومستوف كافة شروطه الشكلية والجوهرية فيقتضي قبوله شكلا.
ثانيا: فـــــــــــــي الأســــــــــاس :
بعد التدقيق في القرار المستأنف يتبين أنه مستوجب الفسخ للأسباب التالية :
I- أسبـــــــــــاب الإستئناف:
- السبب الأول: في وجوب فسخ القرار المستأنف لعلة الخطأ في تطبيق
المادة 655 عقوبات الفقرة الثانية ، بالرغم من عدم
توافر عناصرها وبالرغم من عدم إمكانية إسناد هذا
الوصف على المستأنف ماديا ومعنويا
لقد جاء في حيثيات القرار المستأنف أن المستأنف تنطبق عليه أحكام الفقرة الثانية من المادة 655 عقوبات باستغلاله الآلية المعتمدة لدى شركة الوسترن يونيون في لبنان لجهة استلام المال المحوّل بدون الرقم السري أو ما يسمى الكود.
فنقرأ في الحيثيات ما نصه:" إستغل المدعى عليه محمد برغشون هذا الاختلاف في الآلية المعتمدة لاستلام الاموال عبر وسترن يونيون في لبنان ومختلف دول العالم ، وأقدم على وضع إعلان على صفحة Facebook على الانترنيت يتضمن رقم هاتفه الشخصي وبريده الالكتروني Sikoo-Sikoo@live.comعارضا بيع عدد من الشيبسات للأشخاص الراغبين في الشراء ، ومستعملا عددا من الاسماء الوهمية لإبعاد الشبهات عنه."
وعلى ما يبدو من الحيثية المذكورة أن القرار المستأنف قد اعتبر وضع إعلان بيع الشيبسات على موقع Facebook يشكل المرحلة الأولى من المناورات الاحتيالية والتي – أي المرحلة الاولى- اقترنت باستغلال المستأنف للآلية المعتمدة لشركة وسترن يونيون لناحية تسليم المال المحوّل بدون طلب الكود السري ، بالاضافة إلى توسله عددا من الاسماء الوهمية .
وبالنتيجة خلص القرار المستأنف إلى إدانة المستأنف بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 655 عقوبات على نحو ما عرضته الحيثية التالية:
" وحيث أنه اصبح بالتالي من الثابت بأن المدعى عليه محمد برغشون
أقدم من خلال استعمال اسم مستعار والاستفادة من ظرف عدم اتباع
شركة وسترن يونيون في لبنان حينها لآلية الرقم السري المعتمدة في
مختلف دول العالم من أجل تسليم الأموال المرسلة ، على الاستيلاء على
أموال المدعو ربيع الأعور ، الأمر الذي يشكل الجنحة المنصوص عليها
في المادة 655 عقوبات ويقتضي بالتالي إدانته بها"
فأمام ما عرضته هذه الحيثية ، نطرح السؤال التالي :
هل إن عناصر هذا الجرم متوفرة بحق المدعى عليه؟
لقد نصت المادة 655 عقوبات على أنه "كل من حمل الغير بالمناورات الاحتيالية على تسليمه مالا منقولا أو غير منقول ... واستولى عليها يعاقب بالحبس...
وتعتبر من المناورات الاحتيالية:
1-
2- تلفيق أكذوبة يصدقها المجني عليه نتيجة تأييد شخص ثالث ولو عن
حسن نية أو نتيجة ظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه
3-
4- ...."
فيتوضح من النص المذكور ووفقا لمضمونه انه لابد لتوفر جرم الاحتيال من توفر أركان او عناصر :
1- ركن مادي يتمثل بالخداع الذي يشكل فعل المناورات الاحتيالية
2-نتيجة جرمية مترتبة على الخداع وتتمثل بتسليم المال وتوفرصلة سببية بين الخداع وتسليم المال
3- الاستيلاء على المال بنية تملكه.
وعلى ما يبدو أن القرار المستأنف قد استلهم الفقرة الثانية من نص المادة 655 عقوبات من بين تعداد أساليب المناورات الاحتيالية .
فهل كان القرار المستأنف موفقا وصائبا لناحية هذا النهج الذي سلكه؟
الجواب،قطعا بالنفي،
- فبالنسبة لفعل الخداع أو المناورات الاحتيالية:
لقد فصّل القرار المستأنف مراحل المناورات الاحتيالية ، على نحو ما آل إليه في حيثياته على الشكل التالي :
أ- وضع إعلان بيع شيبسات على موقع Facebook يتضمن رقم هاتف
المستأنف وبريده الالكتروني
وبهذا الخصوص ، يهمنا أن نوضح أن مسألة وضع الإعلان المشار إليه ليس أكذوبة او عنصرا من عناصر الخداع ، وإنما هو إعلان حقيقي وجدي وأبرم المستأنف من خلاله عدة إتفاقات بيع شيبسات داخل لبنان وخارجه .
بدليل أن المستأنف وضع رقم هاتفه المحمول على الإعلان المشار إليه ،فلو كان هذا الإعلان وهميا أو مجرد أكذوبة لما وضع المستأنف عليه رقم هاتفه ، وهو رقم صحيح وتواصل فيه المستأنف مع المدعو ربيع الأعور ، على نحو ما ورد في القرار المستأنف
" إتصل المدعو ربيع الأعور المقيم في دولة الإمارات بالمدعى عليه
محمد برغشون وطلب منه شراء خمسة مليارات من الشيبس لقاء مبلغ
1350 دولار أمريكي "
فالمستأنف ، هنا ، لم يقدم على تلفيق أكذوبة أو ممارسة أي تدليس على المدعو ربيع الأعور ، ليقوم هذا الأخير ، بعد ذلك، بالاتصال بالمستأنف وعرض شراء شيبسات بمبلغ 1350 دولار امريكي ، ومن ثم إرسال هذا المبلغ عبر الوسترن يونيون. بل على العكس إن عرض شراء الشيبسات جاء من جانب المدعو ربيع الاعور، ولم يعمد المستأنف إلى ممارسة أية مناورات احتيالية ومن ضمنها تلفيق أكذوبة ما لإقناع ربيع الاعور بقبول شراء الشيبسات .
ب- إستغلال الإختلاف في الآلية المعتمدة لاستلام الاموال المرسلة عبر
الوسترن يونيون لناحية عدم الزامية رقم الكود ، باعتبار هذه الآلية
المذكورة هي الظرف الذي استفاد منه المستأنف لدعم الأكذوبة
الملفقة بحسب حيثيات القرار المستأنف
نوضح ، هنا، أن تلفيق الأكذوبة المقصودة بالمادة 655 عقوبات باعتبارها جوهر الخداع الاحتيالي يجب ان تبلغ من الاهمية والشدة وترافقها ظروف معينة إلى حد التأثير في إرادة المجني عليه لإيقاعه في الغلط وحمله تحت تأثير هذا الغلط على تسليم أمواله .
وبعبارة أوضح لا يكفي ان تتجه إرادة المجني عليه إلى تمكين المحتال من السيطرة على المال ، بل يجب أن تكون هذه الإرادة معيبة عند التسليم نتيجة للمناورات التي مارسها المحتال.
وهذا ما سار عليه اجتهاد محكمة التمييز الجزائية ،فنقرأ ما نصه :
" وحيث انه من المفيد القول إضافة إلى ما تقدم ، أنه يشترط أن ترافق
المناورة الاحتيالية ظروف ذات أهمية بالغة توصلا إلى إيقاع المخدوع
في الغلط ، وحمله تحت تأثير هذا الغلط إلى تسليم ماله إلى المحتال"
يراجع لطفا: قرار محكمة التمييز الجزائية ، تاريخ 16/3/2005
المصنف في الاجتهاد الجزائي لعام 2005 ، ص 342
أكثر من ذلك،
نسأل هنا ، هل إن استغلال المستأنف لآلية تسليم الأموال في الوسترن يونيون هي الظرف الذي استفاد منه هذا الأخير لإيقاع المدعو ربيع الأعور في الغلط وبالتالي أدى هذا الغلط إلى إرسال مبلغ 1350 دولار
الجواب قطعا بالنفي ،
ونعلّل الجواب على الشكل التالي :
1- إن عرض بيع الشيبسات عبر الاعلان على موقع Facebook
رافقه طلب من المدعو ربيع الاعور ، فعملية العرض والطلب ،هنا،
هي عملية حقيقية لاتنطوي على أي خدعة أو كذبة ملفقة .
2- إن الآلية المعتمدة لدى شركة الوسترن يونيون في لبنان لقبض
المال المحوَل ليست هي الظرف الذي حمل المدعو ربيع الاعور
على إرسال مبلغ 1350 دولار امريكي، وبالتالي ليست هذه الآلية
ذات تأثير في إرادة ربيع الاعور فوقع في الغلط بنتيجتها . أضف
إلى ذلك ، إن هذه الآلية سواء كانت تعتمد على الاسم أم على الرقم السري فالأمر في الحالتين سواء ، إذ أن مستلم الأموال عندما يعرض على موظف شركة الوسترن يونيون اسم المستلم واسم المرسل ومقدار المبلغ المرسل وتاريخ الحوالة ، فما الغاية من الرقم السري أمام كل هذه المعلومات التي لا يمكن أن تكون بحوزة المستلم إلا بنتيجة اتفاق مسبق بين المرسل والمرسل إليه .
وبالتالي لن يكون لهذه الآلية أي تأثير في إرادة الشاكي ربيع الأعور
3- حكما، إذا انتفى فعل الخداع وفعل تلفيق الاكذوبة ينتفي ما يسمى
بالظرف الداعم للكذبة أو فعل الخداع
ب- إقدام المستأنف على إعطاء الشاكي ربيع الاعور اسما غير اسمه
أي اسم المدعى عليه عبدالله يحيى
وهنا نطرح مسألة كتم المستأنف لاسمه الحقيقي واستبداله باسم المدعى عليه عبدالله يحيى ومدى تأثيرها في إرادة الشاكي ربيع الأعور،وذلك في ظل وجود رقم هاتف المستأنف الصحيح مع الشاكي وفي ظل أن المدعى عليه عبدالله يحيى هو شخص حقيقي وموجود وذو صلة بالمستأنف وبالتالي لم تكن تسمية عبدالله يحيى هي تسمية لشخص وهمي غير موجود ولايمكن ملاحقته جزائيا.
فمن المؤكد ، هنا، أن موضوع تسمّي المستأنف بغير اسمه لا يمكن أن يشكل الدافع الذي حمل الشاكي على ارسال مبلغ 1350 دولار للمستانف
وذلك لأن الشاكي المذكور كان سيرسل المبلغ المشار إليه سواء أكانت التسمية محمد برغشون أو عبدالله يحيى
كما أنه من ناحية أخرى إن كتم الاسم الحقيقي لا يمكن أن يشكل التدليس المقصود بالمادة 655 عقوبات ، طالما ان هذا الكتم لم يؤيده ظرف خارجي يأتيه شخص ثالث عبر أفعال إيجابية تؤثر في إرادة الشاكي فتحمله على تسليم المال
- بانسبة للنتيجة المتمثلة بتسليم المال – أي مبلغ 1350 دولار امريكي
والرابطة السببية بين فعل الخداع والنتيجة بحسب حيثيات القرار
المستأنف
لقد دأب اجتهاد محكمة التمييز بشكل ثابت على أنه لا بد من صلة سببية بين فعل الخداع وتسليم المال ، وبهذا الخصوص نقرأ ما نصه:" وحيث من المقرر قانونا واجتهادا بأن جرم الاحتيال المنصوص عليه في المادة 655 عقوبات يتطلب لأجل تحقق عناصره ركنا ماديا يتمثل في فعل الخداع والنتيجة الجرمية المترتبة عنه وهي تسليم المال على أن تتوفر بين الفعل والنتيجة صلة سببية"
يراجع لطفا: محكمة التمييز – تاريخ 8/3/2005 – المصنف لعام 2005 ،ص 350
وويستنتج من الاجتهاد المذكور أنه يقتضي أن يكون فعل الخداع هو من العوامل التي ادت وقوع المجني عليه في الغلط ، وان يكون هذا الغلط أحد الاعتبارات التي حملته على تسليم المال ، بمعنى أنه لولا فعل الخداع ما كان المجني عليه يسلم ما له إلى المحتال .
ويستنتج أيضا أنه يترتب على توفر السببية بين فعل الخداع والغلط من جهة ، وبين الغلط وتسليم المال من جهة أخرى أن تكون هذه الخطوات مرتبة من حيث الزمن ، أي فعل الخداع ثم غلط يترتب عليه ثم تسليم يترتب بدوره على الغلط .
ويستنتج أيضا ، ان تكون الطرق الاحتيالية سابقة على تسليم الشيء وان تكون هي السبب المؤثر الذي دعا إلى هذا التسليم ، لا ان تكون لاحقة له .
فهل أسّس القرار المستأنف حيثياته وفق هذه المبادئ؟
من العودة إلى ملف الدعوى والتحقيقات ، فإنه ينهض منها أن الشاكي ربيع الاعور قد أرسل مبلغ 1350 دولار أمريكي بعمل إرادي واتفاق بينه وبين المستأنف .
أما عدم الرد على الهاتف ،وإغلاق الإيمال ، والآلية المعتمدة من شركة وسترن يونيون ، كلها أمور أتت بعد ارسال المال من الشاكي ربيع الاعور
وهناك فارق في الترتيب الزمني بينها وبين إرسال المبلغ المذكور مما يقطع الصلة السببية بين فعل الخداع المزعوم وتسليم المال
وقد عوّل إجتهاد محكمة التمييز على ضرورة الترابط في مراحل جرم الاحتيال فنقرأ ما نصه:" إن الاحتيال الجزائي يمر بخطوات ماهرة وذكية ومراحل صعبة ومتنوعة ، ومتماسكة في إطار ترابط منطقي محكم ، إذ يشترط ارتباط وتماسك كل مرحلة بالمرحلة التي سبقتها مع قيام الصلة السببية الواضحة بحيث يكون توسل المناورات هو الذي أدى إلى وقوع المجني عليه في الغلط ويكون وقوع المجني عليه في الغلط هو الذي حمله على تسليم ماله أو بضاعته إلى المحتال أو تصرف بارادة استبد بها الاعتقاد الواهم"
يراجع لطفا: محكمة التمييز الجزائية ، تاريخ 16/3/2005- المصنف لعام 2005 ، ص 342
ويحتم القول أن ارسال المال ليس نتيجة مترتبة على غلط شاب إرادة الشاكي ، نتيجة فعل خداع صادر عن المستأنف .
وبالتأسيس على ما تقدم يمكن القول أنه لايمكن اسناد جرم المادة 655 عقوبات ماديا إلى المستأنف ، ويكون القرار المستأنف قد أخطأ في جعل هذا الاسناد المادي متوفرا بحق المستأنف
ويبقى بعد ذلك ، أن نبحث في مدى إمكانية اسناد جرم المادة 655 عقوبات معنويا إلى المستأنف
من الثابت فقها واجتهادا أنه لا بد لكي تستقيم جريمة الاحتيال من وجود النية الجرمية لدى الفاعل ، أي أن يعرف أن الوسائل التي يستعملها غير مشروعة وأن تكون لديه في نفس الوقت إرادة الحصول على منفعة من غير حق .
يراجع لطفا: قرار القاضي المنفرد الجزائي ، تاريخ 21/1/1960 .النشرة القضائية 1960 ،ص 262
ومن الثابت أن النية الجرمية هي أمر نفسي مخفي ولابد من دلائل قاطعة وحاسمة تظهر وتوضح ما إذا كانت نية الفاعل متجهة الى ارتكاب الفعل الجرمي أم لا .
ومن العودة إلى القرار المستأنف ، نلاحظ أن هذا القرار افترض وجودها- أي نية الاستيلاء على المال- من خلال التناقض في أقوال المستأنف بين ما ادلى به في المحكمة وما جاء في إفادته أمام مكتب مكافحة الجرائم المالية .
وما أرفق مع هذا التحقيق الأخير من مستندات . بالإضافة إلى استخدام المستأنف لاسم مستعار بديلا عن اسمه الحقيقي والطلب من الشاكي الاحتفاظ برقم الكود السري بالرغم من عدم الزاميته على نحو ما جاء في حيثيات القرار المستأنف.
وبهذا الخصوص نوضح أن موضوع الاسم المستعار والطلب من الشاكي الاحتفاظ برقم الكود السري لا يكفي للقول بأن نية الاستيلاء على مبلغ 1350 دولار ثابتة .
ففي عالم الانترنت من الشائع جدا استخدام اسم مستعار بدلا من الاسم الحقيقي ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن الاسم الذي استعمله المستأنف هو اسم لشخص حقيقي وموجود – أي المدعى عليه عبدالله يحيى ، وكلاهما – أي هذا الأخير والمستأنف يعرفان بعضهما البعض –
أضف إلى ذلك ،
إن المستأنف يضع على إعلانه الخاص ببيع الشيبسات رقم هاتفه
هذا وقد أكد المستأنف أمام حضرة قاضي التحقيق على أن نيته لم تكن متجهة إلى الاستيلاء على المال المرسل وإنما سعى إلى تأمين الشيبسات التي طلبها الشاكي ربيع الأعور
فجاء في إفادته ما يلي:" ... وأوضح أن نيتي كانت متجهة فعلا لتأمين وارسال الشيبسات المتفق عليها لقاء المبلغ المرسل "
كما أنه يمكن الاستدلال على عدم توفر نية الاستيلاء على المبلغ المرسل من خلال إفادة المستأنف أمام المحكمة ، حيث أدلى : " إن المدعى عليه عبدالله يحيى اتفق معه على تأمين كمية الشيبسات لقاء تقاسمهما الربح .
وهذه الإفادة تعززها إفادة المدعى عليه عبد الله يحيى الذي ادلى أمام المحكمة بما يلي :" موضحا بأنه لم يكن لديه أي نية لعدم ارسال الشيبسات المطلوبة منه"
اخيرا وتأسيسا على ما تقدم ، يمكن القول أنه لا تتوافر عناصر المادة 655 عقوبات بحق المستانف ، وبالتالي أخطا القرار المستأنف حين بنى الإدانة معتبرا توفر عناصر الجرم المذكور المادية والمعنوية خلافا لما ادلينا به اعلاه . ومن هذا المنطلق يكون القرار المستأنف مستوجب الفسخ لهذا السبب.
السبب الثاني: في وجوب فسخ القرار المستأنف لمخالفته مبدأ " الشك
يفسر لمصلحة المدعى عليه " وخاصة لناحية الدلائل التي
اعتمدها القرار المستأنف ، بموضوع توفر النية الجرمية
وبالمجمل ، بموضوع التناقض في إفادات المستأنف
والمدعى عليه عبد الله يحيى في كافة مراحل التحقيق
نطرح ، ضمن هذا السبب، كافة مجريات التحقيق بكل مراحلها على بساط البحث والتدقيق ، فنستنتج تبعا لذلك ما يلي :
1-إن التحقيق أمام مكتب مكافحة الجرائم المالية مع ما يتبعه من ضغط مادي ومعنوي ، قد تم ضبطه الكترونيا على الكمبيوتر ، بعد
أن تم الاستجواب وتنظيم المحضر بخط اليد ولم يرفق مع ورقة الطلب المحضر المنظم بخط اليد
2- إن الأوراق المرفقة بمحضر التحقيق وخصوصا صور المحادثة
الالكترونية لا تتضمن المحادثة بين الشاكي ربيع الأعور
والمستأنف ، كما أن هذا الاخير لم يوقع عليها
أما بخصوص التناقض في الإفادات فندلي بما يلي:
لقد جاء في القرار المستأنف أن إفادة المستأنف تناقضت خلال التحقيقات الاولية الاستنطاقية ولدى استجوابه أمام المحكمة :
" أدلى خلال التحقيقات الأولية بأنه لم يرسل الشيبسات إلى المدعو ربيع
الاعور الذي اتصل به عدة مرات وانه لم يعد يرد على اتصالاته واجرى
عملية Blook على بريده الالكتروني لكي لا يتمكن من التواصل معه ...
ومن ثم عاد وأفاد خلال التحقيقات الاستنطاقية بأنه لم يرد على اتصالاته ريثما يتمكن من تأمين عدد الشيبسات . ومن ثم عاد وأدلى أمام المحكمة بأنه تفاجأ بالشكوى وأن المدعو ربيع الأعور لم يتصل به ولم يطالبه بالمبلغ المذكور"
فمن المفيد هنا ، ان نوضح بأنه لا تناقض في إفادة المستأنف ‘ إذ أن هذا الأخير بيّن في كل مراحل التحقيق بأنه لم يرسل الشيبسات . ولكن في التحقيقات امام مكتب جرائم المعلوماتية لم يتم توجيه أي سؤال يرتبط بسبب عدم إرساله الشيبسات في حين أنه وجه له هذا السؤال في التحقيقات أمام قاضي التحقيق والمحكمة
من ناحية ثانية ، بالعودة إلى محضر استجواب المستأنف أمام المحكمة يتبين أنه لم يرد على لسان هذا الأخير أنه أدلى بأن الشاكي لم يتصل به
وبالتالي لا يوجد أي تناقض في الافادات كما جاء في القرار المستأنف
وبانتفاء هذا التناقض ينتفي الدليل المستوحى منه بحسب حيثيات القرار وأقلّه يشوب هذا دليل شك وريب
كما جاء في القرار المستأنف أن المستأنف لم يأت على ذكر نيته بإرسال الشيبسات إلى الشاكي في التحقيقات الاولية ،
وهنا نبيّن أنه من الطبيعي لم يات المستانف على ذكر وتوضيح نيته لأنه وببساطة لم يوجه إليه أي سؤال بهذا الخصوص في التحقيقات الاولية
وبالتالي لا يمكن استنتاج أي دليل من هذه الواقعة المذكورة ، أو يبقى الشك هنا هو الراجح .
وبكل حال يبقى الاستجواب الأولي غير دقيق ، ولا يمكن الركون إليه كليا ويبقى الشك منوطا به خصوصا لناحية الضغط المعنوي كون المستأنف تلميذا في الجامعة ولم يسبق له وأن تم التحقيق معه ، مع التذكير بأن المحضر قد تم تنظيمه الكترونيا بعد تنظيمه خطيا
من هنا وبالتأسيس على ما تقدم ندلي بان القرار المستأنف لم يراع هذه المعطيات المشار إليه والتي من شأنها ترجيح وجود الشك بثبوت نية الاحتيال لدى المستأنف ، وبالتالي يكون القرار المستأنف خالف مبدأ الشك يفسر لمصلحة المدعى عليه ويكون مستوجب الفسخ لهذا السبب
السبب الثالث: في وجوب فسخ القرار المستأنف كون العقوبة المقررة
ضمن فقرته الحكمية مجحفة ومخالفة لمبدأ ملائمة
العقوبة مع الفعل المرتكب
على سبيل الاستطراد ،
لو سلمنا جدلا بتوفر عناصر المدة 655 عقوبات بحق المستأنف ، فإن إدانة المستانف بغرامة مقدارها سبعة ملايين ليرة لبنانية لا تتلاءم مع الفعل المدعى به والظروف العدلية المتصلة بالمستأنف ، خصوصا للاعتبارات التالية:
- فالمبلغ ، موضوع الملاحقة ، هو 1350 دولار أمريكي
- الشاكي ربيع الأعور لم يتخذ صفة الادعاء الشخصي بحق المستأنف والمدعى عليه الآخر
- لا توجد أسبقيات بحق المستأنف
- المستأنف هو تلميذ ولا يمارس أي عمل يدر عليه مالا لكي يتمكن من تأمين مبلغ الغرامة
ولا ننسى أيضا الاعتبارات الانسانية وأن مبدأ القصاص والعقوبة غايته الردع والحؤول دون معاودة ارتكاب الفعل
وإذا كان لنا في القصاص حياة ، فالعقوبة المقررة للمستأنف ومقدارها لا يمكن أن تؤدي غايتها بالنظر إلى جسامتها بالنسبة للمستأنف كتلميذ جامعة الذي ربما يبحث عن مصادر غير قانونية لتامين الغرامة مخافة دخول السجن إذا لم يؤمنها.
ومن هذا المنطلق نلتمس من المحكمة الاخذ بعين الاعتبار ما أثرناه ضمن هذا السبب ومراعاة وضع المستأنف في منحه أوسع أسباب التخفيف في حال الإدانة .
وتبعا لما جاء يقتضي فسخ القرار المستأنف لعدم ملاءمة عقوبة الغرامة ومقدارها مع الفعل المدعى به ، وكون القرار جاء محجفا بهذا الخصوص
لهذه الأسبـــــــــــــــــــــــــاب
جئنا نطلب :
أولا: قبول الاستئناف شكلا لورده ضمن أجله القانوني واستيفائه كافة
شروطه الشكلية والجوهرية .
ثانيا: قبول الاستئناف أساسا وفسخ القرار المستأنف للاسباب التالية
- لعلة الخطأ في تطبيق المادة 655 عقوبات الفقرة الثانية ،
بالرغم من عدم توافر عناصرها وبالرغم من عدم إمكانية إسناد
هذا الوصف على المستأنف ماديا ومعنويا
- لمخالفته مبدأ " الشك يفسر لمصلحة المدعى عليه " وخاصة
لناحية الدلائل التي اعتمدها القرار المستأنف ، بموضوع توفر
النية الجرمية وبالمجمل ، بموضوع التناقض في إفادات المستأنف
والمدعى عليه عبد الله يحيى في كافة مراحل التحقيق
- كون العقوبة المقررة ضمن فقرته الحكمية مجحفة ومخالفة لمبدأ
ملاءمة العقوبة مع الفعل المرتكب
وبعد فسخ القرار المستأنف ، نشر الدعوى وإصدار القرار بكف التعقبات عن المستأنف لعدم توافر عناصر المادة 655 عقوبات وإلا إعلان براءته للشك واستطرادا وفي حال الإدانة منحه وقف تنفيذ العقوبة وإلا منحه اوسع اسباب التخفيف ومراعاة وضع المستأنف كونه تلميذ جامعة وليس له اية اسبقيات قضائية
بكل تحفظ واحترام
المحامي مدحت مرعبي