اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
احمد محارب
التاريخ
8/29/2010 4:22:20 PM
  المصرفية الاسلامية ودورها فى جذب الاستثمارات .. بحث لوالدى الدكتور عبد العزيز محارب       

المصرفية الاسلامية

ودورها فى جذب الاستثمارات

 

الدكتور : عبد العزيز محارب

المقدمة

ارتضى الله الإسلام آخر رسالات السماء لأهل الأرض واختار محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل والأنبياء ،  وأنزل عليه القرآن الكريم هدى للمتقين ،  وتعهد بحفظه من العبث والتحريف ، وكفل له أن تظل طائفة من الناس مستقيمين عليه لا يضرهم  من خالفهم إلى يوم القيامة . قال الله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) سورة الحجر أية 9 (هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) سورة التوبة أية 33.

ولم يبق على من شرفه الله بنعمة الإسلام إلا أن يشمر عن ساعد الجد ويحمل قبساً من نور هذا الدين العظيم ليرى الناس تطبيقاته على أرض الواقع ، وكيف يحل الإسلام معضلات الاقتصاد المعاصر فى مجال التمويل والاستثمار بعيداً عن النظام الربوى الذى أفسد العباد وخرب البلاد ودمر المجتمعات.

قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا أن كنتم مؤمنين . فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) سورة البقرة 278/279.

فان سعر الفائدة الذى يقوم عليه النظام المصرفي الربوى أداة رديئة  ومضللة فى تخصيص الموارد ، وتحابى ذوى الجاه والثروة على غيرهم ، على الرغم مما يكون وراء ذلك من تبديد وضياع ، وتؤدى إلى تركيز الثروة فى أيد قليلة ، فهناك فئة من المرابين تكسب على الدوام ، وأغلبية معرضة للمكسب والخسارة . فمن طريق عمليات حسابية متناهية تتركز ثروات النظام القائم على الربا

فى ايدى فئة مستغلة مرابية محتكرة وهو عين ما يفعله اليهود من وراء (الكواليس) أى من وراء الستار بجنون الثمار المحرمة.

ويحدث سعر الفائدة أثراً سلبياً على المدخرات على المستوى القومى نتيجة زيادة أعباء خدمة الدين ،  ويحول ارتفاع سعر الفائدة دون المزيد من الاستثمارات ، وتخل الفائدة بمعيار العدالة الاقتصادية ، وهى سبب رئيس للكساد والتضخم وعدم الاستقرار ، فهناك فئة تغنم من الفائدة بغير غرم  ، وفئة معرضة للغرم بغير غنم.

ويمكن للتمويل الاسلامى من خلال صيغة المتعددة ، أن يقدم العديد من الأدوات التى تساعد على جذب الاستثمارات بعائد حلال مناسب ودرجة أمان وإمكانية استرداد المستثمر لأمواله فى فترة مناسبة.

فالأموال النقدية أمامها صيغة المضاربة ، والقطاع الزراعى أمامه صيغة المزارعة والمساقاة ، والمال العينى والخبرة أمامها الإجارة ، والأموال الفائضة من السلع والخدمات أمامها صيغتها السلم والبيع الأجل.

ويتناول هذا البحث موضوع المصرفية الإسلامية ودورها فى جذب الاستثمارات فى ثلاثة مباحث بيانها كالتالى:

المبحث الأول: المقاصد الشرعية فى مجال الاستثمار.

المبحث الثانى : خصائص المصرفية الإسلامية سر جاذبيتها  للاستثمارات.

المبحث الثالث : نماذج من صيغ العقود الاستثمارية .

ويتضمن صيغة عقد المضاربة ، وصيغة عقد المرابحة . والله ولى التوفيق.

 

المبحث الأول:

المقاصد الشرعية فى مجال الاستثمار:

تنظر الشريعة الإسلامية للمال باعتبار أن الله هو المالك الحقيقى للمال وان الإنسان متخلف فى هذا المال فعليه تنميته واستثماره وفقاً لما شرعه الله ، ويشمل ذلك مراعاة حق الله فى اكتساب المال وفى إنفاقه

وحفظ المال من كليات مقاصد الشريعة الإسلامية الراجعة إلى الأصل الضروري الخامس بعد حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل، وحفظ النسل.

والأدلة القرآنية والسنة النبوية تمنع إضاعة المال ، وتمنع أكل المال بالباطل ، وتحث على تنمية وحركة الأموال .

فجاءت أطول آية فى القرآن الكريم .( الآية رقم 282 من سورة البقرة ) منظمة لتوثيق الدين ، فقال الله تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه ...) إلى آخر الآية .

وقال الله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً ) سورة النساء آية 5

وفى السنن النبوية عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) رواه الإمام مسلم .

وروى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال: ( أن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً ، فيرضى لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وان  تعتصموا بحبل الله جميعا ، ولا تفرقوا ، ويكره لكم : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال)

أخرجه مسلم .

وجاء فى الأثر ( أن الله يحب العبد المحترف ، ويبغض العبد الصحيح الفارغ ) .

وتحض الشريعة على رواج الأموال وتداولها واستثمارها ومنع الاحتكار وكنز الأموال ، ولا يتحقق مقصد ذلك إلا بتوافر ثلاثة عناصر هى[1] :

1- شريعة متبعة تصرف النفوس عن شهواتها .

2- سلطان قاهر تتألف برهبته الأهواء وتنكف بسطوته الايدى عن أكل حقوق الغير .

3- عدل شامل تصان به أملاك الناس.

وترجع المقاصد الشرعية فى المعاملات المالية فى مجموعها إلى جلب المصالح ودرء المفاسد . وابرز مقاصد الشريعة فى المعاملات المالية خمسة : هى[2]

1-             مقصد العدل ، وضده الظلم .

2-             مقصد الصدق والبيان ، وضده الكذب والكتمان .

3-             مقصد التداول ، وضده الكنز .

4-             مقصد الجماعة ، والائتلاف والتعاون ، وضده الفرقة والاختلاف والتدابر.

5-             مقصد التيسير ورفع الحرج ، وضدهم المشقة والتشديد.

وتبرز أهمية الاستثمار فى كونه يحقق مقاصد الشريعة لعمارة الأرض وازدهارها ، والمال من أسباب القوة . والمقصد الشرعى فى الأموال حفظها ورواجها والعدل فيها . والرواج هو دورانها بين ايدى أكثر ما يمكن من الناس بوجه حق . وتطوير الآليات المالية والمصرفية لجذب الاستثمارات وتنميتها فى الأوجه الشرعية  للتخفيف من حدة الفقر ، وتحقيق الرفاهية الشاملة لأفراد المجتمع . وتعتبر المشاركة المتناقصة من أفضل ما طرحته المصارف الإسلامية من صيغ استثمارية ، وينبغي أن تتجه الاستثمارات إلى تحقيق الضروريات أولا ، ثم الحاجيات والتحسينات ، بمعنى ان تتجه لتحقيق الأمن الغذائى والمسكن والملبس أولا ، ويتعين دراسة آثار المشروعات ودورها فى خدمة المجتمعات ، وتحقيق عمارة الأرض ، وعدم جواز تمويل المشروعات المحرمة لأنها تناقض مقاصد الشريعة وتحقق الفساد فى الأرض .[3]

وتتركز الشريعة فى الاستثمار بغرض عمارة الأرض ، وحفظ النظام العين فيها ، واستنباط خيراتها ، واستدامة تنمية المال ، وتداوله وتقلبه ، وتدبير المنافع للجميع ، وتحقيق اكبر قدر ممكن من الرخاء الاقتصادي ، والاستقرار الامنى ، ويتأتى ذلك بالضرب فى الأرض ، وتحريم الاكتناز ، وتحريم الربا ، وتحريم الاصراف والتبذير والتقتير والاحتكار

يقصد بالمصطلح الاقتصادي تنميه واستثمار المال حفظ المال من جانب الوجود او جلب المنافع وهو ما يدخل فى دائرة علم الاقتصاد الذى يدرس السلوك الاقتصادي للإنسان فى أنتاج الثروة وتوزيعها واستهلاكها

أما حفظ المال من جانب العدم أو درء المفاسد والمضاد فيدخل فى دائرة علم القانون الجنائى

ويعد حفظ المال واستثماره من المقاصد الشرعية أو المصالح الكلية الضرورية و الإسلام يشكل سلوك الإنسان المسلم لعمارة الأرض ، وان المؤسسات المالية الإسلامية هى المنوط بها تنمية واستثمار المال ونشاطها يقوم على تحمل المخاطر ، وعدم التأكد من النتائج الاستثمارى ، وسوق المال يقوم على حرية التداول ، والعدل فى المعاملات ، وتوزيع عائد الاستثمار ، وان مهمة الإدارة الاقتصادية الشرعية تحفيز الاستثمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادى والاستقرار النقدى* .

والقاعدة العامة فى المعاملات المالية أن الأصل فى العقود والمعاملات الإباحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريف . ومن أسباب الفساد العامة الربا والغرر أو ما يؤول إليهم . وهناك ثوابت فى المعاملات المالية مثل ما يتعلق باركان العقد وشروط صحة العقد فى ما يتصل بالعاقدين ، والتراضى المتمثل فى الإيجاب والقبول ، ومحل العقد ، ويضم إليها مقاصد الشريعة فى المعاملات المالية . [4]

والمتغيرات فى المعاملات المالية كل ما له صلة بالعرف ، ومآلات الأحكام مما يتغير حسب المكان والزمان والأشخاص . وهذه المرونة التى منحتها الشريعة الإسلامية فى قسم المعاملات المالية ، تعطى مساحة من الحرية فى العقود المالية تهيئ لهندسة مالية متقدمة تواكب العصر الحديث ، وهذا يعنى التصميم والتطوير والتنفيذ لأدوات وآليات مبتكرة ، وصياغة حلول إبداعية للتمويل والاستثمار وجذب الأموال بقصد توليد ما لا حصر له من المنتجات المقبولة شرعاً[5] .

وقد ابرز مجمع الفقه الاسلامى الدولى التابع بمنظمة المؤتمر الاسلامى أهمية المقاصد الشرعية للدراسات الفقهية فى الوقت الحاضر دورته الثامنة عشر المنعقدة فى ماليزيا [6]

  المبحث الثانى:

خصائص المصرفية الإسلامية (سر جاذبيتها الاستثمارية)

انتشرت البنوك الإسلامية والخدمات المصرفية الإسلامية انتشاراً كبيراً فى جميع أنحاء العالم على الرغم من حداثة نشأتها منذ السبعينيات فى القرن العشرين وقد أصبحت نظاماً عالمياً فى التمويل والاستثمار يثبت وجوده وفاعليته الاقتصادية .

وبلغ ان بعض المؤسسات المالية العالمية تطبق بعض المنتجات المصرفية الإسلامية على نظام الدولة غير الإسلامية نظراً لان عمليات البحث والتطوير فى مجال التمويل تجرى فى الغرب بصورة اكبر مما يجرى فى الدول الاسلامية ، كما ان التطبيق الجزئى للنظام المصرفى الاسلامى فى التمويل خارج نظام الدول الاسلامية يزيل الكثير من المفاهيم المغلولة عن المصرفية الاسلامية . ولقد أدرك الغرب فاعلية أدوات التمويل الاسلامى ، فأنشأت بعض البنوك التقليدية الغربية وحدات ونوافذ مصرفية وفق المعاملات الاسلامية، كما أن بعض المنظمات المالية العالمية غير الحكومية التى تعمل فى بعض الدول الاسلامية لجأت إلى التطبيق بعض الصيغ الاسلامية فى تمويل الفقراء ولاقت نجاحاً كبيراً ، وهو ما يعنى جذب المتعاملين الذين يرغبون فى التعامل المالى الاسلامي.

وتشير الإحصائيات إلى أن البنوك الاسلامية وصل عددها إلى أكثر من 250 مالية فى شكل بنوك تجارية وشركات تأمين واستثمار ، فى نحو 75 دولة ، وتدير أكثر من 200 مليار دولار ، بمتوسط نحو سنوى 15% . [7]

ويحظى التمويل الاسلامى بخصائص تجعل من الوقوع فى أزمات الديون أمراً غير محتمل :

ومن هذه الخصائص ان  مجموعة قيمة الدين محددة ومعروفة للدائن والمدين منذ البداية ، ويتم غالباً دفعها على أقساط دون زيادة فى قيمة الدين ولا مجال لاحتساب فوائد مركبة على الرصيد القائم.

وإذا تعثر المدين يوضع مؤقتاً فى جانب المعسرين ويمنح فترة سماح ليتمكن من إعادة الانتظام فى السداد ولا تفرض عليه غرامات مالية.

وفى حالة الديون الناجمة عن التمويل بالأساليب السلعية مثل الإجارة والاستصناع فان الأقساط التى يحل اجلها تصبح دينا وتطبق عليها نفس قاعدة إعادة الجدولة لمواجهة الإعسار والاضطراب . فلا يثقل المدين بصعوبات قد تحوله من الإعسار إلى العجز الكامل عن السداد.

هذا بينما الأمر يختلف فى حالة التمويل التقليدى إذا يمكن للدين الناجم عن التمويل التقليدى أن يقود المدين إلى صعوبات جمة خاصة إذا لم يتمكن من السداد فى الأجل المحدد.فيتم حساب الفائدة على الدين الربوى مركبة على رصيد الدين كل عام ، وأحياناً على فترات اقصر وفى الغالب أن يتأخر المدين فى السداد فتحتسب على دينه فوائد تأخير بأسعار تفوق سعر الفائدة على الدين فتصل مدفوعات خدمة الدين عدة أمثال الأصل الذى افترضه المدين بداية .

فالتمويل التقليدى المبنى على سعر الفائدة تعوزه القدرة على الاستمرار لأنه يثقل كاهل المدينين ويربك أحوال الدائنين .[8]

وتقوم النظرية التمويل الاسلامى على عدم وجود الربا او الفائدة ، ويستتبع ذلك استحداث صيغ من التمويل تقوم على استبعاد الربا .

وقد حسمت قوانين المصارف التقليدية تعريف الودائع المصرفية على إنها قروض مضمونة ، وبتعريفها للتمويل المصرفى التقليدى على انه اقتراض من المصرف . ولا يختلف علماء المسلمين وعامتهم فى أن كل زيادة مشروط فى قرض هى من الربا .[9]

وقد انتهى مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر فى مؤتمره الثانى فى المحرم 1385 هـ / مايو 1956 م إلى أن الإسلام قد حرم الربا فى القرض فى جميع أنواع القروض كلها لا فرق فى ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكى والقرض الانتاجى .

لان نصوص الكتاب والسنة فى مجموعها قاطعة فى تحريم النوعية ، فى تحريم كثير وقليلة كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح فى قوله تعالى :

" يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ".

أل عمران آية 130 .

فالربا زيادة فى الدين وهو ليس من طبيعة الأمانة ، فى حين أن الزيادة فى التمويل الاسلامى هى زيادة فى شئ مملوك من طبيعته النمو ، فالقاعدة فى التمويل الاسلامى انه لا بد من الممتلك ، لأنه حق الملكية على الشئ يمنح المالك ملكية الزيادة المتولدة فى ذلك الشئ، كما ان كل عملية تمويلية فى الصيرفة الاسلامية تمر عبر السلع والخدمات من خلال ما يحدث فعلاً على ارض الواقع.

والدائن فى التمويل الربوى لا يتحمل اى خسارة بينما المالك فى التمويل الاسلامى يضمن ، اى يتحمل بالخسارة فى الغنم الغرم.

فالزيادة فى العلاقة الربوية افتراضية تحكمية ، فى حين أن الزيادة فى التمويل الاسلامى هى زيادة حقيقية فعلية . والتمويل الربوى يستند أساسا إلى القدرة على السداد وحده ، فلا يمنح إلا للأغنياء القادرين. بينما التمويل الاسلامى يمر عبر السلع والخدمات ويستهدف أنشطة مشروعة نافعة للفرد والمجتمع .[10]

ويميز المصرفية الاسلامية أنها محكومة بمنهج ربانى حكيم يحرم الربا ، ويمنع الاحتكار ، لذلك حققت الأوراق المالية فى ماليزيا واندونيسيا حوالى 30% من حجم التجارة حيث حققت تداولاً قدره تسعة وثلاثين مليار رنجت (أقل من الدولار قليلاً) ولأول مرة تصدر إحدى المؤسسات الدولية الأجنبية أوراقا مالية إسلامية لتودعها فى ماليزيا بقيمة 132 مليون دولار .

وان الصناديق المالية الاسلامية قد حققت ربحاً بلغ ترليليون دولار امريكى ( ألف مليار دولار)[11].

وقد ظهرت صناديق الاستثمار الاسلامية بالأسهم استجابة لرغبات ذوى الالتزام من المسلمين الذين يحرصون على المباح من الدخل . وتعتبر صناديق الاستثمار احد الأدوات التى تتيح لجمهور المستثمرين التعامل فى الأوراق المالية بمختلف أنواعها المشروعة ، حيث يتم تجميع مدخرات المستثمرين فى صندوق تقوم بإدارات شركة ذات خبرة استثمارية وذلك فى مقابل عمولة معينة .

فالنشاط الاساسى لهذه الصناديق يقتصر على شراء وبيع الأوراق المالية ، تقوم بإصدارها فى صورة وثائق استثمار اسمية متساوية القيمة وذلك فى مقابل ما تحصل عليه من أموال حيث تمثل كل وثيقة حصة فى صافى أصول الصندوق ، فيشترك حاملوها فى أرباح وخسائر وفقاً لنسبة ما يملكه من الصكوك .

وتعد صناديق الاستثمار أفضل الأدوات الاستثمارية الحديثة والمتطورة للأسواق المالية ، وأسلوبها بسيط يناسب المستثمر العادى ، وصغار المدخرين ممن لا يتوافر لديهم الموارد المالية الكافية لتكوين محفظة أوراق مالية خاصة به ، وتمكنهم وثائق الاستثمار من الحصول على عوائد أعلى من العوائد البنكية ، كما يتوسع قاعدة الملكية ,

وقد أصبحت السوق المالية الاسلامية حقيقة واقعة فرضت نفسها على المعاملات المالية ، وقد دفعت هذه التغيرات مؤسسة (داو جونز) العالمية لإصدار 60 مؤشراً إسلاميا لإرشاد المتعاملين فى هذه السوق ، وكذلك صدور مؤشر ( فاينا نيشيل تايمز ) الاسلامى ، مما يؤكد التسابق العالمى نحو تقديم خدمات التعامل الاسلامى فى الأوراق المالية للوفاء بالطلب المتزايد على هذه السوق ، وقد ساعد على ذلك إنشاء المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية بالبحرين ليتولى التصديق على الأدوات المالية المتداولة لتسهيل قبولها وتداولها فى السوق وإصدار اللوائح والضوابط التى تساعد على أيجاد معايير محددة للتعامل فى السوق المالية الاسلامية [12]

المبحث الثالث

نماذج من صيغ العقود الاستثمارية تتعدد الصيغ الاستثمارية فى المصارف الاسلامية ، فمنها قصيرة الأجل كالمراجعة ، والمتوسطة الأجل كالمضاربة ، وطويلة الأجل كالمشاركة .، لتلبى مختلف انواع الاستثمارات ورغبات المستثمرين ، بعيداً عن الاستثمار الربوى المعتمد على سعر الفائدة .[13]

وتعتبر صيغة المضاربة الشرعية من أفضل الصور التى توضح العلاقة العادلة بين امتزاج رأس المال مع العمل البشرى أو جهد الإنسان دون تفريط أو إفراط ، على أساس قاعدة الغنم بالغرم ويأخذ رأس المال نصيباً من  الربح المتحقق لان الزيادة هى نماء رأس المال نفسه ، كما يأخذ صاحب الجهد البشرى نصيباً من الربح المتحقق نتيجة لعمله فى تنمية هذا المال لان الربح  ناتج من خبرة العامل وجهده ، فإذا لم يحدث نماء للمال خسر العامل جهده ، وإذا حدثت خسارة فهى من رأس المال مادام العامل لم يهمل ولم يعتدي . [14]

ويعد أسلوب المشاركة المتناقضة من أعظم ما تفتق عنه الفكر الاقتصادى الاسلامى فى مجال المصرفية الاسلامية وفى هذا الأسلوب يعطى المصرف الاسلامى لشريكه الحق فى الحلول محله فى الملكية دفعة واحدة أو على دفعات حسب الأحوال ، على أساس إجراء ترتيب منتظم لتجنيب جزء من الداخل المتحصل كقسط لسداد قيمة الحصة [15]

وتوجد أنواع كثيرة من التمويل الاسلامى تغنى المسلم الذى ينجو بدينه من التلوث بأنواع التمويل الرديئة المعتمدة على الفائدة الربوية ، فما أوصد باب من أبواب الحرام إلا يسر الله أبوابا عديدة فى الحلال .

ومن أنواع التمويل الاسلامى المشروعة فى مجال عقود التبرعات : القرض ، الهبة ، والوقف ، والعارية .

وفى مجال التمويل الاسلامى الائتماني يوجد : القرض ، والإجارة ، والعجالة .

وفى مجال التمويل بالمشاركة يوجد : المضاربة ، المزارعة ، والمساقاة.

ويرتكز التمويل التجارى الاسلامى على أدوات : السلم ، والبيع الأجل ، والاستصناع .

ويقوم التمويل التعاونى على تبادل الخدمات على سبيل التعاون ، وهو صورة كانت منتشرة فى الريف المصرى عندما كانت الفلاحة تعتمد أساسا على العمل اليدوى قبل انتشار المكينة الزراعية ، فيجتمع مجموعة من الجيران لمعاونة احدهم فى حرث وتهيئة الأرض ، وغرس الزرع وجنى المحصول ، وتتكرر الصورة عند كل منهم فيما يعرف بفكرة (الزمال أو المزاملة) وقد عايش الباحث تلك الظاهرة . ونقتصر فى هذه العجالة على عرض صورتى المضاربة  والمرابحة باعتبارهم من أشهر الصيغ الاستثمارية التى تمارسها المصارف الاسلامية .

1- عقد المضاربة:

المضاربة هى دفع المال إلى من يتجر فيه بجزء من ربحه ، وقد ثبتت مشروعيتها بالسنة التقديرية  والإجماع.

وأركان المضاربة خمسة :

العاقدان ، والمال ، العمل ، والربح ، والصيغة .

ويشترط فى المال ان يكون من الائتمان وان يكون معلوماً ، وان تطلق يد العامل فى التصرف فى المال .

لا بأس باشتراط عمل رب المال مع المضارب كما هو مذهب الحنابلة ، فان كان عمله بشرط فقد أجازه الجمهور ، وكرهه مالك ، إلا فى العمل اليسير .[16]

للمالك أن يسترد ما يشاء من أموال المضاربة فى اى وقت ، وتنفسخ المضاربة فيما أخذه ، ثم أن كان ذلك قبل ظهور الربح والخسارة كان المسترد جزءا من رأس المال فقط ، وان كان بعد ظهور الربح كان المسترد شائعاً ربحاً ورأس مال على النسبة الحاصلة من مجموع الربح والأصل ، وان كان بعد ظهور الخسارة وزعت الخسارة على المسترد وعلى الباقى يشترط فى العمل فى المضاربة أن يكون فى مجال التجارة وتوابعها وإلا يكون مضيقاً على العامل فيه بتقييد غير مفيد .[17]

يقوم المصرف فى المضاربة المصرفية بدور العامل فى مواجهة المودعين بينما تتكيف علاقته مع المستثمرين بسحب الأموال ، فقد يقوم معهم بدور رب المال ، أو بدور الشريك ، أو بدور البائع ، أو بدور المقرض حسب طبيعة العقد الذى يربط بينهم .

و لا ضمان على العامل فى المضاربة إلا بتفريط أو عدوان ، ولا فرق فى ذلك بين المضاربة المصرفية أو غيرها من المضاربات.

لا يجوز تحديد العائد بالنسبة لرأس المال فى المضاربة . ويجوز توزيع الأرباح بصفة دورية مع الاستثمار فى المضاربة ، يمكن أن يتحقق استقرار هذا الربح المقسوم إذا ما اعتبر انه كل دورة من هذه الدورات مضاربة مستقلة تستقل بحياتها وبأوضاعها المالية ، ثم أن شاء رب المال قبض ماله وان شاء استأنف مضاربة أخرى .

يقسم الربح بين كافة الودائع على الرغم من أن بعضها قد اشترك فعلاً فى عمليات الاستثمار لان الحق فى الربح فى شركة العقد يستند إلى العقد دون المال، فهو ليس مرتبطاً باستعمال المال بقدر ما هو مرتبط بالاتفاق على تخصيص هذا المال للاستعمال من اجل غايات الشركة . وعلى المصرف أن يقسم السنة المصرفية. حتى يتسنى لراغب الاستثمار أن يجد فرصة متعاقبة لاستثمار أمواله حتى لا يضطر إلى المضاربة بعد المشروع فيه أو الانتظار فترة طويلة بدون استثمار . وبالتالى فان المضاربة المصرفية يمكن أن تلبى حاجات العمل المصرفى على تشابكها . [18]

ومال المضاربة يعد أمانة فى يد المضارب ، ولا ضمان عليه ما دام لم يقعد ولم يهمل ويتحدد نصيب المضارب من الأرباح بنسبة محددة ، وان لم يتحقق عائد فلا شئ للمضارب ، وإذا حدثت خسارة فعلى رب المال [19]

ونخلص مما سبق أن المضاربة صيغة استثمارية تقوم تزاوج مال من جانب صاحبه لدية رغبة فى استثماره  ،  وعمل من جانب المضارب لديه مقدرة ورغبة من ممارسة النشاط الاقتصادى دون توفر مال كاف لديه ، بقصد تنمية المال وتحقيق الربح وصيغة المضاربة تشمل المجالات الاقتصادية بأنواعها .

 

2- عقد المرابحة :

المرابحة بيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح معلوم ، وهى بيع كالبيوع تحل بما تحل به البيوع ، وتحرم بما تحرم به البيوع ، وان كانت المساومة أفضل لان مبنى المرابحة على الصدق والأمانة ، ولا يؤمن هوى النفس.

وقد يكون الربح فى المرابحة نسبة من رأس المال ، أو مبلغ مقطوع أو مجموع الأمرين معاً . ويشترط لصحة المرابحة أن يكون رأس المال والربح معلوم . فالمراجعة بيعة بالثمن الأول وزيادة لذلك يجب أن تصان المرابحة عن الخيانة والتهم [20]

 وبيع المرابحة للأمر بالشراء من صيغ الاستثمار الشرعية التى يمكن أن تطبق بنجاح فى المصارف الاسلامية لتكون بديلة عن كثير من الأعمال المصرفية المحرمة كخصم الأوراق التجارية . وفى هذه المعاملة يتلقى المصرف من عمله أمرا بشراء سلعة معينة مشفوعاً بوعد منه بشراء هذه السلعة ، فإذا قام المصرف بشرائها باعها لعميله الذى يكون حتى هذه اللحظة بالخيار، لذلك يتعين تأميناً لموقف المصرف أن يشترط لنفسه الخيار على البائع حتى إذا نكل عميله عن الشراء أمكنه أن يرد السلعة إلى البائع[21]

وعقود بيع المرابحة تنقسم إلى نوعين :

أ- نوع يملك فيه المصرف الاسلامى المبيع من البداية ، ويمارس المصرف عملية البيع عن طريق الشركات التابعة له ، أو عن طريق شركات يدخل فيه مع عملائه.

ب- نوع آخر يسمى بيع المرابحة للأمر بالشراء ، وفيه لا يمتلك المصرف الاسلامى – ( المأمور بالشراء) – السلعة محل البيع وقت التفاوض مع العميل – (الأمر بالشراء) – ولكن يتفق العميل والمصرف على أن يشتريها الأخير من طرف ثالث ، مقابل هامش ربح يضاف إلى ثمن الشراء يحصل عليه المصرف عند حصول العميل على السلعة .

وقد وفرت هذه الصيغة وسيلة تمويلية للبنوك الاسلامية مكنتها من تحقيق أرباح ، وتلبية احتياجات التجار والصناع فى الحالات التى لا تستطيع المضاربة أو المشاركة أن تعنى بالفرصة ، مثل حالة شراء العميل سيارة خاصة أو شراء الحكومة معدات لإصلاح الشوارع والطرق فلا تصلح عقود المشاركة والمضاربة هنا لأنه لا يوجد تجارة ولا ربح [22]

وأول من ذكر المرابحة كصيغة تمويلية مكتشف إياها فى الفقه الشافعى هو الدكتور سامى حسن حمود فى رسالته للدكتوراه التى أجيزت عام 1976 حول تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الاسلامية .

وخلو المرابحة من تكاليف المعاملات Transaction, costs المتضمنة فى صيغة المضاربة والمشاركة تجعل المرابحة أكثر جاذبية للمصارف الاسلامية وللعملاء على حد سواء . [23]

وفى صيغ المرابحة والبيع بالتقسيط وبيع السلم يكون الثمن الآجل للسلعة أعلى من ثمنها العاجل ، ونظراً لما يتراكم لدى المصرف الاسلامى من خبرات ودراسة للأسواق ودراسة بأحوال البيع والشراء وصدق أمانته فى المعاملات ، فيمكنهم خفض تكلفة شراء السلعة إلى أدنى حد ممكن وتحقيق وفورات للعميل.



[1]  د/ عز الدين بن ذغيبة . مقاصد الشريعة الخاصة بالتصرفات المالية ، مركز الماجد للثقافة والتراث . دبى . الإمارات العربية المتحدة . طبعة أولى . 1422هـ / 2001 م

مشار إليه فى د/ محمد كمال الدين أمام ، الدليل الارشادى إلى مقاصد الشريعة الإسلامية . جـ1 . مؤسسة الفرقان للتراث الاسلامى القاهرة . 2007 . ص 272 / 274

[2]  د/رياض منصور الخليفى . المقاصد الشرعية فى فقه المعاملات المالية . مجلة جامعة الملك عبد العزيز . الاقتصاد الاسلامى 1425/ 2004 م .عرض د/ محمد كمال أمام . المرجع السابق ص 479 / 482

[3]  د/ وائل محمد عبيات ، أهمية مقاصد الشريعة لتطوير الآليات المالية والمصرفية . عرض د. محمد كمال الدين أمام . المرجع السابق . ص 557 / 558 .

*  يعنى مصطلح المقصد عند علماء المقاصد الشرعية العلة والحكمة والمعنى عند علماء الفقه ، وعند الإمام الشاطى يعنى الغاية ، ويعنى الهدف عند آخرين ومقاصد الشريعة أو المقاصد الشرعية أو مقاصد الشرع كلها بمعنى واحد .ومن القواعد التى وضعتها العلماء للترجيح بين المصالح والمفاسد المتعارضة ، قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وقاعدة تفويت ادني المصلحتين لحفظ أعلاهما وقاعدة المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة . وقاعدة الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف . وقاعدة الضرر لا يزال بمثله . وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات .د.مصطفى دسوقى كسبه . مقاصد الشريعة فى استثمار المال فى المؤسسات المالية . ندوة ترشيد مسيرة البنوك الاسلامية . دبى 1426 هـ / 2005 م .عرض د. محمد كمال الدين أمام المرجع السابق .ص 498 / 501 ) .

[4]  د.عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان . المعاملات المالية المعاصرة فى ضوء مقاصد الشريعة . بحث مقدم لمركز مقاصد الشريعة بلندن فى الدورة المنعقدة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية . فبراير 2008 . ص 4/5 .

[5]  د. سامى إبراهيم السويلم . التحوط فى التمويل الاسلامى ، ط 1. جدة . المعهد الاسلامى للبحوث والتدريب . 1428 /2007 ص 131.

[6]  عقدت الدورة المذكورة فى ماليزيا فى الفترة 24/29 جمادى الآخرة 1428 – 1419 يوليو 2007

[7]  مجلة الأهرام الاقتصادى ، العدد 1963 فى 27/72/1427هـ 21/8/2006  فى 63

[8] مجلة الأهرام الاقتصادى ، العدد 1965 فى 11/8/1427 – 4/9/2006.

[9]   د.غسان محمود إبراهيم ، د. منذر القحف ، الاقتصادى الاسلامى على أودهم . دار الفكر . دمشق 1420 هـ / 2000 م .ص163

[10]  د. غسان محمود إبراهيم ، د.منذر القحف . المرجع السابق ص 172 .

[11] د. عبد الرحمن يسرى ، السوق المالية الاسلامية . مجلة منير الإسلام العدد 7 رجب 1427 – أغسطس 2006 . ص 118 .

[12] ندوة السوق المالية الاسلامية ، الواقع والمأمول . مركز الشيخ صالح كامل للاقتصاد الاسلامى بجامعة الازهر2/6/7241 – 27/6/2006 .

[13] د. محمد عبد الغفار الشريف ,. التنمية فى المصارف الاسلامية عن طريق الاستثمارات المتوسطة وطويلة الأجل . المجلة العلمية لكلية الشريعة بطنطا ، العدد الثانى عشر . 1420 هـ / 2000 م ص 1 .

[14] د. سامى حسن حمود . صيغ التمويل الاسلامى . المعهد العالمى للفكر الاسلامى . 1412 هـ / 1992 م . ص 201 .

[15] د. محمد صلاح محمد الصاوى . مشكلة الاستثمار فى البنوك الاسلامية وكيف عالجها الإسلام . دار الوفاء المنصورة . 1410 هـ / 1990 م هـ ص 660

[16] د. محمد صلاح محمد الصاوى . مشكلة الاستثمار فى البنوك الاسلامية وكيف عالجها الإسلام . – دار الوفاء . المنصورة  . 1410 هـ / 1990 م . ص 307.

[17] د. محمد صلاح محمد الصاوى . نفس المرجع . ص 308

[18] د. محمد صلاح محمد الصاوى . المرجع السابق . ص 658/659.

[19] المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، موسوعة الإدارة العربية الاسلامية .

المجلد الخامس 1424هـ/2004م.ص400 / 4002

[20] د. محمد صلاح محمد الصاوى . المرجع السابق . ص312 / 313

[21] د. محمد صلاح محمد الصاوى . المرجع السابق . ص 660

[22] د.عبد الحميد عبد اللطيف محبوب . عرض وتقويم للكتابات المعاصرة حول المصارف الاسلامية فى جانبها الجزئى مجلة مصر المعاصرة . أكتوبر 1996 العدد 444 ص 99

[23]  د. عبد الحميد عبد اللطيف محبوب . نفس المرجع ص 100


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1942 / عدد الاعضاء 62