الدفوع الموضوعية
بادئ ذي بدء أود أن اتحدث عن الحق في الدفاع قبل الحديث عن الدفع , بقصد بالدفاع في القضية بصفة عامة ابداء الخصم لوجهة نظره أمام القضاء فيما قدمه هو أو قدمه خصمة من ادعاءات . ومن المقرر وجوب ضمان حق الدفاع للخصوم في أية حالة كانت عليها الاجراءات . وننتيجة لهذا فان علي المحكمة افساح المحال للخصوم لاستعمال حقهم في الدفاع , فليس لها القيام بأي اجراء من شأنه انتهاك هذا الحق .
أما المرافعة فهي الشرح الشفوي من الخصم أو محاميه للادعاءات أو أوجه الدفاع وأسانيدها أمام المحكمة , وعند أنتهاء المرافعات , واتضاح الحقيقة للمحكمة , يأمر رئيس الهيئة بقفل بالب المرافعة أي بانتهاء مرحلة الدفاع في القضية , وذلك تمهيدا لاصدار الحكم . وبقفل باب المرافعة تنقطع صلة الخصوم بالقضية ولا يكون لهم اتصال بها الا بالقدر الذي تصرح به المحكمة . إلا أن للمحكمة عندما تأمر بقفل باب المرافعة أن تصرح للخصوم بتقديم مذكرات أو بايداع مستندات في ميعاد معين تحدده . وعندئذ يكون باب المرافعة مفتوحا خلال هذا الميعاد , فباب المرافعة لا يقفل الا بانتهاء هذا الميعاد , فباب المرافعة لا يقفل الا بانتهاء هذا الميعاد . أن أن هذا الباب لا يعتبر مفتوحا الا بالقدر الذي صرحت به المحكمة . فاذا انقضي هذا الميعاد و اعتبر باب المرافعة مقفولا بأكمله .
كان لابد من هذه المقدمة لأن الدفوع يمكن ابداؤها بالمذكرات حال حجز الدعوي للحكم مع التصريح بمذكرات خلال اجل معين , وحتي نلج للموضوع لابد أن نوضح أن الدفاع مصطلح له معني خاص يتعلق بالمدعي عليه , فمن المقرر أنه لمجرد واقعة رفع الدعوي علي شخص , تنشأ له مصلحة في عدم الحكم للمدعي بطلبه . وهو ما يعبر عنه بالحق في الدفاع . وهذا الحق للمدعي عليه يقابل حق المدعي في الالتجاء الي القضاء . وينشأ نتيجة لاستعماله .
ودفاع المدعي عليه في القضية ينقسم الي ثلاثة أقسام أو أنواع : دفاع موضوعي وهو موضوع طلبك , ودفوع تتعلق بالاجراءات , ودفوع بعدم القبول . وسوف نتناول الموضوع الاول بناء علي طلبك , ونمهد له بالحديث عن الدفاع الموضوعي والدفع الموضوعي , والواقع أنه لا خلاف بين الأثنين , الا أن الاول مصطلح يستخدمه فقهاء المرافعات في مصر عند الحديث عن الفوع الموضوعية , أما الثاني فهو مصطلح مقابل يستخدمه الفقه في فرنسا .
والدفع الموضوعي هو كل ما يعترض به المدعي عليه علي الحق المطلوب حمايته من المدعي . وقد يقوم المدعي عليه في سبيل الحصول علي حكم برفض الدعوي بما يلي :
أ - انكار الوقائع المنشئة التي تمسك بها المدعي كأساس لطلبه , أو انكار الآثار القانونية التي ينسبها المدعلي الي هذه الوقائع . كما لو أنكر المعدي عليه - في دعوي دائنيه - العقد مصدر الالتزام , أو أنكر أنه يلتزم وفقا لهذا العقد .
ب - التمسك بواقعة معاصرة لنشأة الواقعة التي يتمسك بها المدعي من شأنها منع هذه الواقعة الأخيرة من انتاج كل أو بعض آثارها القانونية . كما لو تمسك المدعي عليه بصورية العقد أو بابطاله للغلط .
ج - التمسك بواقعة منهية من شأنها انهاء آثار الواقعة المنشئة التي تمسك بها المدعي , كما لو تمسك المعي عليه بالوفاء , أو بأي سبب من اسباب انقضاء الالتزام .
والواقع أن مجرد انكار الوقائع المنشئة أو انكار آثارها لا يمكن أن يعتبر دفعا بالمعني الصحيح , ذلك أن القاضي لا يحكم بمقتضي هذه الوقائع المنشئة إلا بعد اثباتها من المدعي , كما أنه يجري عليها آثارها القانونية من تلقاء نفسه . فلا يعدو انكار المدعي عليه للواقعة أو انكار آثارها تنبيه القاضي الي واجبه بالنسبة لها . ولهذا فان اصطلاح الدفع الموضوعي يجب قصره علي ما يقوم به المدعي عليه من تأكيد لواقعة مانعة أو منهية ترمي الي رفض الدعوي . فبهذا التأكيد يدخل المدعي عليه في القضية وقائع غير تلك التي أكدتها الطلبات ,ويقع عليه عبء اثباتها .
ومن ناحية أخري فان لاصطلاح الدفع الموضوعي معني آخر ضيق , ذلك أن الوقائع المانعة أو المنهية التي يتمسك المدعي عليه بها تنقسم الي طائفتين :
1 - وقائع علي القاضي أخذها في اعتباره من تلقاء نفسه , مادامت قد قدمت اليه , ولو لم يتمسك بها المدعي عليه . ومثالها واقعة عدم مشروعية السبب أو واقعة الوفاء بالدين . وعندئذ يكون التمسك بالواقعة من جانب المدعي عليه هو مجرد تقديم واقعة للقاضي لم تقدم اليه أو مجرد لفت انتباهه الي واجبه في الخصومة . ولا تكون هناك حاجة - من الناحية القانونية - لفكرة الدفع .
2 - وقائع ليس لها أثر في حكم القاضي الا اذا تمسك بها المدعي عليه بقصد رفض الدعوي . فاذا تمسك بها حكم القاضي برفض الدعوي . فرفض الدعوي عندئذ يكون نتيجة لاستعمال حق محدد للمدعي عليه . وهذا هو الدفع الموضوعي بالمعني الضيق .
فالدفع يتميز بأنه يتعلق بواقعة ليس للقاضي اعمال آثارها من تلقاء نفسه . وهو بهذا يقابل حق الدعوي , اذ ليس للقاضي اعماله بغير طلب من المدعي . وعلي ذلك يمكن تعرف الدفع الموضوعي - بالمعني الضيق - بأنه سلطة المدعي عليه في تأكيد واقعة مانعة أو منهية للواقعة المنشئة التي أكدها المدعي , ليس من شأنها رفض الدعوي ما لم يتمسك بها المدعي عليه .
ولكن كيف نميز هذه الوقائع المانعة أو المنهية عن تلك التي علي القاضي اعمال أثرها من تلقاء نفسه ؟
أحيانا ينص التشريع عليها , كما هو الحال بالنسبة لواقعة المقاصة , اذ تنص المادة 365 مدني علي أن المقاصة لا تقع الا اذا تمسك بها من له مصلحة فيها , أو بالنسبة لواقعة التقادم ماده 387 مدني . فاذا سكت المشرع , فالرأي الراجح أن علي القاضي أن يتمسك من تلقاء نفسه بأية واقعة تمنع بذاتها نشأة الحق الموضوعي أو تؤدي الي انقضائه .
ولا شك أن عبء اثبات هذه الوقائع , سواء كانت مانعة كالصورية أو عدم مشروعية السبب أو منهية كواقعة الوفاء , يقع علي المدعي عليه . ولكن لأن هذه الوقائع تؤدي بذاتها الي منع نشأة الحق أو انقضائه بصرف النظر عن تمسك المدعي عليه بها , فانه اذا تبين من مستندات القضية - ولو المقدمة من المدعي - توافر احداها , فعلي القاضي اعمال أثرها من تلقاء نفسه . ويستطيع القاضي - عند عدم وجود نص تشريعي - أن يحدد الواقعة التي يجب التمسك بها بواسطة دفع من المدعي عليه بأنها تلك التي يمكن أن تكون محلا لدعوي مستقلة من جانبه . اذ كما أن للمدعي سلطة اثارتها بواسطة الدعوي , تكون للمدعي عليه وحده سلطة اثارتها بواسطة الدفع . ومثالها واقعة الغلط أو التدليس أو نقص الأهلية .
وللتفرقة بين الدفع الموضوعي بالمعني الضيق وغيره من وسائل الدفاع الموضوعي عدة نتائج أهمها :
1 - الدفع يقبل التنازل عنه , وبهذا لا تنتج الواقعة أثرها , أما وسائل الدفاع الأخري فان التنازل عنها لا يمنع القاضي من أن يأخذ في اعتباره ما تضمنته من وقائع . ولهذا يمكن الاتفاق علي التنازل عن دفع من الدفوع كالدفع بالتقادم , ولكن لا يجوز الاتفاق علي النزول عن التمسك بواقعة من الوقائع الأخري التي لا يعتبر التمسك بها دفعا بالمعني الضيق .
2 - الدفع بالمعني الضيق - باعتباره حقا - يقبل التقادم شأنه شأن الدعوي , أما الدفاع الذي لا يعتبر كذلك فانه لا يقبل التقادم , اذ هو يرمي الي بيان عدم وجود الحق الموضوعي . ولهذا فانه بالنسبة لوسائل الدفاع هذه فقط تسري قاعدة أن " الدفوع لا تتقادم " . فانكار الواقعة المنشئة أو التمسك بالوفاء أو بالصورية يمكن أن يبقي كوسيلة دفاع ما دام هناك طلب علي أساس وجود الحق , وعلي العكس اذا تمسك المدعي عليه بالدفع بابطال العقد للغلط , فان دفعه هذا - اذ هو دفع بالمعني الضيق - يتقادم , كدعوي الابطال تماما .
علي أن وسائل الدفاع الموضوع - سواء تعلق الامر بدفع موضوعي أم لا - تخضع لقواعد اجرائية تميزها وهي :
1 - أنها ليست واردة علي سبيل الحصر , ولم ينص القانون علي ترتيب بينها أو علي وجوب ابدائها معا . فيمكن للمدعي عليه التمسك بها معا أو تباعا وفقا لمصلحته في الدفاع . ولا يؤدي تأخير احداها الي سقوط الحق فيها . ( لاحظ أن الوضع مختلف بالنسبة للدفوع الشكلية ) .
2 - يمكن التمسك بها في أية حالة كانت عليها الخصومة ولو لأول مره أمام المحكمة الاستئنافية .
3 - اذا بحثت المحكمة دفاعا موضوعيا وفضت الدعوي أو قبلتها , ثم ألغي الحكم من المحكمة الاستئنافية . فليس علي هذه المحكمة إعادة القضية الي محكمة أول درجة لنظرها من جديد , بل تقوم هي بنظر الدعوي والحكم فيها .
وخلاصة القول في هذا الصدد , أن الدفع الموضوعي هو الذي يرد به المدعي عليه علي طلب المدعي فينكره أو يدعي زواله أو سقوطه أو انقضاءه , فهو وسيلة الدفاع التي يلجأ اليها المدعي عليه ليثبت ان ادعاء خصمه علي غير أساس . والدفع الموضوعي هو الوجه المقابل للطلب الموضوعي ومن ثم فهو يخضع لذات الشروط التي يخضع لها الطلب الموضوعي من حيث وجوب توافر المصلحة والصفة حسبما أشارت المادة الثالثة مرافعات . وعلي العكس الدفع الشكلي يفترض فيه توافر الصفة والمصلحة دائما لان المشرع حدد سلفا شكل الأجراءات لتحقيق مصالح معينه قدر أنها ستضار بمجرد الاخلال بالقواعد اتلي تنظم الاجراءات .
والدفوع الموضوعيه تخضع للقانون الموضوعي الذي يحكم الحق محل الدعوي , فيجوز ابداءها في اية حالة كانت عليها الدعوي ولو أمام محكمة الاستئناف لأول مره , ولا يترتب علي ابداء أي منها سقوط غيرها , وأنما يترتب علي قبولها انهاء النزاع , ومن ثم ينقل استئناف الحكم الصادر فيها الدعوي برمتها الي محكمة ثاني درجة التي يتعين عليها عند الغاء الحكم بقبول الدفع الموضوعي أن تتصدي لنظر موضوع الاستئناف ثم أن الحكم الصادر في الدفع الموضوعي تمنع حجيته من تجديد النزاع عند اتحاد السبب والموضوع والخصوم .
ويعتبر دفعا موضوعيا لا يخضع لحكم المادة 108 مرافعات (المتعلقة بالدفوع الشكلية وترتبيها) : الدفع بعدم قبول الدعوي لانعدام الصفة , اذ يقصد به الرد علي الدعوي برمتها وان كان هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام , فلا يجوز لغير من تقرر لمصلحته الاحتجاج به (10/11/1988 طعن رقم 2486 سنة 55 قضائية ) والدفع بعدم قبول الدعوي المرفوعة بالحق لعدم تنفيذ الحكم الصادر في دعوي الحيازة (13/3/1978 طعن 597 سنة 46 قضائية) والدفع بانقضاء الخصومة بين أطرافها الواجب اختصامهم قانونا أو بوفاة المدعي قبل رفع الدعوي (14/2/1979 طعن 1017 سنه 48 قضائية) والدفع بانفساخ العقد اعمالا للشرط الصريح الفاسخ (23/5/1982 طعن 1432 سنة 48 قضائية) والدفع باكتساب الملكية بالتقادم الخمسي (16/3/1983 طعن 108 سنة 50 قضائية)
أكتفي بهذا القدر , وارجو أن أكون جمعت وأوجزت وأرجو أن يكون الموضوع مفيدا , مع تمنياتي بالتوفيق , واذا اردت أي توضيح فانا موجود لكن بعد يوم 20/4/2008 لانشغالي , واعتذر عن اي خطأ املائي لطول الموضوع
حسني سالم